تزامنا مع الاحتفال بيوم المرأة المصرية ورغم تنفسهن لنسمات الحرية وما يراودهن من أحلام بعد ثورتين متتاليتين شهدتهما البلاد، إلا أن الكثير من المصريات يأخذهن الحنين إلى صورة المرأة الفرعونية، وكيف تمتعت بحقوق لم يحصلن عليها اليوم وهن يحتفلن بيوم المرأة المصرية في عام 2014. توصلت دراسة أعدتها أربع باحثات مصريات، وهن منال لطفي وشيرين النجار ودعاء مهران والدكتورة خديجة فيصل مهدي، إلى أن المرأة في مصر الفرعونية، تمتعت بحقوق لم تنلها في العصر الحديث الذي يتشدق فيه كثيرون بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، حيث تمتعت المرأة الفرعونية بأهلية قضائية كاملة وكان لها استقلالها المالي عن الرجل، وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة بل وأن تمسك بزمام الأمور في البلاد. وأضافت الدراسة، أن ذلك لا يعني أنها امرأة تجرّدت من الأنوثة والجاذبية، فقد كانت أيضا امرأة فاتنة وجذابة، وكان هدف الفتاة أن تختار شريك حياتها بكامل إرادتها وحريتها وأن تصبح زوجة وأمّا صالحة، من دون أن يعني ذلك خضوع النظام الأسري لسيطرة الأم، بل كان نظاما يتقاسم فيه الزوجان المسؤوليات المعتادة في إطار الحياة الزوجية، حيث يشتركان في السراء والضراء. وأوضحت الدراسة، التي صدرت عن منظمة "مصريات ضد الإرهاب" ومركز "إيزيس" لبحوث المرأة في الأقصر، تزامنا مع الاحتفال بيوم المرأة المصرية الذي يوافق 16 مارس من كل عام، فقد ثبت سير النساء في الحضارة الفرعونية والتي تعدّ من أقدم الحضارات التي عاملت المرأة بقدر كبير من الاحترام، فقد احتلت المرأة مكانة متميّزة لدى المصريين القدامى، وتمتعت بحقوق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية مساوية للرجل. وشغلت المرأة المصرية العديد من المهن والحرف والمناصب المرموقة في مجتمعها، مثل منصب قاض ووزير، مثل ذلك “نبت” في الأسرة السادسة، كما كانت الفتاة منذ عهد الدولة القديمة تسلك مجال الطب والجراحة ومهنة المولدة بعد أن تتلقى مبادئ العلوم الطبيّة وكذلك مهنة “المرضعة”. وكانت سيّدات المجتمع الراقي يشغلن وظيفة إدارة مصانع النسيج الكبرى، كما شغلت المرأة مهنة سيدة أعمال مثال السيدة “نيفر”، وكانت صاحبة أراض شاسعة وعقارات مهمة وكانت هذه السيدة توكل لوكلائها التجاريين في عهد الدولة الحديثة، مهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها. وأن التاريخ يذكر للفراعنة أنهم توجوا المرأة المصرية كملكة، فقد كانت الملكة الأم الوصية على العرش تقوم بدور بالغ الأهمية بجانب ابنها، ومن أشهر الملكات اللاتي حظين بمكانة متميّزة الملكة "حتب حرس" زوجة الملك "سنفرو" وأم الملك "خوفو"، وكانت تتمتع بمكانة جليلة ونفس هذا التبجيل والاحترام قدمه أحمس، محرر مصر من الهكسوس، لأمه الملكة “راع حتب”، التي تولت الوصاية على أحمس ابنها وحلت مكانه بالعاصمة عند ذهابه للقتال. وأقام أحمس لوحة كبيرة بمعبد الكرنك تبيّن قدرة هذه الأم والملكة المثالية من أجل تحقيق استمرارية الأسرة بفضل نشاطها وإنجازاتها في مختلف المجالات لدرجة أنها تمكنت من التوحيد بين جيوش مصر، وكانت أول امرأة تنال وساما عسكريا، حيث أرفق أحمس مع مومياء أمه المبجلة، التذكارات المرتبطة بشجاعتها الأسطورية . وأشارت الباحثات إلى أن الفن المصري القديم عبّر عن مكانة المرأة المساوية للرجل، من خلال مختلف أشكال التعبير الفني، فتبدو المرأة في اللوحات والتماثيل مساوية لزوجها في الطول كما تصور الأعمال الفنية التي ترجع إلى مصر القديمة مشاركة المرأة للرجل في مختلف أنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأسرية . ومن أشهر أسماء النساء اللاتي عرفهن العهد المصري القديم، الإلهة “حتحور” وهي الأم الأولى للآلهة بصفتها “البقرة السماوية” التي ولدتهم وأرضعتهم جميعا، وهي أيضا "حتحور" ربة الحب التي يشبهها الإغريق بآلهتهم "افروديت".. أما "إيزيس" فهي أكثر النساء شهرة في التاريخ الفرعوني، بل إنها أحيانا ترمز إلى مصر نفسها، وهي قرينة أوزوريس التي صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته وأن التاريخ لا ينسى الملكة “حتشبسوت” التي حكمت مصر لمدة 21 عاما وتسعة أشهر، وكانت شخصية فريدة من نوعها وتميز عصرها بالرخاء والاستقرار. ومن أبرز إنجازاتها المسلتان في أقصى شرق معبد الكرنك، كما أقامت مدرسة للمثالين والنحاتين، وبذلك أنشأت أول ورشة فنية ملكية، كما أقامت معبد الدير البحري، وهو المعبد الرائع الذي قام بتصميمه مهندسها المعماري “سنموت” ويعد تحفة فنية ومعمارية تدهش الزوار من سياح العالم إلى يومنا هذا. وقالت منال لطفى، رئيس منظمة مصريات ضد الإرهاب، إن الدراسة رصدت ما وصفته بالتراجع الكبير فيما حققته المرأة المصرية من مكتسبات وحقوق، وأن المرأة المصرية تعرضت لإهدار ممنهج لما حققته من مكتسبات وما حصلت عليه من حقوق، خلال جهادها من أجل نيل مكانتها في المجتمع طوال العقود بل والقرون الماضية، وأن النساء المصريات اليوم يتشوقن لزمن الفراعنة ويحلمن بأن ينلن ما نالته المرأة المصرية القديمة من حقوق قبل خمسة آلاف عام مضت، وأن الذاكرة تستحضر ونحن نحتفل بيوم المرأة المصرية سير النساء في الحضارة الفرعونية، كنموذج فريد لازال يدهش العالم حتى اليوم . وقالت شيرين النجار، مدير مركز “إيزيس لبحوث المرأة”، إن العالم الغربي قد يدهش و كذلك العالم المعاصر من أن المرأة في مصر الفرعونية، كانت تتمتع بحقوق وتحظى بمكانة قد لا تتمتع بها المرأة في البلدان الأوروبية اليوم.