الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
وزير التعليم يبحث مع جوجل العالمية ويونيسف تعزيز دمج التكنولوجيا في المنظومة
وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية
حملة مكبرة لرفع الإشغالات بشارع 135 بحي غرب شبرا الخيمة - صور
في استجابه من محافظ القليوبية.. حملة مكبرة لرفع الإشغالات بشارع 135 بشبرا
استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد الجمعة والسبت كل أسبوع بالمنصورة
تراجع جديد في أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو بالتعاملات المسائية
ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 30 واستمرار القصف الإسرائيلي المكثف
سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف
الرمادي يوجه رسائل خاصة قبل مباراة الزمالك وفاركو ..ويكشف عن موقف المصابين
كونتي يوضح مستقبله مع نابولي
رفضت العودة لزوجها.. ضبط ربة منزل تخلصت من ابنتها في قنا
ضمن ألبومه الجديد.. عمرو دياب يعود للتلحين من جديد
4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"
إعلان أسماء الفائزين بمسابقة «توفيق الحكيم للتأليف المسرحي» بالقومي للمسرح
المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية
عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض
«من حقك تختار».. ملتقى تثقيفي عن التأمين الصحي الشامل بالأقصر
صحة المنيا: قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة
أمجد الشوا: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الغزيين
ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة
ترامب: أنقذت الصين لكنها انتهكت اتفاقيتها معنا بشكل كامل
ماكرون: إذا تخلينا عن غزة وتركنا إسرائيل تفعل ما تشاء سنفقد مصداقيتنا
مواجهات حاسمة في جولة الختام بدوري المحترفين
شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب
سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»
الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف
مستشار رئيس الاتحاد الروسي: منتدى بطرسبرج الاقتصادي مساحة لطرح الحلول لمواجهة المتغيرات العالمية
فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام
الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية
مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة
«أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء
الصحة: تقديم الخدمات الصحية الوقائية ل 50 ألفًا و598 حاجا من المسافرين عبر المطارات والموانئ المصرية
أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم
الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي
4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات
حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب
108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة
دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن
تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق
بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية
كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول
الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل
طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب
ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل
أسعار النفط تتجه لثاني خسارة أسبوعية قبيل قرار أوبك+
وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري
طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء
شاهد عيان يكشف تفاصيل مصرع فتاة في كرداسة
رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط
حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر
وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات
مصر على مر العصور.. مصر القديمة 1
موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة
«مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر
"فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو
فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو
تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الشعر الجميل ولغتة الجميلة
أحمد عبد المعطى حجازى
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 11 - 11 - 2016
هذه المقالة الحزينة التي أكتبها عن فاروق شوشة مقالة صعبة تتزاحم فيها العوطف، وتستيقظ الذكريات، وتتدافع الأسماء والحوادث والأيام والأعمال. وأنا في هذا الخضم أحاول الامساك بأطراف حياة طويلة عريضة حافلة كانت في بعض جوانبها حياة مشتركة،
ففي الحديث عنها تتقاطع الطرق ويتداخل العام والخاص، ويصعب الالتزام بما يجب الالتزام به من حدود وقواعد يسيطر بها الكاتب علي موضوعه، ويخاطب قراءه علي اختلاف ميولهم ومعارفهم، ويوازن بين ما يستجيب به لنفسه وما يجيب به علي أسئلة قرائه ليكون الحديث حوارا بين طرفين، وليس درسا أو إملاء من طرف علي الطرف الآخر.
لقد جمعت بيني وبين فاروق شوشة روابط كثيرة لم تزدها الأيام إلا قوة وحميمية. روابط صنعتها الظروف والأقدار والمصادفات، وأخري نحن صنعناها بأيدينا.
قيل انتسبوا
قلنا ننتسب إلي الماء
الشمس
الريح
البركان
هل ينتسب الحطب لغير النار؟
وهل تنتسب الأرض لغير لصوص الأرض؟
وتنتسب الجرذان لغير خزائن بيت المال؟
وتنتسب الحملان لغير الذؤبان؟
وينتسب الأفاكون لغير السلطان؟!
