مشايخ القبائل والعواقل والفلسطينيين يهنئون محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    صندوق تحيا مصر يطلق مبادرة "أضاحى" لتوزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية (صور)    قوات الاحتلال تطلق قنابل حارقة تجاه الأحراش في بلدة الناقورة جنوب لبنان    الملك سلمان: أسأل الله أن يديم الأمن والاستقرار على وطننا وأمتنا العربية    رئيس الأسقفية يهنئ الرئيس السيسي وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    هالة السعيد: 3.6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعا تنمويا بالغربية بخطة 23/2024    محافظ المنيا يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    كارثة بيئية فى نهر السين بفرنسا تهدد السباحين قبل انطلاق الأولمبياد    تصفية محتجزي الرهائن في مركز الاحتجاز في مقاطعة روستوف الروسية    الكرملين: بوتين لا يستبعد إجراء محادثات مع أوكرانيا لكن بشرط توفير الضمانات    "نيمار" الأقرب لحل أزمة الظهير الأيسر في الزمالك أمام المصري    "ابني متظلمش".. مدرب الأهلي السابق يوجه رسالة للشناوي ويحذر من شوبير    «العيد أحلى» داخل مراكز شباب «حياة كريمة» في البحيرة |صور    ثلاثى الأهلى فى الإعلان الترويجى لفيلم "ولاد رزق 3"    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    انتشال جثة مهندس من نهر النيل بالغربية بعد 24 ساعة من جهود البحث    كامل الوزير يتابع انتظام العمل بمرافق النقل والمواصلات    وفاة سيدة مصرية أثناء أداء مناسك الحج    "اللعب مع العيال" بطولة محمد إمام يحصد 3 ملايين ونصف منذ طرحه فى السينمات    في عيد ميلاده.. بيومي فؤاد نجومية متأخرة ومقاطعة جماهيرية    خبير تغذية يقدم نصائح لتناول لحوم عيد الأضحى دون أضرار    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    بالتفاصيل مرور إشرافي مكثف لصحة البحر الأحمر تزامنًا مع عيد الأضحى المبارك    قوات الاحتلال تعتقل 3 مواطنين جنوب بيت لحم بالضفة الغربية    ريهام سعيد: «محمد هنيدي اتقدملي ووالدتي رفضته لهذا السبب»    شاعر القبيلة مات والبرج العاجى سقط    نصائح منزلية | 5 نصائح مهمة لحفظ لحم الأضحية طازجًا لفترة أطول    إيرادات Inside Out 2 ترتفع إلى 133 مليون دولار في دور العرض    أدعية وأذكار عيد الأضحى 2024.. تكبير وتهنئة    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    الأهلي يتفق مع ميتلاند الدنماركي على تسديد مستحقات و"رعاية" إمام عاشور    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    مصدر من اتحاد السلة يكشف ل في الجول حقيقة تغيير نظام الدوري.. وعقوبة سيف سمير    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    وزيرة التضامن توجه برفع درجة الاستعداد القصوى بمناسبة عيد الأضحى    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    برشلونة يستهدف ضم نجم مانشستر يونايتد    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    إصابة شاب فلسطينى برصاص قوات الاحتلال فى مخيم الفارعة بالضفة الغربية    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    البنتاجون: وزير الدفاع الإسرائيلي يقبل دعوة لزيارة واشنطن    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى داخل ساحات الأندية ومراكز الشباب في المنيا    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    انخفاض في درجات الحرارة.. حالة الطقس في أول أيام عيد الأضحى    إعلام فلسطينى: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلى استهدف مخيم فى رفح الفلسطينية    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
محفوظ في باريس
نشر في الأخبار يوم 27 - 12 - 2011

رغم أنني أعرف استحالة بقاء الاشياء علي ماهي عليه إلا أنني أفاجأ بالتغيير في الاماكن التي ابتعدت عنها قدراً من الزمن.. محال ان يبقي شئ كما هو.
