في حالات محددة يعتبر التأخير عامل ايجابي ، إذ ينتج عنه اندفاع للتعجل والسرعة فى نهاية الأمر للحاق بالركب المنطلق ، وفيما يتعلق بقوانين تجريم بعض الممارسات على شبكة الانترنت أو المعتمدة أساسًا على شبكة الانترنت تأخرت مصر أكثر من 12 عامًا، فمنذ أيام قليلة لم تمتلك مصر أية آلية لتعريف "الجرم الالكتروني" أو أي إطار تشريعي لتوقيع العقوبة على مرتكبيه. وفي بيئة تعج بالممارسات الارهابية أصبحت تطل يوميًا على المستخدمين للمواقع المختلفة ، خاصة نوافذ التواصل الاجتماعي فإن الجرائم الالكترونية والتحريض على الإرهاب، بدأ في منحى مبالغ فيه سواء في عدد المواقع المحرضة على الممارسات الإرهابية أو في استخدام شبكة الانترنت في نشر المحتوى الإرهابي والترويج له بقوة عبر شبكة بلغ عدد مستخدميها حول العالم أكثر من 2.5 مليار نسمة. خطوات واسعة اتخذتها مصر على نحو متسارع ومتتالي بدأت بانضمامها العام الماضي لاتفاقيتين هامتين في صدد محاربة الجريمة الالكترونية ، وهما اتفاقية عربية وأخرى صادرة عن الاتحاد الإفريقي بهدف التصدي للجرائم المرتكبة عبر شبكة الانترنت وآخرها هو إقرار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية الذي اعتبره الخبراء خطوة جديدة للتحول نحو الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات. ويرى الخبراء أن مصر دخلت في مرحلة تحول نحو مزيد من حماية شبكات الإنترنت ، بالتزامن مع توجهها نحو إقرار عدد من القوانين الجديدة ، مثل قانون حرية تداول المعلومات وسرية البيانات وحماية التجارة الإلكترونية وتعديل قانون التوقيع الإلكتروني مشيرين إلى أن تفعيل مجلسًا جديدًا للأمن السيبراني سيتيح مزيد من الحرية في إصدار القوانين والتشريعات لحماية البيئة التكنولوجية من ناحية، ويتيح أدوات أكثر فاعلية للتعامل مع الجرائم الإلكترونية نظرًا لتمثيل كافة اللاعبين المؤثرين في البيئة التكنولوجية والتشريعية والسيادية في هذا المجلس. بينما اعتبر البعض القانون "تسرع" نحو التصديق على أي قانون قد لا يراعي بعض النقاط الهامة خاصة فيما يتعلق بالتعريفات التى ينتج عن عدم مراعاتها ثغرات في تطبيق القانون تحول دون الاستفادة به على الوجه الأمثل. قال الدكتور شريف هاشم رئيس مركز الأمن السيبراني "CERT" أن القانون يأتي كخطوة "مهمة" في وقت تحتاج فيه البيئة التشريعية المصرية إلى وضع إطارًا عامًا لتعريف الجريمة الالكترونية وطريقة التصدي لها خاصة مع الانتشار الملحوظ في الاعتماد على شبكة الانترنت سواء على مستوى جيد أو الاعتماد عليها في التوجهات الإجرامية والإرهابية. ويتابع " وضعت مصر التصور الأول للقانون منذ عام 2003 ومازلنا حتى الآن لم نصدره ، أو نبدأ العمل به بما يمثل أزمة كبيرة في طريقة التعامل مع الجرائم المرتكبة على شبكة الانترنت وطريقة التعامل معها خاصة من الناحية الجنائية. وشدد هاشم على أن القانون سيراعي عدم اللبس في التعريفات المحددة للجرائم الإلكترونية والاصطلاحات التى قد تمثل نوع من الخلط أو التداخل بين الجرائم وبعضها البعض، مضيفًا أن مصر بدأت في اتخاذ خطوات فعلية نحو تدعيم البيئة التشريعية الخاصة بمناخ استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات بداية من المشاركة في الاتفاقيتين العربية والإفريقية لحماية الفضاء السيبراني، مرورًا بالتأكيد الحكومي على كافة المستويات على أهمية حماية شبكات الانترنت والتصدي لاستخدام الأدوات التكنولوجية في التحريض على الإرهاب أو ارتكاب الجرائم وحتى إصدار القانون الأخير الخاص بحماية استخدام شبكات الانترنت والتي تضمن عدم استخدامها في الأعمال غير المشروعة. وتوقع نائب رئيس مركز الأمن السيبراني أن تتحول مصر إلى مزيد من حماية شبكات الإنترنت خلال الفترة المقبلة بالتزامن مع إقرار عدد من القوانين الجديدة مثل قانون حرية تداول المعلومات وسرية البيانات وحماية التجارة الإلكترونية وتعديل قانون التوقيع الإلكتروني مشيرًا إلى أن تفعيل مجلسًا جديدًا للأمن السيبراني سيتيح مزيد من الحرية في إصدار القوانين والتشريعات لحماية البيئة التكنولوجية من ناحية، ويتيح أدوات أكثر فاعلية للتعامل مع الجرائم الإلكترونية نظرًا لتمثيل كافة اللاعبين المؤثرين في البيئة التكنولوجية والتشريعية والسيادية