تتوالى جوائز نوبل بالعديد من الفائزين من كتاب العالم بلغات مختلفة و من بين هؤلاء الكتاب أديبات مابين الشعر و الرواية و من بين هؤلاء الشاعرة و المسرحية الألمانية السويدية اليهودية نيللي زاكس التي جعلت من ملاحم اليهود البكائية ملاحمًا شعرية تحاول ترسيخ المفهوم اليهودي بأرض الميعاد من أجل إقامة دولة إسرائيل منذ خطها أول ديوان شعري في تاريخها الأدبي. ولدت نيللي زاكس يوم 10 ديسمبر من العام 1891 في برلين و كانت الإبنة الوحيدة للمخترع ويليام زاكس و ألام مارجريتا و نشأت في أسرة برجوازية مثقفة و بسبب سوء حالتها الصحية تلقت التعليم بمنزلها لمدة ثلاث سنوات و في العام 1903 ألتحقت بمدرسة الفتيات العليا و في العام 1908 حصلت على الشهادة المتوسطة و في سن الخامسة عشر من عمرها قرأت للأديبة السويدية أول من فازت بنوبل للآداب من الأديبات سلمى ليجرلوف أعمالها الروائية و الشعرية لدرجةأنها قامت بمراسلتها لمدة خمسة و ثلاثون عامًا حيث الإتصال الروحي ما بين أديبة اليوم و أديبة الغد و من خلال ملاحظات ليجرلوف لقريحة زاكس الشعرية قامت زاكس بنظم أول قصيدة لها و هي في سن السابعة عشرة من عمرها. كانت نيللي زاكس إنطوائية غير منفتحة على العلاقات الاجتماعية و ظلت غير متزوجة بعد رفض الأب لوجود علاقة بينها و بين رجل مُطلق و ظلت تلك العلاقة قائمة دون معرفة اسم هذا الرجل لدرجة أنهما تقابلا في معتقل ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية و مات الحبيب في المعتقل ليكون رثاءً دائمًا لزاكس في قصائدها. صدر لزاكس أول مجموعة شعرية في العام 1921 بعنوان (أساطير و قصص) حيث إتسمت تلك المجموعة بصبغة سوداوية تحاكي الطبيعة و الموسيقى متأثرة بالمدرسة الروائية حيث المزج بين عنصري الشعر و الرواية في بوتقة واحدة ليكون هذا الديوان بطاقة تعارف بزاكس و لكن لم يكن هذا الديوان بمثابة الإنطلاقة الكبرى لها ليدخر القدر مواضع النجاح في عقود قادمة هي الأقوى و الأفضل لها. توفي والد نيللي في العام 1930 و إنتقلت مع والدتها بإحدى البيوت المستأجرة في شارع ليسنج شتراسه ببرلين و أخذت تستمر في نشر قصائدها بالجرائد الألمانية لتنتقل من مرحلة إلى مرحلة بإختراقها الروح التجريبية البعيدة عن الروح التقليدية لتتشكل قريحة زاكس الشعرية المألوفة كما عرفها الجمهور. عاشت زاكس حياة صامتة مع أمها حيث جيتو اليهود المنعزل عن مجتمع البلد المتواجد فيه للشعور بالإضطهاد خاصةً في أوروبا و وقت إضطهاد هتلر لهم عند وصوله للسلطة يوم 30 يناير من العام 1933 و أخذت تقرأ للأديب مارتن بوبر في بدايات الحرب العالمية الثانية العام 1939 حيث البحث عن السكون المفقود وسط أزيز الطائرات و أصوات الدانات من خلال صوفية هذا الأديب الكبير لتلجأ زاكس في شعرها إلى الصوفية الشعرية و تتأكد هذه الروح أثناء مطاردة هتلر لليهود و تعرضها للإعتقال لتهرب مع أمها و إحدى رفيقاتها إلى السويد بحثًا عن الأمان المفقود. كادت زاكس تحصل على تأشيرة إقامتها بالسويد من خلال سلمى ليجرلوف أستاذتها الروحية و لكن صعدت روح ليجرلوف للسماء لتجد زاكس روح ليجرلوف تشاطرها في البحث عن الإستقرار بتذليل الصعوبات لها و لأمها و جارتها في الوصول لإحدى معسكرات اليهود بالسويد ثم الإقامة بها. سكنت زاكس هي و أمها و جارتها بحجرة واحدة في جنوب إستكهولم و عملت كغسالة لرعاية أمها و تعلمت اللغة السويدية و قامت بترجمة أعمال شعراء السويد للغة الألمانية و من هؤلاء الشعراء: - جونر إيكلوف. - يوهان إيدفيلت. - كارل فينبيرج. نضجت قريحة زاكس الشعرية في فترة الحرب ما بين عامي 1944 و 1945 إلى جانب صدور مجموعتها الشعرية التي صدرت في العام 1947 بعنوان (مساكن الموت) و