يمكن القول إن حضور نجيب محفوظ في باريس خلال الاحتفال بمئويته فاق ما تصورته وفاض بالدلالات الرمزية، عميقة المعني، فبعد أيام قليلة من هجوم رخيص شنه شخص - ويا للمفارقة - يحمل درجة دكتوراه، وينتمي إلي حزب يسمي نفسه النور وسياسته تجاه الفن والثقافة تطفيء كل شعلة ضوء، وهذا من عجائب مصر ونوادرها في ذلك الزمن، بعد وصفه بكاتب المخدرات والعاهرات حلت مئوية ميلاده، والحق أن الرد في احتفال مصر بابنها العظيم تضمن رداً علي الهجوم البذئ الذي جري غير أن الاحتفال الذي شاركت فيه تضمن محطات هامة تجسد منزلة محفوظ في العالم، في مصر، في ذاكرة الانسانية. ورغم أن الكاتب العبقري لم يزر باريس، إلا أن المدينة التي يتم من خلالها تقديم كبار أدباء العالم حتي الآن، وكأنها كشافة المواهب، كان لها صلة خاصة بمحفوظ. في صدر شبابه وبعد تخرجه، تقدم إلي منحة أعلنت عنها الجامعة للسفر الي فرنسا ونيل درجة الدكتوراه، لكنه لم يحصل علي المنحة لسبب غريب، كان بين المتقدمين مسلمون وأقباط. وحدث ان اثنين من الاقباط حصلا علي المنحة. نجيب محفوظ اسم مركب يوحي أن صاحبه قبطي، رأت اللجنة الاكتفاء باثنين، بالطبع هذا مقياس متخلف، المفروض ان يرسل الطالب علي المنحة لكفاءته العلمية، والا يكون دينه أو لونه سبباً في قبوله أو حرمانه، غير أن هذا ما جري. بالطبع لا يصح لفظ (لو) في التاريخ، لا التاريخ الشخصي ولا العام، أي لا يمكن القول لو أن نجيب محفوظ سافر الي باريس لجري ذلك وذلك. ما وقع وقع، ولا مجال لتغيير المصائر. غير أن القدر يشاء أن يكون أول غربي يقدم أدبه فرنسياً، إنه الأب جاك جومييه الراهب الدومنيكاني والباحث الشهير، أقام سنوات طويلة في مصر نزيلاً في الدير الذي كان يقوم علي أطرافها والآن يقع في قلبها بجوار مصلحة المرور بالدراسة، وبالقرب من ميدان الجيش حيث كان مقهي عرابي الذي لعب دوراً كبيراً في حياة محفوظ. اذ كان مقراً للقاء اصدقاء الطفولة الذين كان يتبسط معهم ومنه استوحي روايتين، »السراب« والتي كادت تفقده حياته إذ همس أحد أفراد الشلة في أذن زميل لمحفوظ قائلاً إنه كتب عنه رواية يصوره معقداً نفسياً وشديد التعلق بأمه ، عندئذ ذهب الزميل القديم واقتني مسدساً قرر أن يثأر به من محفوظ، واضطر الأديب الكبير الي الاختفاء عن العيون لمدة ستة شهور حتي قام بعض اولاد الحلال بالوساطة واقتنع زميل الدراسة أنه ليس المقصود، وعادت أيام الخميس تصدح بضحكات محفوظ وصحبه التي عرفتها منذ الستينيات منذ أن دعاني لحضور امسيات الصداقات الحميمة، الاب جاك جوميه اكتشف محفوظ بالصدفه عند مروره بمقهي عرابي، تعرف اليه منذ الاربعينيات ونشأت بينهما صداقة حميمة، وقد التقيت به في الستينيات. دعاني إلي زيارة الدير الذي كان يرأسه الأب جورج قنواتي وهو من كبار الدارسين للثقافة العربية وله انتاج علمي غزير، اما الاب جومييه فقد قرأ لي رسالته البديعة عن (المحمل).
كنت ازوره اسبوعياً وأقضي ساعات في المكتبة الفريدة للدير التي تضم نفائس شتي ومراجع نادرة، وقد قمت بعرض هذه الرسالة التي لم تترجم بعد الي اللغة العربية في مجلة آخر ساعة عام تسعة وستين لإعجابي بها، وله كتاب آخر عن خطبة الجمعة في الاسلام لم يترجم أيضاً إلي اللغة العربية، ومنذ عامين زرته في معزله بمدينة تولوز وأجريت معه حواراً طويلاً نشر في »اخبار الادب« وبعد شهور من لقائي به رحل عن عالمنا. الاب جاك جومييه أول من كتب عن محفوظ، قدم الثلاثية في دراسة جميلة بادر السحار إلي طبعها في مكتبة مصر.
