شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    إدانة عربية واسلامية لمصادقة الكنيست الإسرائيلي على ضم الضفة والأغوار في فلسطين    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    تقرير: بايرن يقدم عرضه الجديد ل ليفربول من أجل لويس دياز    خبر في الجول - الزمالك ينتظر قرار فيريرا لضم مدافع حسنية أغادير    إبراهيم عادل: أبو تريكة قدوتي.. وهدفي في باراجواي اللحظة الأسعد بمسيرتي    وولفرهامبتون يضم أرياس من فلومينينسي    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    مصر تستهجن الدعاية المغرضة لتشويه دورها الداعم لقضية فلسطين    إعلام فلسطيني: 89 شهيدًا و453 مصابا بنيران جيش الاحتلال خلال 24 ساعة    "الشعب الجمهوري" يشيد بجهود مصر في دعم غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    رسميا.. الأهلي يعير كباكا إلى زد لمدة موسم واحد    قرار رادع .. لسكة الحديد تنهى خدمة مشرف قطار بسبب تأخير الركاب نصف ساعة بمحطة تلا    غسلوا 75 مليون جنيه من تجارة المخدرات.. الداخلية تضبط 3 متهمين    ضبط سائق يقوم بحركات استعراضية خطرة خلال حفل زفاف بالإسكندرية    تحرير 93 مخالفة تموينية بالمنيا    البنك المركزى الأوروبى يبقى معدلات الفائدة دون تغيير    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي السابع عشر لمناظير المخ والعمود الفقري    ماكرون وزوجته يرفعان دعوى تشهير ضد المؤثرة الأمريكية كانديس أوينز    الداخلية تضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين سائقي توك توك في العمرانية    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    اليوم.. عروض لفرق الشرقية والموسيقى العربية بالعلمين ضمن صيف بلدنا    إيهاب توفيق والموسيقى العربية في افتتاح صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    إقبال جماهيري على فعاليات "المواطنة" بالمنيا.. "الثقافة" تُضيء القرى برسائل الوعي والانتماء    طور سيناء تطلق سوق اليوم الواحد بتخفيضات تصل 25% لتخفيف العبء عن المواطنين    المشاط تدعو الشركات السويسرية للاستفادة من آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية لزيادة استثماراتها في مصر    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    «جمال الدين» يستعرض إمكانات «اقتصادية قناة السويس» أمام مجتمع الأعمال بمقاطعة تشجيانغ    لطلاب الثانوية العامة والأزهرية.. شروط قبول بالأكاديمية العسكرية المصرية (إنفوجراف)    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    بدء التشغيل الكلي لمجمع المواقف الجديد في بني سويف    قبل 150 يومًا من انطلاق "كان 2025".. الفراعنة ملوك الأرقام القياسية    بقيمة 227 مليون جنيه.. «صحة المنوفية» تكشف حصاد العلاج على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    سيدة على مشارف ال80 عاما تغادر محطة الأمية في قطار التضامن «لا أمية مع تكافل»    نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة كفر الشيخ.. رابط مباشر    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    3 أفلام ل محمد حفظي ضمن الاختيارات الرسمية للدورة ال 82 لمهرجان فينيسيا (تفاصيل)    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد في انتخابات الشيوخ    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    الإسكندرية تحتفل بتاريخها.. في "يوم وداع الملك"    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده خال: مريض بشخصياتي ولهذا السبب أزور المستشفيات كثيراً
نشر في صوت البلد يوم 28 - 01 - 2016

