تطورت خلال الفترة الأخيرة علاقة شركات الأدوية بالأطباء والصيدليات إلي مراحل لفتت الانتباه وجذبت أنظار المتابعين إلي ما يكتنف هذه العلاقة من غموض غير مسموح بكشفه فقد ابتعد الارتباط بين الطرفين خارج حدود الشرح الوافي الذي تقدمه الشركة للأطباء حول عقار جديد تروج له قبل نزوله الأسواق وأصبحت علاقتهما متلازمة بحكم المصلحة التي اجتمعا علي إفادة كل منهما للآخر منها والتي تم الكشف عن طبيعتها مؤخرا حيث تحول مفهوم تسويق الأدوية إلي الدعاية لها والإعلان عنها باستقطاب الأطباء وضمهم إلي حملات الدعاية غير المشروعة والحصول علي وعد بتزكية الدواء الجديد لدي مرضاه والذي غالبا ما يكون ثمنه في غير متناول العامة بكتابته والإصرار علي شرائه بدعوي أنه الملاذ الآمن لأعراضهم المرضية، وذلك مقابل الهدايا والمزايا والرحلات ونسب ضئيلة في الربح بل يمتد الأمر إلي حد تسفير الأطباء واستغلال مكانتهم في الترويج لمنتجاتهم في دول خارجية بحيث يتسع نشاط تلك الشركات علي حساب الضمير المهني للطبيب الذي باع القسم الطبي ومعه المرضي والمحتاجين مقابل ثمن بخس ببعض الهدايا والمزايا والرحلات. يقول د. محمد عبدالله: ما تقوم به شركات الأدوية مع الأطباء تحول إلي ظاهرة من حيث توفير تذاكر السفر لهم وتحمل تكاليف حضور المؤتمرات الدولية فضلا عن الإقامة الفخمة في الفنادق العالمية بل أحيانا تضغط المستشفيات من خلال أطبائها علي شركات الأدوية من أجل الحصول علي ميزات وتسهيلات خاصة كرعاية مؤتمرات خاصة بالأقسام الطبية المختلفة هذا بخلاف الهدايا وكل هذا يكون مقابل إصرار الطبيب علي صرف دواء معين دون غيره رغم توفير البديل الآمن أو الإصرار علي شراء الدواء المصنع في شركة محددة دون الأخري بحجة أنه الأكثر فاعلية من غيره. وتقول لمياء عبدالحميد: ذهبت إلي أحد الأطباء فنصحني بدواء مرتفع الثمن وطلب تناوله لمدة 3 أشهر علي الأقل وعندما سألت في الصيدليات عن بديل آمن بسعر أقل عثرت عليه وأخبرته بالأمر في الاستشارة فرفض أن اشتري البديل وأصر علي شراء نفس الدواء مرتفع الثمن بل صارحني برفض متابعة حالتي المرضية إذا ما أقدمت علي تناول العقار البديل. ويقول عبده بلال: أجرت زوجتي عملية كبري وكان لابد أن تتناول مضادا حيويا قوي المفعول بعد الجراحة حتي يتم شفاؤها تماما دون أي مضاعفات ولكن اتضح أن الطبيب الجراح وصف لنا عقارا دوائيا لم يكن قوي المفعول بالنسبة لحالتها الحرجة مما أدي إلي دخولها الرعاية المركزة وهناك أوضح لنا الأطباء المعالجين أن السبب يكمن في المضاد الحيوي الضعيف الذي تناولته بعد الجراحة نتيجة إصرار الطبيب علي الترويج لشركات بعينها دون غيرها. وعلي غرار الفائدة التي تعود علي الطبيب من خلال تعامله مع شركات الأدوية كانت هناك الفائدة التي تعود عليه من تعامله مع مركز أشعة أو تحاليل بعينه حيث يحصل الطبيب علي نسبة عن كل مريض يتم إيفاده إلي المركز الذي يتعامل معه. تقول ليلي مصطفي: طلب مني الطبيب أشعة رنين