كشف ضابط سابق بالمخابرات الأمريكية أن إسرائيل أعدت خطة للحرب ضد مصر فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك, رغم ما كان يقدمه لها من خدمات أمنية جليلة، وأضاف الضابط السابق ويدعى شون بين أن أمريكا سوف تنحاز إلى إسرائيل فى حالة نشوب نزاع مسلح بينها وبين مصر، وأوضح بين فى وثيقة نادرة تنفرد "وكالة الصحافة العربية" بنشرها وتحمل بنشر عنوان "التهديد المصرى وفرص الحرب فى الشرق الأوسط" ونشرها بمجلة ناتيف العبرية، المتخصصة فى الشئون العسكرية والمخابراتية أن إمكانية اندلاع حرب جديدة بين مصر وإسرائيل, بل بين إسرائيل والعرب عمومًا ترجع ضخ الولاياتالمتحدة لكميات ضخمة من الأسلحة المتطورة للمنطقة، الأمر الذى قد يخرق موازين القوة العسكرية بين العرب وإسرائيل، ويجعل الكفة تميل لصالح العرب على حساب إسرائيل، متهمًا مخططى السياسة الاستراتيجية لإسرائيل بالفشل فى رصد هذا التطور العسكرى الأمريكى فى المنطقة، خاصة فشلهم فى رصد العلاقة بين تعاظم القوة العسكرية المصرية، وبين مستوى العداء من مصر تجاه إسرائيل. هذا التوازن بين النوايا والقدرة يعد مؤشرًا واضحًا، لأن احتمال العداء الخارج عن النطاق النظرى قد يصل إلى واقع ملموس. بهذا المفهوم فمن المحتمل أن فشل مخططى الاستراتيجية العسكرية المصرية فى إسرائيل فى تحديد التهديد العسكرى المتعاظم من جانب مصر سيذكر فى التاريخ كأكبر فشل استراتيجى لإسرائيل عقب فشلها فى رصد حرب السادس من أكتوبر 1973. ويرصد ضابط المخابرات الأمريكية الأهداف الرئيسية التى تسعى مصر لتحقيقها على المدى البعيد، وأجملها فى النقاط التالية: أولاً: تتطلع مصر إلى خلق ردع قوى أمام التهديدات العسكرية فى المنطقة. ورغم اتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب لكن لازالت مصر تعتبر إسرائيل دولة عدوة تمثل تهديدًا عسكريًا واقعيًا عليها. على ضوء ذلك يهدف التخطيط الاستراتيجى والاستعدادات العسكرية المصرية إلى خلق قوة ردع جادة لكل التهديدات من جانب إسرائيل، وتأهيل الجيش المصرى للأخذ بزمام المبادرة فى أية مواجهة محتملة قادمة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية. ثانيًا: تهدف مصر من خلال تدعيم علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إضعاف الدعم الأمريكى لإسرائيل، من خلال إبراز أهمية دورها الإقليمى وإقناع واشنطن بتضاؤل الأهمية التى تمثلها إسرائيل لها على المستوى الإقليمى. ثالثًا: تأمل مصر لاستعادة مكانتها كأكبر دولة عربية، كما كانت فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى. وأضاف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية فشلت فى ضم مصر إلى التحالف الغربى الذى تقوده فى فترة الخمسينيات، خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، لكنها بدأت تعمل على وضعها تحت جناحيها بعد حرب أكتوبر 1973 خلال فترة حكم الرئيس أنور السادات نتيجة لمواجهة بلاده لأزمة اقتصادية طاحنة بعد الحرب، والذى اضطر لاتخاذ قرار استراتيجى بالانفصال عن الاتحاد السوفيتى والتقارب من الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذى بلغ ذروته مع التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ سعت واشنطن إلى ضمان مكانة مصر فى المنطقة والحفاظ عليها كأكبر دولة عربية. وهذا الدعم الأمريكى القوى لمصر يرجع لعدة أسباب: اعتبار مصر الصوت الأكثر اعتدالاً فى العالم العربى خلال السنوات العشرين الماضية. الزعامة الإقليمية والعربية لمصر والتى اكتسبتها منذ خمسينيات القرن الماضى. حرص مصر على استمرار اتفاق السلام مع إسرائيل بالشكل الذى يضمن بقاء وحماية أمن إسرائيل. فالولاياتالمتحدةالأمريكية ترى أن مصر القوية عنصر رئيسى فى تنفيذ تعهداتها لأمن إسرائيل. إلى جانب ذلك تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية مصر الزعيمة العربية الفعلية التى تضمن مصالحها فى المنطقة من الناحية العسكرية والسياسية معًا. وكانت موافقة مبارك على مشاركة مصر فى حرب تحرير الكويت عام 1991 دور فاعل فى حشد الدعم العربى للتحالف الغربى. وشدد شون بين فى سياق وثيقته المخابراتية على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية خططت، لأن تكون مصر درعها الأمامى لحماية مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة، فى ظل نظام الرئيس السابق حسنى مبارك. ونتيجة للدور الاقليمى المؤثر والكبير لمصر على الدول العربية، نجحت مصر فى احتلال مكانة إسرائيل كموقع عسكرى خارجى استراتيجى للغرب، لذا كان الدعم الأمريكى لمصر بمبالغ طائلة إلى جانب إجرائها لعدد من المناورات العسكرية المشتركة ودعم العلاقات بين البلدين. أبرز مظاهر هذا التعاون, المناورة العسكرية الشهيرة "النجم الساطع". لكن رغم الاستثمارات الأمريكية الضخمة فى مصر والتعاون المشترك بينهما لم يحول ذلك دون وجود خلافات أو مصادمات بينهما، كانت إسرائيل السبب الرئيسى فيها. وذلك نتيجة لمخاوف مصر من تعاظم قوة إسرائيل بشكل جوهرى فى منطقة الشرق الأوسط على حسابها. تلك الخلافات أو التعارض فى الرؤى لم تؤثر بشكل جوهرى على العلاقات بين البلدين. كما رصد ضابط المخابرات الأمريكية فى وثيقته المهمة فى سياق حديثه عن احتمالات اندلاع حرب جديدة بين مصر وإسرائيل، أوجه الشبه بين العلاقات الأمريكية مع مصر فى ظل حكم نظام مبارك وبين العلاقات الأمريكية مع إيران إبان حكم الشاه، حينها اعترفت واشنطن بإن إيران هى الدولة الرئيسية فى الشرق الأوسط، وأنها الوحيدة الاقدر على حماية مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة، لذلك قامت بدعهما ماديًا وعسكريًا واقتصاديًا. لكن كل هذا راح أدراج الرياح مع اندلاع ثورة الخومينى عام 1979. وليس من المستبعد –كما يؤكد الخبير الأمريكى- تكرار السيناريو نفسه مع مصر على المدى البعيد، خاصة أن لدى مصر الدوافع التى تجعلها تعمل على تقويض التأثير الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط, إن لم يكن لديها الرغبة فى القضاء عليها تمامًا، وربما قد نلمس ذلك ونشعر بأجواء الحرب مع إسرائيل بعد ثورة 25 يناير ونجاحها فى الإطاحة بنظام مبارك. على أية حال فقد زعم الخبير الأمريكى فى وثيقته أن إلتزام الولاياتالمتحدةالأمريكية ببقاء إسرائيل وحماية أمنها يضع العراقيل أمام الأهداف الاستراتيجية لمصر فى الشرق