يخوض الروائي السعودي عبده خال، في روايته الجديدة «صدفة ليل»، مغامرة جديدة، لا تخلو من تشويق وتعقيد أيضاً. عالم عبده الروائي الذي تكرسه هذه الرواية، هو مزيد من تخييل وأفكار وأحداث تحضر في المستوى نفسه من الاتقان. يقول صاحب «الموت يمر من هنا» في حوار له «"إن من تدرب على السير في منحنيات الرواية، يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ"
ويضيف: «أنه يجد نفسه في التشظي»، معتبراً أن الوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح. عبده الذي يحيا على قضبان المرض والموت، يعتبر نفسه مريضاً بالكتابة، وأنه يساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعده بالكتابة. إلى نص الحوار:
- روايتك الجديدة «صدفة ليل» حققت مبيعات عالية في معرض جدة الدولي للكتاب، ترى ما الوصفة الفنية التي تعتمدها في كل رواية لتجعل منها شركاً للقارئ فيقبل عليها بهذا الشكل؟
الروائي ليس صانع فخاخ مهمته اصطياد العصافير الطليقة، الروائي مهمته أن يكشف لك عن عوالم مخبأة في أعماقه وصل إليها تجربة أو دراية.ربما يمارس دور الساحر بتبديل المواقع وكشف أن المشهد الذي يقف أمامه يومياً ليس كما تتصوره، إذ ثمة مستويات لما نعيش فيه وبه، وخدعة الروائي تقوم على أن المبتذل له قيمة في سريان الأحداث. الرواية هي العالم السري الذي نستبطن فيه كل خيباتنا، ولكي نظهرها بأنها تمنحنا دفء الحياة، نحولها إلى أحداث سردية نتلهى بها من خلال تقنيات القص بحيث لا يكون الزمن أفقياً بل نلجأ إلى التقطيع، وتقطيع الزمن هي الهبة العظمى للرواية. ومن تدرب على السير في منحنيات الرواية يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ.
ربما أجد نفسي في ذلك التشظي إذ أغدوا مشظياً مع الكلمة والحدث، ولكونك عنصراً داخل العملية السردية ينطبق عليك ظرفية القارئ الباحث عما يتقاسم وجوده، فالوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح ليس به يجيب وما لا يجب. ولهذا تكون الوصفة ليس من الكاتب، وإنما هي استعارة مما يشعر به الناس الذين تحاول التقرب منهم بتلك الشخصيات التي تشبههم.
الكتابة عالم تفنى فيه الحياة
- كأنك تميل إلى التفلسف في الرواية، بمعنى تقديم فلسفة للحياة وللصدفة طبعاً، ولعل هذا ما يفتقده غالبية الروائيين السعوديين، كيف توائِم بين طرح أفكار وفلسفة الحياة من جهة وبين الحدث الروائي؟
لو تدربنا على سلوك منحنيات الفلسفة لما غدونا ألواحاً مسندة. الفلسفة هي السر المكنون في الوجود، وعمق الفن ينبع من مستويات الفهم لذلك الوجود، والرواية هي عالم تفنى فيه الحياة بقيمها وأنظمتها الصارمة هي تقوم على النقض والإثبات وليس هناك إثبات دائم أو نقض دائم كماهية الفلسفة، ثمة إشارات بعيدة يحاول العقل الوصول إليها من خلال فرضيات. الكون كله قائم على صياغة رياضية، ومن غير وجود فرضية ما يمكن إثباته ستضيع كل أحلام المستقبل.
ألا ترى أن مخيلة السارد وقفت خلف كل المنجزات، فكل منجز عبارة عن فكرة تم صياغتها من خلال عبقرية سردية. ربما لا توافقني على ما أقول ولكن دعنا نختار أي منجز حضاري وننقب عن قصة كيف بدأ ذلك المنجز ستجد أنه كان حلماً في مخيلة سارد.
الرواية هي الحياة التي نعيشها ولا نعيشها، هي عالم صياغة المستقبل. تتكون منذ البداية كحدث منبت ومع الكتابة تستكمل جزئياتها المتنافرة، وماهي إلا فرضية، ولأنها كذلك تكون بحاجة ماسة إلى تقديم الحياة بصورة غير مألوفة، وإن ظننا أن الروائي يسير في الطريق المعتاد. في كل عمل روائي تجدني عالقاً في مفاهيم قيمية أو آراء يتم تداولها في الحياة اليومية بشكل سطحي، بينما الرواية لديك الوقت لأن تنفي ما يتم تداوله على أنه حقيقة أو العكس تثبت ما هو شاذاً على أنه عين الصواب فلكل زمن حقائق خاصة به.. شخصيات الرواية لديهم القدرة على رفض ما توافق عليه الشخصيات الحياتية كمسلمة.