نحن من جيل واحد وبيئة ريفية واحدة. وقد ظهرنا للحياة في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي لايفصل بيننا إلا سبعة أشهر سبقته بها في تلك السنوات الخطيرة التي نشأنا فيها وعرفنا وطننا من خلالها وعرفنا العالم وعرفنا الشعر وعرفنا أنفسنا. الثلاثينيات والأربعينيات هي السنوات التي اشتعلت فيها الحرب الثانية التي فرضت نفسها علي العالم وعلي بلادنا وإن لم نشارك فيها علي نحو مباشر، الطائرات الحربية كانت تخترق سماواتنا الصافية ونحن أطفال صغار، والمهاجرون من أهل الاسكندرية الذين رحلوا عن مدينتهم ومنازلهم تحت غارات الطائرات الألمانية والايطالية ألقوا رحالهم في قرانا. والحركة الوطنية اشتد ساعدها وارتبط الدفاع عن الاستقلال بالدفاع عن الدستور وعن الحريات الديمقراطية، والمثقفون المصريون الذين نجحوا في خلق ثقافة مصرية حية أصبح لهم في الحياة الاجتماعية والسياسية، صوت مسموع. والاشتراكية تمصرت وأصبح اليسار تيارا فكريا وسياسيا نشيطا له تنظيماته وله منابره. والشعر بأجياله المتوالية ومدارسه المختلفة وبصوت عبدالوهاب وأم كلثوم أصبح فنا شعبيا. وفي هذا المناخ وعلي صوره وأحداثه وأنبائه فتحنا عيوننا وأرهفنا أسماعنا وتلقينا ما لم نكن ندرك أننا تلقيناه.
وقد تعرفت علي فاروق شوشة في وسط الخمسينيات. كانت أجهزة الأمن قد منعتني من الاشتغال بالتدريس بعد أن أكملت دراستي في مدرسة المعلمين فرحلت إلي القاهرة حاملا قصائدي الأوي التي نشر بعضها أبحث عن عمل في الصحافة المصرية مستعينا ببعض النقاد والصحفيين الذين تحمسوا لأشعاري، وكان فاروق شوشة لايزال طالبا في كلية دار العلوم. وفي أمسية عقدت في الكلية، احتفالا بصدور الديوان الأول للشاعر محمد الفيتوري الذي كان هو الآخر من طلاب دار العلوم في هذه الأمسية التي حضرها جمهور كبير ضم عددا من الكتاب والشعراء الشباب تعرفت علي فاروق شوشة الذي جمعني به الشعر، والهموم الفكرية والسياسية التي شدتنا اليها في الخمسينيات، والأصدقاء المشتركون من أبناء جيلنا المصريين والشوام والعراقيين والمغاربة الذين احتضنتهم قاهرة الخمسينيات، وجمع بيننا بعد تلك المرحلة التي انتهت بخيرها وشرها نشاطنا المشترك في المجلس الأعلي للثقافة، وفي الصحافة الأدبية، وفي بيت الشعر، في هذا الخضم الذي مازال واقفا علي شطآنه، كيف أتحدث عن فاروق شوشة؟
أصحو من نومي
الدنيا غير الدنيا
وأنا نفسي ماعدت الطفل الضال
الطفل المسكون بفيروس القرية
ينشب فيه مخالبه
عشقا للطين المتشقق
حين يحل جفاف الأرض
وحلما بخيال
يرسم صورا لزمان فات
.. أقول في هذا الخضم من الأيام والأسماء والتجارب والذكريات القريبة والبعيدة، كيف لي أن أمسك بأطراف هذه الحياة وأحيط بأعباءها؟
ليس لي ما يعزيني أو يهون عليّ إلا أني أكتب عن فاروق شوشة الذي ملأ حياتنا الثقافية وشغلها خمسين عاما متواصلة لم يتوان خلالها عن العمل ولم يتوقف يوما عن العطاء. ونظرة سريعة في سيرة حياته تطلعنا علي غناها وامتلائها بالأعمال والمسئوليات والمؤلفات التي قدمها في الشعر والنثر وتميزت بالوفرة من ناحية والتنوع من ناحية أخري.
