إستكمالاً لسلسلة أديبات نوبل التي بدأناها بسلمى ليجرلوف و توقفنا عند نيللي زاكس تتوالى السلسلة بالإبحار في أعماق شاعرة كبيرة تحمل الروح اللاتينية لأمريكا الجنوبية حيث مكمن الإبداع الشعري على نطاق الواقعية الساحرة التي عبرت عن شيلي تلك الأرض الجميلة التي تغني جمالاً و سحرًا و روعةً حيث الطبيعة الخلابة الملهمة للشعراء. ولدت لوثيا جودي ألكاياجا بقرية فيكيونا بشيلي يوم 7 أبريل من العام 1889 و في أحضان الطبيعة بقريتها الصغيرة كانت المناجاة الإنسانية المؤهلة للمناجاة الشعرية تختزن بقلب و عقل و قريحة ميسترال الشعرية التي أعدتها للعالمية مستقبلاً. ولدت ميسترال في بيئة تستنشق العلم من خلال أب يعمل مدرسًا إلى جانب قرضه للشعر يُدعى خوان جيرونيمو جودي فيلانيوفا و أخت كُبرى كانت معلمتها بالمدرسة الإبتدائية بالقرية تُدعى إيميلينا مولينا و التي كانت تُكن لها كل حب و تقدير و إحترام و ظل هذا الإحترام متواجدًا لولا هبوب عاصفة الأزمات المالية التي عكرت بعض الشيء من صفو الحميمية الأخوية بين الشقيقتين و ذلك بعد وفاة الأب حيث الصراع مع الفقر من أجل البقاء رغم براثنه الشرسة و هنا قررت ميسترال في عامها الخامسة عشرة بالعمل كمدرسة بقرى شيلي المختلفة لتساعد أمها التي تُدعى بيترولينا ألكاياجا و هنا نضح الجو التعليمي على ميسترال لترى نفسها وسط الآلام تنضح شعرًا في العام 1904 بعد نشرها لبعض القصائد بالمجلات و الجرائد الشيلية و من هذه القصائد (أحلام – رسالة حارة) و غيرها من القصائد و كانت توقع باسمها الحقيقي. في العام 1906 تقابلت ميسترال و هي تعمل معلمة مع حبيبها روميليو يوريتا الذي كان يعمل موظفًا بالسكة الحديد و قام بالإنتحار في العام 1909 في ظروف غامضة لتساهم الأقدار في إفراز إبداعات شعرية ممزوجة بالحزن و الحرارة بكلمات فياضة ساهمت في نضجها شعرًا لتخرج تلابيب المفرادات الخالدة بقصائدها الناضجة و أصبح للموت و الحياة دورًا محوريًا في مواضيعها الشعرية لتخترق بشعرها تساؤلات الحياة سابقةً في هذا التناول من سبقها و من تلاها. كان لميسترال أصدقاء عدة من الرجال و النساء و على الرغم من هذا لا يعلم عنها أحد سوى القليل لفرض مناخ القرية بتحفظها على حياة الشاعرة التي لا تملك من سيرتها سوى إبداعها الذي بدأ يبزغ بنفائسه في العام 1914 بعد صدور مجموعتها الشعرية الأولى (سونتات الموت) و التي ساهمت في فوزها بالجائزة الأولى بالمسابقة الأدبية الوطنية بسنتياجو العاصمة الشيلية المعروفة باسم (خويغوس فلوراليس) أو (ألعاب الأزهار) و كانت تستخدم اسمها الحقيقي و الذي تحول إلى اسم شهرتها جابرييلا ميسترال مقتبسة إياه حيث الأول جاء من اسم الشاعر و الروائي الإيطالي جبراييل دي أنونزييو و الاسم الثاني جاء من اسم الشاعر الفرنسي الكبير فردريك ميسترال لتكون على موعد مع الشهرة و المجد. لعبت ميسترال دورًا كبيرًا في تطوير التعليم بشيلي في أول عقدين بالقرن العشرين على الرغم من السياسات التعسفية و كان لها دور كبير في تدريب و إخراج كادر من