- عدد من الكتاب تعرضوا لمرض ما خلال الكتابة، ثم تشافوا وراحوا يكتبون عن هذه الأزمة، ماذا عنك؟
أنا أحيا على قضبان المرض والموت أسير بهما وعليهما وكأنهما جديلتان لا تمل من التأرجح صعوداً وهبوطاً، تكتنفان وجه صبية لا تمل من مراهقتها، وهي تروي وتروي، وكلما دخلت نفقاً من الأنفاق المظلمة ابتسمت من خلال حدث أو رواية تخرجها من ذلك النفق المظلم. وما الأزمة الأخيرة إلا مرحلة من ضمن عشرات المراحل التي قطعتها.
دعني أعكس السؤال لأقول لك: أنا مريض بالكتابة.
ولكي أوصل الفكرة سأقول لك زياراتي للمستشفى دورية، وكلما تم تنويمي أساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعدني بالكتابة، فكثير من رواياتي أنجزتها، وأنا على فراش المرض. وإذا كانت الصحة أن تسير في الأرض من غير أحمال تكون نافية لوجودك، لأن الإنسان وجوده مرتبط بحالة الكبد، ربما هناك من يتحمل أعباء الحياة جسدياً، وهناك من يتحملها نفسياً أو فكرياً. إن كل ما أعانيه ما هو إلا تحمل تعب نفوس الشخوص التي اكتبها من ضغوطها النفسية أو تمزقها بين التصعد الفكري، لما يكتشف من أسرار للسر الأعظم... أقول: تجدني زائراً للمستشفيات لأنني مريض بشخصياتي، التي كلما كتبت أي منها تقودني إلى الضعف الجسدي، وفي نفسي تتقد جذوة الحضور الكتابي. الكتابة كالحضرة عند الصوفيين تظهرك منتشياً محلقاً أو قاطعاً المسافة بين الحضور والغياب على رغم دمارك الجسدي.
وعودة لسؤالك أنا لم أكتب أزمتي الأخيرة مع المرض، إذ ما زال هناك عشرات الشخصيات التي ستوصلني إلى المستشفى فهل أكون عاقاً بهم أو أكون متعباً لكم في نقلي إلى المستشفى لكي ألد رواية جديدة. وإذا أسلمت روحي في إحدى زيارات المستشفيات ستكون حكايتي الأخيرة. عندها فقط لا أريد إلا رحمة ربي وغفرانه. "صدفة ليلة" تعلقت بي وأنا خارج من وعكتي فقط لتثبت أنها قادرة على استلهام شخصيات ما زالت قابعة في ذاكرة سارد، وليست عالقة في عقد ونفث ساحر.
- منذ فزت بجائزة البوكر للرواية العربية، أصدرت روايتين، إلى أي حد هذه الروايتين تمثل إضافة إلى «ترمي بشرر»؟
الحديث عن الإضافة كحديث مشاهد لمضمار سبق، حين يبذل العداء كل طاقته لاجتياز المضمار والوصول إلى خط النهاية. وأصدقك القول: «أنا لا أريد أن أصل إلى نهاية السبق قبل رواية «ترمي بشرر»، كتبت تسع روايات، ولم أكن نادماً أنها لم تحصل على جائزة. كنت سعيداً لسارد ينقب في أزقة الروح عن حكاية تسعده أثناء الكتابة، وبعد الفوز ما زلت ذلك الكاتب الذي يسعد أن يجد حكاية تسعده في اجتياز زمن مستعاد أو مستشرف. نعم أصبحت العين متسعة لرصد خطواتي، لكنني لا أكترث بتلك العيون التي لا تحمل سوى التطلع لارتقاء نملة في سارية تخرق الفضاء، وتعجز تلك العين عن معرفة القوة الكامنة لنملة ضئيلة.
