وقائع التزوير التي حدثت، لم تكن مفاجأة ، بل كانت معروفة مسبقا، لكن المفاجئ هو طريقة التزوير نفسها، والتي بلغت أشدها علي أيدي التنظيميين والمخططين للعملية الانتخابية؛ حيث كان المشهد مرئيًا ومسموعًا ومقروءًا فلم يأخذوا علي أنفسهم (إذا بليتم فاستتروا). لم يكن قرار جماعة الاخوان المسلمين وحزب الوفد بالانسحاب من خوض جولة الإعادة من انتخابات مجلس الشعب مفاجأة، ليس إيماناً برجاحة الرأي، ولكن لما اكتنفه من دوافع جرت وقائعها من تزوير وانتهاكات شهد عليها الجميع من أبناء هذا الوطن، فكان الانسحاب أسلم الحلول، ومن جانب آخر يعتبر درءًا لفضيحة السقوط المدوي التي كان سيلقاها الطرفان في الجولة الثانية. (1) ان التزوير والانتهاكات التي حدثت، وتم نشرها عبر الصحف المستقلة والحزبية ومواقع إلكترونية محلية ودولية وفضائيات، فضلاً عن شهادات العديد من الصحفيين والقضاة، كشفت عن أنياب النظام ورؤيته القادمة لإقامة برلمان بلا معارضة، وأن قرار المعارضة قد يكون تأخر بعض الشيء ? أي الانسحاب؛ مما يسمي بانتخابات برلمانية - نظراً لبيان شكل الانتخابات قبل انعقادها، ولرفض الرقابة الدولية، وغياب الاشراف القضائي الكامل علي اللجان الانتخابية، في عمليات التصويت والاقتراع والفرز، إضافة إلي الدعاية الحكومية لمرشحي الوطني والبذخ من خزانة الدولة لتجميل وجه الحزب، فضلا عن ترشيح ثمانية وزراء في الدوائر الساخنة، بمعاونة بعض الوجوه الإعلامية والمألوفة، لأنه من المعلوم أن تلك الدوائر كان يسطر عليها نواب إخوان ومستقلون ووفديون، ومن مختلف القوي السياسية التي كانت تمثل صداعا للبرلمان والأجهزة الحكومية في الدورة الفائتة من مجلس الشعب. لكن من الضروري ألا يرمي الكلام علي عواهنه، حيث نتحسس جانب الحزب الوطني وحكومته، وما قد أصابهم من ارتباك؛ جراء هذا الانسحاب من جانب تلك القوي، إذ يصيب الرؤية لمستقبل الحياة السياسية في البهو الفرعوني؛ فكيف ستتكون دون شد وجذب واعتراضات واستجوابات وأسئلة مناقشة وطلبات احاطة ترهق الحكومة؛ حتي تفيق كلما اصابها الكسل والعوج عن المصلحة العامة للشعب بعيداً عن الرؤي المسبقة التي تأتي من امانات الحزب الحاكم، وتطبيقها دون دراسات بعيدة المدي؛ فالشكل العام الذي يوحي بغياب المعارضة وأقطابها، ويقول: إن الغيوم ستملأ سماء مصر حتي يأتي المهدي المنتظر. (2) ومن الجانب المنتصر؛ الاقوي والاكبر؛ علينا أن ننظر للانتصار الذي حققه امين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز في اسقاطه لرموز المعارضة، بما يشبه روح الشماتة، خاصة رغم زخم الاحوال الحزبية والتنظمية التي كان غارقا فيها إبان اشتعال المعركة الانتخابية، لكنه خرج علي وسائل الاعلام ليعلن هروب حمدين صباحي من المنافسة الانتخابية علي مقعد الفئات في دائرة الحامول بمحافظة كفر الشيخ؛ لأنه كانت ستلحق به هزيمة مدوية من غريمه الوطني، بعد أن اعلن الاخير انسحابه من الجولة بسبب حالات التزوير التي طاردت الصناديق.. معللاً بأن شعبيته كفيلة بالفوز لولا تدخل الوطني فغير مسارها، وأيضاً سقوط د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية والنائب السابق في شبرا الخمية، وإصابة مصطفي بكري بأزمة قلبية في حلوان بعد خسارته أمام د. سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي، وكذا النائب الوفدي محمد عبد العليم والبدري فرغلي