أثار تصريح وزير الدولة للشئون القانونية محمد محسوب ، برغبة الحكومة المصرية في إعادة تفعيل دور لجنة استرداد الأموال المهربة من قبل رجال النظام السابق، والتي ترغب اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشورى في جعل هذه اللجنة هيئة مستقلة لها شخصية معنوية واعتبارية وتعبر عن الدولة ولها اختصاص قضائي، ويكون لها الحق في إبرام عقود واتفاقيات مع الدول المهرب إليها الأموال، وذلك من أجل توحيد الجهود المبذولة في هذا الملف، كما سيتم وضع مقترح أن يكون رئيس اللجنة معينًا من قبل رئيس الجمهورية، وأن تضم في عضويتها بعض الشخصيات العامة لترفع عن الحكومة الحرج في التفاوض مع الدول الخارجية التي لديها هذه الأموال، مع ضرورة إلزام أجهزة الدولة وخاصة الرقابية مع لجنة استرداد الأموال بالتحري والبحث وتتبع الأموال والكشف عن الحسابات السرية. وأوضح مراقبون سياسيون مصريون أن معظم دول أوروبا تراوغ في عدم رد الأموال المنهوبة من قبل رموز النظام السابق، بجانب تبرير الحكومة فشلها وعدم قدرتها على استعادة هذه الأموال حتى كاد يكون من المستحيل عودتها أو تتبعها، وأكد اقتصاديون وقانونيون مصريون أن الأحكام الصادرة بحق الرئيس السابق "حسني مبارك" وأركان نظامه ببراءتهم من تهم الفساد المالي والتربح، صعبت من إمكانية مخاطبة الدول الأوروبية لعودة أموالهم؛ لأن الدول الخارجية لن تكون حريصة على عودة أموال الشعب أكثر من الدولة المصرية نفسها، وما حدث طوال السنتين الماضيتين يؤكد أن الدولة كانت تماطل في مخاطبة الدول الخارجية وبنوك أوروبا، وكالعادة خرجت الحكومة المصرية بمماطلة جديدة لإلهاء الشعب تحت ستار تقنين وضع استقلال لجنة استعادة الأموال المهربة لتكون هيئة مستقلة. د. حسام عيسى، رئيس لجنة استرداد أموال مصر المنهوبة السابق قال: إن محاولة الحكومة في تقنين وضع لجنة استرداد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج خطوة جاءت متأخرة جدًا وبعد فوات الأوان؛ نظرًا لأنه في السابق لم تكن الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق لم تتعاون بشكل جدي أو رغبة حقيقية في استعادة أموال الشعب .. لافتًا إلى أن المماطلة على مدار السنتين الماضيتين جعل عودة هذه الأموال "شبه مستحيل"، لما أفرزته الدولة من أحكام تتعلق بتبرئة متهمي النظام السابق في قضايا الفساد المالي، بجانب حصار المحكمة الدستورية العليا جعل الغرب ينظر إلى المصريين وكأنهم يضغطون على القضاء لإصدار أحكام تدين هؤلاء المتهمين، أو احتمالية إصدار أحكام متعلقة بالأموال في ظل تعرض القضاء للضغط الشعبي مما يشكك في نزاهته عند تقديم مستندات أو حيثيات الحكم أمام الدول الخارجية. مؤكدًا بأن الدول التي صادرت أموال المتهمين من رجال النظام السابق اشترطت تقديم أحكام قضائية لعودة الأموال إلى مصر، ولكن بعد هذه الأحكام حاولت الحكومة المصرية إعادة مخاطبة هذه الدول مجددًا، ولكنها رفضت النظر في الطلبات المقدمة من الأساس ولم تجلس مع الحكومة في مفاوضات لاستعادتها، والدليل على ذلك أن الحكومة السويسرية لم تقم بسن قانون خاص بإعادة الأموال المصرية المهربة كما وعدت سابقًا، بالإضافة إلى أن جهاز الكسب غير المشروع أرسل لإنجلترا 36 طلب مساعدة قضائية متعلقة بأسماء رموز النظام السابق لم يتم الرد إلا على 17 منها، وهو ما يعني أن عودة هذه الأموال رحلة شاقة وتتطلب سنوات طويلة. ومن جانبه أوضح معتز صلاح الدين، رئيس اللجنة الشعبية لاسترداد أموال مصر المنهوبة، أن عودة الأموال المهربة للخارج لن تكتمل إلا بتضافر الجهود السياسية والدبلوماسية والقضائية، ومع ذلك لو استطاعت "مصر" استرجاع نصف أموالها المهربة فقط سيكون هذا إنجازًا عظيمًا، نظرًا لوجود حيل مالية لجأ إليها رجال النظام السابق في إخفاء هذه الأموال، مما يجعل تتبعها أمرًا مستحيلًا، مشددًا على عدم نسيان قبول المحكمة السويسرية طعن الرئيس السابق في عدم مراقبة أمواله وتتبعها من جانب الحكومة المصرية نتيجة تداخل أعمال السلطة التنفيذية في السلطة القضائية، كما استند "مبارك" في طعنه على الحكم الصادر بانقضاء المدة وبراءته من استغلال النفوذ والتربح المالي، وبعد هذه الأحكام حاولت الحكومة المصرية إعادة مخاطبة هذه الدول مجددًا ولكنها رفضت النظر في الطلبات المقدمة من الأساس، موضحًا أن