رئيس جامعة المنيا يشارك في اجتماع «الجامعات الأهلية» لبحث استعدادات الدراسة    أسعار طبق البيض اليوم الاربعاء 17-9-2025 في قنا    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاربعاء 17-9-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خبير أمن معلومات: تركيب الصور بالذكاء الاصطناعي يهدد ملايين المستخدمين    الخارجية الكندية: الهجوم البري الإسرائيلي الجديد على مدينة غزة مروع    مباحثات سعودية إيرانية في الرياض حول المستجدات الإقليمية    فرنسا تدين توسيع العملية الإسرائيلية بغزة وتدعو إلى وضع حد للحملة التدميرية    ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 108 منذ فجر الثلاثاء    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم شهير بمدينة أبو حمص في البحيرة    إصابة 12 شخصًا إثر إنقلاب "تروسيكل" بالبحيرة    د.حماد عبدالله يكتب: البيض الممشش يتلم على بعضه !!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة قنا    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    أمين عمر حكما لمواجهة الإسماعيلي والزمالك    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    الخارجية السورية تكشف تفاصيل الاجتماع الثلاثي واعتماد خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    زيلينسكي: مستعد للقاء ترامب وبوتين بشكل ثلاثي أو ثنائي دون أي شروط    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    سارة سلامة بفستان قصير وهيدي كرم جريئة .. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    مبابي: مباراة مارسيليا تعقدت بعد الطرد.. ولا أفكر في أن أكون قائدا لريال مدريد    بسبب زيزو وإمام عاشور.. ميدو يفتح النار على طبيب الأهلي.. وينتقد تصريحات النحاس    موعد إعلان نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025 رسميا بعد انتهاء التسجيل (رابط الاستعلام)    ارتفاع جديد ب 340 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025 بالصاغة    زيارة صرف الأنظار، ترامب يصل إلى بريطانيا ومراسم استقبال ملكية في انتظاره    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    حريق هائل بمطعم شهير بمدينة أبو حمص في البحيرة (صور)    مصرع وإصابة 3 شبان بحادث تصادم في محافظة البحيرة    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    صندوق النقد: مطلوب زيادة اسعار الطاقة باسرع وقت .. مصطفى مدبولي: بنزين وسولار وبوتجاز من أول أكتوبر يا افندم!    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    نائب رئيس جامعة الأزهر يعلن موعد نتيجة التنسيق (فيديو)    أبرزها الإسماعيلي والزمالك، حكام مباريات الخميس بالجولة السابعة من الدوري المصري    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    رئيس أركان جيش الاحتلال ل نتنياهو: القوات تعمّق الآن «إنجازًا» سيقرب نهاية الحرب    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    ننشر خريطة موعد بدء الدراسة للتعليم الابتدائي بمدارس الفيوم تدريجيًا.. صور    على باب الوزير    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل في الوراق    ضبط ومصادرة 2 طن طحينة بمصنع بدون ترخيص بالمنيرة    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    أمين الفتوى يوضح حكم استخدام الروبوت في غسل الموتى وشروط من يقوم بالتغسيل    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كان ستالين وخروشوف وراء انتحار كثير من أدباء العصر؟
نشر في صوت البلد يوم 17 - 10 - 2020

ازدواجية القيم، وتباين المعايير وضياع الثقة، وخيبة الأمل في النظام والحاكم، أسباب كثيرة، ثمة من يجدها تفسيراً لانتشار ظاهرة الانتحار بين الأدباء والشعراء ممن كانوا في طليعة المتحمسين لثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية في 1917.
وعلى الرغم من أن قائمة أدباء وشعراء تلك الفترة وما بعدها، تضم كثيرين ممن راحوا ضحية تلك الظاهرة، فإن الانتباه يظل متعلقاً بعدد محدود من أوسعهم شهرة وانتشاراً. ومن هؤلاء، إن لم يكن في صدارتهم سيرغي يسينين شاعر الرومانسية الذي رحل ولم يكن تجاوز الثلاثين من العمر، وفلاديمير ماياكوفسكي الذي اختار الانتحار وهو لا يزال في ريعان شبابه بعد رحيل صديقه ورفيقه يسينين بخمس سنوات، وألكسندر فادييف رئيس اتحاد الأدباء وصاحب رواية "الحرس الفتي"، إحدى أهم الروايات التي توقف عندها ستالين بكثير من الاهتمام، نظراً إلى تناولها فترة من أهم فترات حكمه، وهي الحرب العالمية الثانية، وما شهدته من مقاومة بطولية، أسهمت في إلحاق الهزيمة الساحقة بالمحتل الألماني.
