تساؤلات محورية وجوهرية تتعلق بصميم واقع ومستقبل اللغة العربية يطرحها كتاب "ما موقع اللغة العربية من الإعراب" للدكتور كمال محمود الإخناوي عضو هيئة التدريس في قسم تدريس اللغة العربية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، والصادر عن دار صفصافة. من هذه التساؤلات أنه على الرغم أن لغتنا العربية حية نابضة في حياتنا، إلا أن بعض المؤسسات العالمية والأكاديمية لا تعتبرها لغة تواصل حية. فما السبب وراء ذلك، خاصة أننا نتواصل بها من المحيط إلى الخليج؟ كما أنها لغة رسمية معترف بها من قبل الأممالمتحدة؛ وإن دل ذلك على شيء، فهو يدل على وجود مشكلة حقيقية، فما هي المشكلة؟ هل لغتنا حية نابضة لارتباطها بالمقدس الديني؟ وإذا كان، فهل هي لغة مقدسة؟ وإذا كانت لغة حية من منظور علمي، فهل هي حية كالكائن الحي منهجيا وعلميا؟ وإذا كان، فما هي مكونات وسمات الكائن العضوي، وهل ينطبق عليها تلك المكونات والسمات؟ الكتاب يستعرض أسباب تلك المشاكل وغيرها، وتفنيدها منهجيا، وعلميا، وعمليا من عدة زوايا قد تكون مختلفة وجديدة في طرحها وبحثها. فالعربية ولدت في وقت ما، ومرت - ومازالت تمر – بأحداث تاريخية، وسياسية، واجتماعية مهمة غيرت وطورت، ومازالت تؤثر، فيها. فهل نحن بصدد دورة جديدة مشابهة لما مرت بها العربية منذ نشأتها؟ فإذا كان، فما "موقع لغتنا من الإعراب"؟! بداية يشير الإخناوي إلى إن قضية ثنائيات الفصحى والعامية وما بينهما من مستويات هي من أكثر القضايا جدلا سواء كنت من المهتمين بعلوم اللغة العربية وبتدريسها، أو من العاملين في مجال الترجمة من وإلى العربية، أو من العاملين بمجال الإعلام سواء المرئي أو المقروء، أو من الغيورين على لغة الضاد. وتكمن القضية حول مفهوم تطور العربية ومدى تقبلنا، أو إن صح التعبير، اعترافنا بهذا التطور الذي يجعلها لغة حية نابضة على المستوى الدولي، وإلى أي مدى – كمجتمعات عربية - نسمح بتطورها. فأي عربي يمكنه أن يلاحظ في حياته اليومية وعبر وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أو المقروءة أن هناك لغة عربية يستمع إليها، ويقرأها، ويكتبها، لكن قواعدها ومفرداتها وتراكيبها تختلف باختلاف السياق وباختلاف البلد، بل والمدينة أو القرية، والموقف الذي يستخدم فيه اللغة. فمن يستمع الى القرآن الكريم، يستمع إلى لغة تختلف في قواعدها وتراكيبها ومفرداتها ونطقها وسماتها عن نشرات الأخبار والتقارير الاخبارية، وعن لغة القانون والدساتير القومية والدولية، وعن لغة الحوارات السائدة في المجتمع من خلال البرامج الحوارية، وعن لغة الأم، وعن لغة البيع والشراء، وعن لغة الحرفيين، وعن لغة الأميين ... الخ. ويضيف أنه مع هذه التنوعات أو المستويات اللغوية، ازداد الجدل حول طبيعة تعريف اللغة العربية في حد ذاتها وتطورها، فهناك فريق يرى أن اللغة العربية هي فقط الفصحى وهي لغة القرآن الكريم؛ وذلك بسبب اهتمام اللغويين العرب القدماء اهتماما بالغا بدراسة الفصحى، لغة القرآن الكريم؛ وهناك فريق آخر يرى أن هذه التنوعات أو المستويات في اللغة هي تطور طبيعي للغة حية، "فنحن نصلي بالعربية، ونتعلم بالعربية، ونؤلف بالعربية، ونقرأ بالعربية، ونكتب بالعربية، ونحاضر بالعربية، ونتناقش بالعربية، ونغني بالعربية، ونمزح بالعربية، ونتشاجر بالعربية، ونبكي بالعربية، ونبيع بالعربية، ونشتري بالعربية، ونغش بالعربية، وننصح بالعربية، ونكذب العربية، ونصدق بالعربية، ونكره بالعربية، ونحب بالعربية، ونقوم بكل نشاط لنا في المجتمع باللغة العربية؛ وهناك بالطبع فريق يرى أن العربية هي لغة كل إنسان عربي لغته الأم هي العربية، مهما كان مستوى تعليمه وثقافته ودينه لأن اللغة ببساطة ملك للجميع. ويؤكد د. الإخناوي أنه ما لم نتفق على وجود المشكلة، فلن يكون هناك أي جدوى في إصلاح شيء لا يراه ولاة الأمور، ويقول: "البداية يجب أن نعترف بأن هناك مشكلة، ثم نتفق في تعريف ووصف المشكلة، والتشاور حول أسبابها، ومحاولة وضع حلول لها؛ وبالطبع سيكون هناك الرأي والرأي الآخر، لكن يجب أن يكون كل هذا وذاك تحت إطار احترام الرأي والرأي الآخر بدون تخوين أو تشكيك في نوايا العباد أو تكفيرهم. بعض الفقهاء يرون أن العربية هي تلك اللغة المستخدمة في القرآن الكريم، والبعض يراها في لغة القانون والعلم، والبعض يراها حية في العاميات لأن قواعد الفصحى جامدة لا تواكب التطور ولأنها ليست لغة حديث. وهذه الاختلافات وتلك الخلافات أدت إلى وجود تصدع في مفهوم اللغة وكيفية تطويرها؛ بل ذهب بالبعض إلى التشكيك في نوايا من يحاول التجديد في اللغة أو ذكر كلمة العاميات، معتبرا أن لغة القرآن الكريم لغة توقيفية أي لغة إلهية لنزول القرآن الكريم بها. فالقرآن الكريم من أول حرف الباء في سورة الفاتحة وحتى آخر حرف فيه في سورة الناس مقدس بذلك الترتيب الإلهي، لكن استخدام حروف العربية التي كانت موجودة قبل مجيء الإسلام بطريقة نستخدمها في حياتنا لا يجعلها مقدسة، فقد اعتقد ذلك أصحاب ديانات سابقة. ويرى أن المشكلة في موضوع تقديس اللغة يكمن عندما نحولها اللغة إلى أيدولوجية دينية، فأكثر ما يسيء إلى مفهوم الأيدولوجية – أي أيدولوجية – هو اعتقاد من يؤمن بهذه الأيدولوجية بأنه أفضل من الآخرين في فكره وفيما يؤمن به، كما أن مؤيديها يتعاملون مع الآخرين كأنهم مندوبو مبيعات يروجون لتلك الأيدولوجية؛ ومن هنا، نجد سمات مشتركة في أي أيدولوجية، ومنها بالطبع أيدولوجية تقديس اللغة - كلها تشترك في معاداة الآخر، والحض على كراهيته، والبعض لا يرى الآخر أصلا ولا يرى لزوما لوجوده". ويوضح الإخناوي أن "وضع العربية القائم من ازدواجية متأصل منذ القرون الأولى قبل مجيء الإسلام، وجاء الإسلام بلسان عربي مبين وبكتابه القرآن الكريم متوجا للغة وموحدا للقبائل العربية، إلا أن العربية مرت بعدة مراحل وتحديات أثناء الفتوحات الإسلامية وحتى العصر الحديث، مما كان لهذه التحديات أثر في زيادة الفجوة بين الخصائص اللغوية في القرآن الكريم والعاميات، مما أدى إلى وجود مستويات لغوية في العربية. ومستويات واقع في كل الدول العربية، وبرغم أنه لا توجد أبحاث كافية متخصصة في كل بلد عربي لمعرفة مستويات وخصائص كل مستوى في كل بلد عربي، فإننا يمكن الاعتماد على البحث القيم الذي وضعه بدوي في وصف مستويات العربية في مصر. فمستويات العربية الخمسة في مصر تعد مرآة عاكسة لواقع وجود عدة مستويات في كل بلد عربي من البلدان العربية مع اختلاف الخصائص اللغوية في تلك المستويات، وكل كلمات ومفردات وبنية الكلمة وبنية الجملة ونظام النحو والصرف.. وغيرها في مستويات