صلاح يقود التشكيل المتوقع للمنتخب في مواجهة جنوب إفريقيا بكأس الأمم    محمود عاشور ضمن الطاقم التحكيمي لمباراة السنغال والكونغو في أمم إفريقيا    الطرق المغلقة اليوم بسبب الشبورة.. تنبيه هام للسائقين    وسائل إعلام فلسطينية: غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 ديسمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    ترامب: نفذنا ضربات قوية ضد «داعش» في نيجيريا    وفاة كبير مساعدي كيم جونج أون والزعيم ينعاه    إخماد حريق غية حمام امتد لسطح عقار بمنشأة ناصر    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    100 مليون في يوم واحد، إيرادات فيلم AVATAR: FIRE AND ASH تقفز إلى 500 مليون دولار    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    مصدر سوري يرجح توقيع اتفاق أمني سوري إسرائيلي قريبا    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    حريق هائل في عزبة بخيت بمنشية ناصر بالقاهرة| صور    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إن كنت ناسي أفكرك
نشر في صباح الخير يوم 15 - 06 - 2010

كنت أخطط أن أحدثكم في هذه المقدمة عن الكلمات المبدعة التي كتبها محمد علي أحمد في أغنياته التي شاركت في صنع الوجدان المصري بما تحويه من مشاعر فياضة انصبت في وجداننا وعيا ورقة..
ولكن الكنز الذي أتت به الزميلة مني فوزي.. جعلني ألتفت إليه وأترك جانبا جمال «إن كنت ناسي أفكرك» ل «هدي سلطان» و«علي قد الشوق» لعبدالحليم.. «وبين شطين ومية» لمحمد قنديل و«فدادين خمسة» لفرقة رضا.
نعم تركت الحديث عن كل هذه الأغاني لأتوقف معكم عند هذا المشهد الإنساني العظيم.. مشهد الصداقة النادرة بين محمد علي أحمد والشاعر السكندري الكبير محمود الكمشوشي. الشاعران الكبيران كان يجمعهما حب الشعر وهواية تربية الحمام.. فقاما بدمج الهوايتين بشكل شديد الشاعرية.
لقد كشفت الزميلة مني فوزي عن أنهما كانا يتبادلان «الأزجال» عن طريق «الحمام الزاجل» الذي ينتقل بين الصديقين من القاهرة إلي الإسكندرية - وبالعكس - حاملا رسائل تؤرخ لمشاعرهما ولخط سير حياة كل منهما.
الكنز الذي بين يدي والذي زودتنا به «ليالي» ابنة الشاعر الكبير عبارة عن «أجندة» دون فيها شاعرنا هذه الأزجال المتبادلة بخط يده وكل زجل منها مؤرخ بتاريخ إرساله أو بتاريخ استقباله.
إن هذه الأزجال تؤرخ لصداقة عميقة بين شاعرين كبيرين ومن أجمل ما عرفته منها أن محمود الكمشوشي أنجب ولدا أسماه «محمد علي» تيمنا باسم صديقه.. وقد أخبره بهذا في أحد الأزجال قائلا: وصل «محمد علي» بزيطة وهليلة بعد انتظاري تسعة أشهر وكام ليلة مولود مفتح وحب النن في عيونه الله يصونه ويحفظ مركز العيلة بيبص لي ويلاغيني بلهجة مفهومة ويبتسم لما أقوله شطرة منظومة وأوأته توزنها تطلع «فاعلن فعلن» ولو تنغمها تديله نيشان ثومة.. وصل محمد علي الأول.. لأ الثاني الأول انت وانت أوفي خلاني قدمت اسمك هدية لابني في سبوعه من بهجته وفرحته بالشكر وصاني وهنا يرد عليه محمد علي أحمد قائلا: وصل محمد علي يا زينه عاش من جاب من صلب فنان وفنه ما يغلبوش غلاب راح الحسود وانتهي وصام وصلي وتاب قادر كريم يحرسه ويصونه لأمه وابوه جابوا الفرح والهنا وذكري للأحباب ... شرفتني لما أهديت اسمي للغالي دا فرع شجرة غالية وفرعها عالي هنيت خيالي وفؤادي وانشرح بالي لو كنت تسمح لي اتبناه أكون ممنون من مُدة باطلب ولد.. آدي الولد جالي وتستمر المساجلات الراقية ويرسل محمود الكمشوشي زجلا يقطر جمالا وعذوبة علي لسان ابنه «محمد علي الصغير» إلي صديقه «محمد علي الكبير».. لقد قضيت مع هذه الأزجال والمشاعر والمواقف الكثير من اللحظات المليئة بالمتعة.. والشجن، وللأمانة.. لم يخرجني من هذه الحالة سوي سؤال.. ربما أجد له إجابة قريبا.