الفن لا يحتاج إلى قوارض
- عبده خال وبعد هذه التجربة العريضة في الكتابة، هل تعول على النقد، هل تكترث للنقاد؟
هناك من يسلق البيض، ويدعي أنه خبير بالكتابة الروائية أو مُلم بدروبها، في حين لو طلب منه أن يكتب مشهداً قصصياً واحداً لما استطاع أن ينجزه وفق تنظيراته. كثير ممن يطلق عليهم نقاد هم آفة على الحياة الإبداعية ليس لهم من إنجاز إلا القرض. والفن لا يحتاج إلى قوارض. هذه هي الصورة المتقدمة عن النقاد، وهذا لا يعني أن جميع النقاد بهذا المستوى المتواضع المفترس، فهناك نقاد كبار يمنحون النص بعداً جمالياً يسهم في خلق مستويات فنية متقدمة وأجد نفسي قد استفدت كثيراً من نقاد كبار كالدكتور سعيد يقطين، والدكتور سعيد السريحي، والناقد على الشدوي، والدكتور محمد برادة، والشاعر والكاتب عقل عويط. وأعتقد أن كل من يمارس الإبداع يكون أكثر وصولاً إلى النص الإبداعي عمن لا يجيد الكتابة الإبداعية.
وهذا ما فعلته الحركة الحداثية من وقت مبكر بوعي إبداعها الذاتي من خلال مقدرة المبدع على تقديم وقراءة أعمال إبداعية لمن يجاوره في التجربة والتوجه بإثارة أسئلة الفن، وليس في تدوير محركات المصالح الذاتية. وحقيقة أنا أحفل برؤية فنية لقارئ أكثر مما أسعد بتنظير ناقد.
- مثابرتك على الكتابة والإصدار مثار تساؤل لا يخلو أحياناً من حسد، بخاصة عندما تلقى رواياتك رواجاً، كيف تستمد الطاقة على المواصلة؟
أنا كائن حكائي، كانت طفولتي المبكرة معجونة بالأساطير والحكايات فلا تسألني لماذا أحكي؟ الكون نتف مجزأة من ملايين الحكايات، وهناك من يتنبه بأنه قادر على خلق حياة تروق له وهناك من لا يتنبه، ومع ذلك يحكي، فكل فعل نفعله هو حكاية هذا المفهوم كأساس لفطرية الإنسان على الحكي أما خلق الدهشة أثناء الحكي فهذه ملكة تعتمد على روح الحكاء في الجذب أو التنفير. وأقول بكل صراحة إنني وصلت إلى يقين أن الروح الثقيلة لا تصنع حكاية جاذبة فالحكاية بذر حياة، ومن ليس في صدره نفس تواقة لا يصنع حياة مطلقاً.
لماذا الحسد فعالم الرواية مفتوح ومن يريد الاستزادة فليكتب؟ ربما تكون أعماقه خانقة لذلك قلة من يواصلون الحفر عميقاً ويصابون بالاختناق، ومع ذلك يواصلون البحث في حفرياتهم، علهم يجدون في حفرياتهم إشارة إلى زمن سحيق أو مستقبل على وشك الوقوع. الروائي يحمل صفات الباحث عن الآثار والمكتشف للمستقبل. هو يجمع بين زمنين لا يلتقيان في لحظة الكتابة، لأن تلك اللحظة تكون هي الروائي ذاته يكون هو السلك الكهربائي الموصل بين زمنين يظهران أنهما بعدان.
ولكل حاقد أو حاسد عليه أن يتخلى عن مشاعره السلبية ويسخرها لإنتاج فنه الخاص. أعلم بأن هذه النفوس لا تستطيع الابتعاد عن سطحية نفوسها، ومع ذلك النصح لهم بأن يجدوا فعلاً إيجابياً على الأقل يريح مراجل نفوسهم من الغليان.
