«ترانيم نحتية» هو عنوان المعرض المقام حالياً في متحف محمود مختار في القاهرة، الذي سيستمر حتى نهاية الشهر الجاري. يضم المعرض الجماعي عدة أعمال شهيرة لأربعة من المثالين مختلفي التجارب والرؤى الفنية في عالم النحت، وهم، محمد الفيومي، أيمن سعداوي، أحمد عبد التواب، والنحات العراقي أنس الألوسي. ورغم التباين الكبير في أعمال كل من الفنانين المشاركين، والعوالم التي يعبرون عنها، إلا أنه من الممكن اعتبار هذا التباين من قبيل الرؤية شبه الشاملة لحركة النحت من قِبل أجيال ومدارس مختلفة الاتجاهات والرؤى، سواء على مستوى الموضوع أو التقنية. نلحظ الاحتفاء بالطبيعة والكائنات الحية كما في أعمال الفنان محمد الفيومي، أو تقنية الشكل الهندسي وتحولاته، وهو ما تتمثله أعمال الفنان أحمد عبد التواب، أو تقنية الأشكال المفرّغة وأنسنة الأشياء، كما في أعمال الفنان أنس الألوسي، وأخيراً الاحتفاء الشديد بالبيئة الشعبية وناسها، خاصة عالم الأطفال وألعابهم الشعبية، كما يرصده الفنان أيمن سعداوي، وكأنه استمد هذا العالم الذي اختفى الآن من ذاكرة بعيدة، يحاول الحفاظ عليها والاحتفاظ بها. الطبيعة وعالمها يقوم الفنان محمد الفيومي دوماً بخلق حالة من التآلف والتناغم ما بين عالم الطبيعة وكائناته، ما بين أفراس النهر، الأسماك، الطيور، الحيوانات، والإنسان. حالة التناغم هذه تتبدى في التكوين الجسماني، سواء للإنسان أو للكائن الحي الآخر، وصولاً إلى جذور النبات. كما تتميز هذه الأعمال بقدر من الضخامة، فأجساد الرجال والنساء تتداخل تفاصيلها، ويبدو أصحابها على قدر كبير من البدانة، ودوماً في حالة من السكون. إلا أن الحركة رغم خفوتها تتولد من الإيماء أو من نظرة اندهاش في اتجاه ما، أو ابتسامة تطالع المُشاهد. فالسكون والثبات الشديد من أهم سمات هذه الأعمال. وما يلفت النظر إلى الشخصيات هو أنها تنتمي لشخصيات الحارات الشعبية، يبدو ذلك في الملابس والأكسسوارات الخاصة، كمنديل الرأس والقرطين. فكرة أن الكتلة الضخمة من المعدن يمكن لها بسهولة أن تتشكل وتتحوّر، سواء في شكل رجل وامرأة، أو شجرة وطيور، حيوانات وكائنات بحرية. الشكل الهندسي وتقنية تفريغ الكتلة في تجربة الفنان أحمد عبد التواب يبدو الشكل الهندسي هو أساس العمل الفني، الذي من خلاله يصوغ عالمه الفني. أشكال مثل الدائرة، المثلث، المستطيل تتخلق منها الشخوص الأعمال كلها تشخيصية ويختار الفنان العازفين ليعبر عنهم، بحيث يصبح العازف وآلته في حالة توحد من خلال الشكل الهندسي، حتى المرأة الجالسة، التي تبدو في ملابسها أقرب إلى الفلاحات المصريات، لا تخرج بدورها عن هذه التقنية. أما تفريغ الكتلة والاعتماد على المقابلة ما بين الشكل الحقيقي والعمل الفني، فتبدو في أعمال الفنان العراقي أنس الألوسي، بمعنى تفعيل الشكل عبر مخيلة المشاهد، ومحاولة اكتشاف الرؤية الجديدة في الشكل المتجسد، كأن يتحول مقعد إلى جسد إنساني يجلس وينتظر، فالساق والقدم جزء من الجسد ككل، هذا المختفي والمتمثل في مقعد يبدو والجسد شيئاً واحداً. للفكرة هنا