العربية من منبع واحد وهو فصحى التراث؛ فكل الأبناء رضعت من ثدي أم واحدة. ففصحى التراث هي لغة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الصحيحة بخصائصها اللغوية والصوتية والنحوية من نهايات الإعراب كاملة السلطان في نهاية كل كلمة على حسب موقعها في الجملة، وهي الجامعة لكل المسلمين دينيا؛ وتشمل خصائص فصحى العصر كونها لغة العلم والأدب والقوانين والنشرات الإخبارية والاتفاقيات الرسمية وهي اللغة التي تعترف بها الأممالمتحدة كإحدى لغاتها الخمس الرسمية وهي أيضا الجامعة لكل العرب سياسيا، وبرغم احتفاظها بخصائص قواعد النحو، إلا أنها تختلف عن فصحى التراث في مرونتها في تقبل كلمات جديدة وتخلصها - عن طريق تسكين أواخر الكلمات - من علامات الإعراب إلى حد كبير. وعامية المثقفين هي لغة النخبة المثقفة تحدثا وكتابة أحيانا وهي تتميز بتخلصها من تعقيدات قواعد النحو وعلامات إعرابه ومرونتها في الانتقال على السلم اللغوي في استخدام خصائص قواعد ومفردات وبنية الكلمة في كافة المستويات بنمط حي. أما عامية المتنورين فهي لغة الأم، ولغة البيع والشراء، ولغة الأهل والأسرة والأصدقاء في الاجتماعيات، وتتميز بأنها مرنة لتخلصها من علامات الإعراب وقواعد الفصحى، ومرنة في استخدام مفردات وتراكيب من المستويات الأعلى ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة المواطنين اليومية. وعامية الأميين ليس لها مستقبل فهي لغة من لم ينلهم الحظ في تلقي قسما مناسبا من التعليم فنجد فيها تدني ملحوظ للتراكيب والمفردات. ومن هذا، يمكننا القول بأن تلك مستويات العربية في مصر موجودة في كل البلاد العربية مع اختلاف في نسب مستخدميها وخصائص كل مستوى لغوي من حيث النطق وبعض المفردات أو التراكيب؛ وبعبارة أخرى، نجد في كل الدول العربية استخداما لفصحى التراث وفصحى العصر وعامية المثقفين "في النخب المثقفة" وعامية المتنورين كلغة الأم والبيع والشراء والاجتماعيات، وعامية الأميين المتواجدين في كل البلاد العربية لكن بنسب مختلفة، لكن الاختلاف يكون في كيفية النطق والتعبير بكلمات مختلفة في كل بلد عن الآخر. ويخلص الإخناوي إلى عدد من الرؤى منها أن اللغة بدأت في خلق واقع جديد بتزاوجها مع المجتمعات العربية، ومن شواهد، وشهود هذا التزاوج ما نراه من تقدم تكنولوجي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يحدث في المنطقة العربية الآن من أحداث سياسية واجتماعية متمثلة في رياح التغيير العاتية والتي تتشابه إلى حد كبير بالأحداث التي مرت بها العربية من قبل ظهور الإسلام وحتى عصر النهضة الحديثة؛ فالعربية تمر بنفس الامتحان الذي مرت به في تلك الأحداث السابقة، وكل ذلك من خلال الواقع الجديد الذي يفرض نفسه في كل الشواهد من حولنا؛ فالعربية "حبلى" وهناك عربية "جنينية" جديدة بدأت في تكوين أعضائها وسماتها في رحم الأم، وهذا الطور الجنيني، آنا، ينمو، وآونة، يتطور متحديا كل الصعوبات التي تواجه أبناء الوطن العربي وصراعاته وتعصباته العرقية والدينية، متحدا في وحدة عاملي "التفريق والتوحيد" أو "الفصل والمزج"، ملبيا احتياجات مستخدمي اللغة، مبتعدا عن إذن ولاة الأمور بصلاحية كلمة أو تركيب يتفق مع علامات الإعراب، ومؤثرا في لغة الأم؛ وعليه، فمحور ما نتوقعه وكل ما يحدث من