لا أعرف مدى صلتي الوثيقة برواية إحسان عبد القدوس المسماة ب"أنف وثلاث عيون"، فلقد قرأتها مرة واحدة فقط منذ عشرين سنة تقريباً حينما كنت طالباً بقسم اللغة العربية، ولم أقرأ لصاحبها سوى هذه الرواية باعتباري من حزب العم نجيب محفوظ، ورغم ذلك فأنا أجدني مراراً وتكرراً أستشهد بأحداثها حينما أعلق على حالة مصر السياسية والاجتماعية طوال فترة الانتخابات. ووفقاً لهذه الرواية التي تحدثت عن أنف واحدة وثلاثة من العيون، فلقد عزمت ومجموعة من أصدقائي وزملائي من المهمومين أي المهتمين بحالة مصر الراهنة أن ننشئ صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك تقيم حالة من الحوار المستدام حول كيفية فك العمل الذي صنع خصيصاً لمصر وهو صناعة غير صينية هذه المرة، فالصين دولة تعمل وتبحث وتميل للحركة التي لا يتبعها السكون والخمول والكسل، لكنه مما لاشك فيه عمل محلي الصنع، ولأنني وغيري من أصحاب الصفحة لا نعلم الرجل أو المرأة التي عقدت هذا العمل لمصر فقررنا مشاركة القراء أيضاً في البحث عن مكان العمل السحري الخبيث وصانعه والذين ذهبوا إلى صانعه من أجل إعداده. فما إن هدأت المرحلة الأولى من الانتخابات على خير وسلامة وكانت التوقعات في محلها بأن التيارات الإسلامية ستحصد عدداً لا بأس به من مقاعد البرلمان القادم، حتى عادت جماعة الإخوان المسلمين من جديد لتكشر عن أنيابها في وجه النظام الساسي، أي نظام سياسي، وهذه المرة تمثل النظام السياسي في المجلس العسكري الذي أقر بعض أعضائه بأنه لا يجوز للأغلبية البرلمانية أن تشكل الحكومة الجديدة، رغم أن الحكومة الحالية نفسها لم تستطع حتى اللحظة الآنية دخول مقرها الرئيسي، ومع ذلك قرر الإخوان فجأة توالي الأيام والليالي المقبلة وقاموا بإنهاء عمل الحكومة الجديدة برئاسة د. كمال الجنزوري التي لم تبدأ عملها بعد. ولكن طبيعة العمل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين تفرض عليهم تاريخياً استشراف المستقبل واستباق الأحداث ومن ثم فإن رهان الصدام مع النظام السياسي أمر متوقع لا يعتريه الغموض أو الشك أو التكذيب. وقديماً كنت أتعجب كثيراً من أن المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين - والذين تربطني بهم حتى كتابة هذه السطور صداقة عميقة بل أعترف بأنني تتلمذت على أيدي بعضهم أثناء دراستي الجامعية وما تلتها من دراسات عليا حتى الحصول على درجة الدكتوراه - رغم أنهم يتمتعون تاريخياً بسمات الصبر والانتظار والترقب لما فرضته عليهم الأنظمة السياسية قديماً من حظر ومنع وغياب طويل، إلا أنهم في الفترة الأخيرة تخلوا عن هذه السمات التي ميزتهم كحركة سياسية ذات مرجعية دينية، فقديماً كانت الجماعة تنتظر الأحداث ولا تصنعها أما اليوم فالرفض أصبح جاهزاً والتصادم المباشر بات سلاحاً حصرياً تستخدمه الجماعة وحدها دونما منازع. وأنا أرى أن جماعة الإخوان ترتكب خطأ سياسياً سيجله التاريخ، وهذا الخطأ سيتمثل في الأيام المقبلة حيث ستهتم الجماعة بقضية تشكيل الحكومة التي بلا شك ستهرب من بين أناملهم مرور الماء، وسيغيبون طويلاً في حضرة تعديل الدستور والذي لن تعدله الأغلبية، وهذا بالتأكيد سيعود سلباً على الاهتمام بالإعداد للمراحل المتبقية