وبينما يسجل التاريخ هجرة كثير من الفنانين والأدباء إلى الغرب، خصوصاً فرنسا التي فتحت أبوابها ترحيباً بمن كانوا يسمون في حينها ب "المهاجرين البيض"، هرباً من "الجيش الأحمر" إبان سنوات الحرب الأهلية بعد ثورة أكتوبر 1917، يتوقف الكثيرون عند ما واجهه من بقي من مناصري الثورة ومؤيديها من مآسٍ وأحزان، سرعان ما أسفرت عن كثير من النهايات الأكثر مأساوية. فقد كان البحث عن الخيار، يفضي في معظم الأحيان إلى التوقف عند "الأسوأ"، هروباً من الواقع، وإعلاناً عن العجز والاستسلام، وإن تصوره البعض بمثابة "الصرخة" التي قد توقظ الآخرين.
سيرغي يسينين
ماذا يقولون حول انتحاره؟ التساؤلات كثيرة ومنها ما يتضمن بين ثناياه ما يثير الفزع من إجابات. ننقل عن رفيقه وصديقه الذي اختار اللحاق به على ذات النحو المأساوي، فلاديمير ماياكوفسكي شاعر الثورة ما كتبه في معرض لومه ليسينين على ما فعله: "ليس صعباً أن نموت. لكن الأصعب كثيراً هو أن نعرف كيف نصنع الحياة". وكان يسينين ترك رسالة إلى رفيقه ماياكوفسكي كتبها بدماء معصمه، قبل انتحاره يقول فيها: "وداعاً صديقي... لا تحزن، ولا تقطب حاجبيك، ففي هذه الحياة ليس الموت جديداً، لكن المؤكد أيضاً أن العيش ليس أكثر جِدَة".
ومن مفارقات القدر أن يتوقف ماياكوفسكي أيضاً عند خيار الانتحار، ولم يكن بلغ من العمر أكثر من 37 عاماً، بعد رحيل صديقه بخمس سنوات. ولعله كان يجيب بخطوته تلك، على رسالة يسينين بأخرى تركها له، يقول فيها: "ليس من الصعب أن نموت. لكن أن تصنع الحياة ذلك هو الأصعب كثيراً".
وكان ماياكوفسكي قد كتب في رثاء صديقه أيضاً يقول: "لم تلد الأرض الروسية من هو أكثر محلية وأكثر عفوية/ ومن هو أكثر وطنية في توقيت هو الأفضل، من سيرغي يسينين".
وأثار حادث "انتحار" يسينين في إحدى غرف الطابق الثالث من فندق "انجلتير" في وسط لينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً)، في حينه كثيراً من الجدل. وتداول المراقبون ما تردد آنذاك من "أقاويل" حول احتمالات أن يكون يسينين لقي حتفه مشنوقاً، وليس منتحراً. الأسباب عزوها إلى قصر قامته بما لا يسمح له بالوصول إلى حزام حقيبته الذي اختاره "أنشوطة لمشنقته". وأشاروا أيضاً إلى ما حمله جسده من سحجات وإصابات، ثمة من قال إنها قد تكون ناجمة عن مقاومة أو تعذيب، وإن سارعت الأوساط الرسمية لتنفي ذلك.
لكن، وبغض النظر عما يكتنف الحادث من غموض، فإن هناك من يربط بين خيار الرحيل طوعاً، وما كان يجتاح الكثيرين من فناني وأدباء وشعراء العصر من مشاعر خيبة الأمل، تجاه ما يدور حولهم من تطورات وأحداث أعقبت ثورة أكتوبر الاشتراكية.
