لم يكن عبدالرحمن الشرقاوي مجرد كاتب وشاعر ملأ الحياة بإبداعه ورؤيته المستقبلية التي تتمثّل أمنية لدى كل عربي، فالرجل الذي ظل عموداً من أعمدة الثقافة المصرية والعربية المعاصرة - ولا يزال رغم رحيله - كان رجل مواقف وإنساناً لديه شعور بالمسؤولية تجاه الشعوب. كل هذه المعاني حاول الشرقاوي تجسيدها في مسرح خاص به استلهم من خلاله تراث الأوائل ليؤصل لمسرح عربي يحمل هموم وأوجاع أبناء العرب حينئذ. حلّق الشرقاوي بعيداً عن فضاءات شعرية وإبداعية ومسرحية عاصرته كشوقي وعزيز أباظة وغيرهما، حتى أنه بدا مختلفاً عن كتابات توفيق الحكيم في تغليفها بالطابع الوراثي. مسرح الشرقاوي يقول الناقد محمد السيد عيد، في دراسة عن مسرح الشرقاوي في الفترة من 1962 – 1981: كتب الشرقاوي ست مسرحيات: مأساة جميلة 1962، الفتى مهران 1966، وطني عكا 1968، ثأر الله 1970، النسر الأحمر 1975، عرابي زعيم الفلاحين 1981، وفيما عدا "مأساة جميلة" و"وطني عكا" فقد التزم الكاتب الراحل باتخاذ التراث ركيزة يقيم عليها بناءه المسرحي. ارتكز الشرقاوي في مسرحيته "مأساة جميلة" على الحدث المباشر في الجزائر، واستثمر أصداءه التي هزت الضمير العالمي آنذاك، حيث أصدرت إحدى المحاكم الفرنسية في 13 يوليو/تموز 1957 قراراً بإعدام الفتاة الجزائرية جميلة بوحيرد، على أن يتم الإعدام يوم 7 مارس/آذار 1958. لقد التزم الشرقاوي بقاعدة المكان في هذه المسرحية، وتركّز الحدث في مدينة الجزائر، وزمن المسرحية ربيع وصيف سنة 1956، لذلك بات الالتزام بواقعية الحدث وملابساته أمراً غير مستساغ فنياً لمطابقة الواقع بالعمل المسرحي، لدرجة لم تتح للشرقاوي حرية إطلاق كوامنه الإبداعية، ويرجع ذلك إلى طغيان الخطاب الفكري على الفني في المسرحية الأولى للشرقاوي. أما مسرحية "الفتى مهران" فتدور فكرتها في القرن الخامس عشر، حين أرسل أحد السلاطين الجراكسة جيشاً مصرياً للقتال في السند، لاسترداد سوق التوابل من تجار البرتغال إنقاذاً لصالح تجار مصر، وقرّر أن يكون مجموع الفتيان أو "الفتوات" جنداً في جيشه الغازي، إلا أن الفتيان رفضوا قتال البرتغاليين في المحيط الهندي أو فتح السند، لأنهم رأوا أن هذا الغزو لن يفيد سوى التجار الذين يريدون مزيداً من الثروة، وتبدأ مسرحية الشرقاوي بإرسال زعيم الفتيان "مهران" واحداً من أفراد جماعته إلى السلطات ليثنيه عن القتال، ويستعير الشرقاوي قصته "الفلاح الفصيح" من التراث الفرعوني ليبرز ظلم الحاكم ورجاله، ليدور الصراع بين جانبي السلطة المستبدة والفتيان الذين يبحثون عن العدل والسلام. أما مسرجية "وطني عكا" فارتبطت بحدة الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أدار الكاتب أحداثها ما بين صيف عام 1967 و1968، حيث بدأ اشتعال المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة، وقيام الفدائيين الفلسطينيين بعملياتهم الفدائية التي أنهكت قوات الاحتلال في ذلك الوقت، لذلك لجأ الشرقاوي إلى حبكة رئيسية من خلال فكرة زواج مزمع بين ليلى ابنة المناضل الفلسطيني حازم وبين رشيد الفدائي، ولكن تصاعد العمليات الفدائية واستشهاد رشيد في واحدة منها، جعل الشرقاوي يلجأ إلى حبكات ثانوية أخرى طغت على الحبكة الرئيسية، حيث أبرز من خلال العلاقة التي تمت بين الصحفية الغربية "إيمي" وبين "مقبل" رمزاً لضرورة إبراز التعاطف الغربي مع القضية الفلسطينية. ثأر الله وفي مسرحية "ثأر الله" اعتمد الشرقاوي على التراث إلى أقصى حد، حتى أنه التزم بكافة التفاصيل الدقيقة والقصص الفرعية والمسرحية من جزأين، وتُعدّ من أنضج كتابات الشرقاوي للمسرح التي عالج فيها حرية الكلمة، ذلك من واقعة رفض الحسين إعطاء البيعة ليزيد بن معاوية سنة 60ه، وقد أتاح الشرقاوي لأحداث مسرحيته سعة مكانية وزمانية خاصة في الجزء الأول "الحسين ثائراً"، وتنقّل ما بين الحجاز والكوفة وبادية جنوبالعراق، وتوسّع الزمن أيضاً فجعله سنة 60ه، وفي الجزء الثاني حقّق أيضاً اتساعاً مكانياً فأضاف كربلاء ودمشق وبادية الشام. وكانت "عرابي زعيم الفلاحين" هي آخر مسرحياته التي سارت على نهج اقتفى أثره منذ بداية كتاباته المسرحية، وهي البحث عن قصص البطولة، وإيقاظ الشعور القومي عبر استلهام التراث البعيد أو القريب. فشخصية عرابي الزعيم الوطني الذي عُرف بمواقفه النضالية ضد أسرة محمد علي، والذي لحقته الهزيمة في موقعة التل الكبير، ومن بعدها نفي مع رفاقه إلى سيلان ليعود إلى مصر في عام 1901، ويهاجمه البعض بقوة شديدة ليعيش بقية حياته في عزلة تامة. ملمح جديد ويرى الناقد المسرحي د. محمود نسيم، أن مسرحيات "الحسين ثائراً" و"الحسين شهيداً" و"الفتى مهران" مثّلت قيمة فارقة ومميّزة في المسرح، مشيراً إلى أن الشرقاوي كتب ست مسرحيات مستمدة من التاريخ والتراث الديني والشعبي. ويتميّز بناء الشخصيات المسرحية عنده، بأن هذه الشخصيات دائماً ما تكون على حافة هاوية ما، وتتميّز أيضاً الشخصيات بأنها أحادية إما شريرة أو خيّرة، وهذه إحدى الإشكاليات في تكوين الشخصيات في مسرح الشرقاوي، والإشكالية الأخرى هي أن الاستشهاد يُعدّ انتصاراً للشخصيات الدينية، وهي إحدى الإشكاليات في التراجيديا العربية المسرحية بصفة عامة، وعن الشرقاوي بصفة خاصة. وأضاف: في مسرحية "وطني عكا" التي كتبها الشرقاوي في أوج ثورة يوليو/تموز 1952 أتى بأمر نادر في الكتابة في ذلك الوقت، حيث استدعى شخصيات من جيش الدفاع الإسرائيلي تدافع عن الحقوق العربية، وكان هذا ملمحاً استثنائياً في شعر وكتابة الشرقاوي، وكان استشرافاً لبعض الكتابات التي ظهرت فيما بعد، وإن كان الشرقاوي قد واجه هجوماً من كبار النقاد عن هذه الكتابة في ذلك الوقت.