كيف سارت الحياة ب «محمد علي الصغير»؟!
جمال بخيت

محمد علي أحمد: بين البوليس والشعر.. والحمام الزاجل
قد تتعجب عزيزي القارئ من هذا الشاعر الذي كانت حياته الخاصة والمهنية والعامة يربطها «عصب» واحد لا يحيد عنه.
كان «العصب» هو الشعر، وذلك علي الرغم من أنه درس بكلية البوليس، وتخرج فيها، وعمل كضابط بوليس حتي وصل إلي رتبة «اليوزباشي» إلا أن الشعر قد خطفه، وعاش بقية حياته ومات وهو شاعر من أجمل الشعراء الذين مروا علي هذا الوطن.
ولد محمد علي أحمد في 2/7/1914 ورحل عنا في أول مارس 1977.
وبين هذين التاريخين تألق هذا الشاعر النادر مع كوكبة من نجوم هذا الزمن وعدد كبير من الأغاني التي غناها معظم مطربي العصر.. كارم محمود، محمد قنديل، كمال حسني، حليم، محمد فوزي، أحلام، حورية حسن، نجاة علي، فايزة أحمد، التلباني، عبدالمطلب، شادية، سعاد محمد، شريفة فاضل، مها صبري، فايزة كامل، وردة الجزائرية، ليلي مراد، صباح، عبدالعزيز محمود. عاش محمد علي أحمد ودرس في الإسكندرية، إلا أنه وبعد تخرجه انتقل إلي القاهرة ليعمل عدة أعوام في «قلم المرور» إلي أن نقل ليعين سكرتيراً عاما للمجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب الذي سمي بعد ذلك بالمجلس الأعلي للثقافة، وكان يرأس المجلس آنذاك يوسف السباعي، والذي كان صديقاً شخصياً وكان له الفضل كذلك في تعيينه في هذا المنصب ليظل طوال حياته يعمل به. أما أول من تنبأ له بالمستقبل الشعري فهو الشاعر الكبير علي الجارم الذي كان يدرس له أثناء المرحلة الثانوية.
- علي قد الشوق
أعود فأقول إن الشعر كان عصب حياة محمد علي أحمد، مثلما كتب برومانسية شديدة مثلا علي قد الشوق لحليم، وكذلك كلمات أغان فيلم لحن الوفاء بطولة عبدالحليم وشادية، و«علي باب الهوي دقيت» لوردة الجزائرية «أنا زي ما أنا وأنت بتتغير» ليلي مراد» «بحبك قوي وأعزك قوي» لشادية، «بين شطين وميه» محمد قنديل.
