تغيرت نظرة المصريين إلى التعاون مع الولاياتالمتحدة سيكون من خلال التوازن بين اقترابها من العسكر الذين تحتاج إليهم للحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل. ذكرت صحيفة "سويس إنفو" السويسرية أن الولاياتالمتحدة اعتمدت لعدة عقود فى تحقيق مصالحها فى الشرق الأوسط من خلال علاقات وثيقة بمصر على علاقة مباشرة بالرئيس حسنى مبارك الذى انفرد بحكم مصر خلال الثلاثين عاما الماضية، دون أن تحسب للرأى العام المصرى أى حساب فى إطار سياسة تفضيل الاستقرار فى المنطقة على الديمقراطية. ويرى خبراء شئون العلاقات المصرية الأمريكية أن الولاياتالمتحدة تجد نفسها الآن فى وضع بالغ السوء حاليا، بعد إن أطاح الشعب المصرى بالرئيس مبارك وأصبح الإخوان المسلمين هم القوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسى. ونقلت الصحيفة عن شادى حامد مدير الأبحاث بفرع معهد بروكنجز فى قطر، إنه إذا كانت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة تتنامى فى مصر حاليا، فإن ذلك سيلقى بظلاله وتأثيراته على من سيمسك بزمام السلطة فى مصر بعد الفترة الانتقالية، وكذلك على قوى المعارضة، وسيتنافس الطرفان فى إظهار من هو الأكثر تمسكا بالوطنية المصرية والأكثر رفضا للنفوذ الأجنبى". ولهذه الأسباب، يرى شادى حامد أنه آن الأوان للولايات المتحدة أن تعيد تقييم الشكل الذى يجب أن تتجه إليه العلاقات الأمريكية ليس فقط مع الحكومة المصرية المنتخبة، ولكن أيضا مع الشعب المصرى ويتطلب ذلك: استعادة مصداقية الولاياتالمتحدة بعد عقود من مساندة نظام حكم استبدادى سلطوى، وإظهار التزام واشنطن بمساندة التحول نحو الديمقراطية فى مصر، وعدم تكرار أخطاء الماضة والمضة قدما فى تعميق العلاقات الأمريكية مع الإخوان المسلمين والسلفيين وباقى القوى السياسية فى المجتمع المصرى. كما يجب إعادة النظر فى نسب توزيع المساعدات الأمريكية بحيث تزداد نسبة المساعدات الاقتصادية ومخصصات دعم الديمقراطية ليدرك الشعب المصرى تغير أولويات الولاياتالمتحدة فى مصر، ثم ضرورة اتباع سياسة واضحة تحدد موقف الولاياتالمتحدة من الثورة المصرية، لأن انتهاكات المجلس العسكرى لحقوق الإنسان فى الفترة الانتقالية لم تسفر عن التلويح بقطع المساعدات، وإنما جاء ذلك التهديد من إدارة أوباما ردا على احتجاز أمريكيين يعملون فى منظمات المجتمع المدنى. خامسا: التوقف عن التناقض بين القول والفعل فالولاياتالمتحدة تعلن مساندتها للتحول الديمقراطى فى مصر ولكنها لم تؤجل استئناف المساعدات لمصر لحين تولى حكومة منتخبة، ويظهر ذلك استمرار سياسة الاعتماد على العسكر فى توفير الاستقرار. أما خالد الجندى الباحث الزائر بمعهد بروكنجز فى واشنطن فيرى أن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى قراءة جديدة فى الواقع المصرى بعد ثورة 25 يناير ويقول: "لا يعنى عدم إحراق العلم الأمريكى فى ميدان التحرير عدم اهتمام المصريين بالسياسة الخارجية وخاصة العلاقات مع الولاياتالمتحدة كما أن تصويت غالبية المصريين لصالح الإسلاميين لا يعنى بالضرورة رغبتهم فى الابتعاد بمصر عن الولاياتالمتحدة". ووردا على سؤال طرحته الصحيفة السويسرية عن الحقائق الجديدة التى يجب أن تراعيها الولاياتالمتحدة فى علاقاتها مع مصر بعد الثورة قال خالد الجندى"، على الولاياتالمتحدة أن تدرك عددا من الحقائق الجديدة فى علاقاتها مع مصر، أولا أن النفوذ الأمريكى لدى مصر أصبح أقل مما كانت تظن، ويتضح ذلك من القدر المحدود جدا من التأثير الذى يمكن استخدامه بفرض شروط على المساعدات الأمريكية. وأصبح يتعين على الولاياتالمتحدة أن تأخذ فى اعتبارها ثقل الرأى العام المصرى كعامل مؤثر فى جوانب العلاقات المصرية الأمريكية، وإعادة النظر فى جوانب الشراكة الاستراتيجية مع مصر بحيث يتم التركيز على إظهار الندية والمصالح المشتركة من وراء تلك الشراكة". ويرى الدكتور زبيجنيو بريجنسكى، المستشار الأسبق للأمن القومى فى عهد الرئيس كارتر أنه يتعين ألا تسارع الولاياتالمتحدة إلى مطالبة زعماء مصر الجدد باستئناف سريع لعلاقات الشراكة الاستراتيجية، وأن تعطى الولاياتالمتحدة مصر مساحة من حرية الحركة، وأن تتحلى بالصبر مع مصر ما بعد الثورة حتى تتمكن من رسم طريقها الجديد مع بذل قصارى الجهود الأمريكية للحفاظ على أهداف ذلك التعاون الاستراتيجى وتوفر رؤية واضحة للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة فى ضوء ثورات الربيع العربى لأن الولاياتالمتحدة "بدأت تختفى من الصورة". فى مقابل ذلك، يرى ستيف هادلى المستشار السابق للأمن القومى للرئيس بوش ثم أوباما أنه لكى يمكن مواصلة الشراكة الاستراتيجية مع مصر بعد الثورة يتعين على الولاياتالمتحدة أن توضح بالفعل وليس بالقول أنها ستقف من الآن وصاعدا فى صف الحرية والتحول نحو الديمقراطية بعد عقود فضلت فيها مساندة نظم حكم فردى استبدادية مقابل تحقيق الاستقرار فى المنطقة. ويعتقد هادلى أن المحك الرئيسى فى تغير نظرة المصريين إلى التعاون مع الولاياتالمتحدة سيكون من خلال التوازن بين اقترابها من العسكر الذين تحتاج إليهم للحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل ومواصلة التهدئة فى قطاع غزة وبين التقارب مع الإسلاميين كقوة سياسية تحظى بالأغلبية البرلمانية وأن يكون التعاون المصرى الأمريكى بناء على المصالح المشتركة وفى إطار من الندية والمعاملة بالمثل.