يمر المشهد السياسي المصري بالعديد من المتغيرات والسياسة الاقتصادية والأمنية والحزبية أيضًا، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى تأثير الأحداث المتعاقبة على حكم جماعة الإخوان المسلمين التي تراجعت شعبيتها كثيرًا خلال الفترة التي صعدوا فيها للحكم، الذي يحمل الكثير من الأخطاء الفادحة التي عكست عجزها على إدارة البلاد.. إلا أن عدم وجود قوى موازية لإخوان تقوم على تسلم راية الحكم أثار حيرة هؤلاء الخبراء الذين يتساءلون: من المستفيد من تراجع شعبية الإخوان في الحكم"؟. د. مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكد أن التراجعات الأخيرة سوف يكون لها تأثير ملحوظ سلبيًا على شعبية جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي، خاصة بعد أن فقدت شعبيتهم ومكانتهم لدى المواطن البسيط الذي خرج لتأييدهم على أمل منه في حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية أفضل، وفقًا للوعود البراقة التي أطلقها النظام القائم قبل وصوله لسدة الحكم، والتي تراجعت تلك الأماني عقب انهيار ما يسمى ببرنامج "النهضة الإخواني"، إضافة لتراجع كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية أمام حالة الاحتجاج العارمة التي تسود المجتمع ، الأمر الذي أدى لمزيد من التعقيدات على الساحة والتي تسببت جميعها في تراجع القائمين على إدارة البلاد من حكم الإخوان المسلمين بشكل ملحوظ سواء على المستوى الشعبي أو القيادي. وأضاف أستاذ العلوم السياسية : إن حالة التردي السياسي التي تمر بها مصر ستأتي نتائجها على كافة التيارات الليبرالية والمتمثلة في المعارضة من جبهة الإنقاذ الوطني بجميع الأحزاب المشاركة فيها إسوة بالتيار الإسلام السياسي خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي وعدت بمشروع للنهضة من أجل استقرار معيشي أفضل ولكن لم يجد المواطن أي شيء ملموس على الأرض، إضافة إلى ارتكابها جملة من الأخطاء الواضحة على الصعيد السياسي سواء من قبل الرئيس محمد مرسي أو حكومته، التي عجزت عن الخروج بالبلاد من المأزق الخطير الذي تقف فيه سواء على مستوى الاقتصاد المتردي الأمر الذي ينعكس بشكل أو بآخر على الحرية والعدالة وجماعة الإخوان في التمثيل مرة أخرى في الانتخابات القادمة، مؤكدًا أن المستفيد من هذا التخبطات السياسية ستكون لصالح تيارات الإسلام السياسي الأخرى التي تختلف مع الإخوان في بعض الرؤى، وبالتالي من الممكن أن يصوت الناخب لهذه التيارات وليس بالضرورة لصالح جبهة الإنقاذ التي تراجعت شعبيتها كثيرًا لعدم حسم موقفها من كثير من الأحداث وقرار مقاطعتها للانتخابات البرلمانية بشكل غير واضح ساعد على عدم وضوح الرؤية والحقيقة لدى الشعب المصري. وأوضح د. حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن الحياة السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير شهدت العديد من التغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية والحزبية أيضًا، والمتمثلة في التحالفات السياسية بين جميع الأحزاب خاصة الأحزاب التي تنتمي إلى تيار فكري وعقائدي واحد، والتي لها من الإيجابيات والسلبيات المتنوعة؛ فعلى مستوى إيجابيات هذه التحالفات بأنها سمحت للمشاركة الحزبية على صعيد أكبر يسمح بممارسة حقيقية للديمقراطية والتعددية الحزبية لجميع الأحزاب، بعد أن كانت السيطرة الكاملة لأعضاء الحزب الوطني السابق، إلا أن لهذه الظاهرة الجديدة سلبيات تصل لحد التعقيد في ظل محاولة الحزب الواحد التحكم بعجلة الحياة السياسية بشكل منفرد كما هو الحال في جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، الأمر الذي أدى إلى حشد القوى السياسية