" العدالة الاجتماعية " حُلم المواطن المصري الذي طالما سعى إلى تحقيقه بعد أن اتسعت الهوة الاقتصادية بين المواطنين خلال العقود الأخيرة، تحديداً بعد تلاشي الطبقة المتوسطة من هرم الطبقات الاجتماعية. ومع شدة الضغوط الاقتصادية والمجتمعية اندلعت ثورة 25 يناير 2011 للمطالبة بالعديد من الأهداف التي في مقدمتها " العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية "التي شدد المصريون على الحكومات الانتقالية المتعاقبة بسرعة إقرارها. بعد أن أرفعت معدلات الفقر في مصر خلال عام 2013 لتصل نسبتها حوالي 26.3% وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء . في الوقت الذي أعلنت فيه مجلة " فوربس" خلال تقريرها السنوي عن احتلال مصر المركز الأول عربيًا من حيث عدد المليارديرات التي تصل حوالي 22.3 مليار دولار. ووسط العديد من التحديات التي تعثر من خطوات الحكومة الانتقالية الراهنة برئاسة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، نحو تحقيق العدالة المنشودة قررت تلك الحكومة الاستعداد لفرض ضريبة جديدة يطلق عليها "ضريبة الثروة " يتم تطبيقها على الأثرياء المصريين، هذا وقد رحّب خبراء الاقتصاد في مصر بهذا القرار الذي وصفه البعض بالفرصة " الصائبة " التي تتحكم بدورها في زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم بصورة تنذر بثورة جديدة تسمى ب" ثورة الجياع "، بعد أن ارتفعت نسبة معدلات الفقر في جميع محافظات الجمهورية بصورة تهدد مخططات التنمية التي تسعى الحكومات لتفعليها. فمن جانبه، وصف د.جودة عبد الخالق وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، قرار الحكومة الانتقالية الجديدة بفرض ضريبة الثروة على الأغنياء ب" المناسب "، نظراً للظروف السياسية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها الدولة في ظل العجز المتفاقم في الموازنة العامة للدولة التي تعجز عن تلبية احتياجات المواطنين الأساسية. ويضيف د.عبد الخالق : إن هذه الضريبة تحتاج لدراسة جيدة قبل تفعيلها وذلك لتحديد الملامح الأساسية التي تطبق من خلالها سواء كانت على الدخل فقط أم على إجمالي الثروات التي يمتلكها الأشخاص، وإن كان من الأجدر على رئيس الحكومة الحالية رفع قيمة هذه الضريبة، لسداد مطالب واحتياجات المواطنين بدءًا من إقرار الحد الأدنى للأجور الذي وعد د.حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء السابق بتطبيقه، وذلك حتى لا تتعقد الأمور وتسوء العلاقات بين الحكومة والشعب مما يخلق عدم الثقة والمصداقية بين الطرفين . ويرى د.حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي، أن قرار محلب لفرض هذه الضريبة "الثروة"واعترافه بحقيقة الموقف المعقد، يعد بداية جيدة للخروج الصحيح من الأزمة الاقتصادية العثرة التي تقف أمامها الحكومة، وبرامجها الاقتصادية التي تتطلب موارد مالية غير متوفرة، نظراً للزيادة الخطيرة في الموازنة العامة للدولة التي تهدد مكانة الاقتصاد المحلي تحديداً بعد أن تجاوزت ل 240 مليار جنيه من إجمالي الناتج، وبالتالي فكرة تطبيق هذه النسبة 5% كقيمة هذه الضريبة سوف تكون الوسيلة العاجلة والمتوفرة في زيادة الإيرادات الضريبية التي تشجع على تنشيط عجلة الإنتاج والاستثمار وأيضاً تنشيط حركة الصادرات . وحذر من جانبه د.عبد العظيم من محاولة عدم تطبيقها بصورة رسمية لمنع تكرار ظاهرة التهرب الضريبي التي تفشت في القطاع بالكامل ،لعدم وجود ضوابط رسمية مشددة على هذه الضريبة ، مما يعوق من تحقيق العدالة الاجتماعية "الغائبة "عن المستحقين من الفقراء ، نظراً للزيادة الملحوظة في الأسعار دون أن يقابلها تحسن في الأجور ، ومن ثم حدوث مؤشرات التضخم . الاحتكار والفقر وأشار د.