لا شك أن خليل الخوري استطاع أن يقدم رواية بمعنى الرواية، منذ عام 1856. حيث تجد نفسك وأنت تقرأها، مستمتعاً، ومشدوداً بقصة اجتماعية تصور تفكير طبقة عربية ومفاهيمها نحو الإفرنجي. بهذه الرواية "وي إذن لست بإفرنجي" رسم لنا الخوري بطريقة ساخرة كيف كان تفكير بعض الشخصيات العربية، فهذا هو ميخائيل الذي قلب اسمه ليصبح ميخالي، كما نراه اليوم من تغيير أسماء المهاجرين العرب إلى الغرب، فاسم أمل يصبح إميلي، واسم يوسف يصبح جو، واسم فاطمة يصبح فاتيمة، وهكذا، طبعاً ما ذكرته هنا هو أسماء شخصيات مهاجرة أعرفها شخصياً. وأما عن الدراما في الرواية والمفارقات فهي كثيرة، إذ ينهض الأب ميخائيل الذي يريد إغراء إدموند الفرنسي ليتزوج من ابنته إميلي، وذلك بدعوته لتناول طعام العشاء في بيته؛ "في اليوم التالي، لمهمات الوليمة، أوصى ميخالي ابنته إميلي بأن تلبس فستانها الإفرنجي، ولما صار العصر، أرسل الخادم يستدعي الشاب الإفرنجي (إدموند)". وبينما يدخل إدموند إلى بيت ميخالي صاحب الوليمة، يجد أن الصبية إميلي جالسة وبجانبها شاب لطيف الذات.. فوجىء والد الفتاة بدخول إدموند على هذا الوضع، فنهض لاستقباله وهو يقول له: "هذا الشاب هو أسعد ابن عم أم الفتاة، وامرأتي تعزه لأنه من أقاربها، وأما أنا فلا أكترث به، لأنه عربي، ولا يعرف لغة إفرنجية.. وأنا لا أزوجها لابن عرب، وأهين شرفي". وعندما شاهد إدموند فرط التعظيم المقدم له، اعتز بنفسه، فجلس معجباً بنفسه، وقال: "يجب إذن أن أكون مهاباً بأعين هؤلاء القوم.." وخلال وقت العشاء حاولت الفتاة إميلي التعرف على إدموند، ففهمت منه أنه فرنسي من الذوات، ولكنه هارب من التجنيد الوطني حيث الحرب تدور بين إيطاليا وفرنسا، فقرر الهرب إلى بلاد العرب حتى تنتهي الحرب. ورغم أن الهروب من التجنيد الوطني يعتبر خيانة وطنية، إلا أن إميلي قبلته على هذا الحال، إذ يبدو أنها انتهازية من سلالة أبيها، فابتعدت عن قريبها "أسعد"، الذي يحبها منذ زمن، "فجعلت عيون إدموند هدفاً لألحاظها، وسبحت معه بمسامرة جرّتها إلى أحاديث الجوى." ص134. وعند حديثها عن خطوبته لها، فوجئت أن هذا الفرنسي يطلب منها مهراً، بدل أن يدفعه لها، إذ قال صفحة 150 "أريد أن أسألك عن شيء واحد فقط، وهو كم من النقد (الدوته) أعد لك أبوك؟". وبعد حوار طويل تكتشف إميلي أن هذا الفرنسي هو خادم في مطعم، ومتهم بالسرقة هناك، مما دفعه للهرب إلى بلاد العرب، وفي نهاية القصة، تصله رسالة من أبيه توضح أنهم قد تعرفوا على السارق الحقيقي، وأنه بريء، وأن صاحب المطعم يريد عودته للعمل، فتذهل من ذلك، ويستسلم الأب لأفكار زوجته، ويقول لها ص 168: "فاصنعي من الآن ما ترينه مناسباً، ترينني لا أعارضك بشيء." بينما تعود إميلي الانتهازية تستدرج قريبها أسعد للزواج منه. ويستخدم المؤلف هنا أسلوب الرسائل المطولة بين إميلي وأسعد، لدفع الحوار الذي لم يؤد إلى الزواج بينهما، بل كانت نتيجته هجر أسعد لبلاد المحبوبة الانتهازية، وسقوط إميلي في عالم الرهبنة في الدير لتعيش بقية عمرها في غمٍّ وهمّ. وهجرة أسعد هذه كثيراً ما نلاحظها لدى الشبان العرب خاصة الشوام الذين هاجر الملايين منهم إلى بلاد الغرب سواء أوروبا أو الأميركتين، أو أفريقيا المليئة بالتجار العرب السوريين. وتلاحظ في هذه الرواية تطرق الخوري للمطالبة قبل غيره من