ذكرت في مقال سابق أن بعض النقاد العمالقة يكتشفون كُتّابًا جددًا، ولا يفكرون في الكتابة عن كتاب مشهورين، معروفين للجميع؛ ذلك لأن دَور الناقد هو اكتشاف كتابات جديدة، لوجوه جديدة، أو أفكار جديدة يقدمها أي كاتب يستحق القراءة، سواء كان جديدًا أو قديمًا، مشهورًا أو مغمورًا. وبالمقابل فبعض النقاد لا يريدون أن يضيعوا وقتهم في استكشاف كاتب جديد، وحتى لو اكتشفوه، فقد لا تنشر لهم وسائل النشر ما كتبوه، وإن نشرت، فقد لا تدفع لهم مكافأة مالية هم بأمسِّ الحاجة إليها، فقد ذكر لي ناقد أدبي عربي أنه كتب قراءة في مجموعة قصصية لكاتبة ناشئة، ولكنها مبدعة حقًا- حسب قول الناقد- ولكن المجلة التي أرسل مادته إليها رفضت النشر، بحجة أنها لا تنشر لكاتبة مغمورة. وبعض النقاد الذين لا يرغبون في إتعاب أنفسهم في الاستكشاف، ولا تستقطب شهيتهم النقدية سوى الشطيرة الدسمة، تجدهم ينتظرون الرواية أو الكتاب الذي حصل على جائزة شهيرة، فينقضون عليه قراءة، ونقدًا، وتمحيصًا واستزادة وتنقيصًا، ليكتشفوا اللؤلؤ المخبوء في ثنايا الرواية، التي كانت قد حصلت على الجائزة. وحسب رأيي المتواضع، فما دامت الرواية أو الكتاب قد حصل على الجائزة، فما الداعي لنقده، وتبيان محاسنه من عيوبه، وإيجابياته من سلبياته؟ ففي لقاء مع ناقد عربي خلال مؤتمر نقدي عربي، قدمت له إحدى رواياتي، فقال لي إنه يعتذر عن عدم قبولها، لأن وزن الكتب التي يحملها أعلى من المسموح به في السفر، ولكنه في اليوم التالي تقدم نحوي، وطلب مني شخصيًا، بصفته غريب بلاد، وأنا "العبد لله" بصفتي محليًا، وابن بلد، وأعرف شوارع المدينة كلها ما شاء الله، أن أبحث له في المكتبات المحلية عن رواية لكاتب ذكر لي اسمه واسم روايته، حصل حديثًا على جائزة معروفة، فاستغربت طلبه وقلت له: "ولكن كيف يسمح وزن كتبك المسموح بها في السفر لرواية إضافية، تريد أن تشتريها، في الوقت الذي ترفض فيه رواية، كهدية مجانية مني؟". لا أريد أن أدعي لنفسي المنافسة هنا، ولكنني شعرت أن هكذا نقاد، إنما يبحثون عن الكتاب الذي حصل على جائزة، بغضِّ النظر عن كون الجائزة قد أعطيت لذلك الكاتب، كحق له، أو لظروف غير موضوعية، ساقتهم للتوقيع بالموافقة على تقديم جائزة لمن لا يستحق، وليست قراءة كتاب، يكتشفون بنقدهم، وبنظرهم الثاقب أنه يستحق الإشهار، ولا أقول بالضرورة "الجائزة". ومما قاله لي روائي عربي أصدر عدة روايات، أعتقد أنها جيدة، إنه طلب من ناقد أدبي، يعمل صحفيًا، كان زميله في المدرسة، منذ صغره، أن ينقد له روايته الرابعة، التي صدرت يومها حديثًا. ودون أن يقرأ الناقد الألمعي، قال له: "أنا أعرفك منذ صغرك، كنت على باب الله، وستبقى على باب الله، وأنصحك ألا تضيع وقتك في جهد روائي لا فائدة ترجى منه". لو كان ذلك الكاتب يافعًا لتعرض لصدمة قوية قد تهد مسيرته الروائية، ولكنه لسوء حظ الناقد اللوذعي، كان قد تعدى مرحلة استمزاج آراء الآخرين. المشكلة أن الصحفي المعروف يومها كان يغار من ذلك الكاتب منذ الطفولة، وعند الكبر لم يستطع كتابة رواية مرموقة تضاهي عمله الصحفي المرموق، فكانت عنده عقدة من تفوق زميله عليه، الذي كان مغمورًا في مرحلة المدرسة. ولقد قالت لي إحدى الكاتبات الجميلات، وهي ذات كتابة بسيطة (على ما قُسُم)، أن باب الناقد العظيم فلان الفلاني مفتوح لها في أي وقت، وأنه سبق وأن كتب نقدًا جميلاً عنها لأكثر من مرة، بينما شكا لي كاتب آخر، أنه أهدى إلى ذلك الناقد العظيم عدة كتب منشورة في كبرى دور النشر العربية، ولكنه لم يصله حتى ولو مكالمة هاتفية، أو رسالة من سطر واحد، تعبر له عن إيجابيات أو سلبيات أحد الكتب المهداة إليه، ولم يكتب أي قراءة عنها. ومن أغرب ما سمعت من أحد الكتاب، وليكن اسمه "وسام" مثلا، أنه كان يرسل كتاباته لإحدى المجلات، فتنشره له دون تأخير، وذات يوم وصله من إدارة المجلة كتاب يقول: "إن كتابتكِ يا سيدة وسام جميلة جدا، ولهذا فأنت مدعوة إلى مؤتمر أدبي سيعقد بتاريخ محدد، علما بأن كل التكاليف مدفوعة"، فأجبته بأنني رجل ولست سيدة كما تعتقد يا سيدي، فلم يصلني منهم أي رد، ولم يؤكد لي الحجز، الذي صار ملغيًا بالنتيجة، وبعد ذلك التاريخ لم تنشر لي أي مادة أرسلتها للمجلة، فصرت في طي النسيان. وللقول بصراحة، "إن بعض النقد الأدبي إثم"، ولا أقول معظمه، فمعظم النقاد يتسمون بالنزاهة المتوقعة، ولكن بعض الكتابات النقدية لا تتم بالبراءة التي نتخيلها، إذ إن المخفي أعظم في توظيف النقد، وأن للتوظيف النقدي الأدبي شئونًا وشجونًا. ذكرت في مقال سابق أن بعض النقاد العمالقة يكتشفون كُتّابًا جددًا، ولا يفكرون في الكتابة عن كتاب مشهورين، معروفين للجميع؛ ذلك لأن دَور الناقد هو اكتشاف كتابات جديدة، لوجوه جديدة، أو أفكار جديدة يقدمها أي كاتب يستحق القراءة، سواء كان جديدًا أو قديمًا، مشهورًا أو مغمورًا. وبالمقابل فبعض النقاد لا يريدون أن يضيعوا وقتهم في استكشاف كاتب جديد، وحتى لو اكتشفوه، فقد لا تنشر لهم وسائل النشر ما كتبوه، وإن نشرت، فقد لا تدفع لهم مكافأة مالية هم بأمسِّ الحاجة إليها، فقد ذكر لي ناقد أدبي عربي أنه كتب قراءة في مجموعة قصصية لكاتبة ناشئة، ولكنها مبدعة حقًا- حسب قول الناقد- ولكن المجلة التي أرسل مادته إليها رفضت النشر، بحجة أنها لا تنشر لكاتبة مغمورة. وبعض النقاد الذين لا يرغبون في إتعاب أنفسهم في الاستكشاف، ولا تستقطب شهيتهم النقدية سوى الشطيرة الدسمة، تجدهم ينتظرون الرواية أو الكتاب الذي حصل على جائزة شهيرة، فينقضون عليه قراءة، ونقدًا، وتمحيصًا واستزادة وتنقيصًا، ليكتشفوا اللؤلؤ المخبوء في ثنايا الرواية، التي كانت قد حصلت على الجائزة. وحسب رأيي المتواضع، فما دامت الرواية أو الكتاب قد حصل على الجائزة، فما الداعي لنقده، وتبيان محاسنه من عيوبه، وإيجابياته من سلبياته؟ ففي لقاء مع ناقد عربي خلال مؤتمر نقدي عربي، قدمت له إحدى رواياتي، فقال لي إنه يعتذر عن عدم قبولها، لأن وزن الكتب التي يحملها أعلى من المسموح به في السفر، ولكنه في اليوم التالي تقدم نحوي، وطلب مني شخصيًا، بصفته غريب بلاد، وأنا "العبد لله" بصفتي محليًا، وابن بلد، وأعرف شوارع المدينة كلها ما شاء الله، أن أبحث له في المكتبات المحلية عن رواية لكاتب ذكر لي اسمه واسم روايته، حصل حديثًا على جائزة معروفة، فاستغربت طلبه وقلت له: "ولكن كيف يسمح وزن كتبك المسموح بها في السفر لرواية إضافية، تريد أن تشتريها، في الوقت الذي ترفض فيه رواية، كهدية مجانية مني؟". لا أريد أن أدعي لنفسي المنافسة هنا، ولكنني شعرت أن هكذا نقاد، إنما يبحثون عن الكتاب الذي حصل على جائزة، بغضِّ النظر عن كون الجائزة قد أعطيت لذلك الكاتب، كحق له، أو لظروف غير موضوعية، ساقتهم للتوقيع بالموافقة على تقديم جائزة لمن لا يستحق، وليست قراءة كتاب، يكتشفون بنقدهم، وبنظرهم الثاقب أنه يستحق الإشهار، ولا أقول بالضرورة "الجائزة". ومما قاله لي روائي عربي أصدر عدة روايات، أعتقد أنها جيدة، إنه طلب من ناقد أدبي، يعمل صحفيًا، كان زميله في المدرسة، منذ صغره، أن ينقد له روايته الرابعة، التي صدرت يومها حديثًا. ودون أن يقرأ الناقد الألمعي، قال له: "أنا أعرفك منذ صغرك، كنت على باب الله، وستبقى على باب الله، وأنصحك ألا تضيع وقتك في جهد روائي لا فائدة ترجى منه". لو كان ذلك الكاتب يافعًا لتعرض لصدمة قوية قد تهد مسيرته الروائية، ولكنه لسوء حظ الناقد اللوذعي، كان قد تعدى مرحلة استمزاج آراء الآخرين. المشكلة أن الصحفي المعروف يومها كان يغار من ذلك الكاتب منذ الطفولة، وعند الكبر لم يستطع كتابة رواية مرموقة تضاهي عمله الصحفي المرموق، فكانت عنده عقدة من تفوق زميله عليه، الذي كان مغمورًا في مرحلة المدرسة. ولقد قالت لي إحدى الكاتبات الجميلات، وهي ذات كتابة بسيطة (على ما قُسُم)، أن باب الناقد العظيم فلان الفلاني مفتوح لها في أي وقت، وأنه سبق وأن كتب نقدًا جميلاً عنها لأكثر من مرة، بينما شكا لي كاتب آخر، أنه أهدى إلى ذلك الناقد العظيم عدة كتب منشورة في كبرى دور النشر العربية، ولكنه لم يصله حتى ولو مكالمة هاتفية، أو رسالة من سطر واحد، تعبر له عن إيجابيات أو سلبيات أحد الكتب المهداة إليه، ولم يكتب أي قراءة عنها. ومن أغرب ما سمعت من أحد الكتاب، وليكن اسمه "وسام" مثلا، أنه كان يرسل كتاباته لإحدى المجلات، فتنشره له دون تأخير، وذات يوم وصله من إدارة المجلة كتاب يقول: "إن كتابتكِ يا سيدة وسام جميلة جدا، ولهذا فأنت مدعوة إلى مؤتمر أدبي سيعقد بتاريخ محدد، علما بأن كل التكاليف مدفوعة"، فأجبته بأنني رجل ولست سيدة كما تعتقد يا سيدي، فلم يصلني منهم أي رد، ولم يؤكد لي الحجز، الذي صار ملغيًا بالنتيجة، وبعد ذلك التاريخ لم تنشر لي أي مادة أرسلتها للمجلة، فصرت في طي النسيان. وللقول بصراحة، "إن بعض النقد الأدبي إثم"، ولا أقول معظمه، فمعظم النقاد يتسمون بالنزاهة المتوقعة، ولكن بعض الكتابات النقدية لا تتم بالبراءة التي نتخيلها، إذ إن المخفي أعظم في توظيف النقد، وأن للتوظيف النقدي الأدبي شئونًا وشجونًا.