البابا تواضروس الثاني يدشن كاتدرائية "العذراء ومارمرقس" ب 6 أكتوبر ويلتقي مجمع الآباء الكهنة    اعرف لجنتك من تليفونك في دقيقتين قبل التوجه للانتخابات    الوزير: تطوير وسائل خدمات النقل وتقليل الاستيراد    بيطري القليوبية تطلق حملة لتحصين الماشية للوقاية من الأمراض    رئاسة السيدة انتصار السيسى الشرفية تُجَسِّد دعم الدولة للإنسان أولًا    سوريا.. وأمريكا كل المتغيرات واردة    أول تعليق من ييس توروب بعد التتويج بالسوبر المصري    خالد مرتجي: «توروب شغال 20 ساعة في اليوم.. وقلت لزيزو هتبقى رجل المباراة»    وزير الرياضة: مليار مشاهدة لنهائي السوبر تعكس مكانة الكرة المصرية    تحرير 310 محاضر خلال حملات مكثفة شملت الأسواق والمخابز بدمياط    «بالألوان»«صوت مصر».. رحلة فى ذاكرة أم كلثوم    ختام منتدى إعلام مصر بصورة تذكارية للمشاركين فى نسخته الثالثة    بينسحبوا في المواقف الصعبة.. رجال 3 أبراج شخصيتهم ضعيفة    البيت الأبيض يحذر من تقلص الناتج المحلي الأمريكي بسبب الإغلاق الحكومي    قرار صادم من يايسله تجاه نجم الأهلي السعودي    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    محمود مسلم ل كلمة أخيرة: منافسة قوية على المقاعد الفردية بانتخابات النواب 2025    أب يكتشف وفاة طفليه أثناء إيقاظهما من النوم في الصف    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    أوقاف شمال سيناء تناقش "خطر أكل الحرام.. الرشوة نموذجًا"    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    «ما تجاملش حد على حساب مصر».. تصريحات ياسر جلال عن «إنزال صاعقة جزائريين في ميدان التحرير» تثير جدلًا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد فضل شبلول : تجربتي في كتابة الشعر للأطفال
نشر في صوت البلد يوم 15 - 01 - 2017

بدأتُ الكتابة الحقيقية في أوائل السبعينيات، وكان ما قبلها كتابات لشاب مراهق يقلد ما يسمعه من أغان وما يقرأه من قصص وما يسمعه من حكايات. إلى أن ذهبت لقصر ثقافة الحرية، وبدأت التعرف على شعراء الإسكندرية وكتاب القصة والرواية والمسرح بها، فأحسست أن ما كنت أكتبه دون المستوى، فبدأت أكثف من قراءاتي وأستفيد من الملاحظات التي توجه لكتاباتي، من خلال الأساتذة والأصدقاء الذين التقيت بهم في قصر ثقافة الحرية.
ولم يكن واردا في ذهني وقت أن بدأت كتابة الشعر، أن اكتب شعرا للأطفال، ولم يكن شعر الأطفال في الوقت نفسه منتشرا بالمجلات التي كنا نطالعها ونحن صغار مثل: سندباد، وميكي، وسمير، وتان تان وغيرها، مثلما هو الحال الآن في مجلات مثل: قطر الندي، والعربي الصغير، وماجد، وعلاء الدين، وبلبل، وبراعم الإيمان، وغيرها.
بل يوجد الآن سلاسل للأطفال تعنى بنشر الشعر الفصيح والعامي لهم، مثل سلسلة "كتاب قطر الندى" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وصدر لي في هذه السلسة ثلاثة دواوين للأطفال: حديث الشمس والقمر، وطائرة ومدينة، وآلاء والبحر، ثم كتاب "عائلة الأحجار". كما صدر لي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ديوان "دوائر الحياة".
بدأ اهتمامي بالكتابة للأطفال عندما رزقني الله بمحمد وآلاء، ووجدت أنه من واجبي كأب يكتب الشعر ليعبر عن نفسه ونظرته للحياة، أن أكتب لهما شعرا أيضا. وعندما نجحت التجربة في قاموسها أو لغتها وإيقاعاتها وموضوعاتها المختارة بعناية، بدأت في تعميمها لتكون للأطفال جميعا، لذا أهديت مجموعتي الشعرية الأولى "أشجار الشارع أخواتي" التي صدرت عام 1994، وأعيد طبعتها عام 2005 "إلى محمد وآلاء وأصدقائهما نبت الحاضر وضياء المستقبل".
