أسعار السمك في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    أسعار الأعلاف في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    رئيس الحكومة العراقية: لم يعد هناك أي مبرر لوجود قوات أجنبية في بلادنا    طقس أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    محمد معيط: العجز في الموازنة 1.5 تريليون جنيه.. وأنا مضطر علشان البلد تفضل ماشية استلف هذا المبلغ    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    محمد معيط: أسعار السلع كانت تتغير في اليوم 3 مرات في اليوم.. ومارس المقبل المواطن سيشعر بالتحسن    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده خال: مريض بشخصياتي ولهذا السبب أزور المستشفيات كثيراً
نشر في صوت البلد يوم 28 - 01 - 2016

يخوض الروائي السعودي عبده خال، في روايته الجديدة «صدفة ليل»، مغامرة جديدة، لا تخلو من تشويق وتعقيد أيضاً. عالم عبده الروائي الذي تكرسه هذه الرواية، هو مزيد من تخييل وأفكار وأحداث تحضر في المستوى نفسه من الاتقان. يقول صاحب «الموت يمر من هنا» في حوار له «"إن من تدرب على السير في منحنيات الرواية، يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ"
ويضيف: «أنه يجد نفسه في التشظي»، معتبراً أن الوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح. عبده الذي يحيا على قضبان المرض والموت، يعتبر نفسه مريضاً بالكتابة، وأنه يساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعده بالكتابة. إلى نص الحوار:
- روايتك الجديدة «صدفة ليل» حققت مبيعات عالية في معرض جدة الدولي للكتاب، ترى ما الوصفة الفنية التي تعتمدها في كل رواية لتجعل منها شركاً للقارئ فيقبل عليها بهذا الشكل؟
الروائي ليس صانع فخاخ مهمته اصطياد العصافير الطليقة، الروائي مهمته أن يكشف لك عن عوالم مخبأة في أعماقه وصل إليها تجربة أو دراية.ربما يمارس دور الساحر بتبديل المواقع وكشف أن المشهد الذي يقف أمامه يومياً ليس كما تتصوره، إذ ثمة مستويات لما نعيش فيه وبه، وخدعة الروائي تقوم على أن المبتذل له قيمة في سريان الأحداث. الرواية هي العالم السري الذي نستبطن فيه كل خيباتنا، ولكي نظهرها بأنها تمنحنا دفء الحياة، نحولها إلى أحداث سردية نتلهى بها من خلال تقنيات القص بحيث لا يكون الزمن أفقياً بل نلجأ إلى التقطيع، وتقطيع الزمن هي الهبة العظمى للرواية. ومن تدرب على السير في منحنيات الرواية يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ.
ربما أجد نفسي في ذلك التشظي إذ أغدوا مشظياً مع الكلمة والحدث، ولكونك عنصراً داخل العملية السردية ينطبق عليك ظرفية القارئ الباحث عما يتقاسم وجوده، فالوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح ليس به يجيب وما لا يجب. ولهذا تكون الوصفة ليس من الكاتب، وإنما هي استعارة مما يشعر به الناس الذين تحاول التقرب منهم بتلك الشخصيات التي تشبههم.
الكتابة عالم تفنى فيه الحياة
- كأنك تميل إلى التفلسف في الرواية، بمعنى تقديم فلسفة للحياة وللصدفة طبعاً، ولعل هذا ما يفتقده غالبية الروائيين السعوديين، كيف توائِم بين طرح أفكار وفلسفة الحياة من جهة وبين الحدث الروائي؟
لو تدربنا على سلوك منحنيات الفلسفة لما غدونا ألواحاً مسندة. الفلسفة هي السر المكنون في الوجود، وعمق الفن ينبع من مستويات الفهم لذلك الوجود، والرواية هي عالم تفنى فيه الحياة بقيمها وأنظمتها الصارمة هي تقوم على النقض والإثبات وليس هناك إثبات دائم أو نقض دائم كماهية الفلسفة، ثمة إشارات بعيدة يحاول العقل الوصول إليها من خلال فرضيات. الكون كله قائم على صياغة رياضية، ومن غير وجود فرضية ما يمكن إثباته ستضيع كل أحلام المستقبل.
