حلب : تشهد عدّة مناطق في سوريا وخاصة في إدلب وحلب مواجهات دامية بين الدولة الإسلامية في العراق والشام وفصائل المعارضة المسلحة، أدّت إلى وقوع العشرات من القتلى المنتمين إلى التنظيم فضلا عن سقوط عدّة مقارّات له آخرها المقرّ الرئيسي في حلب. وسقط المقرّ الرئيسي ل”الدولة الإسلامية في العراق والشام” «داعش» في مدينة حلب شمال سوريا في أيدي مقاتلي المعارضة الذين يخوضون معارك شرسة مع هذا التنظيم منذ ستة أيام كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، في وقت تنشغل فيه القوى الدولية بنقل المواد الكيميائية السورية إلى الخارج عبر البحر لإتلافها. وقال المرصد، أمس، “سيطر مقاتلون من عدّة كتائب إسلامية مقاتلة على مشفى الأطفال بحي قاضي عسكر وهو المقرّ الرئيسي للدولة الإسلامية في العراق والشام ولا يعلم حتى اللحظة مصير المئات من مقاتلي الدولة الإسلامية الذين كانوا يتحصّنون فيه”. وأشار إلى وجود “معلومات” عن تحرير عشرات المعتقلين في المقرّ “الذي يعتبر من أهم معتقلات الدولة الإسلامية”، دون أن يكون في إمكانه تأكيد هذه المعلومات. وبث نشطاء، على صفحات التواصل الاجتماعي، تسجيلا مصورا يظهر فيه مقاتلون معارضون يعلنون السيطرة على مشفى الأطفال وأبنية مجاورة له، بعد اشتباكات مع “داعش”، التي كانت تتخذها مقرّا لها. وأعلن النشطاء أنه تمّ العثور على جثث عشرات كانوا معتقلين لدى التنظيم في المبنى، قالوا إنه تمّت تصفيتهم قبل سيطرة مقاتلي المعارضة عليه، ونشروا عددا من الصور ومقاطع الفيديو تظهر جثثا مكبلة الأيدي من خلف وممدّدة على الأرض فوق بقع من الدماء. ومن بين الأشخاص الذين قامت “داعش” بإعدامهم وتمّ اكتشافه عند سيطرة الفصائل على المشفى محمد قراينة، المشهور بلقب “سيفو”، وهو “إعلامي” مؤيّد لها وكان من أكثر المناصرين لها في حلب. وخسرت دولة الإسلام في العراق والشام العديد من المناطق الغربية في حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما دفع بعناصرها إلى التراجع والتحصّن بمشفى العيون في منطقة قاضي عسكر بالمنطقة الشرقية للمدينة، وسط ترقب يسود أرجاء المدينة لتطوّر المعارك معها، ممّا أدّى إلى توقف العديد من مناحي الحياة. وتتواصل المعارك بين فصائل المعارضة ودولة الإسلام في كل من الرقة وإدلب فضلا عن أجزاء في حلب. وفي ردّ منها على الحرب التي تخوضها 3 جبهات وهي كل من الجبهة الإسلامية وجبهة ثوار سوريا وجيش المجاهدين ضدّها، بتأييد ودعم من الائتلاف الوطني السوري، تعهدت الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبطة بتنظيم القاعدة بسحق فصائل المعارضة السورية التي تقاتلها، كما توعّدت باستهداف الأعضاء الموالين للائتلاف الوطني السوري المعارض، المعترف به دوليا والذي يهدف إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. وتضررت الدولة الإسلامية في العراق والشام من الاقتتال الذي استمرّ أكثر من خمسة أيام بين فصائل المعارضة المسلحة. وجاء التوعّد الذي وجهته الدولة الإسلامية في العراق والشام في تسجيل صوتي للمتحدث باسمها أبو محمد العدناني، وقد تمّ بثه في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، بعد ساعات من دعوة زعيم جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة إلى وقف الاقتتال. وقال أبو محمد العدناني متوجها إلى مقاتلي هذا التنظيم الجهادي “احملوا عليهم حملة كحملة “أبو بكر الصديق” واسحقوهم سحقا وإدوا المؤامرة في مهدها وتيقنوا من نصر الله”، متوعدا المقاتلين المعارضين بالقول “والله لن نبقي منكم ولن نذر ولنجعلنكم عبرة لمن اعتبر أنتم ومن يحذو حذوكم”. واندلعت المصادمات بين كثير من فصائل المعارضة السورية -ومنها قوات إسلامية- وبين الدولة الإسلامية في العراق والشام في أعنف موجة اقتتال بين فصائل المعارضة منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في النصف الأول من 2011. وعلى الرغم من ارتباط كل من جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام بتنظيم القاعدة وترحيبهما بانضمام مقاتلين أجانب إليهما ركزت جبهة النصرة هدفها على الإطاحة بالأسد بدلا من إقامة دولة إسلامية، بينما الهدف الرئيسي للدولة الإسلامية في العراق والشام هو إقامة دولة إسلامية. كما تعاونت جبهة النصرة بصورة أكبر مع فصائل المعارضة الأخرى وتفادت إلى حدّ معين صراعات القوى التي تخوضها جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، منذ انتزعت من جماعات أخرى السيطرة على كثير من المناطق الواقعة في قبضة المعارضة. وشاركت جبهة النصرة في عمليات القتال الموجهة ضدّ “داعش” إلا أن ذلك لم يمنع تخوفها من أن تكون الحرب على “داعش” هي مقدمة لما يسمى ب”الحرب ضدّ الإرهاب” في سوريا، وستكون هي عنوانه في المرحلة المقبلة. وفي نفس السياق دعا زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني إلى ضرورة وقف القتال منتقدا ما أسماها ب”السياسة الخاطئة” للدولة الإسلامية، والتي أسهمت بدور بارز في تأجيج الصراع بين الفصائل الإسلامية. وفيما الصراع بين الدولة الإسلامية في العراق والشام قائم على أشدّه، تنشغل القوى الدولية بنقل المواد الكيميائية السورية. وفي هذا السياق دعت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تشرف على تدمير مخزون سوريا من المواد السامة حكومة الرئيس بشار الأسد إلى الإسراع بتسليم ما تبقى من مواد كيميائية. وحملت سوريا، أول أمس، أول شحنة من المواد الأكثر سمية في سفينة دنماركية بعد تأخير بأسبوع عن الموعد النهائي المحدّد لنقل هذه المواد من سوريا بحلول 31 ديسمبر الفارط. وينبغي للحكومة السورية حسب المواعيد المتفق عليها الانتهاء بحلول نهاية مارس المقبل من تسليم ما يسمى بالمواد الكيميائية ذات الأولوية القصوى ومنها نحو 20 طنا من غاز الخردل واستكمال القضاء التام على برنامج الأسلحة الكيميائية بحلول نهاية يونيو القادم.