لكنها تظل عالقة فى الذهن فى كثير من تفاصيلها. لقد أتيت على ذكر أجاثا كريستى لأننى أنوى الحديث عن صفحات الحوادث التى تملأ الصحف والمجلات والتى تسبب لى الرعب أكثر مما تعطينى فكرة عما يحدث فى قاع المجتمع ، إذ كلما تورطت فى قراءة إحدى «الجرائم» المنشورة فى صفحة الحوادث تلاحقنى على مدار اليوم افكار سوداوية وأميل للظن أن المجرمين يختبئون خلف كل باب وشباك، طبعا هذا الأمر الذى يأخذ مظهر الفوبيا المرضية قررت تجنبه نهائيا بعدم قراءة صفحة الحوادث وتجاهلها، فصرت أقلب الصفحة كما لو إنها صفحة بيضاء تماما مهما جذبنى عنوان الجريمة المروعة، اتمالك نفسى وأمنعها عن قراءة التفاصيل كيلا أقع فى فخ محرر الجريمة الذى استخدم كل ما لديه من تقنيات فى الترهيب الكتابى لينقل للقارئ الحادثة المرعبة التى ينبغى عليه أخذ الحيطة والحذر من حوادث مماثلة أو مشابهة لها قد تقع له أو لأحد أفراد أسرته. لكن العلاقة مع صفحة الحوادث غير محصورة ضمن جرائم الأشخاص المجهولين الذين لا تعرف صورهم طريقا إلى الجرائد إلا بعد أن يعترفوا بجريمة ما، بل إن الأمر ينال المشاهير أيضا ، أذكر أن حادثة قتل المغنية سوزان تميم أجبرت المهتمين بالأمر وغير المهتمين بمتابعة أخبار الجريمة متابعة دقيقة وتحليلية لكل الدلائل والقرائن المتوافرة من مسرح الجريمة وأسبابها ، والمهتمين، كذلك الأمر فى مقتل ابنة الفنانة ليلى غفران إذ كان خبر الجريمة يتصدر الصفحات الأولى. من دون شك أن الجرائم والحوادث خاصة الشاذ والغريب منها هى مادة إعلامية مثيرة يستخدمها الإعلام المرئى والمقروء وربما المسموع أيضا لجذب انتباه القارئ، لكن هذا الجذب يتخطى حدوده فى غالبية الأحيان ليصير وسيلة للتشهير وتشويه السمعة سواء كان المتهم مذنبا فعلا أو بريئا، لأن صياغة العناوين العريضة للخبر غالبا ما تدل على الإدانة، لذا لا مواربة من القول بكل وضوح إن غالبية صفحات الحوادث تفتقر إلى الدقة فى عرض الحقيقة ، لأنها رهينة أمرين: أولهما جذب اهتمام القارئ عن طريق ترويعه وترهيبه فى العرض الدقيق لتفاصيل الجريمة والأمر الثانى هو غياب مصادر التحقيق المتمثلة فى الشرطة ورجال النيابة التى ينبغى أن تتحدث عن الجريمة. قلما نقرأ حادثة مكتوبة بشكل موضوعى ومروية بشكل سلس عبر لسان الضابط الذى قام بمعاينتها، من هنا تكون غالبية الحوادث مكتوبة مع بهارات إضافية تبدو ضرورية لصفحات الحوادث لأنها تمنح قراءها إحساسا لاذعا لا أكثر.