وكانت حياة يسينين خليطاً بين الجدية والمجون. عاشها حائراً بين تناقضات العصر التي عصفت باستقراره على المستويين الخاص والعام، ولم يكن تجاوز كثيراً سنوات الصبا والشباب. وعلى الرغم من قصر تلك السنوات، فقد حفلت بكثير من الأحداث الدرامية المأساوية بعد ثلاث ثورات الأولى في 1905، والأخيرتان في فبراير (شباط) وأكتوبر من عام 1917، فضلاً عن الحرب العالمية الأولى 1914 -1918، بكل تعقيداتها ومآسيها.
ولعل ما سجله يسينين في ملحمته الخالدة "بوغاتشوف" يبدو في كثير من جوانبه محاولة جادة لتفسير ما كان يجول بخاطره من مخاوف تجاه احتمالات أن تنتهي ثورة أكتوبر الاشتراكية بكل ما أعلنته من شعارات حول العدالة، ذات النهاية التي انتهت إليها ثورة يمليان بوغاتشوف، التي شهدتها الإمبراطورية الروسية خلال الفترة 1773 1775، ويسجلها التاريخ تحت اسم "تمرد القوقاز" أو "حرب الفلاحين".
وإذا أضفنا إلى ذلك، كل ما عايشه يسينين من متاعب وأحزان شابت علاقته مع حبيبته أيسادورا دونكان، راقصة البالية الأميركية، فإن هناك ما يشير إلى ارتباط ذلك، بما كان يؤرقه من هموم تتعلق بالعام أكثر من الخاص.
ولكم كان القدر قاسياً، إذ سرعان ما رحلت أيسادورا عقب انتحاره في عام 1925، بسنوات قلائل، على نحو بالغ المأساوية. ماتت مشنوقة ب "شال" كان يزين عنقها، أطاحه الهواء، لتتلقف طرفه إحدى عجلات السيارة التي كانت تستقلها، ولتدور به معلنة نهاية مأساوية تقترب في الشكل والمضمون مما لقيه يسينين.
ماياكوفسكي شاعر الثورة
أطلق على ماياكوفسكي كنية "شاعر الثورة". إذ كان شديد الحماس لأهداف ثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917، وما طرحته من شعارات. وحياته كانت حافلة بالإنجازات الفنية والأدبية والسياسية. شأن صديقه ورفيقه يسينين. ولد ماياكوفسكي ونشأ وترعرع بين أحضان الريف، لكن في إحدى قرى جورجيا. وظهرت مواهبه مبكرة، ولم يكن بلغ من العمر أكثر من 17 عاماً. درس الفنون، والتحق بأحد معاهد العاصمة موسكو لدراسة الرسم والنحت والعمارة، لكنه سرعان ما تحول إلى الشعر. وما نظمه من أشعار، وما كتبه من أعمال أدبية وثقافية، صقل قدراته على الخطابة التي طالما أسهمت في تأجيج مشاعر الجماهير تأييداً لثورة أكتوبر وأهدافها. كان خطيباً مفوهاً. إيقاع أشعاره ذات المضامين السياسية والاجتماعية، والمفردات التبشيرية التوجه والطابع، كانا يلهبان مشاعر سامعيه ممن كانوا يلتفون حوله في شوارع وميادين العاصمة موسكو ومنتدياتها الفكرية والأدبية.
لكن، "وآه من لكن هذه"، على حد تعبير أمير القصة القصيرة أنطون تشيخوف، ما أن تراجعت الأوضاع السياسية والاقتصادية، وزاد من حدتها ووطأتها ما واجهته الدولة من عثرات ومتاعب، أرغمت زعيم الثورة فلاديمير لينين إلى التحول نحو ما كان يسمى ب"السياسة الاقتصادية الجديدة"، وما تبع ذلك من تغيرات طرأت على الخطاب السياسي، حتى انعكس ذلك على أشعار ماياكوفسكي. وتجلى ذلك على نحو أكثر وضوحاً بعد وفاة لينين في عام 1924، وتولي ستالين مقاليد السلطة، وما اتخذه من قرارات أفرغت كثيراً من شعارات السابق من محتواها.
وذلك ما قد يفسر التناقض الذي أصاب مفرداته. ظهر التغير على نحو أكثر وجلاً، لكنه سرعان ما تجسد بشكل أكثر وضوحاً، بما اتسمت به هذه المفردات من ازدواجية في المعاني، وضبابية في التوجهات التي كانت تجمع بين الشيء ونقيضه.