المعلمات لسد نقص الإحتياج إلى جانب الإستعانة بها كخبيرة لتطوير التعليم بالمكسيك أثناء الثورة المكسيكية التي استمرت من العام 1910 حتى العام 1920 و مكثت ميسترال بالمكسيك لمدة عامان جعلت من التعليم هناك نموذجًا موحدًا كما في بشيلي. كان لميسترال دورًا فعالاً باللجان الثقافية التابعة للمنظمات القومية لأمريكا اللاتينية مع عملها كقنصل عام لشيلي بنابولي و مدريد و لشبونة و قامت بتدريس الأدب الإسباني بجامعات الولاياتالمتحدةالأمريكية و بجامعة بوارتريكو لتجمع بين الخبرة التعليمية المدرسية و الجامعية في بوتقة واحدة و كأن تلك المرحلة تعوضها الحرمان التعليمي وقت حصولها على شهادة متوسطة في مجال التعليم العام 1910 لتكتمل أركان الثقافة لديها عبر تلك الخبرات في العشرينات و الثلاثينات. من أعمال جابرييلا ميسترال: - سونتات الموت 1914. - يأس أو إحباط 1922. - محاضرات للسيدات و هي عبارة عن محاضرات للمرأة و كيف تحافظ على حقوقها؟ 1923 - الحصاد 1938. علاوة على مقالاتها المتعددة التي نُشرت في مجلات و جرائد مختلفة في كافة أرجاء أمريكا اللاتينية و إذ برحيق العلم يمتد في الشعر و ذلك بتبنيها نيفتالي رييس باسولاتو المعروف باسم (بابلو نيرودا) هذا الشاعر الذي أصبح فيما بعد روح شيلي الشعرية و كأن الأقدار تجمع بين العباقرة من أجيال مختلفة أو بين الحاضر و المستقبل و ذلك بإنتهال نيرودا قريحته الشعرية من رحم ميسترال الشعرية و التي عُوضت بها عن الأمومة لتعوض الأقدار بما يُسر لكل فرد حسب مقدرته الإنسانية و الإبداعية. في العام 1945 قررت الأكاديمية السويدية منح الشاعرة الشيلية الكبيرة جابرييلا ميسترال جائزة نوبل للآداب كأول و لازالت آخر شاعرة من أمريكا اللاتينية و أول شيلية و خامس امرأة تتوج بهذه الجائزة العالمية و ذلك حسب إعلان الأكاديمية: (مُنحت جابرييلا ميسترال جائزة نوبل للآداب عن شعرها الغنائي المفعم بقوة الحركة و التعبير رمزيًا و فكريًا عن العالم الداخلي لأمريكا اللاتينية). بعد هذا الفوز قامت شيلي على المستوى الشعبي قبل الرسمي بتكريم ميسترال التي كافأت شيلي بأدبها نحو العالمية مع آداب العالم و ذلك بالإحتفاء بها باستاد سنتياجو في نفس العام و مشاركة بابلو نيرودا إبنها الشعري في هذا الحفل مترنمًا قصائد أمه الشعرية لينال جزاء وفاءه بعد ستة و عشرون عامًا في العام 1971 بفوزه بجائزة نوبل للآداب لتُكرم شيلي عبر الأم و الإبن من خلال شعر يدوم عبر الأجيال المختلفة. حصلت جابرييلا ميسترال على جائزة شيلي الأدبية في العام 1951 و تم الإستعانة بها للتدريس بجامعة وطنها الأم لتكون المكافأة مزدوجة ما بين العلم و الفن و تصبح ميسترال ماركة مسجلة للنجاح بين ضفتي الفن و الحياة. توفيت جابرييلا ميسترال يوم 10 يناير من العام 1957 بإحدى مستشفيات نيويورك بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان الذي لم يفتك باسمها كما فتك بجسدها لتبقى ميسترال حية كامنة في قلوب قرائها عبر أبياتها المأثورة حبًا و فكرًا و مناجاةً للوطن.