جاء ذلك علي لسان، الكاتب المصري، يوسف معاطي خلال حفل توقيع كتابه الجديد "كراسي"، والذي صدر مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر. يتناول الكتاب، علاقة الكراسي بالأشخاص الذين يجلسون عليها، في صورة من أزهي صور الأدب الساخر، حيث منح معاطي الكراسي صوت البطولة، كي ما ترصد مظاهر العشوائية والتخبط، والفساد والمتاجرة في البشر وبيع البنات الصغيرات للسائحين العرب، نظرًا لأنها لن تكون ساعية إلي الشهرة، أو إلي المجد الأدبي، فالكرسي مجرد شاهد عاصر أحداثا وسيتكلم عنها بحياد تام. الجدير ذكره، أن "الزعيم" والفنان عادل إمام، هو من قام بالتقديم للكتاب، واصفًا في ثنايا المقدمة معاطي بأنه كاتب عميق شديد الثقافة، إلا أنه ليس مثقفا "حنجوريا" - بحسب وصف إمام - يصرخ وهو يعبر عن أفكاره، بل يعبر عنها بهدوء وبساطة. جاء الفصل الأول من كتاب معاطي حاملًا عنوان "كرسي خرزان" الذي تناول فيه الرشوة لدي الموظفين، والتي باتت المصدر الجديد للرزق لديهم، ثم يترك معاطي القلم - بل لسانه- لأحد الكراسي كي تتكلم وتشهد علي "الأستاذ صابر مدبولي" الموظف البسيط، الذي يعمل بإحدي المصالح الحكومية.. فيقول الكرسي: "مدبولي هادئ وطيب، يعامل المواطنين البسطاء بكل ود، فلا يضجر ولا يشخط ولا "ينطر"، ولكنه في الوقت نفسه يفتح درج مكتبه.. ويستطرد الكرسي: لا تندهشون كيف سيعيش عم صبري هو وزوجته وخمسة أولاد براتب ثلاثمائة وأربعين جنيا فقط لا غير؟ .. ولا تعتقدون أنه يوقف مصلحة لأحد إذا لم يدفع إطلاقا ، بل هو فقط يوحي لصاحب الطلب أنه إذا جادت نفسه بأي حاجة سينتهي طلبه في لمح البصر. وفي تحول دراماتيكي متناسق، يداف الكري عن عم صابر، قائلًا: "عم صابر ليس مرتشيا .. بل إذا ألقي أحد المواطنين بورقة كبيرة كان يرتجف ويتوتر ثم يعيدها إليه، بل أكاد أقسم لكم أنه كثيرا ما كان يتعاطف مع بعض المواطنين. وتحت عنوان كرسي الرئيس، يتحدث كرسي رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية حاكيا فترة بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي واصفًا مدي ما وصلا إليه من قمة النشوة، حينما اتصل سكرتير الأممالمتحدة ليبلغ الرئيس أن أعضاء الأممالمتحدة اتفقوا علي تجريم ما تفعله إسرائيل في الأراضي المحتلة . فرد كلينتون: "هي مش أمريكا ليها حق الفيتو، بتكلمني ليه دلوقت اتصرف إنت". تحت عنوان "كرسي خشب والقعدة قش"، يسرد كرسي آخر عن بيع الفتيات المصريات للأثرياء العرب، نظير مبلغ متفق عليه، راويا كيف اشمئز حين حدثت فوقه تلك الصفقة المشينة.. قائلًا: في كافيتريا بالمهندسين بدأت الحكاية، حين دخلت المكان فتاة رائعة الجمال لا يزيد عمرها علي الثامنة عشرة، وكانت معها امرأة في نحو الخمسين ترتدي ملابس سوداء فقيرة ورجل في نحو الأربعين يبدو عليه هو الآخر الفقر الشديد، واتجهوا نحو شيخ عربي، فأخبروها أن هذا زواج شرعي يسمي زواج المسيار، فسيتزوجها الشيخ العربي هذا لمدة ثلاث سنوات هي مدة الدراسة في الجامعة وبعدها سيفترقان، وسيدفع عن "استعمالها" في السنة أربعين ألف جنيه ولكنه سيدفع مقدمًا طبعا. وعلي "كرسي طلياني" تتبدي ملامح الغش والفساد الوزاري، حيث يقول الكرسي: "قال مدير مكتب الوزير لصاحب معرض الموبيليا المتعهد بجلب الكراسي الفخمة للوزير "طبعا هنعمل العقد بأربعين ألف وإنت هتقبض الخمسة وعشرين بتوعك والورق هنظبطه".. وحينما سأل أحد الصحفيين الوزير عن المبالغ الطائلة التي يصرفها علي تجديد ديكورات مكتبه والتي وصلت إلي 2 مليون جنيه، فأجابه الوزير بثقة قائلا: "دي شائعات، مالهاش أي أساس من الصحة، أولا المكتب ده مااتغيرش من يوم ما مسكت الوزارة ولا مرة يعني من اكتر من 25 سنة". أما الكرسي المدهب، فهو الكرسي الذي أثار أزمة بين معاطي وخبراء الآثار نظرًا إلي أن الكرسي المدهب هو كرسي العرش للملك الشاب توت عنخ، ويصور معاطي إخناتون بالرجل الشاذ، الذي يشتهي أخاه سمنخ كارع، وهو ما نفاه الأثريون بشدة وعلي رأسهم د. زاهي حواس، الذي أثبت مؤخرا في كشف جديد أن إخناتون رجل كامل الرجولة. أم آخر كراسي معاطي، فكان كرسيا غاضبًا وثائرًا يدعو للتعاطف معه، لأنه منسي.. "أنا مصنوع من الحديد فيرفورجيه، والجالس فوقي رجل غريب الأطوار لم أسترح له من أول جلسة، وقد أتت زوجته ذات يوم إلي المعرض الذي كنت معروضا فيه، طلبتني من صاحب المحل، وجئنا إلي هنا إلي تلك الحجرة العجيبة المليئة بالكتب في كل مكان". ويكمل: أما الشيء الذي جعلني غاضبا وحانقا، فهو حين قرر هذا الكاتب الفاشل، كما يصفه الكرسي، أن يؤلف كتابا وظل يسهر الليالي جالسا فوقي وهو يكتب ويسب ويلعن، وعلمت بعد ذلك أن الكتاب الذي يؤلفه عن الكراسي، وظل يكتب الكرسي وراء الكرسي وأنا أقبع تحته في أدب منتظرا دوري"• يكمل: "طال انتظاري، ولم يلتفت، وكأنني لم أكن موجودا من أصله، وفي النهاية صرخ صرخة فزع شيطانية ونادي علي زوجته: "يا مني، خلصت الكتاب أهوه، وهاسميه كراسي، كلميلي الناشر بسرعة قولي له يحضر العقد .. الكتاب جاهز!".