من الانتخابات البرلمانية وهذا أمر أراه متوقعاً لا يعلمه إلا مالك الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. كن لسبب أو لآخر سيتوقف قطار الإخوان أكثر من مرة في الجولات المقبلة للانتخابات لأنهم سينشغلون طويلاً بتشكيل الحكومة وتعديل الدستور وربما الاعتراض على المجلس الاستشاري وصلاحياته وأعضائه وانتماءاتهم المتباينة. وما إن نفرغ من إخواننا الإخوان حتى نكتشف أن أصدقاءنا السلفيين يحصدون نجاحهم غير المتوقع في الجولة الأولى من الانتخابات، وهذا سيدفعهم إلى مزيد من العمل والدعاية والاهتمام بحشد المواطنين للإدلاء باتجاههم، والمهمة أعتقد أنها لن تكون سهلة في الجولات المقبلة، فالمواطن البسيط والعادي بدأ يشعر أن هناك مؤسسة تعي أمره أقصد المجلس العسكري، والمواطن الذي لم يعد بسيطاً ولا عادياً بدأ هو الآخر يدرك أن حكومة الإنقاذ قد تبدو مختلفة عن مثيلاتها التي ذهبت منذ أن أتت لذا فهو حلم بدولة مدنية لا تقيم محاكم تفتيش على جهاز استقبال القنوات الفضائية الذي يمتلكه، ولا تفرض عليه سياسة لم يشارك فيها ولم يضع حتى خطوطها العريضة. ناهيك عن فوز بعض الليبراليين والمنتمين للكتلة المصرية في الجولة الأولى من الانتخابات وذهاب حزب الكنبة الصامت ليعلن نفسه كل ذلك سيمثل تحدياً في محافظات قد يظن التيار السلفي أنها رهن إشارته وملك يمينه والصناديق ستدلل على ذلك بالإيجاب أم بالسلب. كل هذا يحدث في بر مصر وهذا حراك سياسي أراه وغيري ناجحاً من ناحية الشكل دون الولوج في مضامينه العلنية والمستترة، ولكن كانت مصر على موعد منتظر لظهور التيار الشيعي فيها من جديد، ومصر بحكم كونها كانت فاطمية لعقود طويلة فهي تحفظ لآل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) رصيداً كافياً للمحبة والاحترام والتقدير، ولكن الظهور الجديد للتشيع في مصر في نسخته بعد الثورة تأبى الاحتجاب ومجرد التشدق بالحكايات والمواقف التي تظهر هذا الولع لأهل التشيع والبيت، بل تريد أن تقيم شعائرها الشيعية على مرأى ومسمع من الجميع من أهل المحروسة، وليست المساحة كافية لذكر هذه الشعائر التعبدية والتي أتعجب من لفظة شعائر وكأن الإسلام في شاطئ وأهل الشيعة في شاطئ آخر ولكن هذه حقيقة ملموسة يمكن أن نراها في جنوب لبنان وبعض دول الخليج العربي وإيران طبعاً والتي معظمها تختلف عن كنه وجوهر الإسلام عقيدة وشريعة. وكأن البلاد كانت في حاجة لظهور جديد، فمصر الآن بها كتلة مصرية وكأننا في دولة إسكندافية ليست مصرية فالكتلة بالطبع لابد وأن تكون مصرية، وبها الإخوان، والتيارات السلفية، وقوائم الكنيسة المصرية، وشباب التحرير الرافض، وبعد ذلك كنا بحاجة لمولود جديد يطل علينا لينعم الحالة السياسية والدينية والمجتمعية في مصر. وربما سيطل علينا بعد أيام وفود جدد من القاديانية والبهائية والبابية وكل منها يريد الحضور الفعال في الحراك السياسي والاجتماعي في مصر، وفعلاً كما قال الشاعر أحمد فؤاد نجم "مصر يا ولَّادة"، فهي تأبى أن يكون لها وليد وحيد بل هي تتفاخر بالتكاثر والتنوع، ولم يكذب المثل المصري القديم الذي يفيد بأن الذي بنى مصر كان في أصله حلواني، لذا فتجد بها كل صنوف الحلويات وتجد لكل صنف منها من يشتهيها. لا