الأوسط، خاصة أن لدى مصر مصلحة فى استمرار النزاع العربى- الإسرائيلى على المستوى السياسى، والاقتصادى والثقافى. لكن هذه النزاعات – كما يرى ضابط المخابرات الأمريكية - وكما تشير دروس الماضى قد تتطور إلى اندلاع حرب جديدة، وأن هذه المسألة باتت مسألة وقت نتيجة لكميات الأسلحة الضخمة التى ضختها الولاياتالمتحدة فى المنطقة. ويؤكد شون بين فى وثيقته المخابراتية على أن اندلاع مثل هذه الحرب سيضع الولاياتالمتحدةالأمريكية فى مأزق خطير للغاية يضطرها لأن تقرر بأن تحسم بين موقفها المؤيد والداعم لإسرائيل وأمنها، وبين الحفاظ على مصادر النفط وحماية استثماراتها فى الدول العربية, وبخاصة فى مصر. ومع تأكيده على أن ذلك سيكون أكبر اختبار ستواجهه واشنطن مستقبلاً, وألمح شون بين إلى أن واشنطن ستقف بلا محالة إلى جانب إسرائيل، وربما ما تشهده المنطقة حاليًا من أحداث وما سبقها من احتلال العراق والمحاولات الأمريكية استنفاذ مصادر الطاقة الطبيعية للدول العربية، من خلال توريطها فى مزيد من الحروب والنزاعات لهو لخير دليل على ذلك. وفى سياق الجزء الثالث من وثيقته تطرق الخبير الأمريكى إلى العلاقات المصرية الإسرائيلية زاعمًا بأن تل أبيب لم تستفد بتاتًا من اتفاق السلام مع مصر فى مقابل إعادتها لسيناء لها. وأرجع ذلك إلى تحفظ الصفوة السياسية والاقتصادية والثقافية فى مصر حيال قبول إسرائيل كعنصر فعّال فى المنطقة، مشيرًا إلى أنه رغم مرور وقت طويل على توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين، لكن المصريين لم يغيروا وجهة نظرهم وموقفهم حيال إسرائيل، وقد انعكس ذلك من خلال مظاهر مختلفة رافضة للتطبيع معها، من بينها حرق العلم الإسرائيلى خلال الذكرى السنوية للتوقيع على اتفاق السلام، ونشر مقالات معادية لإسرائيل فى الصحف المصرية، لاسيما الصحف الخاضعة لسيطرة الحكومة المصرية، والتى بلغت مواقفها المعادية لإسرائيل لحد معاداة السامية. واستعرض الخبير الأمريكى مظاهر العداء المصرى لإسرائيل مبرزًا تصريحات للخبير العسكرى المصرى مراد دسوقى التى أكد فيها على أن مصر لا تزال ترى إسرائيل عدوا فى المنطقة. كما أبرز تصريحات خاصة لوزير الدفاع والقائد الأعلى للمجلس العسكرى، المشير محمد طنطاوى، والتى أكد فيها على أن المناورات التى كان يقوم بها الجيش المصرى فى منتصف التسعينيات كانت تهدف إلى الاستعداد لمواجهة السلاح غير تقليدى الذى تمتلكه إسرائيل. هذا الموقف القوى والصارم من جانب المشير ربما يفسر لنا مخاوف إسرائيل وقياداتها من شخص المشير طنطاوى، والذى طالما وضعته على رأس قوائم الشخصيات المرشحة لخلافة الرئيس المخلوع. أخيرًا نؤكد أنه يجب الوضع فى الاعتبار أنه فى حال اندلاع أية حرب مستقبلية بين مصر وإسرائيل لا يجب أن نعول على الدور الأمريكى، وهو ما أكده الخبير العسكرى شون بين فى وثيقته، لذا يتعين على القيادة المصرية عدم الانجرار خلف الاستفزازات الإسرائيلية، كما يجب عليها دراسة جميع الاعتبارات والأبعاد قبل الخوض فى حرب جديدة تفتعلها إسرائيل، لاسيما فى ظل أجواء التحريض الحالية فى تل أبيب التى تدعو إلى ضرورة إعادة النظر فى مسألة إمكانية احتلال سيناء مجددًا.