تشهد السوق المصرفية المصرية خلال هذه الفترة هجوماً منظماً من جانب عدد كبير من البنوك والمؤسسات المالية التركية الساعية بقوة للوجود في السوق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وتتوزع جهود هذه البنوك والمؤسسات على عدة محاور تشمل شراء بنوك مصرية قائمة بالفعل ومعروضة للبيع في مقدمتها بنوك تابعة لمؤسسات مالية أوروبية تتعرض لضغوط شديدة في بلادها الأصلية بسبب أزمة الديون الأوروبية الراهنة وتشمل قائمة هذه البنوك كل من “بيريوس مصر" التابع لبنك بيريوس اليوناني وبنك “بي ان بي باريبا" التابع للمجموعة الفرنسية وكذلك “كريدي أجريكول" الذي يبحث عن شريك استراتيجي لتنفيذ خطة توسع جديدة في السوق. البحث عن فرص الاستحواذ كما تشمل هذه الجهود قيام العديد من البنوك التجارية التركية بفتح مكاتب تمثيل لها في القاهرة بهدف متابعة أوضاع السوق عن كثب واقتناص أي فرص للاستحواذ مستقبلا عن أي كيانات مالية قد تعرض للبيع إلى جانب تقديم خدمات استشارية مالية وتسويقية للمؤسسات الاستثمارية التركية الراغبة في دخول السوق. في هذا الإطار يقوم حاليا بنك “اتشيه" التركي، أحد أكبر البنوك الحكومية، بعمليات الفحص النافي للجهالة لبنك “بيريوس مصر" تمهيداً للاستحواذ عليه بالكامل، حيث تشير مصادر مصرفية إلى أن قيمة الصفقة تتجاوز المليار جنيه سوف يجري ضخها دفعة واحدة في السوق. كما انتهى بنك “فايننس تركيا" من افتتاح مكتب تمثيل له بالقاهرة فيما تستعد بنوك أخرى وشركات عاملة في البورصة التركية لافتتاح مكاتب تمثيل لها في مصر بعد الحصول على التراخيص اللازمة سواء من البنك المركزي أو من هيئة الرقابة على الخدمات المالية غير المصرفية، حيث من المنتظر أن تتركز جهود هذه المكاتب على دراسة السوق المصرية وكافة جوانب قطاعاته الاقتصادية المختلفة واستكشاف الفرص الاستثمارية الكامنة به وتعزيز مجالات التبادل التجاري بين مصر وتركيا تدور حول 4 مليارات دولار حالياً ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا بحيث يقفز حجم التبادل بين الجانبين إلى نحو عشرة مليارات دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة وفقا لما هو مخطط له. كما تشمل أهداف الوجود المالي التركي في مصر خدمة الشركات التركية العاملة في السوق والتي دخلت بقوة خلال السنوات الخمس الأخيرة ونجحت في إنشاء تجمعات استثمارية وصناعية كبيرة سواء في شرق خليج السويس أو مدينة السادس من أكتوبر حيث تتركز في الأولى صناعات الغزل والنسيج والبتروكيماويات التركية بينما تتركز في الثانية صناعات مواد البناء ومواد العزل والدهانات التي تتمتع فيها الشركات الصناعية التركية بمزايا نسبية إلى حد كبير. التحالفات الاقتصادية وتستهدف الجهود التركية في مرحلتها الأولى الحصول على وحدة مصرفية في السوق المصرية تستطيع خدمة المصالح الاقتصادية التركية المتنامية في مصر، لاسيما على ضوء توجه من جانب النظام السياسي الجديد للاستفادة من تجربة التنمية التركية وصولاً إلى تحالفات اقتصادية بين الشركات المصرية والتركية تستطيع خدمة مصالح الطرفين وتنميتها. وتواكبت مع هذه الجهود خطوات سريعة من جانب الحكومة التركية بهدف تكثيف التواجد التركي في مصر وخلق شبكات من المصالح المشتركة بين رجال الأعمال في البلدين وكذلك بين الشركات الحكومية المصرية والتركية وهو التوجه الذي يلقى ترحيبا كبيرا من الجانب المصري ويتمثل هذا الترحيب في تقديم العديد من التسهيلات البيروقراطية والقانونية للعديد من الشركات التركية العاملة حديثا في السوق. في هذا الإطار جاء تنفيذ خطة “الممر التجاري" بين مصر وتركيا والتي تقضي باتخاذ ميناء الأسكندرية نقطة ارتكاز وتوزيع للتجارة الخارجية التركية سواء مع أسواق