وفي كل محفل أصبح العالم لا يري من العرب إلا الشقاق والاختلاف• ولكن علي ما يبدو لم يصل صوتي لأي من العرب ، كما لم يصل صوتهم إلي أوباما، فقرر الرجل أن يأتي إليهم ويخاطبهم بنفسه ، وكان موفقا جدا في اختياره أو ربما الاختيار كان لحكومتنا أن يخاطب الرئيس الأمريكي العالم العربي والإسلامي يوم الخميس 4 يونيو الجاري من قلب جامعة القاهرة إحدي أهم وأعرق منارات العلم في مصر• والحقيقة أنني شعرت وأنا أري جامعة القاهرة تعج خلال الأيام الماضية بأمن رئاسة الجمهورية بأن كلمة أوباما التي سيوجهها من هذا المنبر تستحق كل هذا الاهتمام•• لأن العالم العربي يقف علي أبواب مرحلة فاصلة وخطيرة ، ويمكن لهذا الخطاب أن يكون تاريخيا إذا ما صدقت نوايا أوباما في طرح استراتيجية جديدة للتعامل بين الولاياتالمتحدة والعرب ، بعد التدهور والشتات اللذين شهدتهما هذه العلاقات في عهد سلفه جورج دبليو بوش ، ولو صدقت توقعات المحللين بأن أوباما سيطرح حلا جذريا للقضية الفلسطينية التي تزداد تعقيدا مع كل إدارة أمريكية رغم الوعود البراقة التي كثيرا ما سمعها العرب والفلسطينيون تحديدا علي لسان رؤساء أمريكا وهم يبدأون سنوات الحكم في البيت الأبيض• سيقول البعض إن مجرد مجيء أوباما إلي مصر ، وتوجيهه هذا الخطاب من جامعة القاهرة إلي العالم الإسلامي سيشكل بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين الشرق الغارق في المشكلات والأزمات منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م من جهة والغرب الذي تقوده أمريكا حاليا من جهة أخري، ولكن هذا التحليل قد لا يبدو متأنيا أو منطقيا إذ إن مجرد إلقاء أوباما لخطاب سياسي من القاهرة لن يغير الكثير من الحقائق علي الأرض ، وفي صدارتها حقيقة تقسيم الولاياتالمتحدة العالم العربي إلي دول (معتدلة) وأخري (مارقة) ، أو حقيقة وصول حكومة متطرفة إلي سدة الحكم في إسرائيل وعلي رأسها الثلاثي الدموي المتطرف نتنياهو وباراك وليبرمان ، وكذلك تفشي ثقافة الدم والعنف في عدد غير قليل من الدول العربية جراء سياسات جورج بوش الفاشلة فيما أسماه (الحرب علي الإرهاب) والتي سقط العراق بسببها في دوامة من العنف الدموي لن تنتهي لسنوات قادمة ، وكان طبيعي أن يتسرب العنف إلي العديد من دول المنطقة العربية التي أصبح الأمن هو هاجسها الأول والأخير• إذن••مجيء أوباما الي مصر يمكن في حد ذاته أن يكون فرصة مهمة لإعادة النظر في الكثير من الأمور الشائكة علي الساحة العربية فيما يتعلق بقضايا المنطقة ومشكلاتها ، وكذلك في العلاقات بين العرب وأمريكا ، ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تسفر عن نتائج كارثية لو لم يستطع أوباما بخطابه المزمع تغيير الرأي العام العربي علي المستويين الرسمي والشعبي ، ولو فشل أيضا في تغيير سياسات الحكومة الإسرائيلية العدوانية تجاه العرب والفلسطينيين ، كما سيحتاج أوباما قبل مجيئه إلي القاهرة أن يقنع أفراد إدارته بأن تغيير مواقف واشنطن من العرب أصبح أمرًا لا مفر منه إذا أرادت أمريكا أن تزيل تلك الصورة السوداء التي رسمها لها جورج دبليو بوش وشلته من العصابة التي حكمت البيت الأبيض خلال السنوات الثماني الماضية• فأهلا بالرئيس الأمريكي أوباما في مصر وهو في الشهر الخامس لحكمه ، وأهلا بندائه إلي العرب والمسلمين مادام هذا النداء سيعطي للعرب حجمهم الحقيقي ، وسيحترم وزنهم الفعلي في المجتمع الدولي ، حتي ولو كانوا مشتتين وبلا صوت واحد يجمعهم ويعبر عن قضاياهم حتي يومنا هذا•