ألا ترى أن مخيلة السارد وقفت خلف كل المنجزات، فكل منجز عبارة عن فكرة تم صياغتها من خلال عبقرية سردية. ربما لا توافقني على ما أقول ولكن دعنا نختار أي منجز حضاري وننقب عن قصة كيف بدأ ذلك المنجز ستجد أنه كان حلماً في مخيلة سارد.
الرواية هي الحياة التي نعيشها ولا نعيشها، هي عالم صياغة المستقبل. تتكون منذ البداية كحدث منبت ومع الكتابة تستكمل جزئياتها المتنافرة، وماهي إلا فرضية، ولأنها كذلك تكون بحاجة ماسة إلى تقديم الحياة بصورة غير مألوفة، وإن ظننا أن الروائي يسير في الطريق المعتاد. في كل عمل روائي تجدني عالقاً في مفاهيم قيمية أو آراء يتم تداولها في الحياة اليومية بشكل سطحي، بينما الرواية لديك الوقت لأن تنفي ما يتم تداوله على أنه حقيقة أو العكس تثبت ما هو شاذاً على أنه عين الصواب فلكل زمن حقائق خاصة به.. شخصيات الرواية لديهم القدرة على رفض ما توافق عليه الشخصيات الحياتية كمسلمة.
- عدد من الكتاب تعرضوا لمرض ما خلال الكتابة، ثم تشافوا وراحوا يكتبون عن هذه الأزمة، ماذا عنك؟
أنا أحيا على قضبان المرض والموت أسير بهما وعليهما وكأنهما جديلتان لا تمل من التأرجح صعوداً وهبوطاً، تكتنفان وجه صبية لا تمل من مراهقتها، وهي تروي وتروي، وكلما دخلت نفقاً من الأنفاق المظلمة ابتسمت من خلال حدث أو رواية تخرجها من ذلك النفق المظلم. وما الأزمة الأخيرة إلا مرحلة من ضمن عشرات المراحل التي قطعتها.
دعني أعكس السؤال لأقول لك: أنا مريض بالكتابة.
ولكي أوصل الفكرة سأقول لك زياراتي للمستشفى دورية، وكلما تم تنويمي أساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعدني بالكتابة، فكثير من رواياتي أنجزتها، وأنا على فراش المرض. وإذا كانت الصحة أن تسير في الأرض من غير أحمال تكون نافية لوجودك، لأن الإنسان وجوده مرتبط بحالة الكبد، ربما هناك من يتحمل أعباء الحياة جسدياً، وهناك من يتحملها نفسياً أو فكرياً. إن كل ما أعانيه ما هو إلا تحمل تعب نفوس الشخوص التي اكتبها من ضغوطها النفسية أو تمزقها بين التصعد الفكري، لما يكتشف من أسرار للسر الأعظم... أقول: تجدني زائراً للمستشفيات لأنني مريض بشخصياتي، التي كلما كتبت أي منها تقودني إلى الضعف الجسدي، وفي نفسي تتقد جذوة الحضور الكتابي. الكتابة كالحضرة عند الصوفيين تظهرك منتشياً محلقاً أو قاطعاً المسافة بين الحضور والغياب على رغم دمارك الجسدي.
وعودة لسؤالك أنا لم أكتب أزمتي الأخيرة مع المرض، إذ ما زال هناك عشرات الشخصيات التي ستوصلني إلى المستشفى فهل أكون عاقاً بهم أو أكون متعباً لكم في نقلي إلى المستشفى لكي ألد رواية جديدة. وإذا أسلمت روحي في إحدى زيارات المستشفيات ستكون حكايتي الأخيرة. عندها فقط لا أريد إلا رحمة ربي وغفرانه. "صدفة ليلة" تعلقت بي وأنا خارج من وعكتي فقط لتثبت أنها قادرة على استلهام شخصيات ما زالت قابعة في ذاكرة سارد، وليست عالقة في عقد ونفث ساحر.