النقاد الحداثيين العرب، بتحديث الشعر، إذ يقول ص 64: "لأن الشعر على ما نرى، يجب أن يكون حقيقة ممتزجة بالهوس، لا كما قيل إنه كلام يقصد به الوزن والقافية، وحينئذ يجب أن يكون الشاعر كسكران يتكلم بالحقائق..". ونجد أن هذه الرواية التي كانت السباقة لغيرها في تاريخ الرواية العربية، تتحلى بالخيال والانزياحات التعبيرية، إذ يقول الخوري بأسلوب جميل في ص 89:" ينبغي أن نرحل قبل أن تمانعنا نبال الأمطار ومعامع الأنواء، لأننا قد قطعنا بها رأس الخريف وذنبه، فهاجمتنا أقدام الشتاء بجيوش الغيوم، التي لاحت تكسو بنات السماء بنسيج قطنها المندوف المتراكم في ساحة الفضاء..." وفي صفحة 138 يقول: "كان ميل الأغصان يذكره بقوام إميلي، ويسمع بخرير الماء صدى نغمات تلك الألفاظ التي كانت تحلى بها آذانه، ووجهها يرتسم أمامه بهيئة الدلال على صحيفة تلك الفضة السيالة، وشعاع شمس الخريف، الضعيفة لوجلها من الفراق، المنسكب على سطوح الأشجار." وبينما نقرأ على غلاف كتاب "زينب" لمحمد حسين هيكل الصادر عام 1914 أن جنس الكتاب هو "مناظر وأخلاق ريفية"، ففي المقدمة يقول هيكل: "هذه القصة..." نجد أن خليل الخوري يكتب في "وي إذن لست بإفرنجي!" أنها "رواية" إذ يقول في صفحة 90:" ففتِّح أذنيك لنحدثك بتتمة هذه الرواية...". وبذلك يوضح أن هذا الكتاب هو "رواية" بمفهوم الرواية التي نعرفها اليوم. وهذا فتح علينا تطوير أجناسنا الأدبية وعلى رأسها الرواية، إذ أن "ألف ليلة وليلة" تعتبر "الرواية الأم" في العالم، وليس الوطن العربي وحده، حسب كتاب ماهر البطوطي، الشهير "ألف ليلة وليلة - الرواية الأم" مكتبة الأوبرا في العتبة بالقاهرة. لا شك أن خليل الخوري استطاع أن يقدم رواية بمعنى الرواية، منذ عام 1856. حيث تجد نفسك وأنت تقرأها، مستمتعاً، ومشدوداً بقصة اجتماعية تصور تفكير طبقة عربية ومفاهيمها نحو الإفرنجي. بهذه الرواية "وي إذن لست بإفرنجي" رسم لنا الخوري بطريقة ساخرة كيف كان تفكير بعض الشخصيات العربية، فهذا هو ميخائيل الذي قلب اسمه ليصبح ميخالي، كما نراه اليوم من تغيير أسماء المهاجرين العرب إلى الغرب، فاسم أمل يصبح إميلي، واسم يوسف يصبح جو، واسم فاطمة يصبح فاتيمة، وهكذا، طبعاً ما ذكرته هنا هو أسماء شخصيات مهاجرة أعرفها شخصياً. وأما عن الدراما في الرواية والمفارقات فهي كثيرة، إذ ينهض الأب ميخائيل الذي يريد إغراء إدموند الفرنسي ليتزوج من ابنته إميلي، وذلك بدعوته لتناول طعام العشاء في بيته؛ "في اليوم التالي، لمهمات الوليمة، أوصى ميخالي ابنته إميلي بأن تلبس فستانها الإفرنجي، ولما صار العصر، أرسل الخادم يستدعي الشاب الإفرنجي (إدموند)". وبينما يدخل إدموند إلى بيت ميخالي صاحب الوليمة، يجد أن الصبية إميلي جالسة وبجانبها شاب لطيف الذات.. فوجىء والد الفتاة بدخول إدموند على هذا الوضع، فنهض لاستقباله وهو يقول له: "هذا الشاب هو أسعد ابن عم أم الفتاة، وامرأتي تعزه لأنه من أقاربها، وأما أنا فلا أكترث به، لأنه عربي، ولا يعرف لغة إفرنجية.. وأنا لا أزوجها لابن عرب، وأهين شرفي". وعندما شاهد إدموند فرط التعظيم المقدم له، اعتز بنفسه، فجلس معجباً بنفسه، وقال: "يجب إذن أن أكون مهاباً بأعين هؤلاء القوم.." وخلال وقت العشاء حاولت الفتاة إميلي التعرف على إدموند، ففهمت منه أنه فرنسي من الذوات، ولكنه هارب من