أعرف مدى صلتي الوثيقة برواية إحسان عبد القدوس المسماة ب"أنف وثلاث عيون"، فلقد قرأتها مرة واحدة فقط منذ عشرين سنة تقريباً حينما كنت طالباً بقسم اللغة العربية، ولم أقرأ لصاحبها سوى هذه الرواية باعتباري من حزب العم نجيب محفوظ، ورغم ذلك فأنا أجدني مراراً وتكرراً أستشهد بأحداثها حينما أعلق على حالة مصر السياسية والاجتماعية طوال فترة الانتخابات. ووفقاً لهذه الرواية التي تحدثت عن أنف واحدة وثلاثة من العيون، فلقد عزمت ومجموعة من أصدقائي وزملائي من المهمومين أي المهتمين بحالة مصر الراهنة أن ننشئ صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك تقيم حالة من الحوار المستدام حول كيفية فك العمل الذي صنع خصيصاً لمصر وهو صناعة غير صينية هذه المرة، فالصين دولة تعمل وتبحث وتميل للحركة التي لا يتبعها السكون والخمول والكسل، لكنه مما لاشك فيه عمل محلي الصنع، ولأنني وغيري من أصحاب الصفحة لا نعلم الرجل أو المرأة التي عقدت هذا العمل لمصر فقررنا مشاركة القراء أيضاً في البحث عن مكان العمل السحري الخبيث وصانعه والذين ذهبوا إلى صانعه من أجل إعداده. فما إن هدأت المرحلة الأولى من الانتخابات على خير وسلامة وكانت التوقعات في محلها بأن التيارات الإسلامية ستحصد عدداً لا بأس به من مقاعد البرلمان القادم، حتى عادت جماعة الإخوان المسلمين من جديد لتكشر عن أنيابها في وجه النظام الساسي، أي نظام سياسي، وهذه المرة تمثل النظام السياسي في المجلس العسكري الذي أقر بعض أعضائه بأنه لا يجوز للأغلبية البرلمانية أن تشكل الحكومة الجديدة، رغم أن الحكومة الحالية نفسها لم تستطع حتى اللحظة الآنية دخول مقرها الرئيسي، ومع ذلك قرر الإخوان فجأة توالي الأيام والليالي المقبلة وقاموا بإنهاء عمل الحكومة الجديدة برئاسة د. كمال الجنزوري التي لم تبدأ عملها بعد. ولكن طبيعة العمل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين تفرض عليهم تاريخياً استشراف المستقبل واستباق الأحداث ومن ثم فإن رهان الصدام مع النظام السياسي أمر متوقع لا يعتريه الغموض أو الشك أو التكذيب. وقديماً كنت أتعجب كثيراً من أن المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين - والذين تربطني بهم حتى كتابة هذه السطور صداقة عميقة بل أعترف بأنني تتلمذت على أيدي بعضهم أثناء دراستي الجامعية وما تلتها من دراسات عليا حتى الحصول على درجة الدكتوراه - رغم أنهم يتمتعون تاريخياً بسمات الصبر والانتظار والترقب لما فرضته عليهم الأنظمة السياسية قديماً من حظر ومنع وغياب طويل، إلا أنهم في الفترة الأخيرة تخلوا عن هذه السمات التي ميزتهم كحركة سياسية ذات مرجعية دينية، فقديماً كانت الجماعة تنتظر الأحداث ولا تصنعها أما اليوم فالرفض أصبح جاهزاً والتصادم المباشر بات سلاحاً حصرياً تستخدمه الجماعة وحدها دونما منازع. وأنا أرى أن جماعة الإخوان ترتكب خطأ سياسياً سيجله التاريخ، وهذا الخطأ سيتمثل في الأيام المقبلة حيث ستهتم الجماعة بقضية تشكيل الحكومة التي بلا شك ستهرب من بين أناملهم مرور الماء، وسيغيبون طويلاً في حضرة تعديل الدستور والذي لن تعدله الأغلبية، وهذا بالتأكيد سيعود سلباً على الاهتمام بالإعداد للمراحل المتبقية