رائد فن العمارة الإسلامية الفنان المعماري حسن فتحي الذي درس في مدرسة المهندسخانة وتخرج عام 1926م وعمل مهندساً في البلدية والمجالس المحلية, قام بالتدريس في كلية الفنون الجميلة بقسم العمارة ثم في عام 1936م انتقل إلى مصلحة الآثار ليتفرغ لتصميم قرية القرنة الجديدة, ولكنه توقف عن إتمامها عام 1953م حيث عمل في وزارة المعارف العمومية وفي تلك الفترة تم ترشيحه خبيراً بالأمم المتحدة. في عام 1954-1975م تولى رئاسة قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة ثم سافر إلى أثينا للعمل في مؤسسة دوكياديس للتعمير, وقد بذل جهوداً كبيرة في مجال التصميم والعمارة نذكر منها أنه وضع نماذج للإسكان المتميز في العراق, وأسس جامعة الجزائر وجامع باكستان, بدأ في عام 1963م مشروع قرية باريز الجديدة بالواحات الخارجة في جمهورية مصر العربية. وفي عام 1964م عاد للأمم المتحدة مديراً للمشروع النموذجي لتعمير منطقة جدة بالمملكة العربية السعودية, كما أنه وضع تصميمات المعهد العالي لأبحاث التراث والفنون الشعبية ليقام في الأقصر. أنجز عام 1981م تصميمات قرية دار الإسلام وتم تنفيذ جانب منها في ولاية نيو مكسيكو في أمريكا وهي عبارة عن مستوطنة شُيّدت بالطوب اللبن على أيدي البنائين النوبيين. شيخ المعماريين لم يغفل حسن فتحي المنجز التكنولوجي والذي لقب ب ( شيخ المعماريين) و(معماري الفقراء) في نظريته المعمارية أياً من العناصر المكونة للإسكان سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الجمالية، لكنه كان يدرك صعوبة تحقيق طموحاته للنهوض بالريف المصري بغير مشروع ضخم للتنمية وبغير إعادة البناء لكل قرية مصرية، بحيث يتوافر لسكانه بيوت تفي بالحد الأدنى للمعيشة الإنسانية ؛ لذلك قام ببناء قريه تعد من أندر القرى في مصر من حيث أهميتها التراثية والمعمارية، وترجع الأهمية الكبيرة لقرية حسن فتحي أو القرية الجديدة أو عمارة الفقراء كما كان يطلق عليها منذ أكثر من 50 عاماً والتي تقع بمنطقة البر الغربي بمدينة الأقصر مؤكداً على أنها نموذج رائع للعمارة المصرية تم تصميمها بشكل جديد وباستخدام أبسط المواد البنائية الموجودة بالبيئة وبأسلوب وبطريقة فريدة في البناء حيث راعى المهندس المعماري الذي أطلق اسمه على تلك البنايات في تصميمه لهذا المشروع الرائع والذي يتميز بالبساطة وقلة التكاليف من ابتكار نماذج سكنية تتمتع بالخصوصية والتميز, فالمنازل مصممة بشكل يجعلها مكيفة الهواء باردة وساخنة, بجانب أن جدرانها سميكة تحفظ الحرارة بداخل البيت في الشتاء وتحتفظ بالرطوبة في الصيف, كما أن القباب التي توجد أعلى المنازل تساعد على تكييف الهواء لأنها تعكس أشعة الشمس. نموذجاً مثالياً إن هذا الأمر أستوحاه المهندس حسن فتحي عام 1941 من مساكن أهالي غرب أسوان والذين أستعان بهم حينما أنشأ القرية التي تعتبر نموذجاً مثالياً للقرية المصرية, فهي تشمل مسجد ومدرسة وخان - مكان لاستراحة التجار أثناء سفرهم - ساحة للسوق وكنيسة صغيرة معرض دائم لصناعات القرية مسرح حظيرة للمواشي والدواب يجمع فيها أهالي القرية حيواناتهم ودواوينهم ليلا حتى لا تنام معهم في نفس المكان ( البيت )..كما ينسجم بداخل المسجد مسقط الضوء مع خطوط البناء وحركات المصلين وكأنهم داخل مسرح حديث الإضاءة وبداخل المدرسة مسجد, حيث أراد حسن فتحي إدخال الرهبة في نفوس الطلبة وهكذا تفلسف حسن فتحي في فن العمارة مع البيئة, فعندما تدخل إلى إحدى الغرف فإن الإحساس بالعمارة فيها هو الفراغ الذي يحتويك وهو محدود بالجدران والسقف والأرضية وسط تقابل وتقاطع الخطوط تجد أن العين لا ترى الخط الواحد في نظرة واحدة في إيقاع سواء أكان إيقاع بطيء أو سريع لكن المهم في التجانس والتوافق وأن يكون مثل الموسيقى تماما لم يتبقَ من تلك البنيات -كما كان يطلق عليها أهل الجبل- سوى المسجد وقصر الثقافة. لقد كان حسن فتحي ثرياً ولم يبتكر التسقيف بالقباب من باب الاستعراض الفردي لمواهبه ولكنه وجدها الفكرة الأمثل والأرخص والأجمل في مواجهة انقطاع واردات الخشب والحديد عن مصر بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 وكان قد رأى المعيشة المعدمة للفلاحين في القرى، وكيف أنهم لا يملكون