يخوض الروائي السعودي عبده خال، في روايته الجديدة «صدفة ليل»، مغامرة جديدة، لا تخلو من تشويق وتعقيد أيضاً. عالم عبده الروائي الذي تكرسه هذه الرواية، هو مزيد من تخييل وأفكار وأحداث تحضر في المستوى نفسه من الاتقان. يقول صاحب «الموت يمر من هنا» في حوار له «"إن من تدرب على السير في منحنيات الرواية، يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ"
ويضيف: «أنه يجد نفسه في التشظي»، معتبراً أن الوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح. عبده الذي يحيا على قضبان المرض والموت، يعتبر نفسه مريضاً بالكتابة، وأنه يساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعده بالكتابة. إلى نص الحوار:
- روايتك الجديدة «صدفة ليل» حققت مبيعات عالية في معرض جدة الدولي للكتاب، ترى ما الوصفة الفنية التي تعتمدها في كل رواية لتجعل منها شركاً للقارئ فيقبل عليها بهذا الشكل؟
الروائي ليس صانع فخاخ مهمته اصطياد العصافير الطليقة، الروائي مهمته أن يكشف لك عن عوالم مخبأة في أعماقه وصل إليها تجربة أو دراية.ربما يمارس دور الساحر بتبديل المواقع وكشف أن المشهد الذي يقف أمامه يومياً ليس كما تتصوره، إذ ثمة مستويات لما نعيش فيه وبه، وخدعة الروائي تقوم على أن المبتذل له قيمة في سريان الأحداث. الرواية هي العالم السري الذي نستبطن فيه كل خيباتنا، ولكي نظهرها بأنها تمنحنا دفء الحياة، نحولها إلى أحداث سردية نتلهى بها من خلال تقنيات القص بحيث لا يكون الزمن أفقياً بل نلجأ إلى التقطيع، وتقطيع الزمن هي الهبة العظمى للرواية. ومن تدرب على السير في منحنيات الرواية يعرف تماماً أن كلمة عابرة يمكن لها أن تفجر النص، وتجعل من الحدث فضاء آخر لم يألفه الكاتب أو القارئ.
ربما أجد نفسي في ذلك التشظي إذ أغدوا مشظياً مع الكلمة والحدث، ولكونك عنصراً داخل العملية السردية ينطبق عليك ظرفية القارئ الباحث عما يتقاسم وجوده، فالوجود حالة تشظي لا يحتويه سوى فضاء مفتوح ليس به يجيب وما لا يجب. ولهذا تكون الوصفة ليس من الكاتب، وإنما هي استعارة مما يشعر به الناس الذين تحاول التقرب منهم بتلك الشخصيات التي تشبههم.
الكتابة عالم تفنى فيه الحياة
- كأنك تميل إلى التفلسف في الرواية، بمعنى تقديم فلسفة للحياة وللصدفة طبعاً، ولعل هذا ما يفتقده غالبية الروائيين السعوديين، كيف توائِم بين طرح أفكار وفلسفة الحياة من جهة وبين الحدث الروائي؟
لو تدربنا على سلوك منحنيات الفلسفة لما غدونا ألواحاً مسندة. الفلسفة هي السر المكنون في الوجود، وعمق الفن ينبع من مستويات الفهم لذلك الوجود، والرواية هي عالم تفنى فيه الحياة بقيمها وأنظمتها الصارمة هي تقوم على النقض والإثبات وليس هناك إثبات دائم أو نقض دائم كماهية الفلسفة، ثمة إشارات بعيدة يحاول العقل الوصول إليها من خلال فرضيات. الكون كله قائم على صياغة رياضية، ومن غير وجود فرضية ما يمكن إثباته ستضيع كل أحلام المستقبل.
ألا ترى أن مخيلة السارد وقفت خلف كل المنجزات، فكل منجز عبارة عن فكرة تم صياغتها من خلال عبقرية سردية. ربما لا توافقني على ما أقول ولكن دعنا نختار أي منجز حضاري وننقب عن قصة كيف بدأ ذلك المنجز ستجد أنه كان حلماً في مخيلة سارد.
