حينما كان يلعب الرئيس السابق حسني مبارك مع الغرب لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية والشرق متمثلاً في الكيان الصهيوني إسرائيل بورقة الفزاعة الدينية المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين ، كان يعي جيداً أن الفزاعة بوصفها أداة ردع تتحرك وتطير في الهواء ثم سرعان ما تسقط إما أن يصيبها خلل أو عطب ، أو أن ماسكها يكون قد أضناه التعب ؛ وهذا ما حدث بالفعل لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي الوليد الحرية والعدالة ، وكنت أرغب في أن تستوعب الجماعة رغم تاريخها الضارب في الوطنية والنضال والعمل السري أيضاً أن تستفيد من مثالب تجربة الوريث الذي كان محتملاً جمال مبارك ، ولكن يبدو أن الجماعة وحزبها والوريث السابق وأمانته لم يتعلماً معاً درس الطاووس الذي كنا ندرسه ونحن صغار رهن المدرسة الابتدائية . والمشكلة في جماعة الإخوان المسلمين ليست في وصولهم السريع إلى سدة السلطة التشريعية والرقابية وحصد مقاعد الأغلبية البرلمانية ومعظم النقابات والمنظمات المجتمعية الحكومية ، لكن تكمن في أنها لم تستوعب الدرس جيداً من الوريث السابق جمال مبارك في وصوله الحصري والسريع إلى مقعد الحل والعزم والفك والربط في الشأن السياسي المصري ، وهذا الوصول السريع ليس كفيلاً أن يعقبه السقوط ، ولكن كان ينبغي أن يعقبه التدبر والتأمل في عملية الصعود السياسي تلك ، ومن ثم محاولة تأويلها وتعرف ما تم تحقيقه على مستوى الجماعة ( أمانة السياسات سابقاً ) وما لم يتحقق بعد على المستوى الجماهيري والشعبوي ؛ فبينما لم تهتم الجماعة التي باتت عقوداً طويلة قيد الحظر والرفض والمنع السياسي والاجتماعي بمشكلات المواطنين الذين هرولوا إلى صناديق الانتخابات معتقدين في ذلك بأنهم يرضون الله ورسوله وهم أيضاً في جهاد ضد كل ما يخالف شرع الله ، راحت تدخل في مساجلات برلمانية كمشروعية حق التظاهر ، وحجب المواقع الإباحية ، وتشكيل اللجان الفرعية لتقصي الحقائق ، ومدى موافقتهم على أحد المرشحين المحتملين وهم يظنون أن الشارع في انتظار وشوق لمعرفة تأييدهم سيكون لصالح من وهم يعملونعلى دغدغة مشاعر البسطاء في أن مجرد تأييدهم لمرشح محتمل سيساعد في حل ما تشهده الفلاد من فوضى الانفلاتات ؛ ورغم عدم توقف الجماعة وحزبها الوليد سياسياً في تأمل وتدبر الصعود السياسي السريع راحت تدشن لغزوة جديدة وهي غزوة الدستور ، وهي في سعيها لاقتناص أغلبية جديدة وبقايا ليبراليين مستهدفين غاب عن ذهنا هذه الانشقاقات الواسعة في صفوفها والحركة الثورية التي يشهدها شباب الجماعة الذين يسيرون على نفس الدرب الذي كان عام 1996حين أعلن المهندس أبو العلا ماضي ورفاقه الانشقاق الجزئي عن الجماعة ومحاولة تأسيسهم لحزب الوسط الذي لم ترض عنه لجنة شئون الأحزاب ولا الجماعة ومرشدها في هذا الوقت . لكن بهذا المنطق واجهت الجماعة هؤلاء الشباب الذين تظلموا أولاً من قرار فصلهم ثم ما لبثوا أن أعلنوا تأييدهم لحملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح للترشح الرئاسي ، وسرعان ما لعبت الجماعة نفس الدور الذي كانت لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل تلعبه من حيث تعويل انهيار مقدرات الوطن الاقتصادية وأمنها الاستراتيجي على عوامل أخرى غير حقيقية ، فبينما كانت أمانة السياسات تشير إلى دائرة الزيادة السكانية وأن المواطن غير مؤهل في هذه المرحلة لقبول الديموقراطية ، راحت الجماعة وحزبها السياسي يعلنون الحرب على حكومة "الجنزوري" المسماة بالإنقاذ وأنها هي المسئولة وحدها عن هذا التردي الراهن ؛ وهي في ذلك الهجوم تسعى أيضاً بين فترة وأخرى على إلقاء بعض السهام غير النافذة إلى صدر المجلس العسكري بأنه لا يسعى إلى تمكين الديموقراطية ، وهي بهذا الدور تأمل في إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة بزعامة إخوانية تدير الملف السياسي في مصر وما تتبعها من سياسات اقتصادية وتعليمية وربما أمنية أيضاً .. وكان مجرد التفكير في الدور والمكانة التي ارتقاها أعضاء الجماعة في البرلمان الثوري أن يدعوهم إلى أن تشكيل حكومة جديدة ذات صبغة إخوانية هو خطوة جديدة في مسلسل سقوط الجماعة أمام المجتمع المصري ، فهذا المجتمع أصبح واعياً بأن تهليلهم وتشجيعهم وانتظارهم حتى الساعات الأولى من الصباح لحين فرز أصوات الناخبين في انتخابات مجلس الشعب كل هذه المظاهر المجتمعية الاحتفالية ذهبت مع الريح ، حين اهتم هذا بتغيير قسم البرلمان ، وهذا بمطالبته المستدامة باستجواب وزير الداخلية لأمر ما في نفسه ، وهذا يدشن طلبات اإحاطة في موضوعات مكانها المقاهي والمنتديات الإليكترونية . وها هي الجماعة من جديد تعلق تحقيق آمال مريديها على شماعة عجز الحكومة الراهنة وتشدد على فتح ملفات مثل الانفلات الأمني ، وانتشار ظاهرة البلطجة ، والتمويل الأجنبي وتهريب بعض المتهمين في القضية ، رغم كون الملف الأخير لن يهم المواطن المصري البسيط ، وغالت الجماعة وحزبها السياسي في اتهام الحكومة بأنها وراء افتعال الأزمات الراهنة التي يعاني منها الوطن ، والسؤال هل هذه الحكومة أيضاً هي التي تتسبب في كم المساجلات والمشاحنات والاعتراضات المتبادلة بين نواب الجماعة ؟ بالطبع لا ، وهل تقف الحكومة وراء بعض المنشقين عن الجماعة وعدم انصياعها لثقافة السمع والطاعة في المنشط والمكره ؟ أعتقد أيضاً أن الإجابة ستكون بالنفي . ومن الغرابة أن نجد بعض المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين الآن يطلقون بعض التصريحات التي مفادها الخطأ في الاستعجال بوضع معايير الدستور وانتخاب أعضائه ، ومنهم من أطلق العنان لرفض كافة المرشحين المحتملين ، ومن ثم ترى الجماعة الآن ضرورة الدفع بأحد أعضائها للترشح بدعوى حماية مصر .ومنهم من اعترف بأن الجماعة وسياساتها الداخلية السرية التي لا يعرف عنها أحد سواهم هي التي باعدت بين الجماعة وبين كافة الفصائل السياسية ؛ وأرجو ألا ينخدع البسطاء حينما يسمعون من بعض فقهاء وقيادات الجماعة أنهم يريدون مصر دولة مدنية ، فمدنية الجماعة التي باتت عقوداً محظورة تختلف تمام الاختلاف عن مواضعة المدنية التي يعرفها الليبراليون والمدنيون بطبيعتهم ، فالمدنية التي يريدونها الإخوان تتمثل في إسقاط حكم العسكر ومن ثم إعلان الرفض المبكر لأي مرشح ينتمي لجهة أمنية أو عسكرية باعتبار أنهم فصائل وافدة على المجتمع المصري ، وهذا هو مطلق عنان فكرهم عن الدولة المدنية أما تفاصيل الدولة فهي فكر الجماعة ورؤيتها التي يشوبها الكثير من اللغط والجدال ؛ وكان على الجماعة أن تعي موقف الشارع وهو المحرك الرئيس للمشهد السياسي حينما قامت مجموعة من متظاهري ميدان التحرير بوح الميادين الثائرة برفع أحذيتهم تجاه منصة وأنصار الإخوان بالميدان ، رغم أن جماعة الإخوان المسلمين وتحديداً ذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة حتى وقتنا الحاضر لم يصدر منهما أي شئ يعكر صفو الحياة السياسية بل إن نوابهم أول من أثار قضية شهداء ومصابي الثورة في الجلسة الإجرائية لمجلس الشعب كعربون افتتاحي بينهم وبين الشعب. ويبدو أن