وحول الأسباب الحقيقية لفشل المشروعات القومية التي بدأتها الحكومة منذ منتصف التسعينيات تحت شعار الخروج من الوادي الضيق والسعي وراء استغلال المساحات الشاسعة من صحراء مصر.. رصدت الحكومة الميزانيات الضخمة التي استنزفت الكثير من موارد الدولة بهدف تنفيذ هذه المشروعات سواء بجنوبالوادي مثل توشكي وسينا ومثل ترعة السلام أو شرق التفريعة ببور سعيد وشرق العوينات ودرب الأربعين وبالرغم من انفاق أكثر من 95% من الميزانيات المرصودة لها إلا أن ما تم لا يتعدي سوي 15% تأتي الحكومة بتبرير بأن المشروعات مستقبلية ولابد من عدم الاستعجال والتسرع بالحكم عليها بالفشل .. فإن الحقيقة التي تشير إليها المستندات أن فشل هذه المشروعات وراءه انتشار الفساد بصورة خطيرة في إدارة المشروعات وعدم الإعداد الجيد للدراسات وغياب الرقابة الجيدة لتهدر أموال الشعب في الضياع وينتفع منها رجال السلطة والبيزنس معا .. المستندات تكشف عن الأسباب الحقيقية وراء فشل المشروعات القومية أو علي الأقل عدم الوصول إلي نتائج مرضية منها كان المواطن في انتظار نجاحها. وتشير إلي أن هناك مخالفات ووقائع فساد وتواطؤ حدثت من الجهات المسئولة والمشرفة علي بعض هذه المشروعات وأيضا تعليقات بعض المصادر المسئولة في تلك الجهات أكدت ما ذهبت إليه هذه المستندات من أن هناك بالفعل مخالفات وإهدارا لملايين الجنيهات أدت في النهاية إلي فشل هذه المشروعات وصولها لخط النهاية وصوت البلد تفتح ملف مشروع درب الأربعين بمنطقة جنوبالوادي، والذي كان من المستهدف منه استصلاح أكثر من 200 ألف فدان وبميزانية ضخمة تتعدي "2 مليار جنيه" ولكن وضع المشروع مثل باقي المشروعات يواجه صعوبات ونفس التبريرات بأن المشروع مستقبلي ويجب عدم التسرع في الحكم عليه. لكن الحقيقة التي كشفت عنها مصادر بوزارة الزراعة هي أن هذا المشروع مثل باقي المشروعات خضع منذ بدء العمل به لإشراف وزارات الري التي أوكلت لها الحكومة مسئولية تنفيذ البنية الأساسية والبنية القومية وشق الترع والقنوات وحفر الآبار وشراء المعدات علي أنها بعد أن تستكمل الأعمال الخاصة بها فإن وزارة الزراعة تتسلم منها أراضي هذه المشروعات وهي من تتولي مسئولية أما بيعها بشكل نهائي للمستثمرين وتسليمها بحق الانتفاع وبيعها بنظام المزادات وذلك بعد أن تتسلم ما يدل علي انتهاء وزارات الري من مهامها المكلفة بها من قبل الحكومة. وهذا هو الإطار القانوني المتبع في تنفيذ المشروعات القومية الكبري ومنها مشروع درب الأربعين الذي تسلمته وزارة الري وهو من المشروعات ذات الصيغة الخاصة طبقا لوصف مسئولي وزارة الزراعة حيث أشارت إلي أن طبيعة مشروع درب الأربعين تختلف شكلا وموضوعا عن مشروع توشكي الذي يعتمد علي مياه النيل من خلال ترعة رئيسية هي ترعة الشيخ زايد في حين أن درب الأربعين يعتمد بشكل كبير علي 70% من مياه الآبار الجوفية وبالتالي فإن وزارة الري عملت في إطار حفر الآبار واستصلاح الأراضي وتنفيذ البنية الأساسية التي تتوافق مع طبيعة الخزان الجوفي بمنطقة درب الأربعين حيث قامت وزارة الري كما هو متبع بالتعاقد مع إحدي الشركات لتنفيذ الأعمال الخاصة بالمشروع سواء بتوريد المعدات والآلات والماكينات الخاصة بالمشروع أو بحفر الآبار حيث اعتمدت وزارة الري في أغلب هذه المشروعات علي شركات استصلاح الأراضي والتي كانت في غالبيتها تابعة لوزارة الزراعة ثم لوزارة