إن الأحداث الأخيرة التي تمر بها مصر بعد تصميم الرئيس محمد مرسي على تمسكه بالإعلان الدستوري المكمل الذي يجعله مستمسكًا بالسلطات الثلاثة (التشريعية – التنفيذية – القضائية) قد تضع مصر على حافة حربًا أهلية بدأت تلابيبها منذ أيام بين مؤيديين لمرسي و معارضين له لنرى أننا أمام صراع أيديولوجي عقائدي ما بين من ينادون بالقومية المصرية و من ينادون بالقومية الإسلامية ، بين من ينادون بالدولة المدنية و من ينادون بتطبيق الشريعة كتعريف صريح ببوادر إقامة الدولة الدينية في قوام الدستور الذي دعى إليه الرئيس ليستفتى عليه يوم 15 ديسمبر القادم. (ما أشبه الليلة بالبارحة) كما قال أبو الشعر العربي و حكيم الشعراء و شاعر الحكماء (أبو الطيب المتنبي) و لكي نعرف تفاصيل حاضرنا السريع المشحون بالأحداث حتى نتطلع للمستقبل و نتوقع نهايته ما بين النهاية السعيدة أو الحزينة فلا غنى عن (مرآة الأمم) ألا و هو التاريخ الذي نرى فيه كالبنورة المسحورة ما تخبئه لنا الأيام من مجهول حزين كان أو سعيد. نسترجع من مرآة الأمم كلحظة تذكيرية من صفحات التاريخ الحافلة ما يشبه ما تواجهه مصر الآن ما حدث في أمريكا عند تولي إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة و رئيس الحزب الجمهوري الذي واجه الرفض و العنت من قِبل الجنوبيين في الولايات الجنوبية لبرنامجه الانتخابي الذي سار على نبذ العنصرية و تجارة الرقيق و ظل في تلك الحرب الضروس إلى أن وصل للبيت الأبيض عام 1861 مقسمًا على الإنجيل في أن يحافظ على وحدة الولاياتالمتحدة كجسد واحد و جاء موعد الاختبار في مدى قدرته على الحفاظ على تلك الوحدة حيث أطلقت الرصاصات الأولى للحرب الأهلية الأمريكية في أبريل 1861 بين الولايات الشمالية و الولايات الجنوبية حيث ما إن تم إعلان فوز لينكولن بالرئاسة إذ ببعض الولايات الجنوبية تعلن إنفصالها عن جسد الولاياتالمتحدة و هناك بعض الولايات الجنوبية أعلنت إنفصالها عن الاتحاد قبل و وقت أداء رئيسها الجديد لليمين الدستورية. وقت الحرب بين الطرفين قامت الولايات الجنوبية بتشكيل كونفدرالية خاصة بها و كانت الرصاصات الأولى التي أطلقت في تلك الحرب من بنادق الجنوبيين ليبدأ التحدي الصعب لمارد أمريكا الجديد في كيف سيواجه تهديدات التشرذم لجسد الاتحاد الأمريكي ، كانت الحرب على أشدها و أزيزها يهدد جنبات أمريكا في جميع إتجاهاتها مما جعل مستشاري الرئيس يدعونه لحقن الدماء بالكف عن القتال لكن الرئيس الأمريكي أصر على إستمرار الحرب ليجبر الجنوبيين على إحترام التعديل الذي طرأ على الدستور الأمريكي في المادة الثالثة عشر و التي تنبذ العنصرية و تلغي تجارة الرقيق حيث أُقرت تلك المادة عام 1865 من الرئيس لينكولن لكن الجنوبيين رفضوا هذا التعديل لأن تجارة الرقيق تعد مصدرًا لرزق الجنوبيين إلى جانب إنتهاج الولايات الجنوبية لمبدأ التفوق الكاسح للبيض على السود في نظرة عنصرية عرقية شرسة ، هنا أصر لينكولن على إقرار المادة المعدلة مما أشعل النار أكثر فأكثر ليكشر