من الانتخابات البرلمانية وهذا أمر أراه متوقعاً لا يعلمه إلا مالك الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. كن لسبب أو لآخر سيتوقف قطار الإخوان أكثر من مرة في الجولات المقبلة للانتخابات لأنهم سينشغلون طويلاً بتشكيل الحكومة وتعديل الدستور وربما الاعتراض على المجلس الاستشاري وصلاحياته وأعضائه وانتماءاتهم المتباينة. وما إن نفرغ من إخواننا الإخوان حتى نكتشف أن أصدقاءنا السلفيين يحصدون نجاحهم غير المتوقع في الجولة الأولى من الانتخابات، وهذا سيدفعهم إلى مزيد من العمل والدعاية والاهتمام بحشد المواطنين للإدلاء باتجاههم، والمهمة أعتقد أنها لن تكون سهلة في الجولات المقبلة، فالمواطن البسيط والعادي بدأ يشعر أن هناك مؤسسة تعي أمره أقصد المجلس العسكري، والمواطن الذي لم يعد بسيطاً ولا عادياً بدأ هو الآخر يدرك أن حكومة الإنقاذ قد تبدو مختلفة عن مثيلاتها التي ذهبت منذ أن أتت لذا فهو حلم بدولة مدنية لا تقيم محاكم تفتيش على جهاز استقبال القنوات الفضائية الذي يمتلكه، ولا تفرض عليه سياسة لم يشارك فيها ولم يضع حتى خطوطها العريضة. ناهيك عن فوز بعض الليبراليين والمنتمين للكتلة المصرية في الجولة الأولى من الانتخابات وذهاب حزب الكنبة الصامت ليعلن نفسه كل ذلك سيمثل تحدياً في محافظات قد يظن التيار السلفي أنها رهن إشارته وملك يمينه والصناديق ستدلل على ذلك بالإيجاب أم بالسلب. كل هذا يحدث في بر مصر وهذا حراك سياسي أراه وغيري ناجحاً من ناحية الشكل دون الولوج في مضامينه العلنية والمستترة، ولكن كانت مصر على موعد منتظر لظهور التيار الشيعي فيها من جديد، ومصر بحكم كونها كانت فاطمية لعقود طويلة فهي تحفظ لآل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) رصيداً كافياً للمحبة والاحترام والتقدير، ولكن الظهور الجديد للتشيع في مصر في نسخته بعد الثورة تأبى الاحتجاب ومجرد التشدق بالحكايات والمواقف التي تظهر هذا الولع لأهل التشيع والبيت، بل تريد أن تقيم شعائرها الشيعية على مرأى ومسمع من الجميع من أهل المحروسة، وليست المساحة كافية لذكر هذه الشعائر التعبدية والتي أتعجب من لفظة شعائر وكأن الإسلام في شاطئ وأهل الشيعة في شاطئ آخر ولكن هذه حقيقة ملموسة يمكن أن نراها في جنوب لبنان وبعض دول الخليج العربي وإيران طبعاً والتي معظمها تختلف عن كنه وجوهر الإسلام عقيدة وشريعة. وكأن البلاد كانت في حاجة لظهور جديد، فمصر الآن بها كتلة مصرية وكأننا في دولة إسكندافية ليست مصرية فالكتلة بالطبع لابد وأن تكون مصرية، وبها الإخوان، والتيارات السلفية، وقوائم الكنيسة المصرية، وشباب التحرير الرافض، وبعد ذلك كنا بحاجة لمولود جديد يطل علينا لينعم الحالة السياسية والدينية والمجتمعية في مصر. وربما سيطل علينا بعد أيام وفود جدد من القاديانية والبهائية والبابية وكل منها يريد الحضور الفعال في الحراك السياسي والاجتماعي في مصر، وفعلاً كما قال الشاعر أحمد فؤاد نجم "مصر يا ولَّادة"، فهي تأبى أن يكون لها وليد وحيد بل هي تتفاخر بالتكاثر والتنوع، ولم يكذب المثل المصري القديم الذي يفيد بأن الذي بنى مصر كان في أصله حلواني، لذا فتجد بها كل صنوف الحلويات وتجد لكل صنف منها من يشتهيها.