الاستثمار المتخصصة في حفر الآبار والتي تعتمد عليها طبيعة مشروع ودرب الأربعين حيث قامت وزارة الري بتكليف الشركة بشكل مباشر بتنفيذ مهمة حفر الآبار وتوريد المعدات والذي جاء من خلال قرار وزير الري السابق محمود أبو زيد في عام 97 بإصدار أمر إسناد الذي حمل رقم "100/380" في "6/12/1997" علي حفر "85" بئراً إنتاجياً لري "70%" من مساحة المشروع بالإضافة إلي استصلاح "12000 ألف" فدان بالإضافة إلي إسناد عملية إنشاء الطرق التي كشفت تحقيقات نيابة الأموال العامة بعد أن بدأت بعض التحقيقات حول أعمال الشركة بسبب الشكاوي المقدمة ضد "ريجوا" بأنها قامت بإسناد أعمال إنشاء طرق مشروع درب الأربعين إلي شركة من الباطن تدعي شركة "توشكي" بأسعار تزيد علي الأسعار المتعارف عليها ما أدي إلي إهدار حوالي تسعة ملايين جنيه إلي جانب أن تنفيذ الشركة التي عملت من الباطن لم تكن مطابقة للمواصفات الفنية والقياسية مما أدي إلي إهدار "7 ملايين جنيه". هذه كانت مجرد بداية المخالفات داخل المشروع والذي كان أحد أهم الأسباب في فشل المشروع الذي بدأ من منتصف التسعينيات لكن المفاجآت التي كشفت عنها المستندات تدور حول أن هناك مسئولية مباشرة لوزارة الري حول هذه المخالفات والتي كانت أحد أهم الأسباب التي أدت إلي الصدام بين وزارتي الري والزراعة والذي ظهر للرأي العام بعد خروج "محمود أبوزيد" من وزارة الري في بداية العام الجاري حيث بدأ الصدام في نهاية عام "2005" بعد أن بدأت هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة بتسلم أراضي مشروع درب الأربعين ووجد مسئولو الهيئة أن هناك مخالفات ضخمة في عملية تنفيذ المشروع سواء من ناحية عدم مطابقة الآبار التي تولت شركة "ريجوا" بتكليف من وزارة الري حيث وجدت هيئة التعمير أن ال "85" بئرا وهو جملة الآبار التي يعتمد عليها المشروع بشكل كامل غير مطابقة للمواصفات وبالتالي فإنها لا تعطي الكميات اللازمة من المياه لدي أراضي المشروع. وتشير المستندات إلي أن هناك العديد من الشكاوي والمذكرات التي تم تقديمها من عدد من مسئولي وزارة الزراعة ضد وزارة الري وعدم اقتناع مسئولي هيئة التعمير بما يتم تنفيذه بإشراف هيئة التعمير بما يتم تنفيذه بإشراف وزارة الري حيث تقول مذكرة قام مجلس إدارة هيئة التعمير والتنمية الزراعية بمناقشتها في "12/8/2005" بشأن مخالفات في مشروع درب الأربعين والتي تشير إلي أن هناك شكوي متقدمة من بعض المسئولين بمشروع درب الأربعين في "3/8/2005" والتي قامت هيئة التعمير بتشكيل لجنة عليا لدراسة هذه الشكاوي والتأكد من صحتها علي أرض الواقع حيث بدأت اللجنة أعمالها في الفترة من 6/8/2005 وفي 11/8/2005 والتي قامت بناء علي المعاينات بعمل تقرير حول كل المخالفات بمشروع درب الأربعين التي تخضع لإشراف وزارة الري. وجاء تقرير لجنة هيئة التعمير بأن وحدات توليد الكهرباء والتي تم تشغيلها بالفعل لم تكن في حالة فنية جيدة وعددها "6 وحدات" وأشارت المعاينة والفحص إلي أن حالتها سيئة وغير مطابقة للمواصفات المطلوبة والتي تم تمريرها بكراسات الشروط وأن هذه الوحدات لم تؤد الغرض المطلوب منها كما أنه لم تجر لها عمليات الصيانة اللازمة من خلال الشركة المنفذة التي تخضع لرقابة وزارة الري. كما أشار التقرير إلي وحدات التوليد التي تم تركيبها ولم يتم تشغيلها وعددها "13 وحدة" وكذلك عدد "20 وحدة" توليد التي تم