-كما أوضح فضيلته- رفض الدين، وحصاره داخل دور العبادة، وأنها أيضًا ضد كل الأديان.. نافيًا فى الوقت نفسه أن يجتمع الإسلام والعلمانية فى قلب مسلم. كنت وقتها كائنًا إسلامىًا جدًا، أواظب على الصلوات فى مواقيتها، وفى جماعتها بمسجدنا الصغير على شط الرشاح -سابقًا- شارع عمر المختار -حاليًا- بل وبلغ بى الإسلام شأوًا عظيمًا، إذ شرفت بخطبة الجمعة والصلاة بالناس إمامًا، ولم يتجاوز سنى وقتها الثامنة عشر من العمر.. وكنت منتميًا لمدرسة المرحوم الشيخ عبد الحميد كشك، فى التهيج السياسى، وأتحين الفرص لإلقاء خطبة دينية ذات نكهة سياسية. إلى أن سار بى الزمان اللئيم إلى يسار الشطط، وقد تبنيت فى محنتى أن شر الأمور الوسط.. وأصبحت كائنًا لا إسلاميًا، ولا مدنيًا، عوان بين ذلك، أبحث عن أسئلة لا تلقى الإجابات، ولا تسر المسئولين!! عرفت أن الجهل بهذه المصطلحات، أودى بكثيرين وأنه فى عشرينات القرن العشرين، رشح أستاذ الجيل - وقتها- أحمد لطفى السيد نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ -تقريبًا- وتفتق ذهن منافسة عن حيلة قوية لضربه فى مقتل، وأشاع بخبث فلاحى، أن الأستاذ، والعياذ بالله ديمقراطى، ويقول للناس: إذا كنتم تريدون ترك الإسلام، واعتناق الديمقراطية فانتخبوه.. وكان الأستاذ وقتها غائبًا فى القاهرة. إلى أن حضر إلى قريته، وفى سرادق أعد لانتخابه، كانت كل الأسئلة تدور حول معنى واحد.. هل أنت - والعياذ بالله- ديمقراطى؟! وكانت إجابة الأستاذ واضحة صريحة: نعم.. أنا ديمقراطى وسأظل مؤمنًا بالديمقراطية طول حياتى!! وكانت النتيجة، إحتراق سرادق الانتخاب، وتأمين الترشيح الذى لم يسترد. وبقيت الحادثة، نادرة نتندر بها على الجهل بالمصطلحات السياسية، والخلط بين الشيعة والفرقة الإسلامية والشيوعية - المذهب الفلسفى الاقتصادى - أو الاشتراكية والمشركون -الكفار يعنى- وبعد رحلة مع اليسار، وصلت إلى أن الليبرالية هى الحل، والليبرالية لمن لا يعرف، ليست عيبًا، ولا حرامًا.. ربما لم تصدر فتوى تكفير لمعتنقها بعد، وإنما هى الإيمان بالحرية الفردية، والتغيير التدريجى، واستخدام آليات الديمقراطية فى التغيير السياسى.. إلا أنها أيضًا مذهب الحريات الفردية فى مقابل الديمقراطية بصفتها مذهب إعلاء رأى المجموع على رأى الفرد.. وفى النهاية تحت مظلة العلمانية.. التى لا تعنى الكفر والإلحاد قدر ما تعنى احترام كل العقائد، وكل الأديان، وتقف فقط فى وجه دعاة التعصب الدينى، والتطرف لأى دين، وتطالب بفصل الدين فعلاً عن السياسة، لأن السياسة فن الممكن، ومن الممكن أن نلعب بورقة الدين للحصول على امتياز سياسى.. كما يفعل دعاة الإسلام السياسى.. بينما الدين ليس فنًا، إنه عبادة، ومعاملات، وأخلاقيات عقيدة أيًا كانت وشريعة كيفما تكون فكيف يجتمع الدين -أى دين- مع السياسة -أية سياسة- ولا ينتج وعيًا طائفيًا. إن العلمانية بوصفها سياق عام شامل يرفض الخرافة، ويدعم العقلانية، يرفض التعصب لدين أو عرق أو لون، أو جنس ويدعم التسامح وقبول الآخر.. تصبح حماية الدين من الاستغلال السياسى، وأعود إلى مسيرتى الشخصية، التى حطت رحال أفكارها على شواطىء الليبرالية والعلمانية.. لأقول إن للدين -أى دين- رب -أى رب- يحميه، ولكن للوطن -أى وطن- شعب -أى شعب- يحميه. فهل ثمة تعارض بين الدين والوطن؟! نعم.. فالوطن يتسع لكل الأديان، أما الدين، فلا يتسامح مع الآخر المختلف معه ولا يعترف به الوطن يحتمل أن يحكمه شعبه، لكن الدين لا يحتمل إلا أن يحكمه ربه ويتبعه معتنقيه الوطن يتسع لتيارات سياسية متعارضة، ويحكمه رأى الأغلبية من أبناء -أو هكذا ندعى- بينما الدين، لا يتسع لفرق دينية مختلفة، وإن إدعت الحيث باسمه. فصل الدين عن السياسة مكسب للدين حتى يكون بمنأى عن هوى السياسيين، ومأمن من ألاعيب الدهانات السياسية.. والعلمنة ليست عقيدة، ولا دينًا.. ولكنها منهج فلسفى يعتمد على العقل والتجريب، والحرية. فهل مازلت تشك فى أن العلمانية ضد الدين؟! إذا كنت تشك فتأكد أن دعاة التدين هم الذين يقفون ضد العلمانية، لأنهم يظنون الدين هم.. وأنهم الدين!!