أحداث وتغيرات هو تلبية احتياجات الناس في استخدام وظائف اللغة، من التعبير عن الرأي وغيرها التي أشرنا إليها سابقا، وتأثر لغة الأم. ويؤكد أن هذا التزاوج بين اللغة والمجتمعات العربية قد حدث بالفعل ونتج عنه الجنين الوليد، فإما أن نجهض هذا الوليد ونقتله ونقتل بذلك العربية معه وإما أن نعتني به، لكن لا يمكن أن نلغي حدوث هذا التخصيب الذي نتج عنه الوليد الجديد، وكما أن الوليد الجنيني يتخبط أحيانا في خطاه، فاللغة تتخبط الآن لكنها مثلها مثل الوليد الواعد سيدرك خطاه ويتقدم لأن القدرات الإبداعية موجودة فيه لكن أوان ظهورها يأخذ وقتا لتكتمل مراحل نموه وتطوره. ويبدو أن بداية النطفة بدأت في التكوين والتصقت بها روح الحياة منذ منتصف القرن التاسع عشر. وشواهد ذلك المخاض الذي تمر به اللغة من أحداث حولها نراه منذ بداية الطباعة في القرن التاسع عشر وبزوغ أدبيات جديدة تواكب العصر. وأكد على ذلك ظهور كل أدوات التكنولوجيا الحديثة التي انتفضت كمارد مغوار يتحدى كل الظروف من خلال الأحداث والتغييرات الدينية والسياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، ونراه عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ونشاهده في وسائل الإعلام المختلفة، وسنراه أكثر في الأعمال الأدبية التي ستتمخض عنها تلك الأحداث. وكل هذا وذاك سيتمخض عنه - إلى جانب المقدس الديني الذي لا يعتريه تغيير - تقارب بين مستويات العامية على المستوى المحلي من ناحية، وتقارب العاميات المختلفة مع بعضها البعض من ناحية أخرى؛ وتقارب بين فصحى العصر وتلك العاميات الملتحمة ليكون لدينا عربية وليدة. تساؤلات محورية وجوهرية تتعلق بصميم واقع ومستقبل اللغة العربية يطرحها كتاب "ما موقع اللغة العربية من الإعراب" للدكتور كمال محمود الإخناوي عضو هيئة التدريس في قسم تدريس اللغة العربية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، والصادر عن دار صفصافة. من هذه التساؤلات أنه على الرغم أن لغتنا العربية حية نابضة في حياتنا، إلا أن بعض المؤسسات العالمية والأكاديمية لا تعتبرها لغة تواصل حية. فما السبب وراء ذلك، خاصة أننا نتواصل بها من المحيط إلى الخليج؟ كما أنها لغة رسمية معترف بها من قبل الأممالمتحدة؛ وإن دل ذلك على شيء، فهو يدل على وجود مشكلة حقيقية، فما هي المشكلة؟ هل لغتنا حية نابضة لارتباطها بالمقدس الديني؟ وإذا كان، فهل هي لغة مقدسة؟ وإذا كانت لغة حية من منظور علمي، فهل هي حية كالكائن الحي منهجيا وعلميا؟ وإذا كان، فما هي مكونات وسمات الكائن العضوي، وهل ينطبق عليها تلك المكونات والسمات؟ الكتاب يستعرض أسباب تلك المشاكل وغيرها، وتفنيدها منهجيا، وعلميا، وعمليا من عدة زوايا قد تكون مختلفة وجديدة في طرحها وبحثها. فالعربية ولدت في وقت ما، ومرت - ومازالت تمر – بأحداث تاريخية، وسياسية، واجتماعية مهمة غيرت وطورت، ومازالت تؤثر، فيها. فهل نحن بصدد دورة جديدة مشابهة لما مرت بها العربية منذ نشأتها؟ فإذا كان، فما "موقع لغتنا من الإعراب"؟! بداية يشير الإخناوي إلى إن قضية ثنائيات الفصحى والعامية وما بينهما من مستويات هي من أكثر القضايا جدلا سواء كنت من المهتمين بعلوم اللغة العربية وبتدريسها، أو من العاملين في مجال الترجمة من وإلى العربية، أو من العاملين بمجال الإعلام سواء المرئي أو المقروء، أو من الغيورين على لغة الضاد. وتكمن القضية حول مفهوم تطور العربية ومدى تقبلنا، أو إن صح التعبير، اعترافنا بهذا التطور الذي يجعلها لغة حية نابضة على المستوى الدولي، وإلى أي مدى – كمجتمعات عربية - نسمح بتطورها. فأي عربي يمكنه أن يلاحظ في حياته اليومية وعبر وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أو المقروءة أن هناك لغة عربية يستمع إليها، ويقرأها، ويكتبها، لكن قواعدها ومفرداتها وتراكيبها تختلف باختلاف السياق وباختلاف البلد، بل والمدينة أو القرية، والموقف الذي يستخدم فيه اللغة. فمن يستمع الى القرآن الكريم، يستمع إلى لغة تختلف في قواعدها وتراكيبها ومفرداتها ونطقها وسماتها عن نشرات الأخبار والتقارير الاخبارية، وعن لغة القانون والدساتير القومية والدولية، وعن لغة الحوارات السائدة في المجتمع من خلال البرامج الحوارية، وعن لغة الأم، وعن لغة البيع والشراء، وعن لغة الحرفيين، وعن لغة الأميين ... الخ. ويضيف أنه مع هذه التنوعات أو المستويات اللغوية، ازداد الجدل حول طبيعة تعريف اللغة العربية في حد ذاتها وتطورها، فهناك فريق يرى أن اللغة العربية هي فقط الفصحى وهي لغة القرآن الكريم؛ وذلك بسبب اهتمام اللغويين العرب القدماء اهتماما بالغا بدراسة الفصحى، لغة القرآن الكريم؛ وهناك فريق آخر يرى أن هذه التنوعات أو المستويات في اللغة هي تطور طبيعي للغة حية، "فنحن نصلي بالعربية، ونتعلم بالعربية، ونؤلف بالعربية، ونقرأ بالعربية، ونكتب بالعربية، ونحاضر بالعربية، ونتناقش بالعربية، ونغني بالعربية، ونمزح بالعربية، ونتشاجر بالعربية، ونبكي بالعربية، ونبيع بالعربية، ونشتري بالعربية، ونغش بالعربية، وننصح بالعربية، ونكذب العربية، ونصدق بالعربية، ونكره بالعربية، ونحب بالعربية، ونقوم بكل نشاط لنا في المجتمع باللغة العربية؛ وهناك بالطبع فريق يرى أن العربية هي لغة كل إنسان عربي لغته الأم هي العربية، مهما كان مستوى تعليمه وثقافته ودينه لأن اللغة ببساطة ملك للجميع. ويؤكد د. الإخناوي أنه ما لم نتفق على وجود المشكلة، فلن يكون هناك أي جدوى في إصلاح شيء لا يراه ولاة الأمور، ويقول: "البداية يجب أن نعترف بأن هناك مشكلة، ثم نتفق في تعريف ووصف المشكلة، والتشاور حول أسبابها، ومحاولة وضع حلول لها؛ وبالطبع سيكون هناك الرأي والرأي الآخر، لكن يجب أن يكون كل هذا وذاك تحت إطار احترام الرأي والرأي الآخر بدون تخوين أو تشكيك في نوايا العباد أو تكفيرهم. بعض الفقهاء يرون أن العربية هي تلك اللغة المستخدمة في القرآن الكريم، والبعض يراها في لغة القانون والعلم، والبعض يراها حية في العاميات لأن قواعد الفصحى جامدة لا تواكب التطور ولأنها ليست لغة حديث. وهذه الاختلافات وتلك الخلافات أدت إلى وجود تصدع في مفهوم اللغة وكيفية تطويرها؛ بل ذهب بالبعض إلى التشكيك في نوايا من يحاول التجديد في اللغة أو ذكر كلمة العاميات، معتبرا أن لغة القرآن الكريم لغة توقيفية أي لغة إلهية لنزول القرآن الكريم بها. فالقرآن الكريم من أول حرف الباء في سورة الفاتحة وحتى آخر حرف فيه في سورة الناس مقدس بذلك الترتيب الإلهي، لكن استخدام حروف العربية التي كانت موجودة قبل مجيء الإسلام بطريقة نستخدمها في حياتنا لا