نائب التجمع عن بورسعيد، الذي لم تشفع له شعبيته في الفوز - حسبما وصفت الصحف الحكومية؛ فالجميع سقطوا في بئر سحيقة من التزوير وتبديل الصناديق حتي يستريحوا ويريحوا. (3) وقائع التزوير التي حدثت، لم تكن مفاجأة لأحد بل كانت معروفة مسبقا، لكن المفاجئ هو طريقة التزوير نفسها، والتي بلغت أشدها علي أيدي التنظيميين والمخططين للعملية الانتخابية؛ حيث كان المشهد مرئيًا ومسموعًا ومقروءًا فلم يأخذوا علي أنفسهم (إذا بليتم فاستتروا)، بل أمام الرأي العام، خاصة بعدما تحدث القاضي وليد الشافعي بمحكمة استئناف القاهرة، والمشرف علي انتخابات البدرشين لمجلس الشعب في الجولة الأولي، الذي أكد أنه "تعرض للاحتجاز بمعرفة أحد أفراد الشرطة بسبب اكتشافه وقائع تزوير في الانتخابات"؛ مما يؤكد غياب الشفافية والنزاهة وتوفير الحق الانتخابي للمواطينين، وأن تغييب القضاة عن الإشراف الفعلي علي العملية الانتخابية كان مقصودا للوصول إلي يوم التزوير العظيم والذي ستتبعه أيام أخري. تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" - وهي منظمة أمريكية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها - بأن الانتخابات "لم تكن حرة" وشابتها مخالفات لا حصر لها، هذا إلي جانب بيانين من البيت الأبيض يعبران عن مدي القلق من التزوير، وكذا رجال الصحافة والإعلاميين ومراقبي المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية؛ الجميع شهود عيان علي التجاوزات، كل ذلك يفرز في المستقبل برلمانًا مشوهًا جينياً؛ لأن مكوناته كلها تعتمد علي رؤية الحزب الحاكم؛ الأوحد؛ بطريقة يصعب معها التفاعل جماهيرياً وشعبياً وأيضاً علي المستوي السياسي لقياس الرؤية المنطقية التي ستدير دفة الدولة علي إعلان بدء الدورة الجديدة من البرلمان، لكن رغم ذلك تتفق أغلب الآراء علي أن الرئيس حسني مبارك - كرئيس للدولة ورئيس للحزب الوطني - سيتدخل لحل الأزمة الانتخابية قريباً دون إحداث أية فوضي، خاصة أن هذه الانتخابات سيسجلها التاريخ، ولن يستطيع أحد نسيانَ ما جري فيها، أو نتيجتها المرتقبة، والتي ستغير الوجه السياسي والاقتصادي لمصر. (4) كل تلك الشواهد تنم عن أن البطلان يطارد الانتخابات الحالية، وأن شبح حل المجلس الجديد سوف يظهر قريبًا، ليس فقط لمجرد الأحكام القضائية التي بلغت نحو مائتي حكم؛ جميعها من محاكم القضاء الإداري، خاصة بإلغاء الانتخابات في بعض الدوائر بأغلبية المحافظات، إضافة عن أحكام أخري بأحقية مرشحين في دخول الانتخابات والترشيح، أو حتي وقائع التزوير والانتهاكات التي جرت والتعديات التي ساعدت علي أن يفقد البرلمان القادم شرعيته قبل انعقاده، وكذلك فإن اختيار القضاة المشرفين علي الانتخابات لم يأت بموافقة المجلس الأعلي للقضاه بما يخالف المادة 62 من قانون السلطة القضائية؛ وبالتالي فإن إشرافهم أصبح بدون صفة، وفي حالة الطعن حاليا بالمحكمة الدستورية وصدور حكم ببطلان الانتخابات؛ فإن المجلس لابد أن يحل، ولكن من الممكن - بل من المؤكد - أن يصبح مجلس الشعب سيد قراره ككل مرة، لكن النقطة الغائبة والتي يعاملها الجميع علي أنها ضمير مستتر، أو جملة اعتراضية، هو أن الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب لم تعبر عن إرادة الناخب المصري في اختيار من يمثله تحت قبة البرلمان، أو يكون مشرعًا للقرارات المستقبلية التي ستشكل حياته القادمة.