حتى ثمن "البوص" لسقف بيوتهم الطينية .. وتوصل إلى أن "حل مشكلة الإسكان في مصر يمكمن في تاريخ مصر". مهددة بالانهيار يقول محمود أحمد عبدالراضي ابن القرية التي يكافح من أجل البقاء على البقية الباقية منها: إن القريه مهددة بالانهيار وإن كان قد انهار أكثر من نصفها حتى الآن ولم يتبق منها سوى عدد قليل من المنازل الذي يمكنك أن تعده على أصبع اليدين، كما ويشيد محمود بموقف منظمة اليونسكو التي كلفت 40 من العلماء والخبراء المعماريين لإيجاد سبيل مناسب يمكن به الحفاظ على قصر الثقافة ودوار المهندس حسن فتحي نفسه والمندرة والمسجد الذي ينهار يوماً بعد يوم, وقد قام الوفد بوضع التصورات المبدئية لترميم القرية وقررت ترميم المركز الحرفي بالقرية ليكون أكبر مركز دولي للصناعات الحرفية ومجمعا متكاملا للحفاظ على التراث الثقافي للأعمال اليدوية والحرفية في الشرق الأوسط فيما سيقوم متخصصون من اليونسكو بالإشراف على تدريب وتأهيل العمال مشيراً إلى أن تطوير القرية يعد أحد مشروعات التنمية لتطوير الأقصر وتحويلها إلى متحف مفتوح أمام العالم وأضاف عبدالراضي، صاحب أكبر منزل بالمنطقة، أنه يحاول ترميم المنزل دائماً وأن السياح يأتون من كل أنحاء العالم لرؤيته ولا يكاد منزله يخلو من الزوار الذين ينبهرون من فن العمارة والتراث الذي يكاد ينقرض، ويرجع تاريخ قرية حسن فتحي إلى فترة الأربعينيات عندما حاولت الحكومة تهجير قرية القرنة القابعة على مقابر أجدادهم الفراعين للبحث عن الكنوز والآثار التي تضيف إلى الأقصر سوقاً سياحية جديدة. نداءات متكررة الجدير بالذكر أن نداءات متكررة انطلقت من العديد من الأثريين والمهتمين بالتراث بضرورة الاهتمام بقرية حسن فتحي وحمايتها من الاندثار بعدما فوجئ الجميع بتحول قرية المعماري العظيم حسن فتحي إلى مبنى للمصالح الحكومية بعدما استولت مديرية التضامن وعدد من الجمعيات الزراعية على حجرات القرنة وقاموا بوضع مكاتبهم وموظفيهم بداخلها ليقوم هؤلاء الموظفين بتدمير الأجزاء الباقية من القرية . ولم ينته الإهمال إلى هذا الحد ولكن تحوّلت الساحة الموجودة أمام القرية إلى ملعب كرة قدم لأبناء القرنة وجزيرة البعيرات مما يهدد بتدمير القرية التي أنشئت من أجل حل مشكلة تهجير سكان تسعة نجوع بالقرنة بعدما قامت هيئة الآثار باتخاذ قرار جريء بتهجير سكان القرنة والتي كانت تسكن فوق مقابر النبلاء من الأسرة ال18 إلى 20 استندت فيه الهيئة على المرسوم الملكي والخاص بنزع ملكية الأراضي التي بنيت عليها بيوت القرنة فوق المقابر الأثرية. يقول محمد مصطفى - مفتش آثار -: هل يعرف الجيل الجديد من هو المعماري الكبير حسن فتحي ؟ ولماذا أهملنا دور هذا الرجل الذي يعتبر مؤسس عمارة الفقراء ؟ هذا الرجل رحمه الله قام بدور كبير في مجال الفن المعماري لقد سافر أمريكا وبلاد كثيرة وشيد أبنية وعمارات وقرى للشعب, نتمنى من الجهات المعنية أن لا تهمل إبداعات حسن فتحي في البناء, وفلسفته الخاصة في تشييد القرى النموذجية لابد أن نبعث فكر هذا المعماري الكبير وندرسه ونتعلمه ونقدمه للجيل الجديد. إنجازات فتحي تتعرض للإهمال والانهيار والتجاهل أرجو أن تتعاون وزارة الثقافة والآثار والسياحة للاهتمام بفن العمارة والآثار المعمارية لهذا الفنان الكبير. العناية بالشخصيات يقول الفنان التشكيلي نور محمد حسام : كان حسن فتحي ظاهرة لم تتكرر طوال سنوات عديدة تعلمنا منه كيف يكون للضوء صوت وحضور داخل البيت العادي وتعلمنا منه فلسفة العمران وكيف تتكون أسطح البناء وارتفاعاته مع تعامد ضوء الشمس كل يوم إنها فلسفة غريبة قائمة على العلم والدراسات العميقة.حسن فتحي في ذاته مدرسة فنية وفلسفية تعلمنا منها الكثير ومازلنا فكيف نهمل نتاج هذا المعماري الكبير؟ لاشك أن مؤسسات الدولة مشغولة الآن بهموم الوطن والأمن القومي والأمن الداخلي ولذلك نتمنى بعد أن تنجز مصر بناءها الداخلي تتجه إلى العناية بالشخصيات الكبيرة التي غيرت العالم من حولها, وأقول لك أنه من الغريب أن هناك بلاداً ومؤسسات وجمعيات مدنية خارج مصر تحتفي بحسن فتحي وتصدر عنه كتيبات ونشرات تشير إلى إنجازاته الكبيرة فيجب أن يكون لنا دورنا في هذه الاحتفالات وأن نعيد اكتشاف عمارة حسن فتحي.