الرواية هي الحياة التي نعيشها ولا نعيشها، هي عالم صياغة المستقبل. تتكون منذ البداية كحدث منبت ومع الكتابة تستكمل جزئياتها المتنافرة، وماهي إلا فرضية، ولأنها كذلك تكون بحاجة ماسة إلى تقديم الحياة بصورة غير مألوفة، وإن ظننا أن الروائي يسير في الطريق المعتاد. في كل عمل روائي تجدني عالقاً في مفاهيم قيمية أو آراء يتم تداولها في الحياة اليومية بشكل سطحي، بينما الرواية لديك الوقت لأن تنفي ما يتم تداوله على أنه حقيقة أو العكس تثبت ما هو شاذاً على أنه عين الصواب فلكل زمن حقائق خاصة به.. شخصيات الرواية لديهم القدرة على رفض ما توافق عليه الشخصيات الحياتية كمسلمة.
- عدد من الكتاب تعرضوا لمرض ما خلال الكتابة، ثم تشافوا وراحوا يكتبون عن هذه الأزمة، ماذا عنك؟
أنا أحيا على قضبان المرض والموت أسير بهما وعليهما وكأنهما جديلتان لا تمل من التأرجح صعوداً وهبوطاً، تكتنفان وجه صبية لا تمل من مراهقتها، وهي تروي وتروي، وكلما دخلت نفقاً من الأنفاق المظلمة ابتسمت من خلال حدث أو رواية تخرجها من ذلك النفق المظلم. وما الأزمة الأخيرة إلا مرحلة من ضمن عشرات المراحل التي قطعتها.
دعني أعكس السؤال لأقول لك: أنا مريض بالكتابة.
ولكي أوصل الفكرة سأقول لك زياراتي للمستشفى دورية، وكلما تم تنويمي أساعد الأطباء لتجاوز أي وعكة تقعدني بالكتابة، فكثير من رواياتي أنجزتها، وأنا على فراش المرض. وإذا كانت الصحة أن تسير في الأرض من غير أحمال تكون نافية لوجودك، لأن الإنسان وجوده مرتبط بحالة الكبد، ربما هناك من يتحمل أعباء الحياة جسدياً، وهناك من يتحملها نفسياً أو فكرياً. إن كل ما أعانيه ما هو إلا تحمل تعب نفوس الشخوص التي اكتبها من ضغوطها النفسية أو تمزقها بين التصعد الفكري، لما يكتشف من أسرار للسر الأعظم... أقول: تجدني زائراً للمستشفيات لأنني مريض بشخصياتي، التي كلما كتبت أي منها تقودني إلى الضعف الجسدي، وفي نفسي تتقد جذوة الحضور الكتابي. الكتابة كالحضرة عند الصوفيين تظهرك منتشياً محلقاً أو قاطعاً المسافة بين الحضور والغياب على رغم دمارك الجسدي.
وعودة لسؤالك أنا لم أكتب أزمتي الأخيرة مع المرض، إذ ما زال هناك عشرات الشخصيات التي ستوصلني إلى المستشفى فهل أكون عاقاً بهم أو أكون متعباً لكم في نقلي إلى المستشفى لكي ألد رواية جديدة. وإذا أسلمت روحي في إحدى زيارات المستشفيات ستكون حكايتي الأخيرة. عندها فقط لا أريد إلا رحمة ربي وغفرانه. "صدفة ليلة" تعلقت بي وأنا خارج من وعكتي فقط لتثبت أنها قادرة على استلهام شخصيات ما زالت قابعة في ذاكرة سارد، وليست عالقة في عقد ونفث ساحر.
- منذ فزت بجائزة البوكر للرواية العربية، أصدرت روايتين، إلى أي حد هذه الروايتين تمثل إضافة إلى «ترمي بشرر»؟
الحديث عن الإضافة كحديث مشاهد لمضمار سبق، حين يبذل العداء كل طاقته لاجتياز المضمار والوصول إلى خط النهاية. وأصدقك القول: «أنا لا أريد أن أصل إلى نهاية السبق قبل رواية «ترمي بشرر»، كتبت تسع روايات، ولم أكن نادماً أنها لم تحصل على جائزة. كنت سعيداً لسارد ينقب في أزقة الروح عن حكاية تسعده أثناء الكتابة، وبعد الفوز ما زلت ذلك الكاتب الذي يسعد أن يجد حكاية تسعده في اجتياز زمن مستعاد أو مستشرف. نعم أصبحت العين متسعة لرصد خطواتي، لكنني لا أكترث بتلك العيون التي لا تحمل سوى التطلع لارتقاء نملة في سارية تخرق الفضاء، وتعجز تلك العين عن معرفة القوة الكامنة لنملة ضئيلة.