ولعل ذلك أو بعض ذلك، ما قد يكون وراء تصاعد انتقادات أشعاره. حتى قدرته على الخطابة بما اتسم به من صوت جهوري، اعتراها الوهن. قال له الأطباء: "إنه أعطب أوتاره الصوتية ولا أمل في الشفاء". وثمة من يعزو كل ذلك، أو بعض ذلك أيضاً، إلى ما اعتراه من تغير، وما ناله من إحباط، وما أصابه من اكتئاب. أضف إلى ذلك ما واجهت قصص حبه وغواياته من اضطرابات.
امرأة أحبها تركته. ليليا بريك. تاتيانا ياكوفليفا المقيمة في باريس. فيرونيكا بولونسكايا ذات ال 21 ربيعاً، أيهن كانت امرأة ليست ككل النساء، على الرغم من اتساع قائمة علاقاته الغرامية مع الكثيرات منهن، داخل الوطن أو خارجه. لم تفلح توسلاته واعتذاراته في إثناء أي منهن عن قرارها.
هل يمكن أن يكون ذلك سبباً لانتحار شاعر بقيمة وقامة ماياكوفسكي؟ أم أن منعه من السفر إلى باريس في عام 1928، حيث تاتيانا وحبهما الذي أثمر عن ابنة كما قيل آنذاك؟ أم أن كل ما تقدم ذكره من أسباب، وما تعلق بما تعرضت له أشعاره من انتقادات، منها ما قيل حول أنه صار معادياً للوطن، قد يكون الأوقع في مبررات مثل ذلك القرار؟
تساؤلات تعالت أصداؤها في أعقاب تلك الرصاصة التي انطلقت من مسدسه في غرفة مكتبه، في الشارع المجاور لأخطر المباني في العاصمة موسكو، مبنى لجنة أمن الدولة "كي جي بي"، في 14 من أبريل (نيسان) 1930.
ألكسندر فادييف
الروائي الذائع الصيت الذي تقلد لسنوات طويلة منصب رئيس اتحاد الكتاب. يذكرونه مع رواية "الحرس الفتي"، التي صدرت ترجمتها إلى العربية في جزأين لكاتب هذه السطور، عن دار النشر "التقدم" في موسكو. إحدى أهم الروايات التي أثارت في حينها كثيراً من الجدل، واتخذها أشهر مخرجي ذلك الحين سيرغي جيراسيموف موضوعاً لفيلمه الذي حمل اسم الرواية. حتى ستالين ووزير خارجيته فياتشيسلاف مولوتوف شاركا في ذلك الجدل الذي ثمة من يشير إلى أنه كان في صدارة أسباب إقدام فادييف على الانتحار.
وكان ستالين، وبعد الانتهاء من العرض الخاص لفيلم "الحرس الفتي"، وصفها أنها "أكاذيب تاريخية"، وليست "حقائق تاريخية". وقال مولوتوف إنها غمطت الشيوعيين حقهم في بطولاتهم خلال مقاومة النازيين في الحرب العالمية الثانية، ودورهم في الإشراف على نشاطات الكومسومول (الشبيبة الشيوعية) في الخطوط الخلفية للعدو. وذلك ما عاد إلى تغييره ومعه الكثير من وقائع الرواية، على الرغم ما قيل وما بات في عداد المؤكد، حول أن أحداث الرواية مستوحاة من وقائع وشخصيات واقعية.
غير أن الأمر لم ينته عند تغيير عدد من المشاهد والوقائع، ليمتد إلى ما هو أبعد. طالته سهام خصومه ومنتقديه. وتعرض لحملات النقد والتشكيك التي نالت من رصانة ووقار منصبه كرئيس لاتحاد الأدباء. وإذا كان فادييف سعد حظاً بسرعة رحيل ستالين في عام 1953 في ظروف لا يزال الكثير من جوانبها يكتنفه الغموض حتى اليوم، فإن ما أعقب ذلك من تطورات عاصفة لم تنته بالإطاحة حتى بجسده المسجى إلى جوار لينين في ضريحه الكائن، ليدفن إلى جواره في إحدى مقابر العظماء التي أُقيمت على مقربة من الضريح في الميدان الأحمر في قلب العاصمة.
