فيما تبحث السلطة في مصر عن مخرج من الأزمة الاقتصادية، في ظل تعقد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار، توجهت الحكومة صوب إيران طلبًا للدعم المالي، حيث اتفقت "القاهرةوطهران" على تنظيم رحلات سياحية من إيران إلى مصر للمرة الأولى منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 34 عامًا، حيث أثارت زيارة وزير السياحة المصري هشام زعزوع للجمهورية الاسلامية الايرانية بغرض توقيع اتفاقيات سياحية وتنظيم رحلات منتظمة من إيران إلى مصر ، جدلًا إسلاميًّا وتخوفات من الغزو الشيعي في أكبر دولة سُنية، ورغم تأكيد الوزير المصري أن زيارته حققت نجاحًا كبيرًا في إتمام الاتفاق على تسيير عدد من الرحلات السياحية للإيرانيين لزيارة المناطق الأثرية في مدينتي "الأقصر وأسوان" فقط، ولم يتم الاتفاق على أي برامج سياحية لزيارة أضرحة ومساجد آل البيت في القاهرة، قائلًا عن السياحة الإيرانية: "دعونا نخوض التجربة"، إلا أن عددًا من سلفيي مصر أكدوا أن البلاد لن تحتمل قدوم أكثر من "مليوني" سائح إيراني سنويًّا بغرض السياحة الدينية لزيارة أضرحة ومساجد آل البيت، ولن يوقفهم أحد أمام السير في طريق نشر الفكر الشيعي، واصفين الاتفاقية السياحية أنها بداية اختراق البلاد؛ نظرًا لأن "إيران" تبحث دائمًا عن "مسمار جحا" حتى ولو كان "نقطة دماء" لتثبيت أركانها داخل المدن وتحويلها لاحقًا إلى منطقة شيعية. د. خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية قال: إن أهل السنة والجماعة لن يرحبوا بزيارة أصحاب المذهب الشيعي للمقدسات الدينية في مصر، وإذا كان وزير السياحة أكد أن زيارة السياح الإيرانيين ستبدأ في "الأقصر وأسوان" فإن زيارة الأضرحة وآل البيت في القاهرة حتمًا ستتم، وسيسمح لهم المسئولون بذلك، لافتًا إلى أن تحديد الأماكن في البداية مجرد وضع أول قدم إيرانية في مصر، وستتوالى الزيارات لاحقًا وفي جميع الأماكن؛ نظرًا لأنه لا يوجد قيد أو إجبار السائح على زيارة أماكن محددة، موضحًا أن السلفيين يتحفظون على عودة العلاقات قبل وضع شروط مذهبية لإرضاء الشارع المصري خوفًا من انتشار التشيع، والتبشير بالمذهب الشيعي داخل أكبر دولة إسلامية "سُنية"، ولذلك ستفعل إيران المستحيل لإرضاء مصر لإدخال أبنائها جامعة الأزهر الشريف مقابل حفنة أموال لإنقاذ الاقتصاد على حساب الدين. ومن جانبه توقع نادر بكار، المتحدث باسم حزب النور السلفي، عودة العلاقات المصرية الإيرانية على طريقة "السياحة الدينية" لضخ الأموال الإيرانية بطريق غير مباشر؛ نظرًا لأن الشعب الإيراني متلهف على زيارة أضرحة آل البيت وغيرها من الأماكن التي يقدسونها، لافتًا إلى أن حزب النور يرحب بأي تقارب سياسي يخدم مصالح مصر في المنطقة دوليًّا، ولكن ليس على حساب الدين، ومن الطبيعي أن يكون التقارب الديني بين البلدين مرفوضًا، لاختلاف الطبيعة الإسلامية والمذهبية بين البلدين، والتي قد تطغى إيران لنشر المذهب الشيعي كأحد أهم أولوياتها الخارجية في مصر تحديدًا، موضحًا أن جماعة الإخوان المسلمين رغم إدراكها جيدًا خطورة توافد السياح الإيرانيين على البلاد إلا أنها تتغاضى عن ذلك لدعم الاقتصاد المنهار، وفي حال إتمام اتفاق السياحة بين القاهرةوطهران وتبادل الوفود السياحية فإن ذلك يعني جمعيات شيعية ثقافية، ومكاتب سياحية دينية، وفنادق مخصصة للزوار الشيعيين، ومطاعم شيعية، وأسواق توفر مستلزمات الزوار الشيعة، كما ستصبح اللغة الفارسية مسموعة في المنطقة وتظهر على لوحات المحال التجارية، وهذا ما يتوقع حدوثه إذا فتحنا الباب أمام السياحة الدينية لدولة إيران. مخاوف الغزو الشيعي في حين أكد د. ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، أن تطبيع العلاقات بين مصر وإيران تثير مخاوف الغزو الثقافي الشيعي، حيث بدأ بتقبل فكرة السياحة الدينية ولن يعرف أحد حدود العلاقة المستقبلية بين البلدين أو إلى أين ستنتهي في ظل قيادة الرئيس "محمد مرسي" للبلاد، حيث اتفق مع الدعوة السلفية وقت انتخابات الرئاسة على ضرورة الالتزام بميثاق الشرف الإسلامي ولكنه أخل باتفاقه، لافتًا إلى أن كلمات طمأنة قادة جماعة الإخوان بأنهم يعرفون خطر الشيعة لم تعد مفيدة بعد اتفاق وزير السياحة على تبادل الوفود السياحية بين القاهرةوطهران، كما أن إلغاء تأشيرة دخول المصريين إلى إيران يمثل تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي المصري، ومحاولة إيرانية تم تجربتها في "سوريا والعراق والأردن"، حيث خضعت هذه الدول أمام الغزو الشيعي للمجتمع، ودائمًا تبحث إيران عن مسمار جحا حتى ولو كان "نقطة دماء"، كما حدث في مدينة "حلب السورية" عندما زعموا أن رأس الحسين - رضي الله عنه - لما أرسل من كربلاء إلى دمشق، وضعوا رأسه على حجر فسقطت عليه نقطة دم فجعلوه مقامًا يُسمى مقام "النقطة"، وما يدعونا للتخوف أن إيران سوف تتمسك بالفرصة المصرية؛ لأن أماكن الشيعة كثيرة في البلاد، وسيحاول السياح الإيرانيون بناء علاقات اجتماعية وأسرية مع المصريين البسطاء خصوصًا مع سوء الوضع الاقتصادي والأمي للأسرة المصرية. ويرى د. يسري حماد، نائب رئيس حزب الوطن السلفي، أن المذهب الشيعي موجود في مصر من خلال إقامة "الحسينيات" الشيعية في بعض مناطق الجمهورية، وما سيحدث من تقارب سياحي بين "مصر وإيران" برعاية إخوانية علينا علاج مشكلته بأسلوب هادئ يضمن عدم الدخول في معارك مذهبية بين السنة والشيعة.. مؤكدًا أن الإسلاميين لن يسمحوا بنشر الفكر الشيعي داخل البلاد، مقابل تكريس مبدأ "السياحة مقابل دولارات إيران"، وعلى الرئيس الحفاظ على هوية مصر الإسلامية، وتفعيل الاتفاقيات القديمة التي انتخبه السلفيون على إثرها وأهمها تطبيق الشريعة والحفاظ على الإسلام، مشيرًا إلى أن أيديولوجية طهران الخفية هي تصدير المذهب الشيعي وفتح سوق للسياحة الدينية في مصر لزيارة العتبات المقدسة والتمسح بالأضرحة والأولياء وآل البيت. وفي السياق ذاته حذر د. سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق، من الغزو الشيعي للبلاد جراء اتفاق وزير السياحة مع إيران على زيارة السياح الإيرانيين للقاهرة، معتبرًا أن تحديد أماكن "الأقصر وأسوان" مجرد بداية، ومن أبسط حقوق السائح التحرك بحرية وعدم تقييد جولته في أماكن معينة، وجميع المناطق مفتوحة أمامه مقابل الدولارات التي ينفقها، ولذلك لن يتوانى شيعة إيران في زيارة أضرحة آل البيت والأماكن المقدسة، والإسلاميون لن يستطيعوا صد الطوفان السياحي والغزو الثقافي الإيراني، وستكون النتيجة أن المصريين لن يستطيعوا التمييز بين المذهب الشيعي والسني، لافتًا إلى أن خطورة الاتفاقيات السياحية التي وقعتها السلطات