قد لا يتفق معي جانب من مثقفي وأدباء الإسكندرية، ولكن المطَّلع المدقق في أحوال الحياة الثقافية، بالمدينة - عامة - يوافقني على أن الصورة فقدت بعض، إن لم يكن معظم، بريقها، لأسباب متعددة، منها أن الأدباء المبدعين، إضافة إلى بعض مسئولي الثقافة من الإداريين، لا يزالون يعتقدون أن أي مشروع ثقافي لن ينجح إلاَّ إذا كان على رأسه أحد أساتذة الجامعة. ونحن لا ننكر أن ثمة وجوهاً مشرقة، في جامعة الإسكندرية، تؤدى واجبها فى التنوير والتثقيف، وتعرف جيداً الفارق بين الأداء (التعليمى)، فى المدرّجات، والعمل التثقيفى العام، بين الجماهير، وفى قاعات المنتديات الثقافية؛ غير أن ثمة أيضاً من يهزون الصورة، ويسعون حثيثاً لإفساد الحركة الثقافية بالمدينة. وهذه صور، نرسمها لوجوه معروفة، ومسكوت عنها وعليها. أول صورة، لواحد ممن يحملون الدرجة العلمية المفتخرة، وكان قد عزل من الجامعة مفتضحاً، إذ حذا حذو الرئيس الأمريكى السابق (كلينتون) فتحرُّش بموظفة جامعية، وانتهى به الحال معزولاً. وبالرغم من أن معظم أدباء المدينة ومثقفيها يعلمون تماماً مدى ضحالة هذا الرجل ومحدودية موهبته، فقد كان من النجوم البارزين فى كل احتفاليات المدينة الأدبية والثقافية؛ ومن أمثلة جهله الواضحة، والمضحكة، أنه تصدى، فى ندوة أدبية، لمناقشة أعمال كاتب القصة السكندري الكبير محمد حافظ رجب؛ ولا نريد أن ندخل فى تفاصيل فشله الذريع فى هذه الندوة، وأي ندوة شارك بها، فيكفى أن نشير إلى أنه، عند قراءته لجزء من نص قصصي لهذا الكاتب ذي الطابع الخاص، قرأ اسم إحدى بطلات النص، واسمها (هَنا)، على انه اسم مكان (هُنا)، وأخذ يهلل قائلاً: انظروا لعبقرية الكاتب.. يقول قالت (هُنا)، أى أنه يحدد موقع القول!. تعالوا - الآن - إلى درجة (دكتوراة) أخرى، فى جامعة الإسكندرية، زكمت رائحتها الأنوف، منذ سنوات قليلة، وهى لواحد كان يحتل مساحة مضيئة متسعة فى الحياة الثقافية بالمدينة، وكان يمتلك أسلوباً حاداً فى التعامل مع ما يتناوله من قضايا، وكان روَّاد ندواته ينبهرون من قدرته على الانتقاد بهذا الأسلوب، فكان (لا يعجبه العجب)، وقد سمعته، مرَّةً، يصف شاعراً سكندرياً راحلاً بأنه كان (نظيفاً)، بينما من ينتقدونه من رفاقه (لا يستحمون) - هكذا - وفوجئنا بأن لجنة الترقية الجامعية اكتشفت أن (الأستاذ) لص.. نعم.. لص. سطا على أبحاث آخرين، ومن بينهم موتى، ونسبها لنفسه، وتقدم بها لينال درجة الأستاذية، بل إنه قد سرق من نفسه (!!)، إذ زوَّر بحوثاً ترقى بها لدرجة الأستاذ المساعد، وقدمها مرة ثانية، ليحصل بها على درجة الأستاذ. فماذا لو أن اللجنة لم تضبط السرقة؟!.. المؤكد، أن الرجل كان سيزداد لمعاناً وجبروتا، والله أعلم بمصير من كان يجرؤ على مخالفة (الأستاذ الدكتور)، بلسانه الذي لا يرحم. العجب العجاب، أن السيد اللص عاد إلى موقعه، يربى أجيالاً جديدة من مدرِّسى المستقبل!