المعارضة للوقوف لما يسمى بالهيمنة الإخوانية على الحكم، والتي من شأنها تقسيم القوى إلى جبهتين أحدهما منتمية للتيار الإسلامي والأخرى لليبرالي تعمل على مواجهتها. وبين تلك القوتين يقف الشعب المصري مقيمًا لتلك القوى التي تتصارع من أجل البقاء تارة، وتصفية الحسابات السياسية والشخصية تارة أخرى. وأضاف سلامة: أن قانون الانتخابات الجديد سمح للحياة التشريعية بتكوين الائتلافات الحزبية في القوائم، كما سمح لجبهة الإنقاذ الوطني التي تمثل المعارضة الحقيقية في مصر بالمشاركة في المنافسة بنسبة 100% على المقاعد، الأمر الذي استدعى المعارضة للتوحد في تشكيل سياسي كبير يعمل على توازن المشهد برمته، كما أعطى للأحزاب ذات المرجعية والخلفية السياسية الواحدة فرصة جديدة في القدرة على التحول الديمقراطي بشكل كامل، مشيرًا بأن هذه التحالفات كان من شأنها إتمام عملية التحول الديمقراطي في مصر بشكل كبير مع الانتهاء من المعركة الانتخابية التي تم وقفها بقرار محكمة القضاء الإداري والتي زادت من شدة تعقيد الموقف، والسماح لمزيد من الانقسامات والاتهامات التي تبدو من العلامات المثيرة للجدل على الساحة، حتى أصبح زيادة تفتيت المنظومة السياسية بالكامل والعودة إلى نقطة الصفر أمرًا وشيكًا في ظل تصاعد الموقف. لافتًا إلى أن الوحدة الوطنية والمصلحة العامة أساس يجب مراعاة القوى السياسية والأحزاب إتمامه والعمل وفقه. صراع سياسي وأوضح د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن حالة الهجوم المتبادل بين طرفي الصراع السياسي الإسلام السياسي في مواجهة التيار الليبرالي المعارض الآن على الساحة يرجع إلى محاولات الجماعة الجادة في السيطرة على جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها وسلطاتها الثلاث التشريعية والمتمثلة الآن في سلطة مجلس الشورى التشريعي لحين انتخاب مجلس الشعب "النواب" بأغلبية إخوانية على غرار البرلمان السابق، وأيضًا السيطرة على السلطة القضائية بجانب السيطرة الفعلية على السلطة التنفيذية، وهذا ما تسعى الجماعة لتحقيقه من خلال إرساء قواعد سياسية جديدة تتلاءم مع المرحلة التي تعبر عنهم الآن، ولضمان تحويل مصر لولاية إخوانية تحت خلافة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم القوى السياسية التى اعتلت مراكز السلطة سواء الرئاسية والبرلمانية والمحليات في مصر، بعد استطاعتها الخروج بالدستور رغم الأصوات المعارضة عليه، وبما لا يتناسب مع تعدد الأحزاب المسيطرة في القرار السياسي وصنع القرار، الأمر الذي تسبب في خلق الخصوم السياسية والتحالفات المناهضة ضد الجماعة التي ترفض الائتلافات الحزبية في اتخاذ القرار، وبين تلك الجبهتين تتوتر الأوضاع السياسية وتزداد غموضًا في ظل عدم التوافق الشعبي والسياسي بين تلك الأحزاب والتحالفات التي لم يكتب لها التوفيق بعد لصالح الأحزاب الصغيرة والبعيدة عن بؤرة الخلاف والتناحر من أجل الوصول إلى منصب أو سلطة غير سلطة الشعب ومصالحه المتمثلة في آماله وآلامه التي خرجت عن اهتمامات جبهة الإنقاذ الوطني وجماعة الإخوان المسلمين، لافتًا إلى أن الفرصة القادمة ستكون لصالح الأحزاب الثورية والحزبية التي ظهرت مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، والأحزاب الأخرى التابعة للتيار الإسلامي بعيدًا عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة. وقال أبو العز الحريري عضو مجلس الشعب السابق: إن موقف جماعة الإخوان المسلمين تراجع بصورة كبيرة سواء على المستوى الشعبي لعدم قدرتها على الوفاء بالوعود الكبيرة التي أطلقت عنان المواطن المصري معها وتركته والأمل واليأس ضحية ضعيفة، مشيرًا أن جماعة الإخوان المسلمين هي