التي عبرت فيها عن إضطهاد اليهود في سنوات الحرب بعرض صورًا مختلفة من الألم و الموت مع كتابتها لقصيدة عن الهولكوست المؤججة بالدماء و النيران بلغة رقيقة و عذبة إلى جانب إختراقها المسرح بكتابة مسرحيتان بعنوان (إيلي) و (إبرام في الملح). في العام 1949 صدر لها مجموعة شعرية بعنوان (إظلام النجوم) و عُرف هذا الديوان بأمستردام و هو لم يُنشر في برلينالغربية و لا في السويد و أثنى النقاد على هذا الديوان مع نشر نصوص لها في جرائد مختلفة و عاشت زاكس حياة عصيبة مع أمها و كانت تعيش من الترجمة. في العام 1951 صدر لها مجموعة شعرية بعنوان (الآلام إسرائيل) و قال النقاد عنها بأن زاكس قامت بعمل مزج بين اللغة العصرية و لغة العهد القديم المتسمة بالرصانة و كانت هذه المجموعة كتبت و زاكس تعاني الحزن على فقدان أمها ليكون الأنين عنوان قصائدها. صدر في العام 1957 مجموعة شعرية بعنوان (و لا يعرف أحد المزيد) متأثرة باللغة السريالية الفرنسية و في العام 1959 صدر ديوان بعنوان (الهروب و التحول) على نفس نطاق الديوان الأول و أخذ اسم زاكس ينتشر بين القراء ليصل صيتها للإذاعة لتتحول مسرحية (إيلي) إلى مسرحية إذاعية و ينتشر اسم زاكس بماركة مسجلة بين الكلاسيكية و العصرية في اللغة الشعرية. حصلت زاكس في العام 1963 على الجنسية السويدية بعد أن أتقنت لغتها جيدًا و أصبح لزاكس جنسية مزدوجة ما بين السويدية و الألمانية و أثناء إستقرارها بالسويد أصدرت ديوان بعنوان (علامات في الرمل) في العام 1962 و ديوان بعنوان (منظر من الصراخ) في العام 1966 و تم تخصيص جائزة شعرية باسم زاكس العام 1961 لتمنحها لصاحبة الاسم مع حصولها على جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية في العام 1965 لتكون سببًا في زيارتها لوطنها الأم ألمانيا في ثوبها الجديد بعد الحرب. أعلنت الأكاديمية السويدية عن فوز الشاعرة الألمانية السويدية نيللي زاكس بجائزة نوبل للآداب مناصفة مع الأديب الإسرائيلي يوسف صموئيل أغانون لتكون جائزة الأدب يهودية خالصة و ذلك (لأعمالها الشعرية والمسرحية التي فسرت القدر اليهودي بقوة واضحة) و حصل أغانون على الجائزة (لقدرته الخارقة في عرض شخصياته الروائية المعبرة عن الشعب اليهودي). في يوم ميلادها العاشر من ديسمبر من العام 1966 تسلمت زاكس الجائزة و ألقت خطابًا قصيرًا بالألمانية حكت فيها عن اليوم الذي نزلت فيه السويد و ذكرت سلمى ليجرلوف التي لم يمهلها القدر لمساعدتها في الحصول على الإقامة بالسويد و أستشهدت بقصيدة لها بعنوان (إستبدلت الوطن بالعالم) و جاء الدور على أغانون ليقول في خطابه: (إثر كارثة تاريخية حيث دمر تيتوس الملك الروماني أورشاليم وجلا إسرائيل عن بلاده ولدت أنا في إحدى مدن المهجر، ولكني اعتبرت نفسي دائما كمن ولد في أورشاليم. في حلم، في رؤية ليلية، رأيت نفسي واقفًا مع إخواني اللاويين في الهيكل وأغني معهم أغاني داود ملك إسرائيل. أنغام مثلها لم تسمع أية أذن منذ خربت مدينتنا وذهب شعبنا جاليا. أظن بالملائكة المسؤولة عن هيكل الغناء أن خشيتهم من أن أغني يقظا ما غنيته في حلمي جعلتهم ينسوني نهارا ما غنيته ليلا (...) فرضوني لما حالوا دوني من الغناء شفويا ودعوني أصنع الغناء كتابة). مثلما إختارت الأقدار زاكس و أغانون اليهوديان ليكونا نجما نوبل للآداب العام 1966 و كأن الغرب يريد تبرير إغتصاب فلسطين عبر الأدب شاءت الأقدار أن يتوفى أغانون في فبراير من العام 1970 و تتوفى زاكس في 12 مايو من نفس العام حيث عاشت سنواتها الأخيرة في عزلة تامة بعيدًا عن الأضواء مقيمة بمصحة نفسية و كأنها إختارت الراحة بعيدًا عن الضجيج شعرًا و حياةً لتواري الثرى في مقبرة يهودية بشمال إستكهولم.