وكان فادييف سبق واعترف بأن الحياة يصعب استمرارها، ويدا الإنسان مخضبتان بدماء الضحايا. وكان تورط بحكم موقعه كرئيس لاتحاد الأدباء، في تسميم حياة الكثيرين من زملائه أعضاء الاتحاد بما أدلى به من معلومات أسهمت في الإيذاء بهم، وإن يشهد الكثيرون بأنه لم يتأخر يوماً عن تقديم المعونة لمن كان يحتاج إليها.
ولعل مثل هذه الازدواجية، وما أصاب بعض تصرفاته من تشوه سافر وعوار واضح، قد يكونان وراء اعتلال الصحة والمزاج الذي زاد منه ما أماط عنه الزعيم الأسبق نيكيتا خروشوف اللثام من جرائم ستالين في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956.
وثمة من يقول إن ما أصابه من خيبة أمل ومراجعة قاسية للنفس عما قد تكون أتته يداه في حق زملائه، كان وراء إقدامه على الانتحار في مسكنه الريفي بضيعة الأدباء في بريديلكينو بضواحي موسكو.
ولم تقتصر المأساة عند هذا الحد. فهناك من كان ينتظره ليسوم ذكراه العذاب. إعلان صغير علقوه على لوحة إعلانات "اتحاد الأدباء"، ونشرته "البرافدا" لسان حال الحزب الشيوعي الحاكم، يعزون فيه موته إلى "إفراطه في تناول الشراب"، وهو الذي كان توقف عنه، قبل أن يلقى حتفه بأسابيع طوال.
ازدواجية القيم، وتباين المعايير وضياع الثقة، وخيبة الأمل في النظام والحاكم، أسباب كثيرة، ثمة من يجدها تفسيراً لانتشار ظاهرة الانتحار بين الأدباء والشعراء ممن كانوا في طليعة المتحمسين لثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية في 1917.
وعلى الرغم من أن قائمة أدباء وشعراء تلك الفترة وما بعدها، تضم كثيرين ممن راحوا ضحية تلك الظاهرة، فإن الانتباه يظل متعلقاً بعدد محدود من أوسعهم شهرة وانتشاراً. ومن هؤلاء، إن لم يكن في صدارتهم سيرغي يسينين شاعر الرومانسية الذي رحل ولم يكن تجاوز الثلاثين من العمر، وفلاديمير ماياكوفسكي الذي اختار الانتحار وهو لا يزال في ريعان شبابه بعد رحيل صديقه ورفيقه يسينين بخمس سنوات، وألكسندر فادييف رئيس اتحاد الأدباء وصاحب رواية "الحرس الفتي"، إحدى أهم الروايات التي توقف عندها ستالين بكثير من الاهتمام، نظراً إلى تناولها فترة من أهم فترات حكمه، وهي الحرب العالمية الثانية، وما شهدته من مقاومة بطولية، أسهمت في إلحاق الهزيمة الساحقة بالمحتل الألماني.
وبينما يسجل التاريخ هجرة كثير من الفنانين والأدباء إلى الغرب، خصوصاً فرنسا التي فتحت أبوابها ترحيباً بمن كانوا يسمون في حينها ب "المهاجرين البيض"، هرباً من "الجيش الأحمر" إبان سنوات الحرب الأهلية بعد ثورة أكتوبر 1917، يتوقف الكثيرون عند ما واجهه من بقي من مناصري الثورة ومؤيديها من مآسٍ وأحزان، سرعان ما أسفرت عن كثير من النهايات الأكثر مأساوية. فقد كان البحث عن الخيار، يفضي في معظم الأحيان إلى التوقف عند "الأسوأ"، هروباً من الواقع، وإعلاناً عن العجز والاستسلام، وإن تصوره البعض بمثابة "الصرخة" التي قد توقظ الآخرين.