لقد أصدر ديوانه الأول »إلي مسافرة« عام 6691 وهو في الثلاثين من عمره. وبين هذا التاريخ ويومنا هذا خمسون عاما أصدر خلالها واحدا وعشرين ديوانا، بالاضافة إلي ستة دواوين نظمها للأطفال. وفي المطبعة الآن ديوان جديد سلمه للناشر في اليوم السابق علي رحيله. فإذا نظرنا بعد ذلك لم أصدره في النقد والدراسة والتحقيق وجدنا مايزيد علي عشرين إصدارا تكمل أعماله في الشعر وتبلغ معها نحو ستين عملا تفصح بوفرتها وقيمتها عن الجهد الذي بذله صاحبها فيها. كأنه قرر منذ بدء نشاطه الأدبي ألا يترك عاما واحدا يمر من عمره دون أن يصدر له عمل جديد، إضافة إلي نشاطه في الاذاعة والتليفزيون الذي استطاع فيهما أن يكسب للشعر والثقافة الرفيعة جمهورا واسعا لم تستطع كسبه لحد الآن مؤسسات ضخمة يعمل فيها آلاف الموظفين، وتنفق عليها الدولة بالملايين.
في عام 7691 بدأ فاروق شوشة يقدم برنامجه اليومي المشهور »لغتنا الجميلة«. وخلال سبعة وأربعين عاما قدم من هذا البرنامج سبعة عشر ألف حلقة عرف فيها جمهوره بالأدب العربي والشعر خاصة في روائعه القديمة والجديدة. وكذلك فعل في برنامجه التليفزيوني الاسبوعي »أمسية ثقافية« الذي بدأه عام 7791 وواصل تقديمه ثلاثين عاما كان حصادها أكثر من ألف وخمسمائة حلقة نجح خلالها في أن يجعل الانتاج الأدبي والحوار الجاد مع الكتاب والشعراء والمفكرين مادة ممتعة جذابة تشد لها المشاهدين علي اختلاف مستوياتهم.
لكن هذه الشهرة العريضة ربما وقفت حائلا بيننا وبين الوصول إلي فاروق شوشة الشاعر. إنها تفتح لنا باب الحديث عنه مع الكثيرين الذين نعرف أنهم أحبوه وتابعوه في برامجه الاذاعية دون أن تتاح لمعظمهم الفرصة لقراءة شعره وهو لغته الحقيقية التي أودعها سره وخصها بأجمل ما لديه وأبقاه.
نعم. شعر فاروق شوشة هو طريقنا إلي فاروق شوشة الذي لم نعرفه كما يجب حتي الآن. وربما كانت شهرته سببا من الأسباب. فالشهرة تحاصر صاحبها وتباعد بينه وبين المعجبين المنبهرين به الذين يقفون منه علي مسافة لا يستطيعون أن يتخطوها، ولايملكون عندئذ ليعوضوا مالا يعرفونه عن نجمهم المشهور إلا أن يتخيلوه ويوهموا أنفسهم بأنهم يعرفونه، وهم في الحقيقة لم يعرفوه لأنهم لم يتصلوا به ولم يسمعوا دقات قلبه وإنما سمعوا بها أو سمعوا عنها. لقد حجب فاروق شوشة الاعلامي فاروق شوشة الشاعر. والاعلام يصنع الشئ ويصنع نقيضه.
يحجب الوجه الحقيقي. ويقدم الوجه المزيف! والشهرة الاعلامية التي حصل عليها فاروق شوشة لم تحجبه كشاعر عن القراء وحدهم، بل حجبته أيضا عن النقاد الذين لم يتابعوه كما يجب، ولم يقدروه حق قدره. أعرف بالطبع انه كان موضوعا لعدد من المقالات والدراسات القيمة، لكن هذه المقالات والدراسات التي ظهرت عنه حتي الآن لاتزال قليلة، ولاتزال في معظمها قراءات جزئية لمفردات من أعماله التي تحتاج لقراءة شاملة، ترسم لنا صورة لفاروق شوشة الشاعر وتعرفنا بما قدمه وأضافه للشعر المصري والعربي وتضعه في مكانه من هذا التراث. وأنا أنتهز فرصة الحديث عن فاروق شوشة لأطرح هذه القضية في عمومها. لأن المكان الذي يحتله النقد في حركتنا الشعرية والدور الذي يؤديه فيها لايزال محدودا وهامشيا مع حاجتنا الملحة لنقد نشيط مسموع الكلمة يصل الشاعر بالقارئ ولاينظر لدواوينه كأنها مفردات مستقلة لايجمع بينها جامع، بل يقدمها لنا في وحدتها وتكاملها، وفي حوارها مع أصول الفن وحاجات الواقع.
لا أريد أن أقول إن ناقد الشعر لابد أن يتجه إلي أعمال الشاعر كلها مرة واحدة، أو أن ما يكتبه النقاد عن الدواوين والمجموعات المفردة لاقيمة له. لا أقول هذا طبعا، ولا أقلل من أهمية المقالات التي يتابع بها النقاد أعمال الشعراء ويقيمونها عملا بعد عمل. ففي وسع الناقد دائما أن يقف عند مجموعة بالذات يراها جديرة باهتمامه قبل غيرها. بل في وسعه أن يقف عند قصيدة واحدة يدرسها دراسة مفصلة مطولة كما فعل النقاد العرب القدماء والمحدثون مع المعلقات وغيرها من مفردات الشعر العربي في عصوره المختلفة، وكما فعل النقاد الأوروبيون مع بعض قصائد بودلير، ومالارميه، ووردزورث، وكيتس، وغيرهم.
قصيدة الشاعر الفرنسي بول فاليري »المقبرة البحرية« كانت موضوعا مثيرا لدراسات نقدية وأكاديمية وصلتنا أصداؤها في أربعينيات القرن الماضي وقرأنا ما كتبه عنها طه حسين في مجلة »الرسالة«. وقصيدة الشاعر الانجليزي ت. س. إيليوت »الأرض الخراب« تسابق المترجمون والنقاد في أنحاء العالم وعندنا في ترجمتها والحديث عنها حتي أصبحت ثقافة عامة ونموذجا ومصدر إلهام.
لكننا ننتظر من النقد أن يقدم لنا في نهاية المطاف أعمالا متكاملة عن شعر الشاعر سواء بنظرة وصفية تعرفنا به من خارجه فترسم مراحله وتحيط بموضوعاته، أو برؤية من داخل هذا الشعر تكشف أعماقه ومحاوره الأساسية وخصائص لغته التي تميزه عن غيره من الشعراء.
هذا الجانب ناقص في حركتنا الشعرية يحس بنقصه القراء والشعراء الذين نقرأ لبعضهم الكثير ولا نقرأ عنهم إلا القليل. بل نحن نبحث الآن عن أسماء بعض شعرائنا الذين أسهموا بنشاط في حركتنا الشعرية فلا نجد لها أثرا. كامل الشناوي، وعزيز أباظة، وعلي الجارم، وصالح جودت، وكمال عبدالحليم، وعبدالرحمن الشرقاوي، وفوزي العنتيل، وكمال نشأت، وعبدالمنعم عواد يوسف، وغيرهم. وغيرهم ونحن نقرأ ما كتب حتي الآن عن فاروق شوشة وعن شعره الذي ملأ ثمانية وعشرين ديوانا فنتذكر عبارة النفري في الموقف الثامن والعشرين من مواقفه التي يقول فيها «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».
وقد صدق هذا الدرويش الحكيم وأصاب. لأن ما قدمه فاروق شوشة وخاصة في الشعر أوسع بكثير من أن تحيط به المقالات والدراسات التي كتبت عنه حتي الآن أو نصفه أو تكشف عما يطرحه من أسئلة ويقدمه من إجابات واجتهادات. وهي قضية توقف عندها فاروق شوشة في بعض ما كتبه عن الشعر ونقده فقال «إن مشكلة الناقد تبرز في اغترابه الثقافي والمعرفي بعد أن امتلأ بمعطيات فكر فلسفي ونقدي وصلته ثماره دون أن يتأمل مكوناته وأنساق تعبيره عن إبداعاته في بيئاته. وهو في الأغلب الأعم أي الناقد يكتب لغيره من النقاد ليطلعهم علي سبقه في المعرفة والاكتشاف. وإذا تعامل مع النص الشعري العربي فهو يريد وضعه في الأوعية والقوالب والطرائق التي أخذها عن الآخرين، أي تطبيق الأجنبي علي العربي، الأمر الذي أدي ويؤدي إلي فشل التعامل مع النص الشعري عند كثير من نقاد الحداثة. كما أن تفجر الشعرية العربية الجديدة واندياح موجاتها المتتالية في المغامرة والتجريب جعل كثيرا من النقاد والدارسين المزودين بالوعي المتاح من خلال الثقافة التراثية، عاجزين عن المتابعة والتحليل والاستشراف. فالابداع المتلاحق يتطلب ركضا نقديا ووعيا معرفيا مغايرا».