لينكولن عن أنيابه المخبأة بهدوئه الواضح في ملامح وجهه حيث كان معاصريه يصفونه بأنه حكيم و هاديء و رزين في تعاملاته و قراراته لكن تعنت الجنوبيون أدى إلى إختفاء كل هذا ليظهر الوجه الشرس من الرئيس الأمريكي الحكيم حتى وصوله للنصر النهائي بإنتصار الشمال على الجنوب و الحفاظ على الوحدة الأمريكية التي أقرها في أكثر من حديث صحفي بتعهده للحفاظ على تلك الوحدة قائلاً للمحرر الصحفي (هوريس جريلي) في جريدة (نيويورك ترببيون) أهم الصحف الأمريكية في ذاك الوقت : (إن أهم هدف لى فى هذا الصراع هو إنقاذ الاتحاد، وليس إنقاذ الرق أو القضاء عليه. وإذا كان باستطاعتى أن أنقذ الاتحاد دون أن أحرر أى أرقاء فإننى سأفعل، وإذا كان باستطاعتى أن أنقذه بتحرير كل العبيد فإننى سأفعل ذلك أيضا). عند تسلمه مهام فترة ثانية بالرئاسة الأمريكية قال لينكولن عام 1865 و هو يؤدي اليمين الدستورية وسط خضم الحرب الأهلية (الطرفان يتلوان الإنجيل ذاته و يصليان للرب نفسه) ، إذا تأملنا في تلك العبارة سنجد أن الحكمة التي إتصف بها لينكولن قد وضحت في تلك المقولة التي فصلت بين مهمة الحفاظ على الاتحاد و حسن التعامل مع الأطراف المعارضة لأن في النهاية الطرفان ينتميان لدين واحد و لغة واحدة مهمًا كانت الصراعات حتى يتم إنقاذ سفينة الوطن من الغرق. هنا يواجه د/ مرسي نفس المصير حيث يداعبه مصير لينكولن الذي جابهه في بداية توليه الحكم و هذا المصير هو إشعال نيران الفرقة بين أبناء الوطن الواحد و الذي واجهه لينكولن بالحكمة في إنقاذه الوطن و تعامله برفق مع معارضيه من أجل مصلحة الوطن على الرغم من تعرضه للإغتيال يوم 15 أبريل من جون بوث بمسرح فورد و هو يحتفل بنصره لكن رغم تلك النهاية المفجعة إلا أن تلك الرصاصات لم تستطع أن تمحو اسم لينكولن من سجلات التاريخ لأنه فضل مصلحة الوطن على مصلحة حزبه و شخصه في معركته ضد معارضيه و هنا أناشد د/ مرسي بأن يختار مصر و يغلب مصلحة مصر على مصلحة الجماعة لأن تغليبه لمصلحة الجماعة تساهم في نشوء أخطر أنواع العنصرية ألا و هي العنصرية الدينية العقائدية التي تعد شهادة خطرة على جبين الأوطان و التي طالت شبه القارة الهندية لفترة و تسببت في فصل الباكستان عن الهند و تسببت في فصل الجنوب السوداني عن السودان الوطن الأم و أخاف أن يطول هذا الخطر جسد الأمة المصرية و يتم حدوث تشرذمات عديدة بين المحافظات المختلفة أو القبائل المختلفة و هنا مكمن الخطورة ، لذا فإني أناشدك يا سيادة الرئيس بأن تأخذ من لينكولن عبرة و عظة و الإستشهاد بأجنبي غير مسلم حلال بين مثلما أستشهد رسولنا الكريم بحاتم الطائي في الكرم و هو من الجاهلية و أستشهد بعنترة بن شداد و تمنى أن يدرك الإسلام لأنه يتسم بالشجاعة و رصانة الشعر و الإنسانية لا تخاطب دينًا بعينه و لاعرقًا محددًا بل إن عنوان الإنسانية من يقدرها حق قدرها و من ينفذها بحذافيرها و لك في كتاب الله مخرجًا صادقًا لتلك الأزمة مع الإستفادة من عبر التاريخ بشرقه و غربه لتخرج مصر من هذا المعترك الحذر.