يجعلها مقدسة، فقد اعتقد ذلك أصحاب ديانات سابقة. ويرى أن المشكلة في موضوع تقديس اللغة يكمن عندما نحولها اللغة إلى أيدولوجية دينية، فأكثر ما يسيء إلى مفهوم الأيدولوجية – أي أيدولوجية – هو اعتقاد من يؤمن بهذه الأيدولوجية بأنه أفضل من الآخرين في فكره وفيما يؤمن به، كما أن مؤيديها يتعاملون مع الآخرين كأنهم مندوبو مبيعات يروجون لتلك الأيدولوجية؛ ومن هنا، نجد سمات مشتركة في أي أيدولوجية، ومنها بالطبع أيدولوجية تقديس اللغة - كلها تشترك في معاداة الآخر، والحض على كراهيته، والبعض لا يرى الآخر أصلا ولا يرى لزوما لوجوده". ويوضح الإخناوي أن "وضع العربية القائم من ازدواجية متأصل منذ القرون الأولى قبل مجيء الإسلام، وجاء الإسلام بلسان عربي مبين وبكتابه القرآن الكريم متوجا للغة وموحدا للقبائل العربية، إلا أن العربية مرت بعدة مراحل وتحديات أثناء الفتوحات الإسلامية وحتى العصر الحديث، مما كان لهذه التحديات أثر في زيادة الفجوة بين الخصائص اللغوية في القرآن الكريم والعاميات، مما أدى إلى وجود مستويات لغوية في العربية. ومستويات واقع في كل الدول العربية، وبرغم أنه لا توجد أبحاث كافية متخصصة في كل بلد عربي لمعرفة مستويات وخصائص كل مستوى في كل بلد عربي، فإننا يمكن الاعتماد على البحث القيم الذي وضعه بدوي في وصف مستويات العربية في مصر. فمستويات العربية الخمسة في مصر تعد مرآة عاكسة لواقع وجود عدة مستويات في كل بلد عربي من البلدان العربية مع اختلاف الخصائص اللغوية في تلك المستويات، وكل كلمات ومفردات وبنية الكلمة وبنية الجملة ونظام النحو والصرف.. وغيرها في مستويات العربية من منبع واحد وهو فصحى التراث؛ فكل الأبناء رضعت من ثدي أم واحدة. ففصحى التراث هي لغة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الصحيحة بخصائصها اللغوية والصوتية والنحوية من نهايات الإعراب كاملة السلطان في نهاية كل كلمة على حسب موقعها في الجملة، وهي الجامعة لكل المسلمين دينيا؛ وتشمل خصائص فصحى العصر كونها لغة العلم والأدب والقوانين والنشرات الإخبارية والاتفاقيات الرسمية وهي اللغة التي تعترف بها الأممالمتحدة كإحدى لغاتها الخمس الرسمية وهي أيضا الجامعة لكل العرب سياسيا، وبرغم احتفاظها بخصائص قواعد النحو، إلا أنها تختلف عن فصحى التراث في مرونتها في تقبل كلمات جديدة وتخلصها - عن طريق تسكين أواخر الكلمات - من علامات الإعراب إلى حد كبير. وعامية المثقفين هي لغة النخبة المثقفة تحدثا وكتابة أحيانا وهي تتميز بتخلصها من تعقيدات قواعد النحو وعلامات إعرابه ومرونتها في الانتقال على السلم اللغوي في استخدام خصائص قواعد ومفردات وبنية الكلمة في كافة المستويات بنمط حي. أما عامية المتنورين فهي لغة الأم، ولغة البيع والشراء، ولغة الأهل والأسرة والأصدقاء في الاجتماعيات، وتتميز بأنها مرنة لتخلصها من علامات الإعراب وقواعد الفصحى، ومرنة في استخدام مفردات وتراكيب من المستويات الأعلى ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة المواطنين اليومية. وعامية الأميين ليس لها مستقبل فهي لغة من لم ينلهم الحظ في تلقي قسما مناسبا من التعليم فنجد فيها تدني ملحوظ للتراكيب والمفردات. ومن هذا، يمكننا القول بأن تلك مستويات العربية في مصر موجودة في كل البلاد