صدرت الطبعة الثانية من كتاب "كراسى" للكاتب الساخر يوسف معاطى والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، والذى يتناول علاقة الكراسى بالأشخاص الذين يجلسون عليها، حيث منح معاطى الكراسى فى كتابه صوت البطولة، لكى تحكى عن الشخصيات ومن ثم تقوم بسرد الهموم والأسرار التى صارت بحكم العشرة همومها وأسرارها. ومن خلال هذه الطريقة الجديدة فى التناول يرصد معاطى مظاهر العشوائية والتخبط، والدسائس والمؤامرات والخيانات، والمظهرية والفساد والمتاجرة فى البشر وبيع البنات الصغيرات للسائحين العرب، عن طريق العشرة كراسى، أبطال الكتاب، فيخرجها عن صمتها كى تشعر بآلام البشر وفرحهم وكذبهم وصدقهم على نحو ساخر، عبر رؤية مغايرة، فتسخر أحيانًا وتتعاطف فى أحيان أخرى، وتشكو وتتذكر التاريخ الذى نصر نحن على نسيانه. عدد من الكراسى تحدثت عن البشر منها كرسى "مدهب" وهو كرسى الملك إخناتون الذى حكى عن هذا الملك وفترة حكمة وتناول علاقته بزوجته الملكة "نفرتيتى"، وأبرز الكتاب قصة شذوذ إخناتون وعلاقته بزوجته وبأخيه الصغير. وهناك "كرسى خشب والقعدة قش"، ويتحدث ذلك الكرسى وهو ملقى فى إحدى كافيتريات المهندسين عن صفقة بيع بنت لثرى خليجى، يمتعض من طريقة الفصال وعرض البضاعة، ليشفق القارئ مع هذه الأنثى الخجول التى تساق كالنعاج إلى الذبح، ليفاجأ بعد قليل أن هذه هى المرة الثالثة التى تباع فيها بعلمها وأنها كانت فى كل مرة تجرى ترقيعًا لغشاء البكارة. بينما يدخل بنا الكرسى "الطليانى" إلى عالم محدثى النعمة الذين أصابهم الثراء فجأة، ومدى قبح مظهريتهم حينما تتأمله إحداهن وهو غاية فى الشياكة فتعترض على لونه، وتجلس عليه فى المحل فيتقيأ من رائحة عطرها الرخيص وطريقة كلامها الشعبية التى لا تجيد فى الحياة شيئًا غير الشراء. ويحكى كرسى آخر مكانه مكتب أحد الوزراء الذى مضى على توليه الوزارة ربع قرن عن دهاليز الوزارة والتزوير، وفى مؤتمر صحفى يعقده الوزير احتفالاً بتجديد الثقة يسأله صحفى عن تجديد ديكورات مكتبة التى تكلف خزينة الوزارة الملايين كل عام، فيدّعى الوزير أن مكتبة لم يجدد منذ ربع قرن وأن هذا الكرسى لا يزال معه منذ القدم وأنه أحضره من بيته، ثمنه 35 ألف جنيه، وفى النهاية يعين الصحفى الذى يكتب كثيرًا عن فساد الوزير مستشارًا صحفيًا لدى الوزارة فى الوقت الذى تشترى فيه زوجة الوزير اثنى عشر كرسيّاً من النوع نفسه على حساب الوزارة لشقتها فى الساحل الشمالى. كرسى آخر وهو "كرسى متحرك"، وفيه يتناول معاطى قصة حقيقة، وهى مرض والدته قبل وفاتها، وفيه يحكى أن الأطباء نصحوا والدته بالبقاء على كرسٍ متحرك الأمر الذى رفضته تماما وبررت رفضها بأنها "متشلتش"، وعندما أقنعها معاطى بضرورة البقاء على الكرسى وافقت علشان "ترضيه"، فذهب إلى شارع القصر العينى بعد علمه بأنه يضم أفخم وأغلى الكراسى المتحركة وكأنه سيشترى لها فستانا، وبالفعل اشترى أفخم كرسى، وعاد به إلى والدته وأقنعها بالبقاء عليه لمدة ساعات يوميا، ثم تركها ساعات قليلة وعاد إليها فوجدها "ميتة" على الكرسى، وفى العزاء كان هذا الكرسى وحيدا "فى البلكونة"، ولسان حاله يقول "لا ذنب لى فى وفاتها ولا ذنب لى فى وجودى بهذا الجو الملئ بالحزن والموت. وقد صرح معاطى فى الندوة التى أقامتها إدارة التنمية الثقافية بالمجلس الأعلى للآثار منذ أيام وأقيمت بالمتحف المصرى، أن هذه الواقعة هى التى ألهمته فكرة "كراسى".