- منذ فزت بجائزة البوكر للرواية العربية، أصدرت روايتين، إلى أي حد هذه الروايتين تمثل إضافة إلى «ترمي بشرر»؟
الحديث عن الإضافة كحديث مشاهد لمضمار سبق، حين يبذل العداء كل طاقته لاجتياز المضمار والوصول إلى خط النهاية. وأصدقك القول: «أنا لا أريد أن أصل إلى نهاية السبق قبل رواية «ترمي بشرر»، كتبت تسع روايات، ولم أكن نادماً أنها لم تحصل على جائزة. كنت سعيداً لسارد ينقب في أزقة الروح عن حكاية تسعده أثناء الكتابة، وبعد الفوز ما زلت ذلك الكاتب الذي يسعد أن يجد حكاية تسعده في اجتياز زمن مستعاد أو مستشرف. نعم أصبحت العين متسعة لرصد خطواتي، لكنني لا أكترث بتلك العيون التي لا تحمل سوى التطلع لارتقاء نملة في سارية تخرق الفضاء، وتعجز تلك العين عن معرفة القوة الكامنة لنملة ضئيلة.
الفن لا يحتاج إلى قوارض
- عبده خال وبعد هذه التجربة العريضة في الكتابة، هل تعول على النقد، هل تكترث للنقاد؟
هناك من يسلق البيض، ويدعي أنه خبير بالكتابة الروائية أو مُلم بدروبها، في حين لو طلب منه أن يكتب مشهداً قصصياً واحداً لما استطاع أن ينجزه وفق تنظيراته. كثير ممن يطلق عليهم نقاد هم آفة على الحياة الإبداعية ليس لهم من إنجاز إلا القرض. والفن لا يحتاج إلى قوارض. هذه هي الصورة المتقدمة عن النقاد، وهذا لا يعني أن جميع النقاد بهذا المستوى المتواضع المفترس، فهناك نقاد كبار يمنحون النص بعداً جمالياً يسهم في خلق مستويات فنية متقدمة وأجد نفسي قد استفدت كثيراً من نقاد كبار كالدكتور سعيد يقطين، والدكتور سعيد السريحي، والناقد على الشدوي، والدكتور محمد برادة، والشاعر والكاتب عقل عويط. وأعتقد أن كل من يمارس الإبداع يكون أكثر وصولاً إلى النص الإبداعي عمن لا يجيد الكتابة الإبداعية.
وهذا ما فعلته الحركة الحداثية من وقت مبكر بوعي إبداعها الذاتي من خلال مقدرة المبدع على تقديم وقراءة أعمال إبداعية لمن يجاوره في التجربة والتوجه بإثارة أسئلة الفن، وليس في تدوير محركات المصالح الذاتية. وحقيقة أنا أحفل برؤية فنية لقارئ أكثر مما أسعد بتنظير ناقد.
- مثابرتك على الكتابة والإصدار مثار تساؤل لا يخلو أحياناً من حسد، بخاصة عندما تلقى رواياتك رواجاً، كيف تستمد الطاقة على المواصلة؟
أنا كائن حكائي، كانت طفولتي المبكرة معجونة بالأساطير والحكايات فلا تسألني لماذا أحكي؟ الكون نتف مجزأة من ملايين الحكايات، وهناك من يتنبه بأنه قادر على خلق حياة تروق له وهناك من لا يتنبه، ومع ذلك يحكي، فكل فعل نفعله هو حكاية هذا المفهوم كأساس لفطرية الإنسان على الحكي أما خلق الدهشة أثناء الحكي فهذه ملكة تعتمد على روح الحكاء في الجذب أو التنفير. وأقول بكل صراحة إنني وصلت إلى يقين أن الروح الثقيلة لا تصنع حكاية جاذبة فالحكاية بذر حياة، ومن ليس في صدره نفس تواقة لا يصنع حياة مطلقاً.
لماذا الحسد فعالم الرواية مفتوح ومن يريد الاستزادة فليكتب؟ ربما تكون أعماقه خانقة لذلك قلة من يواصلون الحفر عميقاً ويصابون بالاختناق، ومع ذلك يواصلون البحث في حفرياتهم، علهم يجدون في حفرياتهم إشارة إلى زمن سحيق أو مستقبل على وشك الوقوع. الروائي يحمل صفات الباحث عن الآثار والمكتشف للمستقبل. هو يجمع بين زمنين لا يلتقيان في لحظة الكتابة، لأن تلك اللحظة تكون هي الروائي ذاته يكون هو السلك الكهربائي الموصل بين زمنين يظهران أنهما بعدان.