جمالياتها وإدهاشها إلى حدٍ كبير. من ناحية أخرى ومن خلال هذه التقنية تتولد الحركة، فقبلة بين رجل وامرأة، تحول كل منهما إلى كائن يقترب من السماء، فالجسد يخف تماماً، ويكاد يتلاشى. عالم الطفولة البعيد من أكثر الأعمال التي يمكن التواصل معها، لطرافتها وحالة البهجة التي توحي بها هي أعمال الفنان أيمن سعداوي. ألعاب الطفولة في حارة شعبية مصرية، الطفلة التي تلعب بالطوق، والطفل الذي يعدو في سعادة وخلفه طائرته الورقية، كذلك النساء الشعبيات في ال»الملاءة اللف» هذا الزي الذي انقرض واختفى من الذاكرة البصرية للمصريين، والذي نطالعه في أفلام الأبيض والأسود. يحتفي سعداوي بهذا العالم، ويحاول استعادته والقبض عليه في مجسداته النحتية. ومن خلال اللقطات التي اختارها نجد تجسيداً للحركة في حالتها القصوى، الحركة هنا نابعة من الفعل، دون الافتعال، أطفال يلعبون، أو امرأة تسير والهواء يلهو بالملاءة المصرية القديمة، وهي الزي الذي لطالما ارتدته المرأة المصرية في الأحياء الشعبية، قبلما تضرب مصر موجات الصحراء أو التحديث المُنفلت. فكرة الذاكرة من خلال طفل هي ما تصوغ أعمال سعداوي، ويحاول أن يوقف الزمن من خلالها ويحتفي بها، ويخلق حالة من المشاركة في هذه الذكريات، خاصة لمن كان يعيش مثل هؤلاء الأطفال في وقت ما. اللافت هنا أنه عبّر عن بيئة يعيها تماماً، وألعاب خاضها، فلا تبدو هناك أي سمة من سمات التعالي أو الافتعال في التعامل مع الشخوص، كما يفعل الكثير من فناني وجهات النظر الفلكلورية. «ترانيم نحتية» هو عنوان المعرض المقام حالياً في متحف محمود مختار في القاهرة، الذي سيستمر حتى نهاية الشهر الجاري. يضم المعرض الجماعي عدة أعمال شهيرة لأربعة من المثالين مختلفي التجارب والرؤى الفنية في عالم النحت، وهم، محمد الفيومي، أيمن سعداوي، أحمد عبد التواب، والنحات العراقي أنس الألوسي. ورغم التباين الكبير في أعمال كل من الفنانين المشاركين، والعوالم التي يعبرون عنها، إلا أنه من الممكن اعتبار هذا التباين من قبيل الرؤية شبه الشاملة لحركة النحت من قِبل أجيال ومدارس مختلفة الاتجاهات والرؤى، سواء على مستوى الموضوع أو التقنية. نلحظ الاحتفاء بالطبيعة والكائنات الحية كما في أعمال الفنان محمد الفيومي، أو تقنية الشكل الهندسي وتحولاته، وهو ما تتمثله أعمال الفنان أحمد عبد التواب، أو تقنية الأشكال المفرّغة وأنسنة الأشياء، كما في أعمال الفنان أنس الألوسي، وأخيراً الاحتفاء الشديد بالبيئة الشعبية وناسها، خاصة عالم الأطفال وألعابهم الشعبية، كما يرصده الفنان أيمن سعداوي، وكأنه استمد هذا العالم الذي اختفى الآن من ذاكرة بعيدة، يحاول الحفاظ عليها والاحتفاظ بها. الطبيعة وعالمها يقوم الفنان محمد الفيومي دوماً بخلق حالة من التآلف والتناغم ما بين عالم الطبيعة وكائناته، ما بين أفراس النهر، الأسماك، الطيور، الحيوانات، والإنسان. حالة التناغم هذه تتبدى في التكوين الجسماني، سواء للإنسان أو للكائن الحي الآخر، وصولاً إلى جذور النبات. كما تتميز هذه الأعمال بقدر من الضخامة، فأجساد