الخليج العربي أو الأسواق الأفريقية في شمال أفريقيا على وجه التحديد وذلك بدلا من اتخاذ الأراضي السورية ممرا لحركة التجارة التركية الى أسواق الخليج العربي بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا. والمقرر نقل البضائع التركية بحافلات من الإسكندرية إلى أحد موانئ البحر الأحمر ثم إلى السعودية ومنها إلى أسواق الإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن. ويأتي مشروع الممر التجاري ليمثل متنفساً للاقتصاد المصري يتمثل في الرسوم التي سيتم تحصيلها على مرور الشاحنات التركية والخدمات اللوجيستية التي ستحصل عليها هذه الشاحنات على الطرق المصرية السريعة، الأمر الذي سيؤدي بمرور الوقت إلى تطوير هذه الطرق والخدمات اللوجيستية القائمة عليها إلى جانب استفادة الشركات المصرية من الخبرات التسويقية والتوزيعية للشركات التركية في الوصول بمنتجاتها إلى الأسواق الأفريقية والخليجية، الأمر الذي يمكن أن يخلق على المدى البعيد نوعا من الشراكة الاستراتيجية بين الشركات المصرية والتركية في هذا المجال. وتتوقع دوائر مصرفية مصرية أن تشهد السوق وجودا تركيا قويا خلال الفترة المقبلة حال إتمام الصفقة بين “اتشيه وبيريوس مصر" حيث تشير هذه الدوائر إلى أن هذا الوجود سوف يتنوع في القطاع المالي ليشمل بنوكا تجارية واستثمارية وشركات عاملة في بورصة الأوراق المالية وشركات استشارات وإعادة هيكلة وصناديق استثمار متخصصة وشركات تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى جانب شركات الاستثمار المباشر في المجالات الصناعية والخدمية المختلفة. الطموح التركي ويقول أحمد قوره، الخبير المصرفي، إن رغبة الجانب التركي في الوجود في السوق المصرفية المصرية هي رغبة مفهومة ومبررة على ضوء تنامي حجم المصالح التجارية والاقتصادية المشتركة بين الجانبين لأنه من الطبيعي أن تبحث الشركات التركية الموجودة بقوة في مصر منذ سنوات عن البنوك التركية التي تتعامل معها في الوطن الأم فإذا وجدتها في السوق تعاملت معها بسهولة، الأمر الذي يحدث مع الشركات الفرنسية العاملة في مصر وتفضل التعامل مع البنوك الفرنسية وكذلك الشركات البريطانية التي تفضل التعامل مع “باركليز" و (HSBC) والشركات الإيطالية التي تفضل التعامل مع “الإسكندرية سان باولو". وقال إن ثمة تغيراً سوف تشهده السوق حال دخول البنوك التركية لأنه من المتصور أن يمتد الوجود التركي ليشمل عدة بنوك إلى جانب قطاعات مالية أخرى متنوعة نظراً للطموح التركي الكبير الذي يسعى إلى أن يكون لاعباً رئيسياً على خريطة الاقتصاد المصري عبر عمليات شراكة استراتيجية مع حلفاء محليين، خاصة أن النظام السياسي الراهن يرحب بمثل هذه التحالفات. وأوضح أن البنوك التركية تتمتع بقدر كبير من الانفتاح على السوق المصرفية الدولية لاسيما البنوك الأوروبية إلى جانب أنها تتمتع بمراكز مالية قوية وبنية تكنولوجية متطورة وشبكات من العلاقات والمصالح المتداخلة في العديد من دول المنطقة ومن ثم فإن وجودها في السوق المصرية سوف يفيد العديد من الأطراف المحلية التي تسعى إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع السوق التركية أو خلق مصالح جديدة مع أطراف تركية. كما أن الجهاز المصرفي التركي لعب دوراً حاسما ًفي دعم النمو التركي على مدار السنوات العشر الماضية عبر توفيره التمويل اللازم للمشروعات وتركيزه على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي ساهمت في تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تركيا وهو ما تحتاج إليه مصر بقوة خلال الفترة المقبلة وتستفيد من التجربة التركية إلى أبعد مدى في إحراز نمو يرتكز على التشغيل وتوليد فرص العمل. المصدر: الاتحاد الإماراتية