من الصعب أن تلتقي في هذا الزمن برجل يتحلي بأخلاق الفرسان.. هذا الرجل قد يكون قادما من الاساطير أو من عصور الانبياء ؛ هذا الرجل الاسطوري ببساطته وسلوكه الفذ يستحق أن نطلق عليه لفظ رجل .. فالرجولة موقف وسلوك .. مسئولية حقيقية ووعي بدورها في تكوين الانسان .. هذا الرجل الفارس قادر علي العطاء والاحتواء ؛ وليس الاخذ فقط ؛ لديه القدرة علي تمييز معادن الناس وسبر أغوارهم وتفهم معاناتهم واستيعاب أفراحهم وأحزانهم بعقل كبير وقلب أكبر . في زمن قاس .. زمن التصدع واللا أخلاق؛ أصبح الرجل الفارس..الرجل الحقيقي..عملة نادرة .. هل عرفت في حياتك رجلا لا يقهر؟ أنه الرجل الفارس هو الذي لا يقهر ولا يظلم . عرفت الروائي والقاص سعود قبيلات منذ زمن قريب ؛ وقد لمت نفسي كيف لي لم أعرف هذا الرجل من قبل ؟ وكيف سمحت لنفسي أن تأخرت معرفتي به ؟ وعندما قلت له هذا ابتسم وشكرني وكأنه يقول " لا تجاملني الي هذا الحد " . حتي هذه اللحظة لم أعرف شخصا قال كلمة سيئة في حق هذا الرجل .. سواء كان علي المستوي الانساني أو الابداعي .. من المؤكد يا " سعود" أن اخلاق الفرسان وانسانية المواقف هي رصيد الانسان الحقيقي في هذه الحياة .. دعني استعير ماقاله الروائي "مؤنس الرزاز "الزمان والمكان وانعكاسهما على حياة الإنسان... جوهر ما يطرحه سعود قبيلات. المكان الضيق أو الزنزانة يعنيان توقف الزمن. إنها الحرب بين الأمكنة القسرية والأزمنة المتواطئة... والإنسان هو الضحية". فهولم يرضَ بأي سياج لحريّة الفكر والتعبير في المجتمع ؛ فكيف له أن يرضى بأسيجةٍ تطوّقُ مسارب ابداعه القصصي وتحاصره في أشكاله التقليدية ؛ والتي جربها منذ نحو ثلاثين عاما من الكتابة .. عبر مجموعاته القصصية الخمس وضع نصب عينيه التفلت من الشكل الكلاسيكي للقصة القصيرة ؛ وخوض تجارب في التجديد والتجريب بوعي وادراك لقيمة التجربة الابداعية . كذلك لم يكتب الا بعصارة وعيه وروحه فجمع خلاصات تعود معظمها إلى تجربة السجن وتأثيراتها في الكاتب وفي البشر الذين عرفهم. ورغم أن السجن جدران اربعة محدودة الا أن رؤية المبدع تتجاوز هذه الجدران الي أفق قد لا يصله من هم خارج الجدران ؛ وصدق القائل " كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة " فكانت تجربة السجن ل " سعود " فضاء للتأمل والادراك .. وعندما خرج من السجن لم ينسلخ عن هذه المحنة التي منحته أن يقف أمام خيارات شتي بين ما هو انساني ( سياسي واجتماعي .. ) وبين ما هو ابداعي ؛ فطرح نصه سؤال : هل النص هو الظاهر أم الباطن ؟ ولا يوجد فن حقيقي أيا كان نوعه أو شكلة بلا قضية أو هموم انسانية .. هو نفسه قال " الكتابة بالتأكيد ساعدتني على تجاوز تجربة السجن .. والثوار دائما موجودون في قصصي لكن الثوار في قصصي ؛ يختلفون ويتغيرون باستمرار ويتطورون وتختلف ظروفهم من مرحلة إلى مرحلة ومن قصة إلى قصة فهناك يعني جدل ما بين الثابت والمتحول في هذا المجال ... السجن ليس لحظة عابرة بحياة الإنسان ؛ ليس مجرد مكان سكن فيه الإنسان لفترة من الزمن أو يعني مشوار ما، السجن حالة خاصة مثل الحرب، الإنسان إذا دخل الحرب يخرج بتجربة ربما يمضي حياته كلها وهو يتحدث عن هذه التجربة دون أن يستنفذها كذلك الأمر بالنسبة للسجن " . من المؤكد أنه ليس كل الذين يدخلون السجن أو يشاركون في الحروب يصبحون كتابا أو فنانين؟ لكن المؤكد أن الكاتب أو الفنان الذي دخل السجن وخرج منه سيكون لديه ما يقوله ربما حتي أخر العمر . وليس كل الذين دخلوا السجن هم فرسان .. فالفارس الحقيقي ( داخل السجن أو خارجه ) هو فارس .