كتابة الشعر للأطفال بالنسبة لي، سبقت كتابة الدراسات الشعرية والأدبية عن هذا الشعر حيث أصدرت بعد ذلك "جماليات النص الشعري للأطفال"، و"معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين"، و"تكنولوجيا أدب الأطفال"، و"أدب الأطفال في الوطن العربي: قضايا وآراء"، ولاشك أن روح البحث هي التي دفعتني لكتابة الدراسات، وعمل المعجم، وروح الفن والشعر هي التي دفعتني ولا تزال لكتابة الشعر لهم.
ولاشك أن اللغة والصورة الشعرية والأوزان أو موسيقى الشعر تختلف اختلافا بيَّنا في شعر الأطفال عنها في شعر الكبار أو الشعر العادي، فالشعر الموجه أو المكتوب للأطفال تتصف موسيقاه بنبرة أعلى تجذب انتباه الطفل ومسامعه وتحرضه على الحركة والاستمتاع.
وفي الأوزان التقليدية (الخليلية) يكثر استخدام مجزوءات البحور ومشطوراتها (وبالذات مجزوء الرجز والهزج) والمتدارك أو الخبب والمتقارب والبحور القصيرة بعامة، وأيضا البحور الصافية، ولم أجد مثلا استخداما لبحر الطويل أو المنسرح، أو البسيط أو الخفيف، على سبيل المثال، إلا نادرا. حتى في مجال الشعر التفعيلي المكتوب للأطفال نجد تفعيلات الرجز والهزج والمتقارب والخبب هي التفعيلات المسيطرة.
أما في مجال الشعر العادي، فقضية الموسيقى على هذا النحو لا تشغل البال كثيرا، بل وجدنا ما يسمى بقصيدة النثر، والتحرر من الأوزان الخليلية تماما، ومحاولة الاتكاء على النبر أو الإيقاع الداخلي، وهو مالا يتناسب مع شعر الأطفال بوجه عام.
إن التعامل النقدي مع شعر الأطفال يختلف جوهريا عن التعامل النقدي مع شعر الكبار. في شعر الأطفال قد نبحث عن الهدف واللغة والصورة الشعرية التي تناسب السن المكتوبة له الشعر، وكما يدلنا علماء نفس الطفل أن لغة الطفل في المرحلة العمرية من 3 6 سنوات تختلف عن لغته في المرحلة 6 9 سنوات، تختلف عن لغته 9 12 فما أعلى، وهكذا هم يقسمون مراحل الطفولة إلى أربع أو خمس مراحل وحتى سن 18 سنة، وأحيانا 21 سنة، وهي مراحل يجب أن ينتبه إليها كاتب الأطفال سواء من يكتب لهم الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرحية، أو يقدم لهم المعلومة بعامة في إطار فني أو أدبي. وهذا التقسيم لن نجد مثيلا له في التعامل النقدي مع شعر الكبار بطبيعة الحال.
أيضا قضية الصور الشعرية ما بين البسيطة والمركبة، مسألة أخرى في التعامل النقدي، فقد نتعامل مع الصورة المركبة في شعر الكبار ونقوم بتحليلها أو تفكيكها وإرجاعها إلى عناصرها الأولى، وهو أمر يندر التعامل به في شعر الأطفال، لأن الصورة الشعرية المركبة ذات الدلالات الإيحائية المعقدة أمر لا وجود له في شعر الأطفال. فالرؤية والتركيب الشعري يجب أن يظل في متناول الطفل بحيث لا يلجأ إلى الكبار لمحاولة فك شفرات أو ألغاز النص ورموزه أو إيحاءاته. أيضا التعامل مع الأسطورة والتراث سواء المحلي أو العالمي يجب أن يظل عند حدود معينة غير مستغلقة بالنسبة للطفل، وهو قد لا يحسب حسابه بهذه الدقة في شعر الكبار أو أدبهم بعامة.
وطقوس الكتابة للصغار عندي تختلف عن طقوس كتابة الشعر العادي، فانا لا أكتب للأطفال وأنا في حالة وجع أو تشاؤم أو حزن أو شجن حتى لا ينطبع هذا على ما أقدمه للأطفال، فما ذنبهم؟ نحن نريد أن يستقبل الأطفال العالم أكثر إشراقا وأكثر بهجة ومرحا حتى وإن كان الواقع أكثر يأسا وإحباطا ووجعا، وكاتب الأطفال في هذا الأمر لا يكذب ولا يتجمل ولا يزيف الواقع، ولكنه يريد للوردة أن تتفتح وتصبح أكثر إشراقا وجمالا، ويريد مستقبلا أفضل للبشرية وللعالم. والطفل هو الوردة التي تتفتح وهو المستقبل الأفضل للبشرية بطبيعة الحال. ماذا تصنع الوردة إذا أنا قدمت لها الإحباط واليأس أو زرعت حولها الدمار والفشل وسقيتها من الدماء بدلا من الماء، إنها سرعان ما تذوي وتذبل وتموت، فليس لديها عوامل المقاومة بعد، وعلى ذلك نحكم على كل الورود والأزهار بالموت السريع، قبل أن تتشبث بأي أمل في الحياة، وهكذا الطفل.
