يأتي 2012 وسط تحديات كثيرة.. فالاقتصاد المصري مازال ينزف متأثرًا بأحداث الثورة التي جعلت المستثمر الأجنبي ينزوي بعيدًا وفقًا لنظرية "رأس المال جبان"، إنتظارًا لما ستؤول إليه الأوضاع في مصر، لتتهاوى التدفقات النقدية الاجنبية، والحال نفسه يتبعه المستثمر المحلي الذي لجأ لسحب استثماراته من السوق انتظارا لوجهة السفينة المصرية خلال 2012 بعد حسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. أسهمت حالة التردي الاقتصادي الحالية، والتي عانت منها مصر خلال 2011 أي خلال الفترة الانتقالية، في حالة تردي جديدة للأحوال الاجتماعية، فضلا عن حالة عدم الاستقرار الأمني بالشارع المصري، والعديد من التحديات الأخرى النابعة من حالة عدم الاستقرار السياسي، وعدم وجود نظام حاكم للدولة.. كلها "ضرائب طبيعية" للثورة.. يأمل المصريون أن يجدوا مقابلها بعد حسم الانتخابات وتقليد نظامًا حاكمًا وبرلمانًا شرعيًا منتخبًا.. "أموال الغد" حاولت في حوارها مع اللواء فؤاد علام، الخبير الأمني، وكيل جهاز أمن الدولة السابق، توصيف الوضع الراهن بالشارع المصري، فضلا عن رسم بعض السيناريوهات التي تنتظره، بالاضافة لوضع حلولا عملية لكافة المشكلات الامنية في الوقت الحالي. أكد علام أن الساحة السياسية المصرية تزخم خلال الفترة الحالية بالعديد من المتغيرات والتيارات النازحة إليها، المتنافسة على كعكة برلمان الثورة، والباحثة عن دور لها خلال المرحلة المقبلة بالشارع السياسي، ووسط تلك الآمال التي تمخضت جميعها من الثورة، التي أعطت المواطن المصري الثقة في أن يحلم بمستقبل أفضل، وأن يحقق هذا الحلم، تأتي العديد من التحديات لتهدد تلك السيناريوهات الوردية التي يرغبها الجميع، بعد عام كامل من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والمجتمعي أيضًا خلال المرحلة الانتقالية الحالية، التي يقودها المجلس العسكري وسط عواصف من التشكيك والتخوين، وموجات أخرى من الدعم والتأييد. شدد على ضرورة أن تقوم الداخلية بتغيير ملامحها القديمة، للعودة للشارع المصري مرة أخرى، وحسم ملف الأمن، والذي يعد من أخطر الملفات الحالية، والذي بحسمه تحسم العديد من الملفات الأخرى، مثل "السياحة"، وغيرها من القطاعات التي تنتظر فقط عودة الأمن للشارع المصري. في البداية، باعتبارك واحد من المقربين للنظام السابق، كيف فشل جهاز أمن الدولة صاحب القابضة الحديدية في التصدي للثورة أو التنبؤ بها من البداية؟ تميزت الثورة عن غيرها من الثوارت بأنها ثورة سلمية بالكامل، واعتمدت على الشباب بالدرجة الأولى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة..كما أن بعض كافة الشعب ساندتها، وانضمت لها في النهاية، لكنها في الأساس من صنع الشباب، الذين لم يحملوا السلاح، وأصًروا على سلميتها من البداية.. حتى نالوا ما حلموا به وهو الإطاحة بنظام مبارك، ولم يكن بمقدور أحد وقفها، خاصة أنها "ثورة شباب" قوية، على الرغم من تعرضهم لأعمال وحشية من قبل الداخلية وغيرها، لكنهم صمموا على سلمية الثورة، وهذه أحد مميزات 25 يناير، التي دفعت العالم كله للشهادة لها، خاصة أنها من الثوارت القليلة التي نجحت في إسقاط النظام دون أن تحمل السلاح. لكن، هل تعتقد أن الثورة تسير الآن بطريق معاكس بعيدًا عن مبادئها الرئيسية؟ الآن، للأسف الشديد، هناك فرق سياسية مختلفة تريد "سرقة الثورة".. بدأت تفرض نفسها على الشباب، مستغلين أن الشباب لم يكن لهم قيادة، ولم يكن لديهم تخطيط معين، كما أنه لم يكن يفكر في كيفية استكمال مسيرة الثورة والاستلاء على الحكم، فهي الثورة الوحيدة بالعالم التي من قام بها لم يدير الحكم، وبالتالي أعطت الفرصة لقوى سياسية متعددة بالبلد أن تحاول سرقتها.. بمعنى أنهم فرضوا أنفسهم وأجنداتهم على التوجهات الفكرية والايدولوجية والسياسية، وأخيرًا يخططون للاستيلاء على مجلس الشعب، مثل التيار الديني، الذي حقق نجاحًا كبيرًا بالمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. ألا ترى أنك متحامل على قوى التيار الديني بعض الشئ، خاصة أن كافة الأحزاب الأخرى تحاول فرض أندتها كطموح مشروع على الساحة السياسية؟ من الناحية السياسية، هناك ارتباك شديد، فالصراع بين القوى السياسية ليس على المستوى الذي يجب أن يكون عليه، فكل ما يهم تلك القوى أن تحقق مكاسب، إما فردية أو للقوى التي تنتمي إليها، وليس من المهم بالنسبة لهم مصلحة الوطن.. والدليل على ذلك، الصراع الذي نشب حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا، والذي استغرق وقتًا وجهدًا على الساحة السياسية بصورة كبيرة خلال فترة من الفترات، على الرغم من كون كافة التقاليد المعهودة بالعالم بأسرة تقول أن يكون الدستور أولا، خاصة أنه أبو القوانين ومنظم لكافة مناحي الحياة بالدولة.. لكن للأسف، بنظرة فيها نوع من الأنانية، تصورت أن مصلحتها أن تجرى الانتخابات أولا، حتى تكون لهم سلطة أن يكونوا أًصحاب القرار والفكر، خاصة أنه الفصيل الأكثر تواجدًا بالساحة السياسية، – ونجحوا في ذلك للأسف –، وقاموا ب "قلب الهرم". وكيف ترى الصورة الآن؟ الصورة الآن غاية في الارتباك، على الرغم أن الانتخابات تجرى خلال الفترة الحالية، لكن مازال الصراع بين القوى السياسية حول من ستكون له الغلبة في التحكم في وضع الدستور الجديد الذي سيحكم الدولة فيما بعد، جعل هذا النوع من الارتباك كثير من المواطنين في حيرة من أمرهم، ولا يستطيعون التوقع بشكل وماهية الدستور الجديد في حالة تمكن قوى بعنيها من وضع الدستور وسيطرتها على اللجنة التي تختص في وضعه.. ومن المعروف أن الدساتير لابد أن تكون توافقية، بمعنى أن تحقق كل آمال القوى السياسية بصرف النظر عن اختلاف أيدلوجياتها وأفكارها ومذاهبها. ألا تعتقد أن المجلس العسكري ساعد تلك القوى في السطو والاستيلاء على الثورة؟ المجلس العسكري حاول تنظيم المرحلة الانتقالية، ويقوم بطمأنة بعض القوى المتخوفة بانفراد بعض القوى السياسية الأخرى بالقرار، إلا أنه أخطأ في "الانتخابات أولا"، وجامل قوى على حساب قوى أخرى، لكن التقييك العام له إيجابي لأنه حمى الثورة، وإلا لكانت مصر مثلها في ذلك مثل ليبيا أو سوريا. وما تقييمك للفترة الانتقالية الحالية؟ كنت أتمنى أن يتولى الفترة الانتقالية إدارة مدنية يشارك فيها المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وأن تحصل الأحزاب على فرصتها الكاملة للإعلان عن نفسها بشكل واضح بالشارع المصرية. هل ترى أن الاخوان المسلمين وحدهم من استفادوا من تلك الفترة؟ ليس هناك كاسب في أي حال من الأحوال، لكن هناك خاسر واحد فقط وهو "مصر". كيف؟ المواطنين لم يحصلوا على الفرصة كاملة في التعرف على الأحزاب وبرامجها، وبالتالي جاءت أصواتهم معبرة عن اتجاه واحد ومقيدة بفكر حزب واحد فقط. حديثك يؤكد نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، والتي أكدت عن أحادية اتجاه البرلمان الجديد في صالح القوى الدينية.. نعم، للأسف الشديد، فمن وجهة نظري أن قانون الانتخابات لم يحقق الصورة التي نتمناها لمصر والمستقبل، لأنه شئ "متلخبط" .. به حسابات معقدة جدًا ما بين القائمة والفردي، وبعض الدارسين لقانون الانتخابات يرون أن هناك قطاع عريض من الأصوات لن يتم التعبير عنه داخل البرلمان يمثل نسبة 40%، و في هذه الحالة سيكون مجلس الشعب لا يعبر تعبيرًا حقيقيًا عن واقع الشارع السياسي المصري بالفعل.. وبشكل عام فإني أصف الانتخابات البرلمانية على أنها "شكلية" في ظل عدم معرفة الناخب من الأساس للأحزاب نفسها. وكيف ذلك؟ هناك نسبة كبيرة لا تمثلهم الدوائر الانتخابية، كما أن هناك العديد من المواطنين الذين لا يعرفوا الأحزاب القائمة حتى الآن، أو حتى عددها أو أسمائها وبرامجها، مما يجعلهم يبتعدون عن صناديق الانتخاب، ومن ثم لن يمثلوا بالبرلمان أيضًا، ويبلغ عددهم نحو 25 مليون مواطن. أشرت في البداية أن الشباب لم يفكروا في الوصول للحكم.. هل تعتقد أن فرصتهم بالبرلمان قوية بقدر يجعلهم مشاركون في صنع القرار؟ نعم، أنا أرهان على الشباب، لأنهم ب هم في الأصل الذين قاموا بالثورة، وانضم إليهم بعد ذلك باقي التيارات والأحزاب والأشخاص أيضًا، كما أن ثورتهم يحكي عنها العالم كله، خاصة أنهم أصوا على كونها "سلمية" حتى النهاية، حتى بعد أن استخدم الأمن العنف ضدهم.. في الوقت ذاته فإن تلك التيارات تحاول "سرقة الثورة" منهم، وتحقق مكاسب شخصية أو مكاسب معينة لتيارات بعينة، لوذا لا أعول عليهم مطلقًا.. يأتي ذلك كله في الوقت الذي يعد فيه كثير من الشباب مشهورين بمناطقهم، وهناك نزعات قبلية ترجح كفتهم على كثير من المرشحين المجهولين. وباعتبارك خبيرًا أمنيًا، ما هي آليات عودة الداخلية للشاراع مرة أخرى بقوة؟ هناك 4 خطوات لإعادة وضع الداخلية مرة أخرى لما كان عليه، أولهما تعيين دفعات من خريجي الكليات أصحاب المؤهلات العليا بالداخلية لتحسين الصورة، ثانيًا : يتم تغيير الزي الخاص بالشرطة ليعطي إيحاء بالتغيير، ثالثًا: تأسيس مكتبا للعلاقات العامة بكل قسم شرطة يتولاه شرطيًا وواحد من ممثلي منظمات حقوق الانسان، وأخيرًا، وضع كاميرات مراقبة بالأقسام والسجون لإثبات أي وقائع. أخيرًا، هناك من يعتقد أن الأمن الوطني هو صورة مماثلة لجهاز أمن الدولة، لا يفصلها عنه سوى الاسم فقط؟ يعكف المسئولين الآن على وضع قانون جهاز الأمن الوطني، لكنه بالتأكيد لن يكون مثل أمن الدولة، وسيقتصر فقط على الأمن الداخلي، مثل كافة بلدان العالم.