سيرغي يسينين
ماذا يقولون حول انتحاره؟ التساؤلات كثيرة ومنها ما يتضمن بين ثناياه ما يثير الفزع من إجابات. ننقل عن رفيقه وصديقه الذي اختار اللحاق به على ذات النحو المأساوي، فلاديمير ماياكوفسكي شاعر الثورة ما كتبه في معرض لومه ليسينين على ما فعله: "ليس صعباً أن نموت. لكن الأصعب كثيراً هو أن نعرف كيف نصنع الحياة". وكان يسينين ترك رسالة إلى رفيقه ماياكوفسكي كتبها بدماء معصمه، قبل انتحاره يقول فيها: "وداعاً صديقي... لا تحزن، ولا تقطب حاجبيك، ففي هذه الحياة ليس الموت جديداً، لكن المؤكد أيضاً أن العيش ليس أكثر جِدَة".
ومن مفارقات القدر أن يتوقف ماياكوفسكي أيضاً عند خيار الانتحار، ولم يكن بلغ من العمر أكثر من 37 عاماً، بعد رحيل صديقه بخمس سنوات. ولعله كان يجيب بخطوته تلك، على رسالة يسينين بأخرى تركها له، يقول فيها: "ليس من الصعب أن نموت. لكن أن تصنع الحياة ذلك هو الأصعب كثيراً".
وكان ماياكوفسكي قد كتب في رثاء صديقه أيضاً يقول: "لم تلد الأرض الروسية من هو أكثر محلية وأكثر عفوية/ ومن هو أكثر وطنية في توقيت هو الأفضل، من سيرغي يسينين".
وأثار حادث "انتحار" يسينين في إحدى غرف الطابق الثالث من فندق "انجلتير" في وسط لينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً)، في حينه كثيراً من الجدل. وتداول المراقبون ما تردد آنذاك من "أقاويل" حول احتمالات أن يكون يسينين لقي حتفه مشنوقاً، وليس منتحراً. الأسباب عزوها إلى قصر قامته بما لا يسمح له بالوصول إلى حزام حقيبته الذي اختاره "أنشوطة لمشنقته". وأشاروا أيضاً إلى ما حمله جسده من سحجات وإصابات، ثمة من قال إنها قد تكون ناجمة عن مقاومة أو تعذيب، وإن سارعت الأوساط الرسمية لتنفي ذلك.
لكن، وبغض النظر عما يكتنف الحادث من غموض، فإن هناك من يربط بين خيار الرحيل طوعاً، وما كان يجتاح الكثيرين من فناني وأدباء وشعراء العصر من مشاعر خيبة الأمل، تجاه ما يدور حولهم من تطورات وأحداث أعقبت ثورة أكتوبر الاشتراكية.
وكانت حياة يسينين خليطاً بين الجدية والمجون. عاشها حائراً بين تناقضات العصر التي عصفت باستقراره على المستويين الخاص والعام، ولم يكن تجاوز كثيراً سنوات الصبا والشباب. وعلى الرغم من قصر تلك السنوات، فقد حفلت بكثير من الأحداث الدرامية المأساوية بعد ثلاث ثورات الأولى في 1905، والأخيرتان في فبراير (شباط) وأكتوبر من عام 1917، فضلاً عن الحرب العالمية الأولى 1914 -1918، بكل تعقيداتها ومآسيها.
ولعل ما سجله يسينين في ملحمته الخالدة "بوغاتشوف" يبدو في كثير من جوانبه محاولة جادة لتفسير ما كان يجول بخاطره من مخاوف تجاه احتمالات أن تنتهي ثورة أكتوبر الاشتراكية بكل ما أعلنته من شعارات حول العدالة، ذات النهاية التي انتهت إليها ثورة يمليان بوغاتشوف، التي شهدتها الإمبراطورية الروسية خلال الفترة 1773 1775، ويسجلها التاريخ تحت اسم "تمرد القوقاز" أو "حرب الفلاحين".
وإذا أضفنا إلى ذلك، كل ما عايشه يسينين من متاعب وأحزان شابت علاقته مع حبيبته أيسادورا دونكان، راقصة البالية الأميركية، فإن هناك ما يشير إلى ارتباط ذلك، بما كان يؤرقه من هموم تتعلق بالعام أكثر من الخاص.
ولكم كان القدر قاسياً، إذ سرعان ما رحلت أيسادورا عقب انتحاره في عام 1925، بسنوات قلائل، على نحو بالغ المأساوية. ماتت مشنوقة ب "شال" كان يزين عنقها، أطاحه الهواء، لتتلقف طرفه إحدى عجلات السيارة التي كانت تستقلها، ولتدور به معلنة نهاية مأساوية تقترب في الشكل والمضمون مما لقيه يسينين.