؛ وركن الجميع إلى الصمت، ولا أعرف كيف تجاهل اتحاد كتاب مصر أن عضواً به مدان في واقعة تمس الشرف، وقد تكون الكتب التي سرقها هي التي تقدم بها للحصول على عضوية اتحاد الكتّاب المصريين. والمؤكد أن للقيادة بريقها.. وهذا رجل لا يكف عن السعي من أجلها. فشل فى الحصول عليها مهنياً، إذ فاته قطار رئاسة القسم والعمادة، فالتفت إلى الوسط الثقافي؛ ولا مانع لديه في أن يتحالف مع أفراد عليهم الكثير من الغبار، وهو أول من يعترف بضآلة قدرهم، ولكنه يصدِّرهم، ليحقق ما يريد!. إنه يستهدف مقعد الرئيس؛ فإذا اجتمع عدد من الأدباء على رصيف مقهى، سعى لأن يكون رئيسهم!. ثم إنك تجده رئيساً للتحرير فى العديد من المطبوعات، وبعضها محلى الطابع، محدود القيمة إلى حد كبير، ولكنه لا يمانع فى وضع اسمه بأي موقع رئاسي. وهو حريص على أن يعطى للجميع وجهاً دائم الابتسام، وهو مجامل على طول الخط، ويستقبل من يكره، قبل من يحب، بالأحضان والقبلات. ونشهد له بأنه قد حقق نجاحاً باهراً فى أن جعل الجميع يسكتون عنه وعليه، بالرغم من معرفتهم بالكثير من الأحوال، التى تجعل هذا السكوت جريمة.. من هذه الأحوال، التى تتخذ، أحياناً، الطابع الهزلى: - نجح الرجل فى الاستيلاء على رئاسة جمعية أدبية، هي في حقيقة الأمر جثة هامدة، ولا مقر لها، وتسكت عنها وعليها الهيئات الإدارية المسؤولة عن الجمعيات الأهلية، ربما بتأثير الرشوة.. فالقانون يغلق مثل هذه الجمعيات إذا فقدت ركناً أساسياً من أركان وجودها، وهو المقر. وعند كل انتخابات تجديد، يحشد الرجل كل (رجاله)، من أجل إبعاد كل من يرفض السكوت، وينجح فى خداع شخصيات أدبية وثقافية محترمة بالمدينة، فيستقطبهم، لمصلحة وجوده على رأس هذه الجمعية الهامدة. وقد (دانت) له الرئاسة لعدة دورات متتالية، تخللها إعارته لإحدى الجامعات العربية، فكان الرجل رئيساً للجمعية، وهو خارج الوطن.. كأنه الكابتن صالح سليم، رحمه الله، الذى كان يدير النادي الأهلي العريق، من مقر إقامته الدائم، فى لندن!! - وبعد إنشاء فرع لاتحاد الكتّاب المصريين بالمدينة، جرى لعاب الرجل على مقعد رئاسي فى هذا الفرع، بعد أن حالت ظروف سفراته الخارجية دون اقتناصه مقعداً فى الاتحاد الأم ؟!. ولأجل تحقيق ذلك، طبَّق الرجل أسلوبه الذي لا يخيب، فى إبعاد المناوئين، وجمع (الأنصاف) من حوله، ونجح فى الدخول إلى مجلس الفرع المنتخب، ولكن الطريق إلى كرسي الرئاسة كان مسدوداً، فقد كان يحتله أستاذ كبير، لا يمكن إقصاؤه.. فما العمل؟. فكَّر الرجل: إن الأستاذ فى أواخر العمر، وإن هي إلا سنوات قليلة، ويرحل عن العالم، بما فيه كرسي الرئاسة.. إذن، فالمنطق يقول إن السعي لكرسي النائب هو عين الحكمة (تحقق ذلك بالفعل، ورحل الرئيس السابق، واحتل هو المقعد المنشود، لدورات عديدة). ويا للأسف، فإن بعض المناوئين تمكنوا من التعامل معه بنفس أسلوبه، وأعطوا كرسى النائب لمبدع سكندري، بحجة اقتسام الكعكة بين الأكاديميين فى اتحاد الكتاب والمبدعين. وقد تحققت خطة الرجل تماماً، فرحل الأستاذ الكبير عن دنيانا، وقفز الباحثُ دوماً عن الرئاسة على مقعد رئيس الفرع. - ومن طرائف هذا الأستاذ الجامعي، أنه – فى أغلب مشاركاته بالمناسبات الأدبية - يأتي بغير أن يكون قد قرأ النص الذي يجرى تناوله!!. وهو يمتلك رصيداً من (المداخلات) العمومية، مستعد للمشاركة بها في أي مناسبة يدعى لها، أو تسوقه الظروف إليها، إذ تيلح لحفلات الزواج وللمآتم ولمناسبات الختان!. وهو لا يتردد فى الحديث عن ديوان شعر أو رواية، أو أى قضية أدبية، دون أن يقرأها أو يقرأ عنها، أو – حتى- يسمع بها.. وقد عاين كاتب هذه السطور، بنفسه، وقائع ندوة، كان اسم (الدكتور) يتصدر، كالعادة، أسماء