الرجال والنساء تتداخل تفاصيلها، ويبدو أصحابها على قدر كبير من البدانة، ودوماً في حالة من السكون. إلا أن الحركة رغم خفوتها تتولد من الإيماء أو من نظرة اندهاش في اتجاه ما، أو ابتسامة تطالع المُشاهد. فالسكون والثبات الشديد من أهم سمات هذه الأعمال. وما يلفت النظر إلى الشخصيات هو أنها تنتمي لشخصيات الحارات الشعبية، يبدو ذلك في الملابس والأكسسوارات الخاصة، كمنديل الرأس والقرطين. فكرة أن الكتلة الضخمة من المعدن يمكن لها بسهولة أن تتشكل وتتحوّر، سواء في شكل رجل وامرأة، أو شجرة وطيور، حيوانات وكائنات بحرية. الشكل الهندسي وتقنية تفريغ الكتلة في تجربة الفنان أحمد عبد التواب يبدو الشكل الهندسي هو أساس العمل الفني، الذي من خلاله يصوغ عالمه الفني. أشكال مثل الدائرة، المثلث، المستطيل تتخلق منها الشخوص الأعمال كلها تشخيصية ويختار الفنان العازفين ليعبر عنهم، بحيث يصبح العازف وآلته في حالة توحد من خلال الشكل الهندسي، حتى المرأة الجالسة، التي تبدو في ملابسها أقرب إلى الفلاحات المصريات، لا تخرج بدورها عن هذه التقنية. أما تفريغ الكتلة والاعتماد على المقابلة ما بين الشكل الحقيقي والعمل الفني، فتبدو في أعمال الفنان العراقي أنس الألوسي، بمعنى تفعيل الشكل عبر مخيلة المشاهد، ومحاولة اكتشاف الرؤية الجديدة في الشكل المتجسد، كأن يتحول مقعد إلى جسد إنساني يجلس وينتظر، فالساق والقدم جزء من الجسد ككل، هذا المختفي والمتمثل في مقعد يبدو والجسد شيئاً واحداً. للفكرة هنا جمالياتها وإدهاشها إلى حدٍ كبير. من ناحية أخرى ومن خلال هذه التقنية تتولد الحركة، فقبلة بين رجل وامرأة، تحول كل منهما إلى كائن يقترب من السماء، فالجسد يخف تماماً، ويكاد يتلاشى. عالم الطفولة البعيد من أكثر الأعمال التي يمكن التواصل معها، لطرافتها وحالة البهجة التي توحي بها هي أعمال الفنان أيمن سعداوي. ألعاب الطفولة في حارة شعبية مصرية، الطفلة التي تلعب بالطوق، والطفل الذي يعدو في سعادة وخلفه طائرته الورقية، كذلك النساء الشعبيات في ال»الملاءة اللف» هذا الزي الذي انقرض واختفى من الذاكرة البصرية للمصريين، والذي نطالعه في أفلام الأبيض والأسود. يحتفي سعداوي بهذا العالم، ويحاول استعادته والقبض عليه في مجسداته النحتية. ومن خلال اللقطات التي اختارها نجد تجسيداً للحركة في حالتها القصوى، الحركة هنا نابعة من الفعل، دون الافتعال، أطفال يلعبون، أو امرأة تسير والهواء يلهو بالملاءة المصرية القديمة، وهي الزي الذي لطالما ارتدته المرأة المصرية في الأحياء الشعبية، قبلما تضرب مصر موجات الصحراء أو التحديث المُنفلت. فكرة الذاكرة من خلال طفل هي ما تصوغ أعمال سعداوي، ويحاول أن يوقف الزمن من خلالها ويحتفي بها، ويخلق حالة من المشاركة في هذه الذكريات، خاصة لمن كان يعيش مثل هؤلاء الأطفال في وقت ما. اللافت هنا أنه عبّر عن بيئة يعيها تماماً، وألعاب خاضها، فلا تبدو هناك أي سمة من سمات التعالي أو الافتعال في التعامل مع الشخوص، كما يفعل الكثير من فناني وجهات النظر الفلكلورية.