ماياكوفسكي شاعر الثورة
أطلق على ماياكوفسكي كنية "شاعر الثورة". إذ كان شديد الحماس لأهداف ثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917، وما طرحته من شعارات. وحياته كانت حافلة بالإنجازات الفنية والأدبية والسياسية. شأن صديقه ورفيقه يسينين. ولد ماياكوفسكي ونشأ وترعرع بين أحضان الريف، لكن في إحدى قرى جورجيا. وظهرت مواهبه مبكرة، ولم يكن بلغ من العمر أكثر من 17 عاماً. درس الفنون، والتحق بأحد معاهد العاصمة موسكو لدراسة الرسم والنحت والعمارة، لكنه سرعان ما تحول إلى الشعر. وما نظمه من أشعار، وما كتبه من أعمال أدبية وثقافية، صقل قدراته على الخطابة التي طالما أسهمت في تأجيج مشاعر الجماهير تأييداً لثورة أكتوبر وأهدافها. كان خطيباً مفوهاً. إيقاع أشعاره ذات المضامين السياسية والاجتماعية، والمفردات التبشيرية التوجه والطابع، كانا يلهبان مشاعر سامعيه ممن كانوا يلتفون حوله في شوارع وميادين العاصمة موسكو ومنتدياتها الفكرية والأدبية.
لكن، "وآه من لكن هذه"، على حد تعبير أمير القصة القصيرة أنطون تشيخوف، ما أن تراجعت الأوضاع السياسية والاقتصادية، وزاد من حدتها ووطأتها ما واجهته الدولة من عثرات ومتاعب، أرغمت زعيم الثورة فلاديمير لينين إلى التحول نحو ما كان يسمى ب"السياسة الاقتصادية الجديدة"، وما تبع ذلك من تغيرات طرأت على الخطاب السياسي، حتى انعكس ذلك على أشعار ماياكوفسكي. وتجلى ذلك على نحو أكثر وضوحاً بعد وفاة لينين في عام 1924، وتولي ستالين مقاليد السلطة، وما اتخذه من قرارات أفرغت كثيراً من شعارات السابق من محتواها.
وذلك ما قد يفسر التناقض الذي أصاب مفرداته. ظهر التغير على نحو أكثر وجلاً، لكنه سرعان ما تجسد بشكل أكثر وضوحاً، بما اتسمت به هذه المفردات من ازدواجية في المعاني، وضبابية في التوجهات التي كانت تجمع بين الشيء ونقيضه.
ولعل ذلك أو بعض ذلك، ما قد يكون وراء تصاعد انتقادات أشعاره. حتى قدرته على الخطابة بما اتسم به من صوت جهوري، اعتراها الوهن. قال له الأطباء: "إنه أعطب أوتاره الصوتية ولا أمل في الشفاء". وثمة من يعزو كل ذلك، أو بعض ذلك أيضاً، إلى ما اعتراه من تغير، وما ناله من إحباط، وما أصابه من اكتئاب. أضف إلى ذلك ما واجهت قصص حبه وغواياته من اضطرابات.
امرأة أحبها تركته. ليليا بريك. تاتيانا ياكوفليفا المقيمة في باريس. فيرونيكا بولونسكايا ذات ال 21 ربيعاً، أيهن كانت امرأة ليست ككل النساء، على الرغم من اتساع قائمة علاقاته الغرامية مع الكثيرات منهن، داخل الوطن أو خارجه. لم تفلح توسلاته واعتذاراته في إثناء أي منهن عن قرارها.
هل يمكن أن يكون ذلك سبباً لانتحار شاعر بقيمة وقامة ماياكوفسكي؟ أم أن منعه من السفر إلى باريس في عام 1928، حيث تاتيانا وحبهما الذي أثمر عن ابنة كما قيل آنذاك؟ أم أن كل ما تقدم ذكره من أسباب، وما تعلق بما تعرضت له أشعاره من انتقادات، منها ما قيل حول أنه صار معادياً للوطن، قد يكون الأوقع في مبررات مثل ذلك القرار؟
تساؤلات تعالت أصداؤها في أعقاب تلك الرصاصة التي انطلقت من مسدسه في غرفة مكتبه، في الشارع المجاور لأخطر المباني في العاصمة موسكو، مبنى لجنة أمن الدولة "كي جي بي"، في 14 من أبريل (نيسان) 1930.