ظلت النظرة للكتابة للأطفال حتى وقت متأخر نسبيا نظرة ضيقة الأفق، وكان كتَّاب الأطفال يصنفون على أنهم كتاب من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولا ينظر إلى ما يكتبونه على أنه أدب جيد أو نافع أو مفيد للمجتمع والبشرية. وكان كامل كيلاني (1897 1959) على سبيل المثال وهو من رواد أدب الأطفال في العالم العربي يخشى أن يصارح صديقه نجيب محفوظ بأنه يكتب للأطفال خشية السخرية منه. وهكذا كان معظم كتاب الأطفال. فضلا عن عدم وجود الحافز القوي للكتابة وهو النشر، فلم تكن هناك الكثير من المجلات أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية مثلما موجود الآن. لذا ظل عدد الذين يكتبون للأطفال قليلا وخاصة في مجال الشعر، وربما الحال أفضل بعض الشيء في مجال القصة القصيرة على وجه الخصوص.
ولكن مع تزايد عدد المجلات المصرية والعربية والسلاسل المطبوعة مثل "كتاب قطر الندى"، و"المكتبة الخضراء"، و"كتاب العربي الصغير" وغيرها وتزايد عدد البرامج والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية واهتمامها بالطفل وعالمه، وتزايد عدد الجوائز الممنوحة لكتَّاب الأطفال، ومنها جوائز الدولة في مصر (التي شرفت بالحصول عليها 2007)، وجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع أدب الأطفال، وجائزة كتارا لليافعين بدولة قطر، وغيرها في الوطن العربي، واهتمام المكتبات العامة والجمعيات بالأطفال والأدب المكتوب لهم، بدأت النظرة تتغير إلى كتَّاب الأطفال، ودورهم في خدمة المجتمع والناشئين.
وأختم شهادتي بأحدث قصيدة كتبتها للأطفال بعنوان "أحب الحياة"، وقد نشرت في مجلة "قطر الندى" عدد أول يناير/كانون الثاني 2017 برسوم للفنان والشاعر مجدي نجيب:
أحبُّ الحياةَ
وكلَّ البَشَرْ
وقلبي كبيرٌ
كقلبِ القَمَرْ
أحبُّ السَّفَر
وأهوى المطر
وهمسَ الشجر
وأمشي كثيرا
بدربِ الصباح
***
إذا طلَّ فجرٌ
وجاءت شموسٌ
تقودُ النهار
يعودُ البراحْ
ويعلو انشراحْ
على وجهِنا
ويسعى ارتياحْ
إلى قلبِنا
فقلبي كبيرْ
وعقلي منيرْ
ودنيا العبيرْ
تطوفُ بِنا
أحبُّ الحياةَ
بدأتُ الكتابة الحقيقية في أوائل السبعينيات، وكان ما قبلها كتابات لشاب مراهق يقلد ما يسمعه من أغان وما يقرأه من قصص وما يسمعه من حكايات. إلى أن ذهبت لقصر ثقافة الحرية، وبدأت التعرف على شعراء الإسكندرية وكتاب القصة والرواية والمسرح بها، فأحسست أن ما كنت أكتبه دون المستوى، فبدأت أكثف من قراءاتي وأستفيد من الملاحظات التي توجه لكتاباتي، من خلال الأساتذة والأصدقاء الذين التقيت بهم في قصر ثقافة الحرية.
ولم يكن واردا في ذهني وقت أن بدأت كتابة الشعر، أن اكتب شعرا للأطفال، ولم يكن شعر الأطفال في الوقت نفسه منتشرا بالمجلات التي كنا نطالعها ونحن صغار مثل: سندباد، وميكي، وسمير، وتان تان وغيرها، مثلما هو الحال الآن في مجلات مثل: قطر الندي، والعربي الصغير، وماجد، وعلاء الدين، وبلبل، وبراعم الإيمان، وغيرها.