لم تقتصر رومانسيته علي الكتابة فقط، بل إنه تزوج عن قصة حب عنيفة، من السيدة «اعتدال» التي عرفت بالسيدة سعاد، كانت صديقة لشقيقته، وكانت تعيش في المنصورة، فما أن تعلق بها إلا وبدأت زياراته إلي بلد المحبوب، تزداد يوما بعد يوم، إلي أن قرر أن يتقدم لخطبتها فرفضته أسرتها حيث إن شقيقاتها قد تزوجن من أعيان البلد وأثريائها، وكان شاعرنا لا يملك سوي شبابه وقلمه ورومانسيته، وأمام إصرار محمد علي أحمد وعشق اعتدال له، تم الزواج ليستقر بعد شهرته بفيللا أعلي بناية سكنية بشارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة. لم تنته قصة الحب بالزواج، كما يعتقد كثيرون، إلا أنها استمرت، وأثبتت استمرار حرارتها طوال رحلة الحياة، حتي عندما كانت تغيب السيدة اعتدال عنه لسبب أو لآخر في مثل أن تسافر لزيارة عائلتها بالمنصورة كان يرسل لها برسائل الحب الملتهبة، وكذلك عندما سافرت إلي العراق لشراء مستلزمات زواج ابنتهما الكبري، حيث كان يعيش شقيقها، وهناك تعطلت حركة الطيران واضطرت الزوجة إلي البقاء هناك بضعة أيام لا تعلم متي ستأتي.. وقتها أرسل لها العديد من الرسائل الملتهبة.
-البيض الأمارة
لم تتوقف رومانسية محمد علي أحمد عند هذا الحد، بل تابعوا معي أسماء أولاده وماذا أطلق عليهم.. أماني ولدت عام 43، أغاني عام 44، أفكار عام 45، أحلام عام 47، أشواق عام 49، أحمد عام 51، أسرار 53، وأخيرا ليالي عام 55.
أي أن حياته الخاصة وعمله كانا عجينة واحدة، شديدة الرومانسية وشديدة الاكتمال، فقد التأمت دائرة مشوار حياته ليطلق علي بناته أسماء هي من قاموس أغانيه.
أحمد محمد علي أحمد الآن لديه فتاتان، ويعيش في نفس المنزل الذي كان يعيش فيه والده، قال لي: «لقد كان أبي شديد التفتح والتطور، فأذكر أنني عندما حصلت علي الثانوية العامة كنت أريد أن التحق بالكلية الحربية، ولكن ولظروف الحرب آنذاك رفضت أمي رفضا باتاً، بل إنها مرضت لتصيبنا بالشلل وعدم القدرة علي التفكير، إلا أن أبي وقف إلي جواري وأصر علي أن أصبح ممن لهم شرف خدمة هذا الوطن، وبالفعل التحقت بالكلية الحربية، حيث رضخت أمي أمام إصراري وموافقة أبي.. برغم أنني كنت «الولد» الوحيد!!
- لا تلمني..
لم تقتصر تجربة شاعرنا علي الكتابة بالعامية، وكتابة الأغاني إلا أنه كتب كذلك القصيدة الفصحي مثل «لا تلمني» والتي غناها حليم، كذلك حصلنا علي قصاصة ورق صفراء اللون من شدة القدم، تشهد علي أنه صدر له ديوان فصحي بعنوان «غنيت للدنيا» وهو يضم شعراً رقيقاً كتب النقاد عنه وقتها «شاعرنا عرف بأغنياته التي كتبها باللغة الدارجة، لكنه في حقيقة الأمر، من المتمكنين من اللغة الفصحي، لكن اللغة الدارجة كانت قدرا عليه لا يستطيع الفرار منه.. من يهرب من قدره»؟!