ألكسندر فادييف
الروائي الذائع الصيت الذي تقلد لسنوات طويلة منصب رئيس اتحاد الكتاب. يذكرونه مع رواية "الحرس الفتي"، التي صدرت ترجمتها إلى العربية في جزأين لكاتب هذه السطور، عن دار النشر "التقدم" في موسكو. إحدى أهم الروايات التي أثارت في حينها كثيراً من الجدل، واتخذها أشهر مخرجي ذلك الحين سيرغي جيراسيموف موضوعاً لفيلمه الذي حمل اسم الرواية. حتى ستالين ووزير خارجيته فياتشيسلاف مولوتوف شاركا في ذلك الجدل الذي ثمة من يشير إلى أنه كان في صدارة أسباب إقدام فادييف على الانتحار.
وكان ستالين، وبعد الانتهاء من العرض الخاص لفيلم "الحرس الفتي"، وصفها أنها "أكاذيب تاريخية"، وليست "حقائق تاريخية". وقال مولوتوف إنها غمطت الشيوعيين حقهم في بطولاتهم خلال مقاومة النازيين في الحرب العالمية الثانية، ودورهم في الإشراف على نشاطات الكومسومول (الشبيبة الشيوعية) في الخطوط الخلفية للعدو. وذلك ما عاد إلى تغييره ومعه الكثير من وقائع الرواية، على الرغم ما قيل وما بات في عداد المؤكد، حول أن أحداث الرواية مستوحاة من وقائع وشخصيات واقعية.
غير أن الأمر لم ينته عند تغيير عدد من المشاهد والوقائع، ليمتد إلى ما هو أبعد. طالته سهام خصومه ومنتقديه. وتعرض لحملات النقد والتشكيك التي نالت من رصانة ووقار منصبه كرئيس لاتحاد الأدباء. وإذا كان فادييف سعد حظاً بسرعة رحيل ستالين في عام 1953 في ظروف لا يزال الكثير من جوانبها يكتنفه الغموض حتى اليوم، فإن ما أعقب ذلك من تطورات عاصفة لم تنته بالإطاحة حتى بجسده المسجى إلى جوار لينين في ضريحه الكائن، ليدفن إلى جواره في إحدى مقابر العظماء التي أُقيمت على مقربة من الضريح في الميدان الأحمر في قلب العاصمة.
وكان فادييف سبق واعترف بأن الحياة يصعب استمرارها، ويدا الإنسان مخضبتان بدماء الضحايا. وكان تورط بحكم موقعه كرئيس لاتحاد الأدباء، في تسميم حياة الكثيرين من زملائه أعضاء الاتحاد بما أدلى به من معلومات أسهمت في الإيذاء بهم، وإن يشهد الكثيرون بأنه لم يتأخر يوماً عن تقديم المعونة لمن كان يحتاج إليها.
ولعل مثل هذه الازدواجية، وما أصاب بعض تصرفاته من تشوه سافر وعوار واضح، قد يكونان وراء اعتلال الصحة والمزاج الذي زاد منه ما أماط عنه الزعيم الأسبق نيكيتا خروشوف اللثام من جرائم ستالين في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956.
وثمة من يقول إن ما أصابه من خيبة أمل ومراجعة قاسية للنفس عما قد تكون أتته يداه في حق زملائه، كان وراء إقدامه على الانتحار في مسكنه الريفي بضيعة الأدباء في بريديلكينو بضواحي موسكو.
ولم تقتصر المأساة عند هذا الحد. فهناك من كان ينتظره ليسوم ذكراه العذاب. إعلان صغير علقوه على لوحة إعلانات "اتحاد الأدباء"، ونشرته "البرافدا" لسان حال الحزب الشيوعي الحاكم، يعزون فيه موته إلى "إفراطه في تناول الشراب"، وهو الذي كان توقف عنه، قبل أن يلقى حتفه بأسابيع طوال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.