إن فوز الكاتب البيروني ماريو بارجاس يوسا، بجائزة نوبل 2010، يؤكد أن كل التوقعات والتكهنات التي يتم طرحها قبل إعلان الجائزة، إنما هي مجرد احتمالات بعيدة عن آراء المحكمين. أخيرا نال الكاتب البيروني "ماريو بارجاس يوسا" جائزة نوبل للآداب. يمكننا القول بأن هذه الجائزة وصلته متأخرة لأعوام عدة، فقد طُرح اسمه في أكثر من عام إلا أنه لم يفز بالجائزة بالرغم من شهرته الواسعة، إلي أن جاء يوم السابع من أكتوبر، حتي أعلنت أكاديمية العلوم الملكية السويدية عن منح جائزة نوبل للاداب لعام 2010 للاديب ماريو باراجاس يوسا البالغ من العمر 74 عاما. وجاء في النبأ أن منح الجائزة لهذا الاديب جاء تثمينا "لتحديده البني السلطوية، وتصويره الدقيق للمقاومة الشخصية وتمردها وفشلها". وجائزة نوبل التي نالها يوسا، لن تزيده شهرة وانتشارا، فهو كاتب معروف، ورواياته مقروءة علي مستوي عالمي، ونال العديد من الجوائز الأدبية المرموقة، إلا أن جائزة نوبل وصلت إليه الآن لتزيد من تكريس اسمه وانتشاره. هذا الكاتب الذي قرأنا له رواية "حفلة التيس" و"السمكة في الماء"، كتب كثيراً عن رؤيته لبلاده التي يمزقها العنف، والتعصب، واللاتسامح. ويعتبر يوسا من أبرز الكتاب اللاتينيين، وأحد أعظم الأدباء في الدول الناطقة بالإسبانية، وهو من الكتاب القلائل الذين كانوا السبب في ازدهار الأدب في أمريكا اللاتينية. برز اسم يوسا بعد صدور روايته "المدينة والكلاب" عام 1963 والتي أصبحت معبودة القراء الشباب في الاتحاد السوفيتي. وقد أخرجت هذه الرواية كفيلم سينمائي في كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي. وفي عام 1967 صدرت له رواية ثانية بعنوان "الجراء"، والتي صورت الاضطهاد في مجتمعات أمريكا اللاتينية، وإثر صدورها أطلق عليه النقاد لقب "خليفة همنجواي". وتأثر يوسا بمناخ الثقافة الفرنسية؛ فهو يقول عن نفسه بأنه تلميذ سارتر، الذي يعتبر الكلمات أفعالًا، كما أنه لم يتوقف عن مديح جوستاف فلويبر وأدبه؛ لذا نجد في بعض رواياته اعتمادها علي الإطار الكلاسيكي، كما في "امتداح الخالة" و"شيطنات الطفلة الخبيثة"، وفي هاتين الروايتين يطرح يوسا علاقات حب مركبة، يشتبك فيها المتخيل مع الواقعي، لكن أكثر ما يثير مخيلة القارئ هو قدرته علي التعامل مع عاطفة الرغبة؛ حيث يمتلك يوسا براعة تحليلية في سبر أغوار النفس البشرية، والإضاءة علي كل تلك المشاعر الملتبسة. ويقول يوسا عن علاقته بالكتابة: "في غالب الأحيان أشعر بأننا قد نتلاشي، أو نتوه، حينذاك يحمل لنا الأدب نظاما ما، يعيد ترتيبنا؛ فالكتابة هي البحث عن الطمأنينة في داخل اللاطمأنينة". لقد كان من المتوقع أن تفاجئنا الأكاديمية السويدية لهذا العام أيضا، باسم مجهول بالنسبة لنا، بل ولكثير من البلدان، وأن يسارع المترجمون العرب بعد فوز ذاك الاسم بترجمة أعماله؛ لنبدأ باكتشافه بعد فوزه بنوبل، لكن ما حدث مع فوز ماريو بارجاس يوسا، أمر يدعو للتفاؤل قليلا بعقلانية الجائزة. وإن كان من جانب آخر يؤكد أن كل التوقعات والتكهنات التي يتم طرحها قبل الجائزة، هي مجرد احتمالات بعيدة عن آراء المحكمين.