سعيد مراد أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، إلى أن ثورتي الشعب قامت بالأساس من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، لاسيما في ظل اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء خلال السنوات العشرة الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك ، الذي تحول خلاله العديد من رجال الأعمال نحو الاستثمار الخاص واحتكار العديد من مؤسسات الدولة وممتلكاتها ب"المجان" إضافة لتقديم المزيد من الخدمات والإعفاءات الضريبية، التي تقوم الدولة من خلالها بتقديم الخدمات والمشروعات للفقراء، الذين تصاعدت نسبة الفقر حوالي 4.4% . وتابع أستاذ الاقتصاد، أن لجوء الحكومة لهذه الضريبة، يأتي في إطار محاولات الحكومة للنهوض بمحدودي الدخل، في ظل ما تعانيه البلاد من تراجع حاد في كافة المؤشرات الاقتصادية التي زادت من حدة الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر، خاصة بعد أن توصلت معدلات البطالة نسبتها حوالي 13.6% خلال العام المالي (2012 2013 ) . ومن ناحيته ؛ أوضح د.عبد الرحمن عليان أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمي، أن إقرار هذه الضريبة سوف يؤدي لوقف الزيادة في الأسعار ومن ثم تقليص حدة التضخم التي تهدد الاقتصاد بالكامل ، وإن كان من المفترض أن إقرار هذه الضريبة على الأثرياء، سيكون محاولة موفقة في خفض عجز الموازنة ، وذلك باعتبار أن إقرارها سوف يزيد من إيرادات الدولة مقارنة بحجم الإنفاق .وأضاف عليان ، أن محاور العدالة الاجتماعية المتعددة سواء تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور على الجميع دون استثناء ، سوف تحتم على الدولة تحدد شرائح المجتمع لمستويات أساسية يتثنى من خلالها وصول الدعم لمستحقيه ،وفقاً لقواعد تطبيق العدالة الاجتماعية التي تحتاج لفرض الضرائب التصاعدية على المشروعات والأفراد بصورة متدرجة نظراً لمعدلات التضخم التي تتصاعد تدريجياً ،نتيجة لعدم حسم ظاهرتي التهرب الضريبي ، وغياب الرقابة المشددة على السوق لوقف ظواهر السوق السوداء التي أرهقت الاقتصاد القومي حتى تجاوزت موازنة الدولة عجزاً يصل حوالي 240 مليار جنيه ، بالإضافة إلى الديون الخارجية وأعباء الدولة . وبدوره؛ يرى د.محمد الشريف الخبير الاقتصادي، أن الظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر بها الدولة خلال الفترة الانتقالية التي تعترك العديد من الأزمات ، تحتم على الجميع تضافر الجهود مع الحكومة ، بدءًا من أصحاب الثروات من رجال الأعمال في مصر الذين يستأثرون بنسبة كبيرة من الاستثمارات ، من المفترض عليهم احتواء نسبة من معالجة أزمة البطالة وتوفير فرص عمل للشباب مساهمة في إقرار العدالة الاجتماعية ، وأيضاً دعم الموازنة الخاصة للدولة عن طريق سداد الضرائب المستحقة عليهم ، بعد أن توصلت حصيلة إيرادات الدولة من هذه الضرائب فقط 80مليار جنيه، من أصل 130مليار جنيه من المفترض تحصيلهم، للحد من الموازنة العامة للدولة وإنقاذ الاحتياطي النقدي الذي تأثر كثيراً بالأوضاع السلبية التي أثرت على المسار الاقتصادي بصورة كاملة، لذلك جاء فرض ضريبة الثروة المقدرة بنسبة 5% على الأفراد الأعلى في الدخل خلال ثلاثة سنوات قادمة، وذلك لزيادة موارد الدولة المالية واستخدامها في تنفيذ مشروعات البنية التحتية وتحسين الخدمات لتحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بالأسر الفقيرة ومحدودي الدخل . في ظل اقتراب عجز الموازنة خلال العام المالي ( 2013 2014) حوالي 14 % من الناتج المحلي الإجمالي في حال استبعاد المنح المختلفة والإيرادات الاستثنائية والإنفاق الاستثنائي لتقلص معدلات العجز حوالي 10% خلال العام المالي القادم (2014 2015 ).