العربية مع اختلاف في نسب مستخدميها وخصائص كل مستوى لغوي من حيث النطق وبعض المفردات أو التراكيب؛ وبعبارة أخرى، نجد في كل الدول العربية استخداما لفصحى التراث وفصحى العصر وعامية المثقفين "في النخب المثقفة" وعامية المتنورين كلغة الأم والبيع والشراء والاجتماعيات، وعامية الأميين المتواجدين في كل البلاد العربية لكن بنسب مختلفة، لكن الاختلاف يكون في كيفية النطق والتعبير بكلمات مختلفة في كل بلد عن الآخر. ويخلص الإخناوي إلى عدد من الرؤى منها أن اللغة بدأت في خلق واقع جديد بتزاوجها مع المجتمعات العربية، ومن شواهد، وشهود هذا التزاوج ما نراه من تقدم تكنولوجي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يحدث في المنطقة العربية الآن من أحداث سياسية واجتماعية متمثلة في رياح التغيير العاتية والتي تتشابه إلى حد كبير بالأحداث التي مرت بها العربية من قبل ظهور الإسلام وحتى عصر النهضة الحديثة؛ فالعربية تمر بنفس الامتحان الذي مرت به في تلك الأحداث السابقة، وكل ذلك من خلال الواقع الجديد الذي يفرض نفسه في كل الشواهد من حولنا؛ فالعربية "حبلى" وهناك عربية "جنينية" جديدة بدأت في تكوين أعضائها وسماتها في رحم الأم، وهذا الطور الجنيني، آنا، ينمو، وآونة، يتطور متحديا كل الصعوبات التي تواجه أبناء الوطن العربي وصراعاته وتعصباته العرقية والدينية، متحدا في وحدة عاملي "التفريق والتوحيد" أو "الفصل والمزج"، ملبيا احتياجات مستخدمي اللغة، مبتعدا عن إذن ولاة الأمور بصلاحية كلمة أو تركيب يتفق مع علامات الإعراب، ومؤثرا في لغة الأم؛ وعليه، فمحور ما نتوقعه وكل ما يحدث من أحداث وتغيرات هو تلبية احتياجات الناس في استخدام وظائف اللغة، من التعبير عن الرأي وغيرها التي أشرنا إليها سابقا، وتأثر لغة الأم. ويؤكد أن هذا التزاوج بين اللغة والمجتمعات العربية قد حدث بالفعل ونتج عنه الجنين الوليد، فإما أن نجهض هذا الوليد ونقتله ونقتل بذلك العربية معه وإما أن نعتني به، لكن لا يمكن أن نلغي حدوث هذا التخصيب الذي نتج عنه الوليد الجديد، وكما أن الوليد الجنيني يتخبط أحيانا في خطاه، فاللغة تتخبط الآن لكنها مثلها مثل الوليد الواعد سيدرك خطاه ويتقدم لأن القدرات الإبداعية موجودة فيه لكن أوان ظهورها يأخذ وقتا لتكتمل مراحل نموه وتطوره. ويبدو أن بداية النطفة بدأت في التكوين والتصقت بها روح الحياة منذ منتصف القرن التاسع عشر. وشواهد ذلك المخاض الذي تمر به اللغة من أحداث حولها نراه منذ بداية الطباعة في القرن التاسع عشر وبزوغ أدبيات جديدة تواكب العصر. وأكد على ذلك ظهور كل أدوات التكنولوجيا الحديثة التي انتفضت كمارد مغوار يتحدى كل الظروف من خلال الأحداث والتغييرات الدينية والسياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، ونراه عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ونشاهده في وسائل الإعلام المختلفة، وسنراه أكثر في الأعمال الأدبية التي ستتمخض عنها تلك الأحداث. وكل هذا وذاك سيتمخض عنه - إلى جانب المقدس الديني الذي لا يعتريه تغيير - تقارب بين مستويات العامية على المستوى المحلي من ناحية، وتقارب العاميات المختلفة مع بعضها البعض من ناحية أخرى؛ وتقارب بين فصحى العصر وتلك العاميات الملتحمة ليكون لدينا عربية وليدة.