هل أصبح الصعيد حدائق للشيطان؟ أم اصابته لعنة الفراعنة بسبب الاهمال الحكومي بعد أن كان الصعيد عاصمة للحضارة الفرعونية؟ لقد تحول الصعيد إلي منفي لعقاب كل مخطئ من الموظفين والاداريين القابعين في قلب العاصمة، واصبح الصعيد قنبلة مزمنة والمؤسف أنه في "الظل" طوال الوقت ولا يظهر إلا في سياق العواصف المحملة بحوادث العنف الشديدة الاجرام والدموية حيث تعددت حوادث القتل بين الافراد بسبب خلافات حول الحيازات الزراعية بالاضافة لحوادث الثأر ومادام بعيدا عن خطط التنمية ويحظي بأقل نصيب منها فإنه لا غرابة أن تستمر الجزر المزروعة بالمخدرات التي لا يقوي الأمن علي الاقتراب منها. اَخر الحوادث التي تداولتها الصحف ذلك الحادث الذي وقع في احدي قري الصعيد بين مسيحيين للخلاف حول قطعة أرض راح ضحيتها العشرات.. فهل أصبح الصعيد دولة داخل الدولة وماذا انجزت الحكومة من وعودها التي اطلقتها منذ عشر سنوات حول التنمية في الصعيد.. وماذا فعلت في برنامج الرئيس مبارك الانتخابي؟ د. محمد ابراهيم منصور مدير مركز دراسات المستقبل ووكيل كلية تجارة اسيوط يؤكد أن 70% من أحداث العنف في الصعيد ترجع إلي اسباب اقتصادية علي رأسها الفقر والعزلة الجغرافية والبطالة ونقص الخدمات، وإذا كان لاينكر أن هناك جامعات انشئت في كل محافظات الصعيد وهي نقطة اشعاع في الصعيد وتحسب لصالح الحكومة حيث إن التعليم يعتبر من اساسيات التقدم الاقتصادي كما أن هناك مناطق صناعية تم انشاؤها في معظم محافظات الصعيد حيث وصلت إلي 6 مناطق صناعية منها منطقتان في قنا ومنطقتان في سوهاج، كما أن هناك زيادة في حركة الاستثمارات فإن كل ذلك لم يكن كافيا لتحقيق التنمية الاقتصادية في الصعيد وذلك يرجع لسببين اساسيين أولهما أن الدعوة لتنمية الصعيد بدأت منذ فترة قريبة وذلك في منتصف التسعينيات مع تزايد العمليات الارهابية وثانيهما أن الدراسات التي قامت حول تنمية الصعيد اقتصاديا كانت ناقصة وغير مكتملة استندت فقط علي زيادة الاعفاءات الجمركية والضريبية ولم تكن دراسات حقيقية حيث اصطدمت عملية التنمية بمشكلات التسويق والحصول علي المواد الخام والطاقة الكهربائية، كما أنها لم تنجح في استقطاب العمالة، وبسؤاله حول أولويات الاهتمام بالتنمية في المجال الصناعي والاستثماري أم الزراعي، رد منصور أن القطاع الزراعي قد ضاق عن استيعاب الايدي العاملة مما جعل من الضروري الاتجاه أكثر نحو الصناعة ولذلك لابد من توجيه جزء أكبر من الاستثمارات القومية المهمة إلي تلك المنطقة. وإلي جانب غياب نسب نمو حقيقية التي وضعها د. منصور في بداية قائمة اسباب العنف في الصعيد اشار ايضا إلي الجانب الاجتماعي الذي تسوده الثقافة الذكورية والميل لتمجيد الذكر وتهميش المرأة التي بدون ادماجها في العملية التنموية فلن ينهض المجتمع. وبسؤال "الاسبوعي" للدكتور جمال بيومي رئيس جمعية المستثمرين العرب حول الاستثمارات في الصعيد وماذا ينقصها، أجاب أن هناك قاعدة عامة تسري علي كل دول العالم بأن المناطق النائية لا تحظي باهتمام الحكومة كما أن عدم الاهتمام يتساوي فيه الصعيد مع سيناء، إلا أن بيومي يعود ويؤكد أن تنمية الصعيد تحتاج إلي جهود بشرية ذاتية أكثر من الاعتماد علي الحكومة واعطي مثالا لذلك بمحافظة دمياط، والتي ينتمي إليها د. بيومي والتي شهدت تقدما ملحوظا في المجال الاقتصادي بل إن المحافظة لاتعرف البطالة ذلك بسبب الجهود الذاتية للأفراد فالكل يعمل سواء في الموبيليا أو الحلويات كما أن اقامة ميناء دمياط واكتشاف الغاز الطبيعي في المنطقة سيؤدي إلي مزيد من الازدهار والتقدم للمحافظة ويدعو د. بيومي إلي الاعتماد علي الجيش في تنمية الصعيد، حيث إنه شهد جهدهم ونجاحهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال زراعة الجيش لآلاف الافدنة وانتاج المواد الغذائية