من أسقطت شعبيتها لدى المواطن الذي وثق بالشعارات الدينية التي اعتاد قادتها اللجوء إليها عند الشدائد من أجل الوصول إلى أغراضهم المتمثلة في الوصول إلى السلطة والهيمنة الكاملة على جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها دون تمثيل لباقي الأحزاب السياسية والحزبية الأخرى خاصة المنتمية منها إلى التيار الليبرالي المعارض لسياسات الجماعة التي تتسم كثيرًا بالغموض وعدم الوضوح. وأشار د. يسري الغرباوي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أن أخطاء جماعة الإخوان المسلمين الفادحة والتي تبدأ من الغياب الكامل لملف العدالة الاجتماعية الذي قامت لأجله ثورة الخامس والعشرين من يناير بجانب الحرية والديمقراطية التي تنتهك في عهد جماعة الإخوان المسلمين، واللجوء لصندوق النقد الدولي ورفع الأسعار والعمل لصالح رجال الأعمال على غرار السياسات التي كان يتبعها النظام السابق ضد شعبه، إضافة للكوارث الأخيرة التي تعزز من إحساس المواطن المصري بأنه خارج حسابات الحرية والعدالة الذي وعد المواطن بها قبل صعوده لسدة الحكم، إلا أنه استيقظ على سياسات فاشلة تقوده إلى الجوع والفقر جراء الانهيار الاقتصادي الوشيك، والتراجع الأمني الذي يهدد بدوره أمن مصر واستقرارها القومي في ظل حالة التقاعس الذي تعانيه مؤسسة الرئاسة والحكومة العاجزة عن إيجاد حلول عاجلة للخروج من هذا المأزق التي تعوق نهوض الوطن، مؤكدًا في الوقت ذاته وأضاف الغرباوي : إن المشكلة الآن ليست في عيوب نظام حكم الإخوان، وإنما تكمن في عدم قدرة المعارضة في الاستفادة بهذه الأخطاء؛ نظرًا لافتقاد جبهة الإنقاذ الوطني الخطة والبرنامج المنظم على المستوى العملي، القادر على وضع حد للممارسات الإخوانية، والإسراع بإنقاذ الوطن بوضع خطة دقيقة تقوم على وضع أهداف ثورة يناير على رأس أولوياتها. جبهات متنافسة وأكد د. حسن البرنس القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، على اعتراضه تحويل الحياة السياسية والحزبية في مصر إلى جبهات متنافسة من أجل المنافسة الشخصة كما تتعرض لها الجماعة في الوقت الراهن، في ظل تصريحات عدد من رؤساء الأحزاب السياسية القديمة والتي تم تأسيسها في الفترة التي عقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي تؤكد على وجود حالة من العداء التي تبعد كثيرًا عن الديمقراطية المصرية والتي ناشدها الشعب والممثلة في تعدد الأحزاب من أجل تكريس الديمقراطية التي تعلو بالشأن المصري. وأضاف البرنس قائلًا: "أرفض أن يقتصر المشهد السياسي في مصر على الإخوان المسلمين، وأن يتم التعامل مع الجماعة باعتبارها ضلعًا سياسيًا إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى". وقال حسين إبراهيم القيادي بجماعة الاخوان المسلمين : إن الجماعة تمر بمهاجمة شرسة من قبل التيارات السياسية الأخرى التي اقتصرت المنافسة بشتى الطرق على التشويه وتضليل الرأي العام بشكل غير مقبول، مؤكدًا أن الجماعة وحزبها السياسي لا يرفضان ولا يمنعان المشاركة الحزبية لشتى الأحزاب الموجودة، وكذلك لا يمانع في ظهور أحزاب جديدة ولكن أرفض في الوقت ذاته اقتصار هذه الأحزاب وخططها التنفيذية وبرامجها الموجهة نحو مواجهة ومحاربة الجماعة على إنها فصيل سياسي من كوكب خارجي وهابط على مصر، مؤكدًا أن الجماعة بجميع الأعضاء الذين تحويهم بداخلها يمثلون الشعب المصري بشتى طوائفه، وهذا ما أكدته الانتخابات البرلمانية والمقاعد التي نالها الحزب داخل البرلمان بعيدًا عن أي مجال للتزوير سواء في أوراق الاقتراع أو في تزوير الصوت الانتخابي، مما يؤكد على رغبة المصريين في حكم الأصلح عندما تم اختيار الرئيس بشكل إرادي دون ضغوط من أحد.