وظهرت في كتيب صغير، وكانت أول رؤية غربية لأدب محفوظ. الناشر الفرنسي بيير برنارد مؤسس دار سندباد أول من قدم نجيب محفوظ إلي القاريء الغربي، كان ذلك في بداية السبعينيات عندما نشر رواية اللص والكلاب من ترجمة خالد عثمان، ورواية زقاق المدق، في الثمانينيات ترجمت الثلاثية وصدرت بدعم من معهد العالم العربي ضمن مشروع تبناه صديقنا السوري بدر الدين عرودكي نائب المدير الان، وقدمت جريدة لوموند للرواية بعنوان »ملك الرواية«، كان ذلك مقدمة الترشيح الي نوبل والذي لعب فيه الاساتذة الفرنسيون دوراً هاماً، أذكر منهم الاساتذة جاك بيرك وجمال الدين بن شيخ والدكتور أندريه ميكائيل -أطال الله عمره- ظل لفرنسا خصوصية في مسيرة محفوظ رغم انه لم يزرها، ولم ينزل ديارها، بعد ان لزم القاهرة، وفي عام 8891 قلده السفير الفرنسي أرفع وسام فرنسي، اللجيون دينور، والآن نقرأ أعماله في السلاسل الكلاسيكية التي تنشر ادب بلزاك ودستويفسكي وتولستوي، تلك مقدمة سريعة عن منزلة محفوظ في فرنسا، وصلته بها.
الرفيق قبل الطريق
برفقة الصديق الحميم لبيب السباعي. والشاعر الكبير، صنو العمر والدرب سيد حجاب ، سافرنا إلي باريس بترتيب بين المكتب الثقافي المصري بالسفارة الذي تقوده سيدة رائعة، الدكتورة أمل الصبان التي حلت مكان خير سلف، الدكتورة كاميليا صبح، ويبدو أن الموقع محظوظ باختيار من يديره، وقد شاهدت علي مدي عدة سنوات الجهد الذي بذلته الدكتورة كاميليا والتي تتولي الآن أمانة المجلس الاعلي للثقافة، بعد أن اختارها الوزير شاكر عبد الحميد، اما أمل الصبان استاذة اللغة الفرنسية وآدابها والمثقفة المستوعبة لتراث أمتها وللأدب الغربي، فهي شعلة من النشاط والذكاء، تقود فريق عمل محدود العدد، عميق التأثير.
في اليوم التالي لوصولي، استيقظت مبكراً، لان رسالة علمية تقدم بها الباحث التونسي، عبد العزيز ابو بكر لنيل درجة دكتوراه الدولة حول روايتي »كتاب التجليات« استغرق عمله فيها سبع سنوات، تكونت لجنة المناقشة من خمسة اساتذة يمتون الي مختلف الجامعات الفرنسية، يرأسها الاستاذ لوك ديفالس وهو اكتشاف هذه الرحلة بالنسبة لي، ليس لإتقانه الفذ اللغة العربية، إنما للرؤي الجديدة التي يفسر بها الأعمال، استغرقت المناقشة يوماً كاملاً في معهد (الاينالكو) التابع لجامعة السوربون، ويقع مقره قرب المكتبة الوطنية الحديثة التي أنشأها الرئيس فرانسوا ميتران ذو الرؤية الثقافية الثاقبة، وكان أحد مرتكزاتها علاقته بالثقافة المصرية القديمة والحديثة، ومما أشرف به رسائله التي كتبها بخط يده وفيها يبدي رأيه في روايتين صدرتا باللغة الفرنسية في الثمانينيات، (الزيني بركات) و (رسالة البصائر في المصائر)، لقد أنشأ سبعة مشاريع ثقافية كبري في المناطق المهملة من باريس، منها متحف الموسيقي وهو من المتاحف الفريدة في العالم. يتسلم الزائر سماعات الكترونية ويقف امام الآلة التي يرغب سماعها في دائرة معينة وسرعان ما تأتيه انغام البيانو أو الناي كأنه أداء حي، يمكن سماع أصوات الآلات التي انقرضت من الحضارات المختلفة، صينية ومصرية وهندية وأفريقية وغيرها، وعلي مقربة منه مدينة العلوم، وفي ميدان الباستيل أوبرا باريس الحديثة، هذه المؤسسات الثقافية اضفت حيوية علي المدينة. نتيجة الإقبال عليها. هنا يجري ربط المتحف بالتعليم، يتدفق الزائرون وتوضع برامج الزيارة علي قوائم الشركات السياحية، في القاهرة متاحف عظيمة المضمون لكنها مهجورة، مثل متحف الخزف في الزمالك الذي انشأه الوزير الأسبق الفنان فاروق حسني.
خرجت من المعهد في الرابعة بعد الظهر، اتجهت الي الحي اللاتيني حيث أقيم.