ولكل حاقد أو حاسد عليه أن يتخلى عن مشاعره السلبية ويسخرها لإنتاج فنه الخاص. أعلم بأن هذه النفوس لا تستطيع الابتعاد عن سطحية نفوسها، ومع ذلك النصح لهم بأن يجدوا فعلاً إيجابياً على الأقل يريح مراجل نفوسهم من الغليان.
يخوض الروائي السعودي عبده خال، في روايته الجديدة «صدفة ليل»، مغامرة جديدة، لا تخلو من تشويق وتعقيد أيضاً. عالم عبده الروائي الذي تكرسه هذه الرواية، هو مزيد من تخييل وأفكار وأحداث تحضر في المستوى نفسه من الاتقان. يقول صاحب «الموت يمر من هنا» في حوار له «"إن من تدرب على السير في منحنيات الرواية، يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ"
ويضيف: «أنه يجد نفسه في التشظي»، معتبراً أن الوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح. عبده الذي يحيا على قضبان المرض والموت، يعتبر نفسه مريضاً بالكتابة، وأنه يساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعده بالكتابة. إلى نص الحوار:
- روايتك الجديدة «صدفة ليل» حققت مبيعات عالية في معرض جدة الدولي للكتاب، ترى ما الوصفة الفنية التي تعتمدها في كل رواية لتجعل منها شركاً للقارئ فيقبل عليها بهذا الشكل؟
الروائي ليس صانع فخاخ مهمته اصطياد العصافير الطليقة، الروائي مهمته أن يكشف لك عن عوالم مخبأة في أعماقه وصل إليها تجربة أو دراية.ربما يمارس دور الساحر بتبديل المواقع وكشف أن المشهد الذي يقف أمامه يومياً ليس كما تتصوره، إذ ثمة مستويات لما نعيش فيه وبه، وخدعة الروائي تقوم على أن المبتذل له قيمة في سريان الأحداث. الرواية هي العالم السري الذي نستبطن فيه كل خيباتنا، ولكي نظهرها بأنها تمنحنا دفء الحياة، نحولها إلى أحداث سردية نتلهى بها من خلال تقنيات القص بحيث لا يكون الزمن أفقياً بل نلجأ إلى التقطيع، وتقطيع الزمن هي الهبة العظمى للرواية. ومن تدرب على السير في منحنيات الرواية يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ.
ربما أجد نفسي في ذلك التشظي إذ أغدوا مشظياً مع الكلمة والحدث، ولكونك عنصراً داخل العملية السردية ينطبق عليك ظرفية القارئ الباحث عما يتقاسم وجوده، فالوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح ليس به يجيب وما لا يجب. ولهذا تكون الوصفة ليس من الكاتب، وإنما هي استعارة مما يشعر به الناس الذين تحاول التقرب منهم بتلك الشخصيات التي تشبههم.
الكتابة عالم تفنى فيه الحياة
- كأنك تميل إلى التفلسف في الرواية، بمعنى تقديم فلسفة للحياة وللصدفة طبعاً، ولعل هذا ما يفتقده غالبية الروائيين السعوديين، كيف توائِم بين طرح أفكار وفلسفة الحياة من جهة وبين الحدث الروائي؟
لو تدربنا على سلوك منحنيات الفلسفة لما غدونا ألواحاً مسندة. الفلسفة هي السر المكنون في الوجود، وعمق الفن ينبع من مستويات الفهم لذلك الوجود، والرواية هي عالم تفنى فيه الحياة بقيمها وأنظمتها الصارمة هي تقوم على النقض والإثبات وليس هناك إثبات دائم أو نقض دائم كماهية الفلسفة، ثمة إشارات بعيدة يحاول العقل الوصول إليها من خلال فرضيات. الكون كله قائم على صياغة رياضية، ومن غير وجود فرضية ما يمكن إثباته ستضيع كل أحلام المستقبل.
ألا ترى أن مخيلة السارد وقفت خلف كل المنجزات، فكل منجز عبارة عن فكرة تم صياغتها من خلال عبقرية سردية. ربما لا توافقني على ما أقول ولكن دعنا نختار أي منجز حضاري وننقب عن قصة كيف بدأ ذلك المنجز ستجد أنه كان حلماً في مخيلة سارد.