بل يوجد الآن سلاسل للأطفال تعنى بنشر الشعر الفصيح والعامي لهم، مثل سلسلة "كتاب قطر الندى" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وصدر لي في هذه السلسة ثلاثة دواوين للأطفال: حديث الشمس والقمر، وطائرة ومدينة، وآلاء والبحر، ثم كتاب "عائلة الأحجار". كما صدر لي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ديوان "دوائر الحياة".
بدأ اهتمامي بالكتابة للأطفال عندما رزقني الله بمحمد وآلاء، ووجدت أنه من واجبي كأب يكتب الشعر ليعبر عن نفسه ونظرته للحياة، أن أكتب لهما شعرا أيضا. وعندما نجحت التجربة في قاموسها أو لغتها وإيقاعاتها وموضوعاتها المختارة بعناية، بدأت في تعميمها لتكون للأطفال جميعا، لذا أهديت مجموعتي الشعرية الأولى "أشجار الشارع أخواتي" التي صدرت عام 1994، وأعيد طبعتها عام 2005 "إلى محمد وآلاء وأصدقائهما نبت الحاضر وضياء المستقبل".
كتابة الشعر للأطفال بالنسبة لي، سبقت كتابة الدراسات الشعرية والأدبية عن هذا الشعر حيث أصدرت بعد ذلك "جماليات النص الشعري للأطفال"، و"معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين"، و"تكنولوجيا أدب الأطفال"، و"أدب الأطفال في الوطن العربي: قضايا وآراء"، ولاشك أن روح البحث هي التي دفعتني لكتابة الدراسات، وعمل المعجم، وروح الفن والشعر هي التي دفعتني ولا تزال لكتابة الشعر لهم.
ولاشك أن اللغة والصورة الشعرية والأوزان أو موسيقى الشعر تختلف اختلافا بيَّنا في شعر الأطفال عنها في شعر الكبار أو الشعر العادي، فالشعر الموجه أو المكتوب للأطفال تتصف موسيقاه بنبرة أعلى تجذب انتباه الطفل ومسامعه وتحرضه على الحركة والاستمتاع.
وفي الأوزان التقليدية (الخليلية) يكثر استخدام مجزوءات البحور ومشطوراتها (وبالذات مجزوء الرجز والهزج) والمتدارك أو الخبب والمتقارب والبحور القصيرة بعامة، وأيضا البحور الصافية، ولم أجد مثلا استخداما لبحر الطويل أو المنسرح، أو البسيط أو الخفيف، على سبيل المثال، إلا نادرا. حتى في مجال الشعر التفعيلي المكتوب للأطفال نجد تفعيلات الرجز والهزج والمتقارب والخبب هي التفعيلات المسيطرة.
أما في مجال الشعر العادي، فقضية الموسيقى على هذا النحو لا تشغل البال كثيرا، بل وجدنا ما يسمى بقصيدة النثر، والتحرر من الأوزان الخليلية تماما، ومحاولة الاتكاء على النبر أو الإيقاع الداخلي، وهو مالا يتناسب مع شعر الأطفال بوجه عام.
إن التعامل النقدي مع شعر الأطفال يختلف جوهريا عن التعامل النقدي مع شعر الكبار. في شعر الأطفال قد نبحث عن الهدف واللغة والصورة الشعرية التي تناسب السن المكتوبة له الشعر، وكما يدلنا علماء نفس الطفل أن لغة الطفل في المرحلة العمرية من 3 6 سنوات تختلف عن لغته في المرحلة 6 9 سنوات، تختلف عن لغته 9 12 فما أعلى، وهكذا هم يقسمون مراحل الطفولة إلى أربع أو خمس مراحل وحتى سن 18 سنة، وأحيانا 21 سنة، وهي مراحل يجب أن ينتبه إليها كاتب الأطفال سواء من يكتب لهم الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرحية، أو يقدم لهم المعلومة بعامة في إطار فني أو أدبي. وهذا التقسيم لن نجد مثيلا له في التعامل النقدي مع شعر الكبار بطبيعة الحال.
