بات حلف شمال الأطلنطى "الناتو" فى قلب المشهد العربى الجديد ، كما اظهرت التطورات فى ليبيا وكما تنذر التطورات فى سوريا بكل ماتنطوى عليه الحالة السورية من تشابكات اقليمية وسط منزلقات خطرة. ومع احتمالات تدهور الأوضاع بصورة مأساوية فى سوريا فان الناتو مرشح بقوة للتدخل العسكرى فى هذا البلد العربى فيما تتحدث دوائر اطلسية عن سيناريوهات لفرض حصار جوى-بحرى واقامة مناطق آمنة فى سوريا ودروس مستفادة من الحالة الليبية مع التسليم بالاختلافات بين الحالتين . ويبدو ان موافقة مجلس الأمن الدولى على قرار بحماية المدنيين فى سوريا وادانة عنف النظام ستكون اللحظة الحاسمة لاطلاق الضوء الأخضر للشروع فى انماط من التدخل العسكرى السريع فى هذا البلد . وهنا فان تركيا العضو فى الناتو وصاحبة احد اقوى الجيوش فى هذا التحالف العسكرى ستقوم بدور رئيسى فى عملية التدخل الاطلسى فى سوريا وسط توافق ظاهر بين القيادة السياسية التركية والمؤسسة العسكرية فى البلاد حول مبررات هذا التدخل لأسباب سياسية وانسانية فيما تحولت تركيا فى الأشهر الأخيرة الى حاضنة وملاذ آمن لرموز المعارضة السورية وملتقياتها. وفيما تمتد الحدود السورية-التركية لأكثر من 700 كيلومتر فان عضوية تركيا فى حلف الناتو هى من وجهة نظر المؤسسة العسكرية التركية تنطوى على منافع تصب فى صالح الأمن القومى للبلاد غير ان حسابات التدخل فى سوريا عليها ان تأخذ فى الاعتبار عوامل داخلية تركية من بينها ان هناك مابين 15 و20 مليون تركى ينتمون مذهبيا للطائفة العلوية التى تشكل ذروة البنية الفوقية لنظام الحكم السورى. واذا كان بعض المحللين يستبعدون استنساخ نموذج القصف الجوى الاطلسى لليبيا فان البعض الآخر يرد بالتساؤل :وماالذى يحول فى ظل قرار دولى توجيه ضربات جوية اطلسية من تركيا لحسم الأوضاع فى سوريا؟. وكانت المعارك فى ليبيا قد فتحت صفحة دامية جديدة فى سياق مايعرف "بحروب المدن" فيما اثارت تساؤلات حول دور سلاح الجو فى هذا النوع من الحروب بقدر ماطرحت تحديات جديدة امام الفكر العسكرى الغربى والأمريكى على وجه الخصوص. وبدا استخدام حلف شمال الأطلنطى للمروحيات الهجومية من طراز "اباتشى " فى قصف القوات الموالية لنظام العقيد معمر القذافى لحظة فارقة فى العمليات العسكرية الأطلسية فى ليبيا فيما لن يكون من المستبعد استخدام هذا النوع من المروحيات التى تتميز بمرونة فائقة وقدرة على ضرب الأهداف من ارتفاعات منخفضة بدقة عالية فى اى عمليات للناتو بسوريا. ويكشف طرح للخبير العسكرى الأمريكى بوب كيلبرو عن نظرة استراتيجية امريكية تربط مابين الضربات الجوية وحالة السيولة الواضحة فى الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط التى تبدو وكأنها فى مرحلة صياغة جديدة واعادة تشكل ووصولا لأفغانستان وانتهاء بالصين. ومن نافلة القول ان حروب المدن امست فى بؤرة اهتمامات المؤسسة العسكرية الأمريكية الضالعة منذ سنوات فى هذا النوع من الحروب فضلا عن الدول الغربية المتحالفة مع الولاياتالمتحدة فى حلف شمال الأطلنطى. وهكذا فمن الطبيعى ان يعكف الخبراء العسكريون فى الغرب على دراسات متعمقة تتعلق بحروب المدن واعادة اكتشاف معطياتها والسعى لحل المشاكل التى تكتنف حسم هذا النوع من الحروب وتوزيع المهام والأدوار بايقاع سريع.