مغناطيسي وكتب لي في "الروشتة" اسم مركز معين وعنوانه وأرقام تليفوناته قائلا إنه أرخص من غيره ولذلك يفضله عن غيره وحينما علمت من المركز أن أشعة الرنين تكلفتها تتجاوز ال 700 جنيه توجهت إلي مركز خيري يتناسب مع إمكانياتي المادية الضعيفة وبمجرد عرضها علي الطبيب رفض مجرد النظر إليها متعللا بعدم ثقته في المركز الذي أجريت فيه الأشعة وأصر علي إعادة الأشعة مجددا دون أن يفحص الأشعة الأخري وكانت النتيجة خروجي من عنده دون عودة وتوجهت إلي طبيب آخر. د. عمرو أبوخليل يوضح أسرار العلاقة غير الشرعية في العلاقة بين الطبيب وشركات الأدوية شركات الأدوية هي المنتجة للأدوية التي يصفها الطبيب لمرضاه، إذن لابد من وجود علاقة وثيقة حيث تقوم شركات الدواء بإعلام الطبيب بطبيعة الدواء الذي تنتجه ودوره حتي يعلم الطبيب بوجوده ويستطيع وصفه لمرضاه كي تتحقق الفائدة المرجوة وبما أن مفهوم الإعلام العلمي اختلط بمفهوم الدعاية التسويقية فقد بدأ الأمر بسيطا بقيام مندوب الشركة بتوزيع أقلام وميداليات وأجندات وغيرها من وسائل الدعاية علي الأطباء وهكذا يبدو الأمر مقبولا جدا في حدود هذه النقطة ثم تطور الأمر إلي تسويق عينات الدواء المجانية لدي الأطباء فبعض الأدوية باهظة الثمن والطبيب يستخدمها لجذب المرضي بإعطائها له أو بيعها له بسعر أرخص ثم تضع شركة الأدوية يدها علي المؤتمرات العلمية للتحول إلي مؤتمرات للدعاية للأدوية علي حساب المحتوي العلمي ومن ثم إخضاع الحضور لمعايير شركة الأدوية فمن يصف الدواء بكثرة بين الأطباء أصحاب العيادات وأصحاب السطوة والنفوذ في إقرار تداول الأدوية في المستشفيات هم من يقع عليهم اختيار شركات الأدوية لتسفيرهم وأسرهم في رحلات ترفيهية وسياحية وبالتالي تتحول المؤتمرات العلمية إلي رحلات ترفيهية تتنافس خلالها شركات الأدوية علي الأطباء الموالين لمصالحهم. ويضيف د. عمرو أن بعضا من الأطباء تكون لهم طلبات محددة من مندوبي الشركات تبدأ من تليفونات محمولة للأبناء وتصل إلي أدوات كهربائية لتتحول الصورة في النهاية إلي منظومة متكاملة من الفساد والإفساد في هذا القطاع الطبي الخطير.. ويؤكد أن كل التصورات السابقة ممنوعة طبقا لميثاق وقانون الصيادلة الذي ينص علي حظر الدعاية للدواء بأي وسيلة، أي أن المسموح به فقط هو الشرح المباشر لطبيعة الدواء وطريقة عمله بدون أي مؤثرات أخري حتي تبقي العلاقة بين شركات الأدوية والأطباء شرعية ويجب أن يتم الاتفاق والتوافق علي هذه المبادئ، وتضم ميثاق المهنة في نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة وتوضع عقوبات واضحة لمن يخالف هذا الأمر في الجانبين ويطالب د. عمرو مجلس الشعب بسن القوانين اللازمة لتنظيم ممارسات شركات الأدوية للحد من سطوتها وذلك بعد جلسات استماع مشتركة بين الأطباء والشركات للوصول إلي الصيغة المناسبة لتنظيم الأمر برمته والتخلص من منظومة الفساد والعلاقة الآثمة بين الأطباء والصيادلة من جهة وشركات الأدوية من جهة أخري.