الرواية هي الحياة التي نعيشها ولا نعيشها، هي عالم صياغة المستقبل. تتكون منذ البداية كحدث منبت ومع الكتابة تستكمل جزئياتها المتنافرة، وماهي إلا فرضية، ولأنها كذلك تكون بحاجة ماسة إلى تقديم الحياة بصورة غير مألوفة، وإن ظننا أن الروائي يسير في الطريق المعتاد. في كل عمل روائي تجدني عالقاً في مفاهيم قيمية أو آراء يتم تداولها في الحياة اليومية بشكل سطحي، بينما الرواية لديك الوقت لأن تنفي ما يتم تداوله على أنه حقيقة أو العكس تثبت ما هو شاذاً على أنه عين الصواب فلكل زمن حقائق خاصة به.. شخصيات الرواية لديهم القدرة على رفض ما توافق عليه الشخصيات الحياتية كمسلمة.
- عدد من الكتاب تعرضوا لمرض ما خلال الكتابة، ثم تشافوا وراحوا يكتبون عن هذه الأزمة، ماذا عنك؟
أنا أحيا على قضبان المرض والموت أسير بهما وعليهما وكأنهما جديلتان لا تمل من التأرجح صعوداً وهبوطاً، تكتنفان وجه صبية لا تمل من مراهقتها، وهي تروي وتروي، وكلما دخلت نفقاً من الأنفاق المظلمة ابتسمت من خلال حدث أو رواية تخرجها من ذلك النفق المظلم. وما الأزمة الأخيرة إلا مرحلة من ضمن عشرات المراحل التي قطعتها.
دعني أعكس السؤال لأقول لك: أنا مريض بالكتابة.
ولكي أوصل الفكرة سأقول لك زياراتي للمستشفى دورية، وكلما تم تنويمي أساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعدني بالكتابة، فكثير من رواياتي أنجزتها، وأنا على فراش المرض. وإذا كانت الصحة أن تسير في الأرض من غير أحمال تكون نافية لوجودك، لأن الإنسان وجوده مرتبط بحالة الكبد، ربما هناك من يتحمل أعباء الحياة جسدياً، وهناك من يتحملها نفسياً أو فكرياً. إن كل ما أعانيه ما هو إلا تحمل تعب نفوس الشخوص التي اكتبها من ضغوطها النفسية أو تمزقها بين التصعد الفكري، لما يكتشف من أسرار للسر الأعظم... أقول: تجدني زائراً للمستشفيات لأنني مريض بشخصياتي، التي كلما كتبت أي منها تقودني إلى الضعف الجسدي، وفي نفسي تتقد جذوة الحضور الكتابي. الكتابة كالحضرة عند الصوفيين تظهرك منتشياً محلقاً أو قاطعاً المسافة بين الحضور والغياب على رغم دمارك الجسدي.
وعودة لسؤالك أنا لم أكتب أزمتي الأخيرة مع المرض، إذ ما زال هناك عشرات الشخصيات التي ستوصلني إلى المستشفى فهل أكون عاقاً بهم أو أكون متعباً لكم في نقلي إلى المستشفى لكي ألد رواية جديدة. وإذا أسلمت روحي في إحدى زيارات المستشفيات ستكون حكايتي الأخيرة. عندها فقط لا أريد إلا رحمة ربي وغفرانه. "صدفة ليلة" تعلقت بي وأنا خارج من وعكتي فقط لتثبت أنها قادرة على استلهام شخصيات ما زالت قابعة في ذاكرة سارد، وليست عالقة في عقد ونفث ساحر.
- منذ فزت بجائزة البوكر للرواية العربية، أصدرت روايتين، إلى أي حد هذه الروايتين تمثل إضافة إلى «ترمي بشرر»؟
الحديث عن الإضافة كحديث مشاهد لمضمار سبق، حين يبذل العداء كل طاقته لاجتياز المضمار والوصول إلى خط النهاية. وأصدقك القول: «أنا لا أريد أن أصل إلى نهاية السبق قبل رواية «ترمي بشرر»، كتبت تسع روايات، ولم أكن نادماً أنها لم تحصل على جائزة. كنت سعيداً لسارد ينقب في أزقة الروح عن حكاية تسعده أثناء الكتابة، وبعد الفوز ما زلت ذلك الكاتب الذي يسعد أن يجد حكاية تسعده في اجتياز زمن مستعاد أو مستشرف. نعم أصبحت العين متسعة لرصد خطواتي، لكنني لا أكترث بتلك العيون التي لا تحمل سوى التطلع لارتقاء نملة في سارية تخرق الفضاء، وتعجز تلك العين عن معرفة القوة الكامنة لنملة ضئيلة.