فيصل غائب
منذ سنوات طويلة أنزل هذا الفندق الصغير الذي يشغل زاوية تطل علي شارعين عتيقين ، عند دعوتي من أي جهة في باريس أطلب الحجز في الفندق العتيق القريب من الاوديون، نفس الحجرة، أو شقة صغيرة تقع في مبني مجاور يؤجرها فيصل مرزوق صاحب الفندق، أحياناً تبدي بعض الجهات دهشتها إذ يتم الحجز لي في فنادق فاخرة في الشانزلزيه، لكنني أشترط هذا الفندق الصغير والذي يقوم فيصل بتدبير إقامتي أيا كان الوضع، يكفي أن أقول له عن موعد وصولي. حتي يوفر مكان إقامتي علي الفور، وإذا كان مشغولاً يدبر لمن يقيم به مكاناً آخر ويقول له »أخي سيصل من مصر وهذا مكانه«.
للاسف لم أجد فيصل، سافر إلي تونس، والده مريض جداً ولابد أن يكون إلي جواره، إنني اخفف التعبير، إذ أنه يحتضر، العم حسن مرزوق من المجاهدين القدامي لتونس، وقد دون كفاحه من أجل الديمقراطية في كتاب سأعرض له في هذه اليوميات، ينوب عن فيصل في الفندق شاب من صحبه لا أعرف اسمه الحقيقي لكننا نطلق عليه »شكسبير« بدا حزيناً. فالعم حسن في خطر وفيصل إلي جواره، بدأ عندي فراغ، لم يحدث قط انني غبت عن مكان وعدت إليه إلا ووجدت تغيراً ما، لا يبقي شيء علي حاله، لا بد من تبدل، ورغم يقيني هذا إلا أنني أفاجأ بما يقع وكأنني أجهل حتمية التغيير مع انني عشت من التجارب ما يجعلني أتوقعه وأعتاده، افتقدت صحبة فيصل وجولاتنا الليلية بعد ان يفرغ من عمله، افقدت رقته وحضوره، وشعوري بالأمان خاصة أنني بمفردي ولو شعرت بطاريء ما أو داهمني عارض صحي فسأجد من يساعدني في شخصه، أطلب منه الا يغلق هاتفه المحمول ليلا، جميع من أعرفهم يرد عنهم »الانسر ماشين« ظاهرة الحظها في أوروبا والولايات المتحدة، الكل يختبيء خلف آلة التسجيل، وقد يتصل بعد حين أو لا يتصل، الفندق عالم بنزلائه وقصصهم وعلاقاتهم. ومنه وقفت علي تفاصيل لا حصر لها، يومياً اتصل به في قابس بتونس، أحيانا يرد، وأحياناً أترك له رسالة، لقد ألقي غيابه ظلاً.
في المركز الثقافي
يقع المركز الثقافي المصري في سان ميشيل، قلب الحي اللاتيني، ويتكون من صالة تخترقها أعمدة تحجب الرؤية عن الجالسين في الخلف. وعلي امتداد ثلاثين عاماً وربما اكثر شاركت في انشطة عديدة. الليلة افتتاح ايام محفوظ، بدأها لبيب السباعي بازاحة الستار عن معرض الصور الخاصة بأرشيف الأهرام، أقدمها يمت الي الخمسينيات، نفس الملامح التي عرفته بها عام تسعة وخمسين، صور عديدة من الحفل الذي أقامه الاستاذ هيكل بمناسبة بلوغه الخمسين، تحدث لبيب السباعي عن أيام محفوظ في الاهرام، عن الكتاب الكبار الآخرين، عن الطابق السادس، كان الاستاذ هيكل يضع الأدباء الكبار في مكانة خاصة، كان مكتبه في الرابع، وإذا أراد شيئا ما من الحكيم أو محفوظ أو أحد الكبار الذين خصص لهم هذا الطابق يصعد هو إليهم، والحقيقة إن دوره يتجاوز الرعاية الي الحماية. فبفضل علاقته الشخصية بجمال عبد الناصر وقربه استطاع ان يوفر مناخاً من الحرية طوال الستينيات في ظله أبدع محفوظ والحكيم وادريس والآخرون بدون خشية من المصادرة أو المحاسبة، هكذا ظهرت أعمال نقدية حادة لمحفوظ، بدأ بأولاد حارتنا التي ماتزال تثير جدلاً، وعندما شعر الاستاذ هيكل أن ردود فعل سلبية قد بدأت في الظهور من جانب بعض المشايخ حتي بادر الي الاسراع بنشر ما تبقي وتظل »أولاد حارتنا« التي نشرت في الأهرام مسلسلة من أكمل النصوص وأتمها، فالنسخة المنشورة في بيروت »حذف منها بعض الفقرات. إن اعمالا مثل ميرامار وثرثرة فوق النيل، واللص والكلاب، والقصص القصيرة الرائعة، ما كان ممكنا أن تنشر في ظل الرقيب الستيني لولا حضور الاستاذ هيكل في الحياة الصحفية والثقافية، والدور الثقافي للأهرام لم يدرس بعد، صور محفوظ معلقة حتي الان في المركز، شاعرنا سيد حجاب قدم امسية ازدحمت بالمصريين والفرنسيين، وفي الليلة الأخيرة تحدثت عن رفقة محفوظ حوالي نصف قرن، في المركز مدير مصري اسمه محمود اسماعيل، والي جانب نشاطه فإنه يتمتع بذاكرة لم أعرف مثلها، يصغي إلي من يتحدث بغض النظر عن المدة ثم يبدأ ترجمة ما قيل بدون العودة الي أي تدوين ولا يغفل كلمة واحدة.
