ظهرت الصحافة الساخرة في مصر على يد مجموعة من الصحفيين من أبرزهم الصحفي يعقوب صنوع الذي أسس مجلة "البعكوكة" ، وغيره كثيرون من الصحفيين الشوام والمصريين، وسار على الدرب صحفيون وكتاب برزوا في هذا المجال الذي يعتبره النقاد من أصعب أنواع الكتابة للحاجة إلى صحفي أو كاتب من نوع خاص، عنده مقومات النقد بأسلوب يغلب عليه خفة الظل أو خفة الدم، ومن أشهر هؤلاء الصحفيين الذين لهم جمهورهم الكبير المرحوم محمد عفيفي والمرحوم محمود السعدني والأستاذ أحمد رجب متعه الله بالصحة، ثم ظهر جيل جديد أطلق على نفسه "الصحفي الساخر" أو "الكاتب الساخر" ومنهم أسامة غريب وبلال فضل وإبراهيم عيسى، والكاتب اللاذع جمال فهمي، يضاف إليهم مجموعة منتشرة في عدد من الصحف والمجلات، منهم من تقرأ له وترتسم على شفتيك ابتسامة وتجد إلى جانب المتعة استفادة وهدفا لما يكتبه، ومنهم من يكتب ويحسب أن الكتابة الساخرة هي نوع من التهكم والسخرية والاستظراف وبث نوع من الهجاء و"الشتيمة" فلا تخرج من مقالته إلا وأنت مصمم على أن لا تقرأ له. في الفضائيات ومع التوسع والانتشار ظهرت قنوات متخصصة في الكوميديا ومنها "موجة كوميدي" و"نايل كوميدي" وقناة خليجية باسم "فنون"، يغلب عليها بث المسلسلات والأفلام الكوميدية مع بعض برامج مسلسلة فكاهية باسمة، وفي القنوات الجادة تخللت برامجها برامج ساخرة يقدمها صحفيون مهنتهم الكتابة الصحفية، وإعلاميون دخلوا إلى المهنة بحكم أنهم وجدوا في أنفسهم مقدرة على تقديم شيء جديد في الإعلام وهو "البرامج الساخرة" منهم باسم يوسف الطبيب الذي وجد ضالته في الإعلام ولم يجدها في ممارسة "الدكترة" ، وقد نال شهرة أوسع انتشارا من مهنته كطبيب ربما بضغط من والديه ليدرس الطب لارتفاع المجموع الذي حصل عليه في الثانوية العامة، وهذا حال كثير من الآباء والأمهات المصريين والعرب الذين يضغطون على أعصاب أبنائهم وبناتهم ليلتحقوا بكليات لا يريدون الدراسة فيها كدراسة الطب لا لشيء إلا ليقال عنه "الدكتور" أو "الدكتورة" وجاء "الدكتور" وجاءت الدكتورة" وتتباهى الأم بأنها أم الدكتور رغم ما يلاقيه "الدكتور" من عنت أو ضرب وإيذاء في المستشفيات الحكومية على يد الأهالي الذين لا يجدون ما يسعف ذويهم لقلة الادوات والأدوية، وما نموذج الدكتور الأديب يوسف إدريس والكاتب الكبير توفيق الحكيم منا ببعيد، واحد درس الطب ونبغ في القصة القصيرة واصبح يلقب ب "تشيكوف العرب"، وآخر درس القانون وبرع في كتابة المسرحيات، ونموذج آخر لأبرز صحفيين مصريين درسا الهندسة وبرعا في إدارة الصحف وفي كتابة المقالات وهما الصحفيان اللامعان علي أمين وجلال الحمامصي. بقي ان نقول إن دخول الأطباء والمهندسين والمحامين مجال الإعلام والكتابة بفضائياته وصحفه لا غبار عليه، وإن تخصص البعض من الصحفيين والإعلاميين في الكتابة الساخرة مطلوب ولا غبار عليهن ولكن الذي لا هو مطلوب وعليه غبار هو الخلط ما بين الكتابة الساخرة والبرامج الساخرة الفكاهية الحقيقية بين الاستظراف والتنطيط، فالأولى تجعل صاحبها محتفظا بنجوميته وجماهيريته، والآخر تتسرب نجوميته وجماهيريته من بين يديه لأنه لا يقول شيئا مفيدا وبطريقة ليست ساخرة فكاهية وإنما باستظراف وثقل ظل. --- [email protected]