هكذا يري فاروق شوشة أن شعرنا وقع بين فريقين من النقاد لم يستطع أي منهما أن يقرأه أو يساعد الناس علي قراءته. الفريق الأول من النقاد الذين يطبقون المقاييس المنقولة من النقد الأجنبي علي الشعر تطبيقا آليا دون أن يفهموا هذه المقاييس أو يطوعوها للنصوص العربية التي يقرأونها. بل نحن بعضهم يفعل العكس فيلوي عنق النص العربي ويدخله قسرا في المقاييس المستعارة، لأن هذه المقاييس تزوده بمسلمات تعفيه من النظر فيه والتعامل معه بشروطه واحترام خصوصيته. والفريق الأخر الذي يطبق المقاييس العربية القديمة علي الابداع الشعري المعاصر ظنا أنها حقائق ثابتة لا تتطور ولا تتغير مع الإبداع الذي يتطور ويتغير وخاصة في هذه العصور. والنتيجة التي تترتب علي هذا العجز المزدوج هي غياب الناقد. وغياب الناقد يعني غياب القارئ، وفي النهاية غياب الشعر. لأن الشعر ليس هذيانا فرديا وإنما هو وعي فائق وحاجة انسانية ملحة ، يعانيها الجميع ويشارك في تلبيتها الجميع، كل بما قدر له. فالشاعر ينظم القصيدة بلغة الشعر التي تختلف عن لغة التفاهم فلابد من قارئ قادر علي فهم هذه اللغة وتفسيرها وهو الناقد الذي يكون حلقة وصل بين الشاعر وجمهوره الذي يحتاج لدليل يأخذ بيده ويوقفه علي باب القصيدة ويغريه بقراءتها ويعده بما سوف يجده من متعة ويحققه من تواصل واكتشاف معتمدا قبل كل شئ علي ما يشعر به من الحاجة الفطرية للشعر وما يملكه من قدرة علي فهمه وتذوقه، ومستعينا بعد ذلك بقراءات النقاد التي يجب أن تكون متوافرة حتي يتحقق الاتصال وترتسم الصورة وتتضح.
وإذا كان الشعر ضرورة فالنقد ضرورة مكملة. شعر الشاعر يظل مفردات تحتاج لمن يجمع أشتاتها ويقدمها في وحدتها وشمولها خاصة حين نجد أنفسنا أمام شاعر مثل فاروق شوشة أصدر عشرات الدواوين في خمسة عقود أعتنت فيها تجاربه وتطورت أدواته ونضجت خبراته وأصبحت حاجة القارئ للاحاطة بهذا الكم الوفير من الشعر في تطوره وتنوعه وتكامله حاجة أساسية، لا يستطيع بدونها أن يعرف الشاعر أو يتمثل صورته. ومن البديهي أن صورة الشاعر التي لا يستطيع هو نفسه أن يرسمها في ديوان واحد لا يستطيع أن يجمع لنا أطرافها ويساعدنا علي قراءتها ناقد واحد، وإنما هي ثمرة جهود وقراءات يقوم بها من النقاد من يجد في نفسه الحاجة لاستجلاء هذه الصورة وجمع مفراداتها وإبراز ملامحها. وهو عمل لا يتحقق إلا في مناخ يشارك فيه الجمهور بالسؤال والشاعر بالإجابة والناقد بإدارة هذا الحوار وتوسيعه وتعميقه.
ها أنت تشاغل لغة كبرت بك
ومعك
لم تبتعدا
أو تتباعد أجنحة منك ومنها
بينكما سر
أقدم من سفر التكوين
وأعمق من طبقات الأرض
...................
ماذا قالت هذه اللغة؟ وماذا قلت؟
وأنت تصيد أوابد راحلة في قلب هجير المحل
وقطرة طل
راحب تتشكل في قلب الليل
لتفصح عن جلوتها في الفجر المخضل!