توريدها لإدارة المشروع من خلال الشركة المسئولة والتي ما زالت في مخازن المشروع وطلبت اللجنة شهادات المنشأة والإفراج الجمركي والضمان لهذه الوحدات خاصة أن اللجنة لم تجد مستندات خاصة بهذه الوحدات وأنها مجهولة المنشأ. وأضاف التقرير أنه تم فحص المستندات الخاصة بالمشروع والذي تضمن عرض الشركة المنفذة في ذلك الوقت لوزارة الري بتوريد المعدات والآلات الخاصة بالمشروع والتي اختارت أن وزارة الري تلقت أربعة عروض الأول من شركة "إيفكو" والتي تقدمت بعرض " 68048811 جنيها" ومولدات كاتريلر ب "21 مليون" ومولدات كنتر ب "51 مليون" وكنتر بدون قطع غيار ب "41 مليون" وكانت المفاجأة التي كشفت عنها المستندات الخاصة بشركة "ريجوا" هي أن رئيس شركة "ريجوا" وكيل شركة كاتريلر في مصر حيث طلب من هيئة التعمير الموافقة علي عرضها بدلا من "إيفكوا" علي الرغم من أن الأخيرة كان عرضها "11 مليون" والثانية "12.8 مليون" جنيه ووافقت الهيئة علي طلب الشركة التي يعمل رئيسها وكيلا للشركة الموردة المفاجأة المدوية بالتقرير وهي التي أدت إلي الصدام بين وزارتي الري والزراعة والتي تلخصت تفاصيلها في قيام وزارة الري بإصدار أمر إسناد رقم "1381" في "11/10/98" لشركة "ريجوا" يحفر 7 آبار واستصلاح "865" فدانا وأمر إسناد رقم "908 بتاريخ 3/8/99" بحفر 6 آبار واستصلاح "864 فدانا" وأمر إسناد رقم "1331 بتاريخ 28/1/99" بحفر "9 آبار" واستصلاح "834" فدانا وأمر إسناد رقم "3711 في 30/10/2000" لحفر 72 بئرا واستصلاح "2430 فدانا" والمفاجأة هنا أن لجنة هيئة التعمير وجدت من ضمن المستندات التي قامت بفحصها وجودا واحتوائها علي محضر نهائي لاستلام الآبار من خلال وزارات الري والذي صدر بقرار وزاري من الدكتور محمود أبوزيد رقم "1340 لسنة 2000" أنه بناء علي هذا القرار فإن وزارة الري تسلمت عدد 41 بئرا من شركة "ريجوا" المنفذة لمشروع درب الأربعين إلا أن التقرير أشار إلي أنه علي الرغم من المخالفات الكثيرة في المواصفات الخاصة بتنفيذ حفر الآبار، فإن وزارات الري تسلمت أيضا مع هذه الآبار المخالفة المعدات الميكانيكية والكهربائية بحالتها الفنية السيئة التي سبق الإشارة إلي أنها غير مطابقة للمواصفات. وأوضح التقرير عددا من الملاحظات علي موافقة وزارة الري والذي أشار إلي أن وزارة الري لم تلتزم بالإجراءات الفنية والإدارية في متابعة تنفيذ المشروع وعدم قيامها بتطبيق القانون لأسباب متعددة أبرزها أن وزارة الري لم تشكل أي لجنة لفحص المعدات وقطع الغيار وفور توريدها والثاني عدم وجود لجنة استلام ابتدائي للمشروع قبل البدء في تنفيذ عقود ا لتشغيل والصيانة والثالث عدم الالتزام بتطبيق القانون فيما يتعلق بالالتزام بالبرنامج الزمني ومتابعة التنفيذ ونسب الصرف إلي جانب عدم الفنية أثناء تنفيذ المشروع وخاصة أن جميع محاضر الاجتماعات بوزارة الري والجهة المشرفة علي المشروع أفادت أنه لم يتم دراسة المشروع قبل إصدار أمر التشغيل وكان من الضروري متابعة مراحل التنفيذ بكل دقة ودراسة البيانات الفنية لكل بئر واختيار المعدات الخاصة بها وأكدت الإدارة المركزية لشئون المناطق بهيئة التعمير والتنمية الزراعية بأن هناك مخالفات للمواصفات الخاصة بتنفيذ المشروعات. وقالت المصادر إن هذا التقرير كان جزءا أو أحد الأسباب في إقالة أو رحيل محمود أبوزيد وزير الري بعد أن أوصت بعض الجهات الأمنية بذلك.