المصرية مؤخرًا مع إيران، نظرًا لأنها ستأتي بنتائج عكسية على الهوية السنية للبلاد، وقد يتم تجهيز عناصر الحرس الثوري الإيراني لغزو مصر تحت مظلة الزيارات السياحية، واصفًا الاتفاقية السياحية بأنها أول ثغرة لاختراق مصر. بينما رفض د. عصام دربالة، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عودة العلاقات الدينية بين طهرانوالقاهرة تحت أي ستار أو سياحة دينية؛ لأن "إيران" لديها مشروع شيعي توسعي في المنطقة العربية، وترغب في نشر الفكر الشيعي داخل البلاد الإسلامية التي تتبع الفكر السني، مطالبًا قبل عودة العلاقات بين البلدين تقديم الضمانات الكافية لعدم نشر أو الغزو الشيعي في مصر والاكتفاء فقط بالتعاون السياسي بين البلدين في المنطقة، بشرط أن تتخلى إيران عن دعم ومساندة "بشار الأسد" في قتل وذبح شعبه، ومن الناحية الاقتصادية لا مانع من تبادل الاستثمارات بشرط فرض رقابة صارمة على رجال الأعمال الإيرانيين، مؤكدًا إذا أردنا توافق بين الدولتين لابد أن نتفق دينيًّا على أصل نرجع إليه، وإن وافقوا على ذلك فلنبدأ في التوافق وتسير العلاقة الدينية واضحة بين السنة والشيعة. بينما شكك د. صفوت عبد الغني، مسئول الجناح العسكري في الجماعة الإسلامية السابق، في نوايا إيران وتصدير المذهب الشيعي لجميع الدول العربية والإسلامية، بهدف إعادة الإمبراطورية الفارسية، لافتًا إلى أن "طهران" إذا كانت تمتلك رغبة صادقة في عودة الوئام الديني مع القاهرة عليها أن تصدر فتوى تحريم سب الصحابة، وتعيد فتح مساجد أهل السنة في منطقة "الأحواز" الإيرانية، وتتوقف عن لغة التهديد التي تمارسها على دول الخليج العربي، محملًا "طهران" بحور الدماء التي تسيل في سوريا بسبب دعم "نجاد" بقاء النظام السوري للحفاظ على المصالح السياسية والدينية المشتركة، باعتبار أن "دمشق" ترعى الفكر الشيعي أكثر من السني، لافتًا إلى أن التقارب المصري الإيراني لابد أن يكون بعيدًا عن الهوية الدينية؛ حتى لا تفقد الدول العربية ذات التاريخ والثقافة المشتركة هويتها السُنية المشتركة. وجدير بالذكر أن العلاقات المصرية الإيرانية انحصرت خلال الأعوام الأربعة والثلاثين الماضية، بين التوتر والفتور، على خلفية استضافة الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" لشاه إيران "محمد رضا بهلوي" عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ثم دعم مصر للعراق في حربها مع إيران عام 1980، واتهام القاهرةلطهران برعاية الإرهاب في الشرق الأوسط ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر خلال فترة التسعينيات. وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس "حسني مبارك" وأركان نظامه، صدرت تصريحات من المسئولين في البلدين بضرورة عودة العلاقات وإزالة الخلافات بين البلدين، كما تبادل زعيما البلدين الزيارات، حيث زار الرئيس "محمد مرسي" طهران للمشاركة في قمة عدم الانحياز التي عُقدت نهاية أغسطس من العام الماضي، والتقى خلالها بأحمدي نجاد، فيما زار الأخير القاهرة للمشاركة في مؤتمر القمة الإسلامية الثاني عشر، كما تأتي الاتفاقية السياحية بين البلدين بعد تعرض قطاع السياحة بمصر إلى خسائر منذ قيام ثورة 25 يناير، والتي كان على إثرها تناقص عدد السياح الأجانب الزائرين للبلاد عن الأعوام التي سبقتها.