طول فترة التقاضي في قضايا الأموال وعدم الفصل فيها يمثل حجة قوية لدى الدول الأجنبية في التلاعب والمماطلة بحجة عدم وجود أدلة داعمة على تورط رجال النظام السابق في نهب أموال الشعب وتهريبها، بالإضافة إلى ذلك يوجد احتمالية انقضاء فترة تجميد الأرصدة والحسابات المتحفظ عليها في الخارج، وهو ما يجعل الحكومة المصرية تعيد الإجراءات من جديد وتضيع جهود الأعوام السابقة هباء وندور في دائرة مفرغة جديدة. تجاهل إخواني ويرى سامح عاشور نقيب المحامين، أن النظام الإخواني الحاكم انشغل بمسألة التمكين وأخونة الدولة، وتجاهل تمامًا مطالب المصريين في استعادة أموالهم المهربة، وما يفعلونه الآن من تقنين وضع لجنة استرداد أموال مصر المهربة حجة جديدة لإلهاء الشعب وإغلاق أفواه المنظمات الحقوقية والشعبية التي تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات تساهم في عودة هذه الأموال التي قد تحل جزءًا من الوضع الاقتصادي المتدهور، لافتًا إلى أن كثرة اللجان القانونية والسياسية والشعبية التي تهتم بعودة أموال رجال النظام السابق جعل الدول الأجنبية تتجاهل خطاباتهم تمامًا؛ لأنها لا تعرف أي جهة تخاطب ومدى قانونية وجودها، كما أن الدول الأوروبية التي تستقبل مصارفها تلك الأموال تعرف مصدرها تمامًا، ومهما كانت الوعود الصادقة أو الزائفة من قبل الدول الأجنبية فإنها لن ترد الأموال بسبب تزايد الأزمة الاقتصادية في أمريكا ودول أوروبا، موضحًا أن قانون سرية الحسابات البنكية مطبق في العديد من دول العالم، ويتم من خلاله كشف سرية الحسابات بشرط أن يكون مصحوبًا بحكم قضائي أمام قضاء مستقل، وبما أن الرئيس "محمد مرسي" تعدى على السلطة القضائية من خلال الإعلانات الدستورية وتحصين قراراته فإن حلم عودة الأموال المهربة بات مستحيلًا. في حين أشار د. هاني سري الدين، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، إلى أن المطلوب قبل اتخاذ إجراءات تقنين لجنة استرداد الأموال المهربة، لابد أن تحدد الحكومة ماهية الأموال المهربة؛ لأن الحصول عليها تم بطريقة غير مشروعة، وبالتالي قانوناً إخفاؤها في الخارج من قبل رجال النظام السابق وعدم قدرة الأجهزة المصري على تتبعها، كان بقصد "غسيل هذه الأموال"، لافتًا إلى أن مصر منذ سقوط النظام السابق لم تقم باتخاذ أي إجراءات حقيقية لحصر هذه الأموال وتتبعها في مراحلها الأولية، وانتظرت كثيرًا حتى تم إخفاء هذه الأموال بطرق ملتوية وحيل غير قانونية من رجال النظام السابق، بالإضافة إلى أن توحيد القرارات المصرية عند مخاطبة الدول الأوروبية مثل: "سويسرا، أو إنجلترا، أو ألمانيا، أو فرنسا"، جعل هذه الدول ترفض الرد على هذه الخطابات؛ نظرًا لأن كل دولة لديها قانون خاص بها يحكمها وتلتزم بها، ولذلك مسألة عودة هذه الأموال لن تكون بالأمر الهين الذي يتوقعه الكثيرون من أبناء الشعب، وسط مخاوف من فك تجميد الأموال المهربة، ما لم تنجز سريعًا الإجراءات القانونية والضغوط الكافية لاستعادة الأموال، حيث لا يستطيع أي بنك في الخارج أن يستمر في "تجميد الأموال" بعد انقضاء الفترة القانونية؛ لأنه سيعتبر مسئولًا مسئولية جنائية قد تؤدي إلى سحب ترخيص البنك بالكامل. مطلوب قانون وفي السياق ذاته يرى د. ثروت بدوي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، أن الجهود المصرية المبذولة في هذا الملف كانت تحتاج للتنظيم تحت مظلة قانون دائم ينظم عملية الاسترداد، ورغبة الحكومة ومجلس الشورى "الغرفة الثانية" في إعادة تفعيل لجنة استرداد أموال مصر المنهوبة بداية الطريق الصحيح رغم أنها جاءت متأخرة جدًا.. لافتًا إلى أن رغبة الحكومة في تشكيل هذه الهيئة من شخصيات سياسية وقانونية بعيدًا عن الحكومة محاولة لرفع الحرج عنها في حال فشلها في استعادة الأموال المهربة من خلال الضغوط الدولية أو القانونية، وهو ما يقوي ضرورة نسيان الماضي واللجوء إلى التصالح بالاتفاق والتراضي المالي مع رموز النظام السابق؛ لأنها أفضل طريقة لاسترداد الأموال مقابل الإفراج عنهم في قضايا التربح والفساد المالي مع حرمانهم من حقوقهم السياسية، ووضعهم تحت الإقامة، ومراقبة تحركاتهم واتصالاتهم.. موضحًا أن المصلحة العامة تقتضي تغليب مصالح الشعب فوق مصالح الثورة؛ لأن المصريين لم يستفيدوا من سجن هؤلاء القادة ولكنهم سوف يستفيدون من أموالهم.