أيضا قضية الصور الشعرية ما بين البسيطة والمركبة، مسألة أخرى في التعامل النقدي، فقد نتعامل مع الصورة المركبة في شعر الكبار ونقوم بتحليلها أو تفكيكها وإرجاعها إلى عناصرها الأولى، وهو أمر يندر التعامل به في شعر الأطفال، لأن الصورة الشعرية المركبة ذات الدلالات الإيحائية المعقدة أمر لا وجود له في شعر الأطفال. فالرؤية والتركيب الشعري يجب أن يظل في متناول الطفل بحيث لا يلجأ إلى الكبار لمحاولة فك شفرات أو ألغاز النص ورموزه أو إيحاءاته. أيضا التعامل مع الأسطورة والتراث سواء المحلي أو العالمي يجب أن يظل عند حدود معينة غير مستغلقة بالنسبة للطفل، وهو قد لا يحسب حسابه بهذه الدقة في شعر الكبار أو أدبهم بعامة.
وطقوس الكتابة للصغار عندي تختلف عن طقوس كتابة الشعر العادي، فانا لا أكتب للأطفال وأنا في حالة وجع أو تشاؤم أو حزن أو شجن حتى لا ينطبع هذا على ما أقدمه للأطفال، فما ذنبهم؟ نحن نريد أن يستقبل الأطفال العالم أكثر إشراقا وأكثر بهجة ومرحا حتى وإن كان الواقع أكثر يأسا وإحباطا ووجعا، وكاتب الأطفال في هذا الأمر لا يكذب ولا يتجمل ولا يزيف الواقع، ولكنه يريد للوردة أن تتفتح وتصبح أكثر إشراقا وجمالا، ويريد مستقبلا أفضل للبشرية وللعالم. والطفل هو الوردة التي تتفتح وهو المستقبل الأفضل للبشرية بطبيعة الحال. ماذا تصنع الوردة إذا أنا قدمت لها الإحباط واليأس أو زرعت حولها الدمار والفشل وسقيتها من الدماء بدلا من الماء، إنها سرعان ما تذوي وتذبل وتموت، فليس لديها عوامل المقاومة بعد، وعلى ذلك نحكم على كل الورود والأزهار بالموت السريع، قبل أن تتشبث بأي أمل في الحياة، وهكذا الطفل.
ظلت النظرة للكتابة للأطفال حتى وقت متأخر نسبيا نظرة ضيقة الأفق، وكان كتَّاب الأطفال يصنفون على أنهم كتاب من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولا ينظر إلى ما يكتبونه على أنه أدب جيد أو نافع أو مفيد للمجتمع والبشرية. وكان كامل كيلاني (1897 1959) على سبيل المثال وهو من رواد أدب الأطفال في العالم العربي يخشى أن يصارح صديقه نجيب محفوظ بأنه يكتب للأطفال خشية السخرية منه. وهكذا كان معظم كتاب الأطفال. فضلا عن عدم وجود الحافز القوي للكتابة وهو النشر، فلم تكن هناك الكثير من المجلات أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية مثلما موجود الآن. لذا ظل عدد الذين يكتبون للأطفال قليلا وخاصة في مجال الشعر، وربما الحال أفضل بعض الشيء في مجال القصة القصيرة على وجه الخصوص.
ولكن مع تزايد عدد المجلات المصرية والعربية والسلاسل المطبوعة مثل "كتاب قطر الندى"، و"المكتبة الخضراء"، و"كتاب العربي الصغير" وغيرها وتزايد عدد البرامج والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية واهتمامها بالطفل وعالمه، وتزايد عدد الجوائز الممنوحة لكتَّاب الأطفال، ومنها جوائز الدولة في مصر (التي شرفت بالحصول عليها 2007)، وجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع أدب الأطفال، وجائزة كتارا لليافعين بدولة قطر، وغيرها في الوطن العربي، واهتمام المكتبات العامة والجمعيات بالأطفال والأدب المكتوب لهم، بدأت النظرة تتغير إلى كتَّاب الأطفال، ودورهم في خدمة المجتمع والناشئين.
وأختم شهادتي بأحدث قصيدة كتبتها للأطفال بعنوان "أحب الحياة"، وقد نشرت في مجلة "قطر الندى" عدد أول يناير/كانون الثاني 2017 برسوم للفنان والشاعر مجدي نجيب:
أحبُّ الحياةَ
وكلَّ البَشَرْ
وقلبي كبيرٌ
كقلبِ القَمَرْ
أحبُّ السَّفَر
وأهوى المطر
وهمسَ الشجر
وأمشي كثيرا
بدربِ الصباح
***
إذا طلَّ فجرٌ
وجاءت شموسٌ
تقودُ النهار
يعودُ البراحْ
ويعلو انشراحْ
على وجهِنا
ويسعى ارتياحْ
إلى قلبِنا
فقلبي كبيرْ
وعقلي منيرْ
ودنيا العبيرْ
تطوفُ بِنا
أحبُّ الحياةَ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.