في هذا المجلس. خلال القمة العربية المنعقدة بشرم الشيخ نهاية مارس وفي كلمته الافتتاحية للقمة أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية تكوين ما يشبه "بالقوة العربية المشتركة" للتصدي للاستخدامات الإجرامية لشبكة الإنترنت وقبلها بأشهر قليلة أعلنت مصر عن تشكيل ما يطلق عليه "المجلس الأعلى لحماية البنى التحتية والأمن السيبراني" برئاسة وزير الاتصالات وعضوية ممثل وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والبترول والثروة المعدنية والكهرباء والطاقة المتجددة والصحة والسكات والموارد المائية والتموين والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وجهاز المخابرات العامة والبنك المركزى المصرى، ويختص المجلس بوضع استيراتيجية وطنية لمواجهة الاخطار والهجمات السيبرانية والاشراف على تنفيذها. وهو ما يعتبره المهندس عادل عبد المنعم رئيس مجموعة تأمين المعلومات بغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات، خطوات واسعة نحو التصدي للإرهاب الإلكتروني ومواجهة الجريمة المعتمدة على شبكة الانترنت ووضعها في إطارها الصحيح دون معارضتها للقوانين المعمول بها حاليًا، مؤكدًا على أن القوانين الحالية مليئة "بالثغرات" التى تحول دون مواجهة ارتكاب الجرائم بالاعتماد على شبكة الإنترنت. أشار إلى أن قانون العقوبات ينص على معاقبة السارق فقط في حالة وجود "عناصر ملموسة وقابلة للسرقة"، وبالتالي لا يعاقب مخترقي الحسابات البنكية أو المحتالين على البيانات الشخصية الخاصة بمستخدمي البريد الإلكتروني وغيرها، مشددًا على أن النقطة الأهم التى يجب أن يركز عليها القانون هي الوضوح في التعريفات الخاصة بكل مصطلح من بنوده كيلا تتعارض مع القوانين الحالية وتراعي في الوقت نفسه الجانب التكنولوجي المتطور في مثل تلك الجرائم. واستطرد عبد المنعم " يجب تنظيم برامج تدريبية للعاملين في السلك القضائي للتعريف بمفهوم الجريمة الإلكترونية وطريقة التعامل مع الدليل الرقمي والاستناد إليه كواحد من أساليب إقامة الحجة ، أو نفي التهم عن المتهمين في أي جريمة سواءً اعتمدت على أدوات إلكترونية أو استخدمت دليل رقمي للقيام بأعمال تتنافى مع القانون". ولفت إلى ضرورة أن يشتمل القانون على مواجهة التسريبات الخاصة بالجهات السيادية ، لتغطية الفجوة التشريعية الحالية التى تعيق مجازاة المجرمين على ارتكابهم جرائم قانونية ومحوها في أوقات أخرى وصعوبة إثبات ذلك، ضاربًا المثل بنشر مقاطع الفيديو المحرضة على الإرهاب والتى تهدد هيبة الدولة وبالتالي فإن التعامل مع تلك المواد يجب تناوله من ناحية "المساس بهيبة الدولة والتحريض على الإرهاب" في الوقت نفسه. وعن تهديد القانون للحرية الفردية في نشر الرأي أوضح عبد المنعم أنه يجب في تعريفات القانون الفصل بين نشر الرأي على الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي، وبين المواد المنشورة على الصفحات العامة التي يمكن الإطلاع عليها من قبل كافة المستخدمين للموقع. تعتبر السويد أول دولة تسن تشريعات خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، حيث صدر قانون البيانات السويدي عام (1973م) الذي عالج قضايا الاحتيال عن طريق الحاسب الآلي إضافة إلى شموله فقرات عامة تشمل جرائم الدخول غير المشروع على البيانات الحاسوبية أو تزويرها أو تحويلها أو الحصول غير المشرع عليها . وتبعت الولاياتالمتحدةالأمريكيةالسويد حيث شرعت قانونا خاصة بحماية أنظمة الحاسب الآلي (1976م – 1985م)، وفي عام (1985م) حدّد معهد العدالة القومي خمسة أنواع رئيسة للجرائم المعلوماتية وهي: جرائم الحاسب الآلي الداخلية، جرائم الاستخدام غير المشروع عن بعد، جرائم التلاعب بالحاسب الآلي، دعم التعاملات الإجرامية، وسرقة البرامج الجاهزة والمكونات المادية للحاسب. وفي عام (1986م) صدر قانونا تشريعاً يحمل الرقم (1213) عرّف فيه جميع المصطلحات الضرورية لتطبيق القانون على الجرائم المعلوماتية كما وضعت المتطلبات الدستورية اللازمة لتطبيقه، وعلى اثر ذلك قامت الولايات الداخلية بإصدار تشريعاتها الخاصة بها للتعامل مع هذه الجرائم ومن ذلك قانون ولاية تكساس لجرائم الحاسب الآلي. وتأتي بريطانيا كثالث دولة تسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي حيث أقرت قانون مكافحة التزوير والتزييف عام (1981م) الذي شمل في تعاريفه الخاصة بتعريف أداة التزوير وسائط التخزين الحاسوبية المتنوعة أو أي أداة أخرى يتم التسجيل عليها سواء بالطرق التقليدية أو الإلكترونية أو بأي طريقة أخرى. وتطبق كندا قوانين متخصصة ومفصلة للتعامل مع جرائم الحاسب الآلي والانترنت حيث عدلت في عام (1985م) قانونها الجنائي بحيث شمل قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، كما شمل القانون الجديد تحديد عقوبات المخالفات الحاسوبية، وجرائم التدمير، أو الدخول غير المشروع لأنظمة الحاسب الآلي. وعلى المستوى العربي أعلنت السلطات المختصة أنها ستفرض عقوبات بالحبس لمدة عام واحد وغرامات لا تزيد عن 500 ألف ريال فيما يعادل 133 ألف دولار لجرائم القرصنة المرتبطة بالانترنت واساءة استخدام كاميرات الهواتف المحمولة مثل التقاط صور دون تصريح، وبدأت السودان في وضع قوانين محددة للتعامل على الإنترنت منذ عام 2007، كذا المغرب بدأت منذ عام 2007 في تقنين استخدام شبكة الإنترنت. ومن جانبه قال اللواء رشدى القمرى مساعد وزير الداخلية لتوثيق المعلومات ، إن وضع قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية لن يتعارض مع الخصوصية الفردية لمستخدمى شبكة الإنترنت، مؤكدا أن القانون سيركز على مواجهة الجرائم التى تعتمد بشكل أساسي على الشبكة الدولية خاصة مع تفعيل المجلس الأعلى للأمن، "السيبراني" لمتابعة تطبيق تلك القوانين. وكشف القمرى إن وجود إطار تشريعى يعاقب المجرمين الإلكترونيين خطوة جيدة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى مصر، موضحاً أن هناك بعض الجرائم الإلكترونية ظهرت خلال ال15 عاما الماضية ينقصها الإطار التشريعى، للتعامل مع هذه الجرائم. وتوقع أن يستكمل القانون الجديد منظومة قوانين الاتصالات، والتوقيع الإلكترونى، والملكية الفكرية، وحماية الطفل مشددًا على أن شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى من أخطر أساليب نشر الإرهاب خلال الفترة الحالية وهو مااستوجب الاسراع من سن التشريع الجديد لمواجهة العديد من الصفحات الإلكترونية الداعمة للإرهاب تقدر بالآلاف. وربما يكون التوجه الحالي الذي تتخذ مصرحول تفعيل الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الإفريقي بشأن حماية البيانات والتى تنص على أن "الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي مُكلّفون باستحداث سلطات حماية البيانات ، بينما على أطراف الاتفاقية من أعضاء الحكومة ورجال الأعمال وحتى المساهمين في شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) المشاركين في سلطة حماية البيانات أن يعززوا استقلال هذه الهيئة علاوة على بلورة المزيد من المبادئ التوجهية في عملية اختيار الأعضاء لضمان الشفافية والاستقلال بالكامل على حد سواء". إلا أن الدكتور عبد الرحمن الصاوى رئيس لجنة صياغة القوانين والتشريعات بوزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات يؤكد على أن محتوى القانون الجديد ضعيف للغاية وغير مؤثر بالمرة خاصة أنه يفتقد العديد من التعريفات والبنود الأساسية لمحتوى القوانين. وأضاف الصاوى أن ذلك القانون يهدر نص قانون الفضاء الحاسوبي الذي من المفترض أن تطبقه الدولة ويضعه كأحد الهوامش التشريعية على جانب القانون الحالي ،مشيرًا إلى أن القنون يعد كان يجب صياغته بشكل أفضل لتحقيق تكامل قانونى لبنود مكافحة الإرهاب الالكترونى . وشدد الصاوى أن القطاع يحتاج إلى حزمة من الأطر التشريعية يجب إقرارها في بوتقة موحدة لتنظيم العمل في القطاع ومراعاة كافة الجوانب العاملة والمؤثرة في صناعة تكنولوجيا المعلومات ومن ضمنها اعتماد سيناريو لتفعيل التوقيع الإلكتروني وحماية المعلومات وسرية بيانات المستخدمين، بدلاً من إصدار شكل مفرد لا يساهم فى تقنين إشكاليات الإرهاب الإلكترونى التشريعية ويمنع استفياء كافة بنوده بشكل دقيق. ولفت الصاوى إلى أن ذلك الإصدار تم بشكل متسرع دون إعداد منضبط يوضح المواد الرئيسية التى ينص القانون عليها، مطالبًا وزارة الإتصالات بإعادة نظر فى وضع القانون والرجوع لصياغته بصورة أقوى من تلك مع وضع التغييرات المستمرة التى تتطرأ على جانب الإرهاب الإلكترونى فى الإعتبار.