ماذا لو أننا وضعنا كلمة «بنت» محل الكلمة التي استخدمها فاروق شوشة في هذه القصيدة التي تحدث فيها عن غرامه باللغة فقلنا:
ها أنت تشاغل بنتا كبرت بك ومعك.. هل يتغير شئ في القصيدة ؟ وهل تكون الكلمة التي وضعناها نشازا أو مقحمة؟ حقيقة الأمر أن «البنت» في هذا السياق هي الأصل، لأن الشاعر يتحدث عن علاقة لا تكون إلا بين رجل وامرأة «تفصح عن جلوتها في الفجر المخضل: . وأما :اللغة فهي الاستعارة التي حلت محل الكلمة الأصل ليقول لنا الشاعر من خلالها إن اللغة بالنسبة له ليست مجرد أداة أو وسيلة، للتعبير وإنما هي رفيقة حياته وسر وجوده بكل ما يمكن أن تعنيه عباراته التي قال فيها إن هذا السر أقدم من سفر التكوين وأعمق من طبقات الأرض ومنها نفهم أن اللغة بالنسبة للإنسان أصل وجود. لأن الإنسان لم ينفصل عن غيره من الكائنات الحية إلا حين نطق فأصبح انسانا. كما نستطيع أن نفهم من هذه العبارات أن اللغة بالنسبة لفاروق شوشة ليست رموزا وإشارات وإنما هي كيان عضوي، جسد حي مثير شهي يتعامل معه شاعرنا كما يتعامل الرجل مع المرأة الجميلة الفاتنة. ألم يسم برنامجه الإذاعي الشهير «لغتنا الجميلة»؟!
..................
في هذا الضوء نقرأ أعمال فاروق شوشة ونفهم هذه الموهبة الخلاقة التي تجسدت في مختلف أشكال الكتابة وعبرت عن نفسها بمختلف صورها.
ونحن نقرأ الآن ما كتبه في الشعر، في القصيدة الغنائية والقصيدة القصصية والسيرة الذاتية التي جعلها شعرا فضلا عن كونها سيرة. ونقرأ ما كتبه في النقد، نقد الشعر ونقد القصة. ونقرأ ما كتبه في الدراسة والتحقيق، ونقرأ ما كتبه في اللغة فلا نملك حين نقرأ قصيدته «لغة» إلا أن نقول له: صدقت (بعد أن نقول له: أحسنت!).
لقد التمس اللغة في كافة مظانها، في النصوص الدينية، وفي الشعر والنثر ، في ماضي اللغة وحاضرها. عند الجاهلين، وعند العباسيين. في شعر المتنبي والمعري، وفي شعر شوقي، ومحمود حسن اسماعيل، وعلي محمود طه، ولدي صلاح عبدالصبور، وبدر شاكر السياب.
وفاروق شوشة ليس مجرد شاعر موهوب، ولكنه أيضا شاعر عالم مثقف، وصانع متمكن ينظم في كل البحور وفي كل الأشكال والأوزان التقليدية والجديدة، ويتنقل بين مختلف الأشكال والأوزان كما يفعل المغني المطرب والعازف الماهر. يخرج من الرجز إلي المتدارك، ويجمع بين الرمل والهزج، وبين البسيط والمتقارب، ويترك الشعر إلي النثر ويعود من النثر إلي الشعر.
وهو في بعض شعره يستدعي صلاح عبدالصبور، وفى بعضه يستدعي السياب، كما يستدعي عنترة، وسعيد عقل، وعبدالرحمن الشرقاوي، ومنصور الرحباني.
وفاروق شوشة قد يستخدم لغة التراث، وقد يستخدم لغة الحديث اليومي. انه عمود من أعمدة الفصحي. ومن هنا شعوره بالأسي والأسف علي ما تتعرض له الفصحي من انتهاكات يومية وهجاؤه الدائم للإدعياء والخدم
خدم.. خدم!
وإن تبهنسوا
وصعروا الخدود كلما مشوا
وغلظوا الصوت
فزلزلوا الأرض وطرقعوا القدم!
خدم.. خدم!
وإن تباهوا أنهم
أهل الكتاب والقلم
وأنهم في حلكة الليل البهيم صانعو النور
وكاشفو الظلم
لكنهم خدم
باصبع واحدة
يستنفرون مثل قطعان الغنم
ويهطعون علهم
يلقون من بعض الهبات والنعم
لهم إذا تحركوا في كل موقع صنم
يسبحون باسمه
ويقسمون يسجدون ، يركعون
يمعنون في رياء زائف
وفي ولاء متهم!
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
فاروق شوشة.. الباحث عن الجمال في اللغة والحياة
فاروق شوشة .. لا نقول وداعا
و حفل تأبين فى الإسكندرية
سلطة الشعر
فاروق شوشة .. الشاهد الأول علي جمال لغتنا العربية
محمود الضبع: قصيدة النثر كتبت لنقرأها بأنفسنا.. «لا علي الناس»
أبلغ عن إشهار غير لائق