محفوظ في الواجهة
المكتبات الكبري في باريس خصصت جزءا من فتارينها لعرض اعمال محفوظ في اسبوع المئوية. الروايات الكبري، الثلاثية والحرافيش تتصدر السلاسل التي تنشر الاثار الكلاسيكية الكبري، كان اسبوعاً حافلاً. لابد من تحية الذين نظموه خاصة الدكتورة امل الصبان المستشارة الثقافية. والمسئول عن العلاقات الثقافية الخارجية حسام نصار والعديد من الزملاء والعاملين في وزارة الثقافة، والمكتب الثقافي الذي يشغل طابقاً كاملاً في مبني السفارة المصرية التاريخي والذي يعكس مع غيره رساخة الدولة المصرية منذ عهد محمد علي وحتي عام سبعة وستين، خلال السنوات الاخيرة تم ترميم المبني خلال سفارة ناصر كامل الذي يستعد للعودة إلي القاهرة بعد شهور، وهو من أكفأ السفراء بالخارجية المصرية، أصبح الطابق الخاص بالقسم الثقافي كأنه متحف صغير بما فيه من نماذج للفن المصري، وحسن التنسيق، والمجلدات النادرة للكتب القديمة.
لقاء في بلفيل
داليا حسن مصرية من الاسكندرية هاجرت إلي فرنسا منذ عدة سنوات وتعمل مع مؤسسات ثقافية فرنسية لتقديم الادب العربي عامة، والمصري خاصة. وتتولي أعمال التنسيق في واحد من أهم مهرجانات فرنسا الثقافية، المارثون الادبي الذي يعقد في تولوز عندما أبلغتني بدعوة المصريين المنخرطين في جمعية 52 يناير والتي تعقد اجتماعاتها الدورية في مقهي بالحي الشعبي (بلفيل) رحبت علي الفور وألغيت ارتباطاتي كافة، طبعاً الاوضاع الحالية فرضت نفسها. وانعكس ذلك علي النقاش الحاد الذي جري فيه اتفاق واختلاف، غير أنني شعرت بما يعتمل في النفوس، القلق الشديد علي الوطن الذي اضطروا الي مفارقته، ورغبتهم في المشاركة بالمواقف والمؤازرة للثورة وللثوار، تلك امسية لا تنسي بكل ما حوت. وانني لاعتز بما امضيته من وقت ثمين بصحبتهم، اما مشاكلهم مع التصويت في الانتخابات فسوف اشرحها بالتفصيل في عمودي اليومي »عبور«.
من ديوان النثر العربي
قال نجيب محفوظ في ختام خطابه امام لجنة نوبل.
سادتي:
رغم كل ما يجري حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتي النهاية، لا أقول مع الفيلسوف كانت إن الخير سينتصر في العالم الاخر، فإنه يحرز نصراً كل يوم، بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير، وأمامنا الدليل الذي لا يجُحد، فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذم من البشر الهائمة علي وجهها عرضة للوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والانانية. اقول لولا النصر الغالب للخير ما استطاعت البشرية أن تنمو وتتكاثر وتكون الامم وتكشف وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الانسان، غاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت وأن الانسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره، وقد صدق شاعرنا ابوالعلاء عندما قال:
إن حزناً في ساعة الموت أصفا.
ف سرور في ساعة الميلاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.