الفن لا يحتاج إلى قوارض
- عبده خال وبعد هذه التجربة العريضة في الكتابة، هل تعول على النقد، هل تكترث للنقاد؟
هناك من يسلق البيض، ويدعي أنه خبير بالكتابة الروائية أو مُلم بدروبها، في حين لو طلب منه أن يكتب مشهداً قصصياً واحداً لما استطاع أن ينجزه وفق تنظيراته. كثير ممن يطلق عليهم نقاد هم آفة على الحياة الإبداعية ليس لهم من إنجاز إلا القرض. والفن لا يحتاج إلى قوارض. هذه هي الصورة المتقدمة عن النقاد، وهذا لا يعني أن جميع النقاد بهذا المستوى المتواضع المفترس، فهناك نقاد كبار يمنحون النص بعداً جمالياً يسهم في خلق مستويات فنية متقدمة وأجد نفسي قد استفدت كثيراً من نقاد كبار كالدكتور سعيد يقطين، والدكتور سعيد السريحي، والناقد على الشدوي، والدكتور محمد برادة، والشاعر والكاتب عقل عويط. وأعتقد أن كل من يمارس الإبداع يكون أكثر وصولاً إلى النص الإبداعي عمن لا يجيد الكتابة الإبداعية.
وهذا ما فعلته الحركة الحداثية من وقت مبكر بوعي إبداعها الذاتي من خلال مقدرة المبدع على تقديم وقراءة أعمال إبداعية لمن يجاوره في التجربة والتوجه بإثارة أسئلة الفن، وليس في تدوير محركات المصالح الذاتية. وحقيقة أنا أحفل برؤية فنية لقارئ أكثر مما أسعد بتنظير ناقد.
- مثابرتك على الكتابة والإصدار مثار تساؤل لا يخلو أحياناً من حسد، بخاصة عندما تلقى رواياتك رواجاً، كيف تستمد الطاقة على المواصلة؟
أنا كائن حكائي، كانت طفولتي المبكرة معجونة بالأساطير والحكايات فلا تسألني لماذا أحكي؟ الكون نتف مجزأة من ملايين الحكايات، وهناك من يتنبه بأنه قادر على خلق حياة تروق له وهناك من لا يتنبه، ومع ذلك يحكي، فكل فعل نفعله هو حكاية هذا المفهوم كأساس لفطرية الإنسان على الحكي أما خلق الدهشة أثناء الحكي فهذه ملكة تعتمد على روح الحكاء في الجذب أو التنفير. وأقول بكل صراحة إنني وصلت إلى يقين أن الروح الثقيلة لا تصنع حكاية جاذبة فالحكاية بذر حياة، ومن ليس في صدره نفس تواقة لا يصنع حياة مطلقاً.
لماذا الحسد فعالم الرواية مفتوح ومن يريد الاستزادة فليكتب؟ ربما تكون أعماقه خانقة لذلك قلة من يواصلون الحفر عميقاً ويصابون بالاختناق، ومع ذلك يواصلون البحث في حفرياتهم، علهم يجدون في حفرياتهم إشارة إلى زمن سحيق أو مستقبل على وشك الوقوع. الروائي يحمل صفات الباحث عن الآثار والمكتشف للمستقبل. هو يجمع بين زمنين لا يلتقيان في لحظة الكتابة، لأن تلك اللحظة تكون هي الروائي ذاته يكون هو السلك الكهربائي الموصل بين زمنين يظهران أنهما بعدان.
ولكل حاقد أو حاسد عليه أن يتخلى عن مشاعره السلبية ويسخرها لإنتاج فنه الخاص. أعلم بأن هذه النفوس لا تستطيع الابتعاد عن سطحية نفوسها، ومع ذلك النصح لهم بأن يجدوا فعلاً إيجابياً على الأقل يريح مراجل نفوسهم من الغليان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.