«غنيت للدنيا» هي اسم إحدي قصائد هذا الديوان يقول مطلعها غنيت للدنيا.. من ذا يغني لي الليل يسمعني والصبح يعشقني لكنني أرجو قلبا يغني لي وكما هو واضح من الأبيات السابقة فإن الشاعر لم يجد من يغني له وكأن حزنا وشحبا كانا يقلقان حياة ذلك الشاعر الجميل، فيقول في قصيدة أخري: أيها السائل عني لا تسلني من أنا أنا مداح يغني في مدارات المني أيها السائل عني لست إلاّ من تري لست إلا همسات وشوشت سمع الذري
يقول الناقد في القصاصة التي بين أيدينا «يذوب الشاعر.. ويتحول إلي قطعة من السكر الروحي الذي يصنع النشوة الوجدانية، ولكن وبرغم ذلك نجد أن أشعاره تظهر لنا خفايا نفسه وتفضح تجاربه، وتفصح عما لم يرد الإفصاح عنه، فمن يقرأ محمد علي أحمد «يتخيل أنه «بيرون» في مغامراته وطرائفه، فهو رجل لم يعش إلا للحب، بل هو يتصور أن الحب لم يخلق إلا ليكون هو فارسه الوحيد، والذي يقرأ هذا الشاعر، لا يراه إلا إماما من أئمة العشق ورائدا من رواد الجمال.. فهو في كل قصيدة من قصائده قمة في الإحساس وقمة في المعايشة. وفي إحدي القصائد يدعو شاعرنا إلي وجوب الصراحة بين الفتاة وأهمها فإنها أي الأم تعلم كثيرا عن إحساس فتاة تتوق للحب وتلهث وراءه، وهذه قاعدة سيكولوجية جديدة آنذاك يضيفها الشاعر إلي منهج الفكر الاجتماعي فيقول: إن في عينيك سراً من هوانا غير خاف يرقد الكتمان فيها وهي تدلي باعتراف إن رأت أمك شيئا صار حبا.. لا تخافي إنها قبلك عاشت في الأماني اللطاف ذاقت العشق وذابت في لياليه الجميلة فاكتبي لي يا بخيله ؟ لحن الوفاء
أعود مرة أخري فأقول إن الشعر كان «عصب» حياته ليس فقط، بل الرومانسية في جميع أشكالها، فتحكي لي «أماني» أكبر بناته أنها وبعد حصولها علي الثانوية العامة جاءها التنسيق في جامعة الإسكندرية، فقررت الأسرة أن تلتحق أماني ببيت الطالبات بالإسكندرية، حيث كانت الأسرة جميعها تعيش في القاهرة، وقبل مغادرة أماني منزل أهلها إلي الحياة الجديدة أهداها والدها «أنسيال» من الذهب كتب عليه بالحروف البارزة اسمها.
تقول أماني: كنت أعشق هذا الأنسيال، إلا أنني وللأسف فقدته في إحدي رحلاتي من القاهرة إلي الإسكندرية، وعندما علم أبي فوجئت به يهديني أنسيال آخر بنفس المواصفات.. كانت له بصمة ما علي كل واحدة منا».
- أنا زي ما أنا
ومن ضمن القصاصات التي حصلنا عليها ورقتان من مجلة ربما كانت «الكواكب» وتحقيق بعنوان «الإذاعة تؤمم الحب في مصر» تقول مقدمته - ويا للعجب لأنه ينطبق علي ما يحدث الآن في أغاني الحب..». مطلوب من كل مطرب في مصر أن يتحول إلي مارلون براندو!
ومارلون براندو يمثل دائما دور العاشق المعبود الحمش الذي يصفع حبيبته علي وجهها وعلي «قفاها» ويضربها «بالشلوت» إذا لزم الأمر.. بينما هي تتمرغ تحت أقدامه في ذلة واسترحام لتطلب عفوه ورضاه، والمطلوب من كل مطرب الآن أن يغني أغانيه في الإذاعة - حيث كانت المنفذ الوحيد - بنفس الطريقة إذا كانت حبيبته التي يخاطبها في الأغنية متمردة علي حبه وهواه، مارقة علي سيطرته وسلطانه!!
أما إذا كانت حبيبته في حالة وقاحة فعليه أن يخاطبها بمنتهي الاتزان والرجولة وقوة الشخصية، فلا يتهالك في إظهار حبه لها بطريقة تشين كرامته كرجل.
فقد كانت الإذاعة تحارب الاتجاه إلي تأليه الحبيب، وقد رأت الإذاعة آنذاك أن تضع العناصر والأسس المطلوبة في الأغنية العاطفية الجديدة، بحيث تصبح أغنية متلائمة مع مجتمع صاعد يبني مستقبله ويضع تاريخه ويخوض المعارك ضد المستعمر معركة بعد أخري.
- أنا زي ما أنا..
