المملوك "تمراز المحمودي" ذلك المملوك الذي أعتقه السلطان ليرتقي في المناصب، حتى أصبح في وظيفة الأتابكية، والتي تعتبر أكبر مناصب الدولة في ذلك، فجمع الكثير من الأموال، وقرر إنشاء العمائر الدينية، لم يبق منها الآن سوى مسجده المعروف باسم "تمراز" أو "البهلول". ومسجد تمراز الأحمدي بشارع اللبودية تجاه قنطرة عمر شاه بقرب السيدة زينب بالقاهرة، له منارة بثلاثة أدوار من الحجر، وبه ضريح الشيخ تمراز على قبة، هناك كتابة فوق المدخل نصها: " أمر بإنشاء هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه الكريم. وكان الفراغ من ذلك في شهر شوال المبارك سنة ست وسبعين وثمان مائة". لم نقف على ترجمة حياة الشيخ تمراز ولم يذكرها علي مبارك في الخطط التوفيقية. يحكي د.عبد الرحيم ريحان الأثري بالمجلس الأعلى للآثار عن سيرة الأمير تمراز ونشأته وكيف وصل إلى أعلى المناصب قائلا: إن الأمير تمراز المحمودي الظاهري جركسي الجنس، جلبه إلى مصر الخواجة محمود في سنة 839 هجريا، فاشتراه منه الملك اللأشرف برسباي هو وعدد من المماليك، كان من بينهم" قايتباي" الذي كان يمت بصلة قرابة لتمراز فهو ابن اخته، وكان تمراز يتمتع بالكثير من الفطنة والذكاء، وهو ما جعل السلطان برسباي يضمه هو وقايتباي إلى جملة المماليك الكتابية، واستمر على ذلك حتى توفي الأشرف برسباي، وتسلطن الظاهر جقمق فاشتراه من بيت المال واستمر في رقه حتى أعتقه، وقد تولى تمراز عدة مناصب في عهد السلطان جقمق، فلما توفي السلطان وتولى الظاهر بلباي ساءت العلاقة بينه وبين تمراز، ترتب عليها القبض على الأخير، وسجنه بدمياط، إلا إنه سرعان ما استرد الأمير تمراز حريته ومركزه وأملاكه، إذ لم يستمر السلطان الظاهر بلباي في الحكم أكثر من شهرين إلا أربعة أيام، فقد كان كما قيل يجمع بين قبح الفعل والشكل وسوء الطباع ومقت اللسان، ولما تسلطن الملك الظاهر أبو سعيد تعريفا، أمر بالإفراج عن تمراز. ويشير"ريحان" إلى أن الأمير تمراز علا قدره عندما اعتلى قريبه السلطان الأشرف قايتباي كرسي السلطنة، وكان تمراز من بين المماليك الذين أجلسوه على العرش بعد تنحية وخلع السلطان السابق "الظاهر تمريغا"، وقد عين "قايتباي" "تمراز" كاشفا على أعمال الغربية عام 873 هجريا، وكانت ثقته فيه بلاحدود، حيث كان تمراز كريم النفس ورعاً تقياً، لا يخون من ائتمنه، لذا كان قايتباي يكلفه بالأعمال التي كان يخشى عواقبها، فقد كافأه على إخلاصه وتفانيه في خدمته بترقيته إلى وظيفة "رأس نوبة النوب"، وكان يصطحبه في رحلاته واحتفالاته. وقد وقع بين تمراز والسلطان قايتباي خلاف ووحشة، كاد يؤدي به إلى النفي إلى مكة، وذلك لأن تمراز رفض أن يترك القاهرة لكي يتولى نيابة الشام خوفا من أن تغدر به حاشية السلطان، واستمرت القطيعة بينهما إلى أن تدخل الأتابكي أزبك وأصلح بينهما. الأثري عبد الحميد العطوي يقول : من الأحداث التي أثرت في الأمير وهزت مشاعره وفاة زوجته "خوند بنت الملك المنصور"، وكانت شابة جميلة، فقد ماتت نفساء بعد أن وضعت وليدها الذكر، فحزن تمراز حزنا شديدا ولزم الفراش مدة طويلة، فأراد السلطان "قايتباي" أن يخرجه من حالته في نفي "أمرية السلاح"، ثم أخذ يترقى في أكبر وظائف الدولة، حتى وصل إلى وظيفة "أتابكية" سنة 901 هجريا، كما عينه السلطان في نفس السنة في نظارة البيمارستان "مستشفي" المنصوري. ويشيد العطوي إلى أنه عندما مرض السلطان قايتباي مرض الموت، أمر أن ينوب عنه الأمير تمراز في الاحتفال بوفاء النيل وبفتح السد فصعد تمراز إلى القلعة، ولبس خلعة خاصة بهذا الاحتفال، وعندما أشتد المرض على السلطان واضطرب الأمن في البلاد، ذهب الأتابكي تمراز إلى السلطان وكان في النزع الأخير، وقال له "يامولانا السلطان"، إن الأحوال قد فسدت ومن الرأي أن تسلطن سيدي محمد "ابنه"، فلم يرد السلطان فأخذ تمراز محمد بن السلطان وكان فتى صغيرا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، ونزل به إلى باب السلسلة بالقلعة، فأجلسه على المقعد وجلس معه ليوليه السلطنة، فلم يشعر تمراز إلا وقد هاجمته العساكر فقبضوا عليه وقيدوه وسجنوه بالبرج الذي بباب السلسلة، ثم بعثوه إلى الإسكندرية فسجن بها، وكان ذلك سنة 901 هجريا، ومنذ ذلك التاريخ اختفى تمراز ولم يعلم أحد عنه شيئا، إلى أن توفي ودفن بمسجده الذي يحمل اسمه. ويوضح محمد أبو العمايم مدير قطاع المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار سابقا، أن الأمير تمراز كان واسع الثراء، بل قيل إن ثروته تكاد تعادل ثروة السلطان، مما جعل بعض المحتالين والمدجلين يحتالون عليه هو والسلطان، بقصد ابتزاز بعض أموالهم، وقد ساعدت ثروة تمراز الطائلة على اتجاهه لإنشاء كثير من العمائر، التي لم يبق منها غير مسجده الذي دفن فيه، والذي يحمل اسمه، ويعرف أيضا باسم "جامع بهلول"، نسبة إلى صوفي اسمه "پهلول بن إسحاق الأنباري"، عاش ودفن في هذه المنطقة التي أقيم عليها المسجد. ويشير أبو العمايم إلى أن مسجد"تمراز" أو "بهلول"، كان يقع على ضفاف الخليج المصري الذي كان يبدأ من منطقة "فم الخليج" بالقاهرة، وينتهي عند مدينة السويس، وكان أمام المسجد وعلى الخليج، قنطرة تعرف باسم قنطرة "عمر شاه"، فحين ردم الخليج وأصبح شارعا عرفت المنطقة باسم حي "عمر شاه"، ولما وسع مسجد السيدة زينب دخلت منطق "عمر شاه" في الميدان، وبناء على ذلك فإن المسجد يقع اليوم في ميدان السيدة زينب، وهو من أجمل مساجد الميدان بعد مسجد السيدة زينب رضوان الله عليها. وعن وصف المسجد .. واجهته الرئيسية تقع في الجهة الغربية من المسجد، حيث يوجد بها المدخل الرئيسي، وباب آخر صغير في الطرف الجنوبي من المسجد يؤدي إلى الميضة وإلى السبيل، ومنه يصعد إلى الكتاب.. وفي الطرف الشمالي من المسجد يوجد ضريح "الأمير تمراز"، وهو عبارة عن حجرة مربعة الشكل بكل ركن من أركانها توجد خمسة صفوف من المقرنصات، تقدم فوقها رقبة مستديرة تعلوها القبة، وبين مقرنصات الأركان توجد أربع نوافذ أخرى مملؤة بالجص والزجاج والمتعدد الألوان.. كما يوجد بالضلع الغربي من الضريح نافذتان علي الشارع. والمسجد مستطيل الشكل يتوسطه صحن مربع صغير منخفض مفروش بالفسيفساء الرخامية، يحيط به من ثلاث جهات صفان من البوائك المكون من عقود حجرية مدببة يقوم بعضها على أعمدة رخامية وحجرية، أما الجهة الرابعة للصحن وهي الجنوبية فيوجد بها باب صغير يؤدي إلى الميضاة. وفي منتصف حائط القبلة والكلام لأبو العمائم يوجد محراب كبير على جانبيه حنيتان فتحت فيهما نوافذ، وبجانب المحراب منبر أثري يرجع إلى تاريخ أمير تمراز منشيء المسجد. وفي منتصف الإيوان الغربي للمسجد يوجد مقصورة خشبية يعلوها قبة من الخشب المنقوش مذهبة بأسلوب العصر العثماني.