المشاركين بها، وكانت لمناقشة ديوان شعر؛ وبدأ الرجل مداخلته العمومية المشهورة، ثم – فجأة – تلجلج، فقد كان يجهل اسم الديوان، ونسى اسم الشاعر، لولا أن عاجله أحد الجالسين بجواره – وهو من الساكتين - فرفع أمام عينيه واجهة الديوان، فأنقذ الدكتور من حرج كان يستحقه! - وقد يمكننا أن نغفر للدكتور ممارساته المغبرَّة بالحياة الثقافية، فإن وصلنا إلى الوسط الأكاديمي فهل نسكت؟. أشرف الدكتور على رسالة دكتوراة، حول شاعر معاصر راحل؛ وأقنع زملاءه من الممتحنين أنها أول عمل أكاديمي عن الشاعر، ليدفعهم إلى التجاوز عن أخطاء علمية فادحة بالرسالة، ليس أقلها أن صاحبها لا يجيد قواعد اللغة، وأنه ذبح اللغة وحطَّم عظامها، وهو يقدِّم، فى جلسة المناقشة، ملخَّصاً لبحثه، الذى كان قد سبقه فى معالجته، برسالة أخرى، باحث بجامعة إقليمية. وتكتمل ملامح الكوميديا، فى هذا الحديث المقبض للروح، حقاً، حين نعلم أن أحد أعضاء لجنة المناقشة قد (جيئَ) به على عجل، وربما (بليل)، ليناقش الرواية، فنسى الرجل، الذي كان يقضى الصيف بالساحل الشمالى، أو لعله عجز عن، أن يحضر معه نسخته من الرسالة المشبوهة، فما كان من (الدكتور) إلا أن أعطاه نسخته هو، وأسرع إلى رفٍّ بالمكتبة، والتقط أي رسالة قديمة، ذات حجم مماثل لرسالة تلميذه (المحظوظ)، وجلس فى صدارة منصة المناقشة، وأمام الحشد من الحضور، يمثل أنه يتابع المناقشة، فى نسخته من الرسالة. ووقع الأستاذ، القادم من المصيف حالاً، فى حرج شديد، إذ كان يفتقد ملاحظاته التي كان قد دوَّنها فى هوامش نسخته القابعة فى مكتبه بالقاهرة؛ وكُتب للطالب أن ينجو من شرِّ هذه الملاحظات. ولا يحتاج قارئنا الواعي إلى استنتاج أن هذه المسرحية كانت من تدبير الدكتور، لتفويت رسالة علمية متهافتة، يأتيها الكذب من بين يديها ومن خلفها. ونختتم هذه السلسلة من الصور القاتمة بأحدث (طرفة)، ويشترك فيها اثنان من حملة الدكتوراة، أستاذ وتلميذه.. أما الأستاذ، فقد أثير حوله غبار كثيف، حين اتهم بتسهيل الغش فى الامتحان لطالبة بالقسم الذي يرأسه، هى ابنته، فكانت ورقة إجابة جديدة تأتيها - بعد أن يبدأ الامتحان وتوزَّع ورقة الأسئلة - مع (مخصوص)، فى كل لجنة امتحان، تأخذها، وبها حل نموذجي للأسئلة، وتسلمه ورقتها الأصلية، النظيفة تماماً!. ولا ندرى كيف تم تفويت الواقعة، مع أن الطالبة أدينت بالغش، ونقلت إلى كلية أخرى، وعاد أبوها – بعد إيقاف مؤقت – لموقعه!!؟؟. المهم، أن الأستاذ (يقرض) الشعر، وله إنتاج محدود القيمة،كماً ونوعاً.. وقد فوجئ الوسط الثقافي في مصر باسم الأستاذ يتصدر قائمة (المكرَّمين) فى مؤتمر للأدباء.. وهكذا، لم يكتف الوسط الأدبي بالمدينة بالسكوت عن، وعلى، عضو به، مارس الغش بداخل الحرم الجامعي، ولكنه استمر بالسكوت وهو يرى الاسم ذاته يجرى تكريمه من قبل أكبر تجمع للأدباء المصريين. وأغلب الظن أن التلميذ، الذي كان يحتل موقع (أمانة) ذلك المؤتمر، أحب أن يقول للأستاذ شكراً، على حساب الغير. ولكى لا نبدو وكأننا نبحث عن الفضائح، فإننا نكفُّ عن (ضخِّ) مزيد من الأحوال المؤسفة، لشخصيات أخرى، تحمل درجة الدكتوراة المحترمة، وتصول وتجول فى أروقة المدينة، وقد نجحت فى إخفاء الرقع والبقع عن أعين من لا يهتمون بالمراجعة والمراقبة والتدقيق.