كالبيض والجبن وغيرهما. ومن جهته يؤكد الدكتور عبدالمنعم الأعصر رئيس حزب الخضر وعضو مجلس الشوري أن هناك دراسة تقدم بها العالم دكتور فاروق الباز لعمل طريق يصل من الاسكندرية حتي أسوان ومن الاسكندرية حتي مطروح وهو مشروع في غاية الأهمية ولابد من الاهتمام به ودراسته وسرعة تطبيقه من أجل تحسين وسائل المواصلات وسهولتها بين المحافظات لأن ذلك سيؤدي إلي تحقيق التنمية الاقتصادية في كل المناطق النائية البعيدة عن المحافظة من خلال ربطها وتسهيل اقامة الاستثمارات. ويشير الأعصر إلي فشل مشروع توشكي وغرب العوينات والذي انفق ما يزيد علي 6 مليارات جنيه ولم يحقق النتائج المرجوة منه مما دعا 25 نائبا بمجلس الشعب من جميع الاتجاهات السياسية لتقديم طلبات احاطة واستجوابات لمعرفة التكلفة الاجمالية للمشروع والكشف عن اسماء الجهات المنتفعة بالاراضي وتوضيح المردود الاقتصادي له وقد اعتبره البعض اهدارا للمال العام، ويقول الاعصر إن مشكلات مصر لن تحل إلا بالخروج من الوادي الضيق والتوسع في المناطق الواقعة علي جانبي النيل بالصحراء الشرقيةوالغربية زراعيا وصناعيا واستثماريا. ويتفق مع الرأي السابق ممدوح قناوي رئيس حزب الدستور الاجتماعي الحر، ويضيف أن اساس المشكلة يتمثل في المركزية الشديدة لكل الشئون السياسية والاقتصادية والادارية في العاصمة ولذلك يقترح أن يتم اعادة تقسيم الاقاليم والمحافظات في مصر بشكل عرضي وليس طوليا بحيث يضم كل اقليم تنموي كبير مساحات من الصحراء الشرقيةوالغربية في البحر الأحمر شرقا إلي الحدود المصرية الليبية غربا مما يسهل حصر وتجميع الطاقات المصرية وثروات كل اقليم بشريا وزراعيا وتعدييا وسياحيا واستقلال تااااالك الامكانات والطاقات في نطاق الاقليم وبالتكامل مع طاقات الاقاليم الأخري بما يودي إلي تكبير الرقعة العمرانية واخراجها من الحيز الضيق للوادي، وتعمير الصحاري المليئة بالخيرات في الوادي الجديد والواحات ويضيف قناوي أن تحقيق هذا المشروع لن يتم سوي بتحديث شبكات الطرق والسكك الحديدية السريعة التي يجب مد فروع عرضية منها إلي الواحات والمجمعات الزراعية بجنوب الوادي وعلي طول الساحل الشمالي للبحر المتوسط وإلي سيناء علي طول سواحل البحر الأحمر إلي الحدود المصرية السودانية. وأشار قناوي إلي أن هذه الاقاليم ستقسم اداريا إلي ستة ولايات الأولي تضم محافظات القناةوسيناء وبعض مراكز محافظة الشرقية وتكون عاصمته مدينة الاسماعيلية وتضم الولاية الثانية محافظات وسط الدلتا وتكون عاصمتها طنطا والثالثة تضم محافظة الاسكندرية وامتداد شمال البحر المتوسط حتي السلوم والبحيرة والصحراء الغربية الشمالية المتقاطعة عرضيا مع الحدود الجنوبية لمحافظة البحيرة وتكون عاصمتها الاسكندرية ثم الولاية الرابعة التي تضم محافظة القاهرة وأجزاء محافظات الجيزة والقليوبية والمنوفية وتكون عاصمتها القاهرة. والولاية الخامسة تضم شمال ووسط الصعيد ويضم محافظات الفيوم، بني سويف، المنيا، وامتداداتها العرضية إلي ساحل البحر الأحمر غربا والحدود المصرية الليبية شرقا كما تضم الولاية السادسة اقليم مصر العليا ويضم محافظات اسيوطوسوهاجوقنا واسوان والودادي الجديد والبحر الأحمر مع الامتدادات العرضية لها وتكون اسيوط هي عاصمتها. ويشير قناوي إلي أن هذه الولايات ستكون شبه مستقلة علي غرار تقسيم المقاطعات الفيدرالية الألمانية، وأكد قناوي أن هذا المشروع قد لاقي قبولا واستحسانا لدي لجنة الأحزاب. د. حسن بكر استاذ العلوم السياسية بجامعة اسيوط يؤكد أن ما رصدته الحكومة للتنمية في الصعيد غير كافٍ حيث إنه في عام 1996 تم رصد 586 مليون جنيه لهذا الغرض إلا أن التنمية في حاجة لأضعاف هذا المبلغ إلا أنه قد تم رصد 2 مليار جنيه كمبلغ من شبكة المحمول الثالثة لاستصلاح الاراضي في النوبة واقامة مشروعات عمرانية.