كان شاعرنا الشديد الرومانسية ضد هذا الاتجاه تماما وكان صاحب موقف ضد ما تريده الإذاعة من الشعراء تلك الأيام فقال «إن رجال الإذاعة لن يستطيعوا إخضاع الطبيعة الإنسانية لإرادتهم فيحجروا علي العاطفة ويرسموا لها الحدود ويمنعوا عنها الدموع ويقيموا أنفسهم أوصياء وقوامين علي ما في الصدور بأنني اعترض علي تفاصيل هذا المبدأ الذي به الكثير من التزمت والمضايقات والحد من انطلاقة الفنان، ويضيف: «إن الحب في مجتمعنا الشرقي يتميز بلون بديع من الروحية والنقاء، والتراث الأدبي مليء بهذا الحب ودموعه وعذاباته الجميلة، خاصة في الشعر، ولم يكن هذا اللون البديع من الأدب ليؤثر مطلقاً علي بناء المجتمع العربي الذي امتدت إمبراطوريته من الهند إلي المحيط الأطلسي.. وهكذا فكان محمد علي أحمد يرفض الاتجاه السابق ويظل مصراً في جميع أغانيه علي أن الحب أسمي المعاني، والإخلاص أجملها، والرومانسية هي الطريقة التي يتبادل بها المحبون تلك المشاعر.
- بين شطين وميه
«ليالي» آخر عنقود «محمد علي أحمد» ربطتني بها علاقة جيدة وتبعها صداقة عميقة بيننا وبين أولادنا كذلك، حيث كانت الأعمار متقاربة، حلم لم أكن أعلم في البداية أنها ابنة شاعر كبير بقامة شاعرنا إلا أن كثيرا ما كان يلفت نظري عشقها للشعر وحبها للثقافة فطالما غلفت الفلسفة والفن أحاديثنا وحواراتنا وسهراتنا، فإنها الوحيدة بين شقيقاتها التي ورثت موهبة الشعر من والدها، إلا أنني كنت أنا الوحيدة القارئة لهذه الأشعار فشجعتها علي الكتابة باستمرار فكان «سارق الضوء» عنوانا لمجموعة قصصية صدرت لها.
وتحكي لي ليالي حكايات كثيرة عن والدها فتقول مثلا إن الحمام الزاجل كان الطرف الثالث في علاقة ربطته بالشاعر الإسكندراني محمود الكمشوشي، فكانا يتبادلان الأشعار عبر الحمام الزاجل فيربط مثلا محمد علي أحمد الورقة التي كتب عليها القصيدة وبعد طيها جيدا في حلقة، يربط هذه الحلقة في إحدي رجلي الحمام الذي يطير بدوره إلي الإسكندرية، حيث الكمشوش ثم تعود بعد أن يكتب الأخير قصيدة ردا علي الأول ومن حسن حظنا أننا حصلنا علي دفتر غزير الأوراق سجل فيها هذه الأشعار المتبادلة.
كان محمد علي أحمد يهوي الحمام فكان يمتلك غية حمام علي سطح منزله صنعها بيديه من الخشب، كان يمتلك كذلك «عصافير الكناريا» التي كان يعشقها ويقوم بإطعامها بنفسه، بالإضافة إلي تنظيف عشها وتغيير المياه مرتين في اليوم.
كان للحمام والعصافير أهمية خاصة في حياة شاعرنا حتي إنه يحكي عنه أنه كان يشتري لوازم طيوره أكثر مما يشتري لأسرته من طعام، هذا لا يعني البخل ولكن يعني العشق الشديد لهذه الكائنات الصغيرة التي تطير في البراح اللامحدود.
ومن الحمام الزاجل والرومانسية الشديدة التي امتدت إلي أدق تفاصيل حياته الخاصة تروي لي «أسرار» إحدي بناته أنها تذكر في يوم طلبت منه والدتها أن يأتي لها ببعض اللحوم لزوم الغذاء، إلا أن شاعرنا جلس في مقهي وكتب قصيدة جديدة في زوجته، واشتري لها بدل اللحم تفاحا وباقة ورود.. فما كان من الزوجة إلا أن سألته، هل ستأكل الورود؟!