هناك أسباب أخرى خفية هي التي جعلت هؤلاء المتظاهرين يجددون العهد بثقافة استخدام الأحذية ليس منها فشل الحزب والجماعة في إدارة الأزمات الراهنة لأن المجلس نفسه ينطبق عليه قول المواطن البسيط حينما يفتح متجره أو دكانه : يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم . وربما بعض أسبابهم تتمثل في ظنهم بأن جماعة الإخوان لم تشارك في صنع شرارة الثورة منذ اللحظة الأولى ، بالرغم من أن بعض شباب الإخوان استقلوا برأيهم بعيداً عن قياداتهم وشاركوا في صنع قرار الثورة منذ بدايتها . وربما ترجع أسبابهم الخفية أن الإخوان تركوا المعتصمين والمتظاهرين بالميدان وهرعوا إلى صناديق الانتخابات غير مذعنين لمطالب الثوار والمعتصمين ، الأمر الذي رفضه كافة المتظاهرين وأعلنوا أن الجماعة تخلت عن الثورة وطموحاتها . وربما من أسبابهم أيضاً أن الجماعة قفزت على الثورة نفسها وتخطتها نحو البرلمان ، وهذا ما لم يكن في خاطر الثوار الذين كانت مطالبهم المشروعة : عيشة وحرية وعدالة اجتماعية ، ولم يكن في مجمل مطالبهم مجلس الشعب ، بدليل قصور مشاركتهم في الانتخابات وكذلك انعدام من يمثلهم تحت قبة البرلمان . إذن كان ينبغي على الجماعة وقياداتها أن تراجع نفسها ، وكان من الأحرى على مكتب إرشادها أن ترشد حزبها بضرورة السعي الجاد في تحقيق مطالب الثورة ومطالب الناخبين ومطالب الوطن بأكمله ، لكن الجماعة ظلت على عهدها في السير نحو تحقيق أهدافها غير مبالين بوطن تتصاعد فورة غضبه بين يوم وليلة ، بينما اهتمت الجماعة بعد الاستحواذ على برلماني الشعب والشورى بلجنة تأسيسية الدستور مع تغافل شديد لبعض فقهاء الدستور من القانونيين ، ومن المضحك والمحزن أن تخلو لجنة تأسيسية الدستور من أسماء نظنها على دراية واسعة بالمشهد المصري وبالدستور أيضاً ، وحينما قامت الدنيا عليهم ولن تقعد حتى كتابة هذه السطور أعلنت الجماعة وذراعها السياسي انتهاء أيام السمن والعسل بينها وبين المجلس العسكري ، وبات من الواضح خطة الجماعة في المرحلة المقبلة إلى نزع فتيل عدم الثقة بين الشعب والمجلس العسكري ، وهم في ذلك يمارسون هوايتهم في ركوب الموجة مثلما فعلوا من قبل بعد سقوط النظام السابق والالتفاف بجموع الثوار والمتظاهرين ؛ فبعد أن كانت الجماعة بعيدة عن المشاركة في حملة يسقط حكم العسكر آن الوقت لها الآن أن تقود هذه الحملة ، متناسين دور المجلس في إدارة شئون هذا الوطن العصي على النظام ، وأصبحت أنا كمواطن لا أعرف إلى أين يسير هذا الوطن بعد أن اقتنصت التيارات الدينية الإخوانية والسلفية على وجه الخصوص أوجه السيادة في مصر ، وبدلاً من أن نرى منتجاً دينياً حتى الآن ككتاب أو مطوية أو مشروع نهضوي يماثل المشروعات الإسلامية الكبرى كجمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبده وعباس محمود العقاد وغيرهم ، أصبحنا من هواة المكوث طويلاً أمام اليوتيوب حتى نقوم بتحميل المشاهد التي تبدو سياسية وهي ليست كذلك مثل جراحات التجميل والزواج العرفي لنائب برلماني ، أو لمتابعة عدم وقوف نواب الشعب دقيقة حداد على البابا شنودة وكأن في وقوفهم خروجاً على شرائع الدين رغم أننا نقف أحيانا للحداد في قاعات السينما ومباريات الكرة وحفلات المدارس وغير ذلك من المشاهد الاجتماعية ؛ وإلى أن يستقر المشهد السياسي المعني الآن بصياغة دستور جديد ، سأرتقب مع المرتقبين بشغف شديد ماذا سيسفر رأي الجماعة عن اختيارها لمرشح محتمل للرئاسة ؟ وحينما يعلن ويختار وينتخب ويفوز ، علّني أراه يحكم بالمدنية التي جاءت به إلى سدة الحكم .