التجنيد الوطني حيث الحرب تدور بين إيطاليا وفرنسا، فقرر الهرب إلى بلاد العرب حتى تنتهي الحرب. ورغم أن الهروب من التجنيد الوطني يعتبر خيانة وطنية، إلا أن إميلي قبلته على هذا الحال، إذ يبدو أنها انتهازية من سلالة أبيها، فابتعدت عن قريبها "أسعد"، الذي يحبها منذ زمن، "فجعلت عيون إدموند هدفاً لألحاظها، وسبحت معه بمسامرة جرّتها إلى أحاديث الجوى." ص134. وعند حديثها عن خطوبته لها، فوجئت أن هذا الفرنسي يطلب منها مهراً، بدل أن يدفعه لها، إذ قال صفحة 150 "أريد أن أسألك عن شيء واحد فقط، وهو كم من النقد (الدوته) أعد لك أبوك؟". وبعد حوار طويل تكتشف إميلي أن هذا الفرنسي هو خادم في مطعم، ومتهم بالسرقة هناك، مما دفعه للهرب إلى بلاد العرب، وفي نهاية القصة، تصله رسالة من أبيه توضح أنهم قد تعرفوا على السارق الحقيقي، وأنه بريء، وأن صاحب المطعم يريد عودته للعمل، فتذهل من ذلك، ويستسلم الأب لأفكار زوجته، ويقول لها ص 168: "فاصنعي من الآن ما ترينه مناسباً، ترينني لا أعارضك بشيء." بينما تعود إميلي الانتهازية تستدرج قريبها أسعد للزواج منه. ويستخدم المؤلف هنا أسلوب الرسائل المطولة بين إميلي وأسعد، لدفع الحوار الذي لم يؤد إلى الزواج بينهما، بل كانت نتيجته هجر أسعد لبلاد المحبوبة الانتهازية، وسقوط إميلي في عالم الرهبنة في الدير لتعيش بقية عمرها في غمٍّ وهمّ. وهجرة أسعد هذه كثيراً ما نلاحظها لدى الشبان العرب خاصة الشوام الذين هاجر الملايين منهم إلى بلاد الغرب سواء أوروبا أو الأميركتين، أو أفريقيا المليئة بالتجار العرب السوريين. وتلاحظ في هذه الرواية تطرق الخوري للمطالبة قبل غيره من النقاد الحداثيين العرب، بتحديث الشعر، إذ يقول ص 64: "لأن الشعر على ما نرى، يجب أن يكون حقيقة ممتزجة بالهوس، لا كما قيل إنه كلام يقصد به الوزن والقافية، وحينئذ يجب أن يكون الشاعر كسكران يتكلم بالحقائق..". ونجد أن هذه الرواية التي كانت السباقة لغيرها في تاريخ الرواية العربية، تتحلى بالخيال والانزياحات التعبيرية، إذ يقول الخوري بأسلوب جميل في ص 89:" ينبغي أن نرحل قبل أن تمانعنا نبال الأمطار ومعامع الأنواء، لأننا قد قطعنا بها رأس الخريف وذنبه، فهاجمتنا أقدام الشتاء بجيوش الغيوم، التي لاحت تكسو بنات السماء بنسيج قطنها المندوف المتراكم في ساحة الفضاء..." وفي صفحة 138 يقول: "كان ميل الأغصان يذكره بقوام إميلي، ويسمع بخرير الماء صدى نغمات تلك الألفاظ التي كانت تحلى بها آذانه، ووجهها يرتسم أمامه بهيئة الدلال على صحيفة تلك الفضة السيالة، وشعاع شمس الخريف، الضعيفة لوجلها من الفراق، المنسكب على سطوح الأشجار." وبينما نقرأ على غلاف كتاب "زينب" لمحمد حسين هيكل الصادر عام 1914 أن جنس الكتاب هو "مناظر وأخلاق ريفية"، ففي المقدمة يقول هيكل: "هذه القصة..." نجد أن خليل الخوري يكتب في "وي إذن لست بإفرنجي!" أنها "رواية" إذ يقول في صفحة 90:" ففتِّح أذنيك لنحدثك بتتمة هذه الرواية...". وبذلك يوضح أن هذا الكتاب هو "رواية" بمفهوم الرواية التي نعرفها اليوم. وهذا فتح علينا تطوير أجناسنا الأدبية وعلى رأسها الرواية، إذ أن "ألف ليلة وليلة" تعتبر "الرواية الأم" في العالم، وليس الوطن العربي وحده، حسب كتاب ماهر البطوطي، الشهير "ألف ليلة وليلة - الرواية الأم" مكتبة الأوبرا في العتبة بالقاهرة.