- إن كنت ناسي
لكل من أبناء محمد علي أحمد ذكريات جميلة معه فتحكي «أفكار» أنها كانت تعشق الرسم وكانت تجلس زمان وهو ينظف للعصافير مكانها وترسم مثلا عصفورين، فقرر الأب أن يمد ابنته بأدوات الرسم علي أعلي مستوي، أما «أحلام» أوديدي فكان يناديها بلقب «أمي» حيث كانت شديدة الشبه بوالدته، أما «ليالي» فقد كان يناديها «يالولي يا غالي/ يا لولي الندا»
- غني لي لحن الوفا
كان بحياة محمد علي أحمد مقدسات لايحيد عنها، منها الاحتفال بعام جديد أو رأس السنة والتي ظلت الأسرة تقيمه بعد رحيله.. وحتي وقت قريب ومن أهم المقدسات في حياته كانت حفلات «الست» أو «ثومة» إما أن يحضرها هو وزوجته، أو أضعف الإيمان يجتمع الأصدقاء في منزله الكبير يستمعون إلي الست في جلسة يسيطر عليها الصفاء الروحي من شدة التبتل والخضوع والسكينة التي كان يصنعها صوت أم كلثوم.
كان مقدسا لدي شاعرنا أن يكتب الزجل لأولاده حينما كانوا يسافرون شهور الصيف الثلاثة إلي الإسكندرية كل باسمه.
وقد يتساءل البعض لماذا لم يكتب محمد علي أحمد للسيدة أم كلثوم، فإنها ربما الوحيدة التي لم تغن له ولذلك قصة تحكيها ليالي أن سيدة الغناء العربي أرادت التغيير في قصيدة قدمها لها شاعرنا، وكما عرف عنها، إلا أنه رفض لتظل هذه المنطقة غير معلومة في حياة محمد علي أحمد ولتظل ثومة هي الوحيدة التي لم تغن كلماته.
مرض شاعرنا في عام 76، شعر بالألم في حنجرته وتم عرضه علي الأطباء الذين شخصوا المرض خطأ، فعولج كذلك بشكل خاطئ، إلي أن اشتد عليه المرض فدخل إلي مستشفي المعادي التي شخصت المرض علي أنه سرطان في الرئة إلا أن الوقت كان قد فات، في زمن لم يكن هذا المرض منتشرا مثلما هو حادث الآن وكانت الوفاة في منزله في لحظة تواجدت فيها الأسرة بكاملها.
رحل محمد علي أحمد لتبقي كلماته خالدة في وجدان أجيال من العشاق.. لقد ترك لأبنائه.. ولنا معهم تراثا عظيما من الأغاني بالإضافة إلي فيلم سينمائي هو فيلم «أبلة الناظرة» بطولة سعاد حسني وشكري سرحان والذي انتصرت فيه قيمة العلم والدراسة من خلال بطلته.
مني فوزي
من أهم أعمال محمد علي أحمد
- علي قد الشوق - كمال الطويل - عبدالحليم
- إن كنت ناسي أفكرك - رياض السنباطي - هدي سلطان
- أحبك قوي وأعزك قوي - بليغ حمدي - شادية.
- فدادين خمسة - علي إسماعيل - فرقة رضا.
- أحب اسمك - محمود الشريف - شهرزاد.
- بين شطين وميه - كمال الطويل - محمد قنديل.
- بتقولي باحبك من إمتي - محمد الموجي - نجاة.
- حلو ياللي ماشي - أحمد صدقي - فايزة أحمد
- عوام علي بر الهوي - محمد فوزي.
- لحن الوفاء - رياض السنباطي - عبدالحليم.
- مرحب شهر الصوم مرحب - عبدالعزيز محمود.
- يا رايحين الغورية - كمال الطويل - محمد قنديل.
- غالي عليّا.. غالي عليّا - محمد الموجي - كمال حسني.
- أنا زي ما أنا وأنت بتتغير - منير مراد - ليلي مراد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.