الفن لا يحتاج إلى قوارض
- عبده خال وبعد هذه التجربة العريضة في الكتابة، هل تعول على النقد، هل تكترث للنقاد؟
هناك من يسلق البيض، ويدعي أنه خبير بالكتابة الروائية أو مُلم بدروبها، في حين لو طلب منه أن يكتب مشهداً قصصياً واحداً لما استطاع أن ينجزه وفق تنظيراته. كثير ممن يطلق عليهم نقاد هم آفة على الحياة الإبداعية ليس لهم من إنجاز إلا القرض. والفن لا يحتاج إلى قوارض. هذه هي الصورة المتقدمة عن النقاد، وهذا لا يعني أن جميع النقاد بهذا المستوى المتواضع المفترس، فهناك نقاد كبار يمنحون النص بعداً جمالياً يسهم في خلق مستويات فنية متقدمة وأجد نفسي قد استفدت كثيراً من نقاد كبار كالدكتور سعيد يقطين، والدكتور سعيد السريحي، والناقد على الشدوي، والدكتور محمد برادة، والشاعر والكاتب عقل عويط. وأعتقد أن كل من يمارس الإبداع يكون أكثر وصولاً إلى النص الإبداعي عمن لا يجيد الكتابة الإبداعية.
وهذا ما فعلته الحركة الحداثية من وقت مبكر بوعي إبداعها الذاتي من خلال مقدرة المبدع على تقديم وقراءة أعمال إبداعية لمن يجاوره في التجربة والتوجه بإثارة أسئلة الفن، وليس في تدوير محركات المصالح الذاتية. وحقيقة أنا أحفل برؤية فنية لقارئ أكثر مما أسعد بتنظير ناقد.
- مثابرتك على الكتابة والإصدار مثار تساؤل لا يخلو أحياناً من حسد، بخاصة عندما تلقى رواياتك رواجاً، كيف تستمد الطاقة على المواصلة؟
أنا كائن حكائي، كانت طفولتي المبكرة معجونة بالأساطير والحكايات فلا تسألني لماذا أحكي؟ الكون نتف مجزأة من ملايين الحكايات، وهناك من يتنبه بأنه قادر على خلق حياة تروق له وهناك من لا يتنبه، ومع ذلك يحكي، فكل فعل نفعله هو حكاية هذا المفهوم كأساس لفطرية الإنسان على الحكي أما خلق الدهشة أثناء الحكي فهذه ملكة تعتمد على روح الحكاء في الجذب أو التنفير. وأقول بكل صراحة إنني وصلت إلى يقين أن الروح الثقيلة لا تصنع حكاية جاذبة فالحكاية بذر حياة، ومن ليس في صدره نفس تواقة لا يصنع حياة مطلقاً.
لماذا الحسد فعالم الرواية مفتوح ومن يريد الاستزادة فليكتب؟ ربما تكون أعماقه خانقة لذلك قلة من يواصلون الحفر عميقاً ويصابون بالاختناق، ومع ذلك يواصلون البحث في حفرياتهم، علهم يجدون في حفرياتهم إشارة إلى زمن سحيق أو مستقبل على وشك الوقوع. الروائي يحمل صفات الباحث عن الآثار والمكتشف للمستقبل. هو يجمع بين زمنين لا يلتقيان في لحظة الكتابة، لأن تلك اللحظة تكون هي الروائي ذاته يكون هو السلك الكهربائي الموصل بين زمنين يظهران أنهما بعدان.
ولكل حاقد أو حاسد عليه أن يتخلى عن مشاعره السلبية ويسخرها لإنتاج فنه الخاص. أعلم بأن هذه النفوس لا تستطيع الابتعاد عن سطحية نفوسها، ومع ذلك النصح لهم بأن يجدوا فعلاً إيجابياً على الأقل يريح مراجل نفوسهم من الغليان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.