سهر الدماطى: البنوك الرقمية خطوة مكملة لسلسلة القرارات الإصلاحية.. وتعزز من تضمين المواطنين بالجهاز المصرفي عبدالحميد أبو موسى: التطور التكنولوجي قادر على تغيير ثقافة المواطن للاعتماد على الخدمات المالية الرقمية أشرف القاضى: البنوك الرقمية ستعيد توزيع هيكل العمالة بالاقتصاد المصري شهد القطاع المالي والمصرفي طفرة تكنولوجيا هائلة خلال العقدين الأخيرين، متمثلةً في التوسع الكبير بخدمات الدفع الإلكترونية والتطبيقات الحديثة لإدارة الحسابات البنكية من خلال الهواتف الذكية، حيث يمثل هذا التطور نتيجة حتمية للإنتشار الكبير للتقنيات الرقمية وتطلع العملاء إلى القيام بمعاملاتهم المصرفية بشكل فوري. وفي ظل هذا العالم المفتوح والبيئة الريادية الخصبة، تمكنت الشركات التكنولوجية الناشئة من تحقيق انتشار كبير بين طبقات المجتمع المختلفة حول العالم، الأمر الذي أغراها للدخول في السباق نحو تقديم الخدمات المصرفية بمستوى لا يقل عن ما توفره البنوك التقليدية، وجاء ذلك مدفوعاً بضخامة أعداد عملاء هذه الشركات وانخفاض تكاليف معاملاتها مقارنة بالمؤسسات المصرفية، وتمثل فيس بوك العالمية أبرز الشركات حديثة العهد بالخدمات المصرفية في دولة أيرلاندا بناءاً على قرارات البنك المركزي الأيرلندي، بالاضافة إلى شركة أمازون في الولاياتالمتحدة وأوربا، وتطبيق "وي تشات" بالصين. وتماشياً مع هذه المنافسة الشرسة، وزيادة الطلب على عمليات التجارة الإلكترونية بشكل ضخم، تم إطلاق البنوك الرقمية لتحدث نقلة نوعية بالقطاع المصرفي، حيث تُعد اتجاهاً حديثاً ومختلفاً عن البنوك التقليدية لما تحققه من مزايا عديدة، معلنةً بذلك عن دخول مرحلة جديدة من الخدمات المصرفية من خلال تقديم خدمات رقمية حصرية عبر تطبيق على الهواتف الذكية، أو عن طريق الانترنت. واتجهت بعض البنوك في الآونة الأخيرة للتحول من العمل التقليدي إلى الرقمي، وذلك لخفض التكاليف التشغيلية بنسبه تصل إلى 30% من تكاليف البنوك التقليدية، بالإضافة إلى القضاء على تكدس المواطنون أمام الشبابيك في مختلف الفروع البنكية، ويُعد بنك المشرق من أبرز البنوك العربية التي بدأت التحول إلى الشكل الرقمي، وذلك بعد إطلاقه "المشرق نيو" الذي يقدم جميع الخدمات المصرفية الفورية عبر قنوات رقمية فقط، ومن دون فروع لتلبية جميع احتياجات العملاء المصرفية. وخلال مؤتمر التكنولوجيا المالية "سيملس شمال أفريقيا" الذى عقد مطلع الشهر الماضي لدعم ريادة الأعمال والتوسع فى الاستثمار بالتكنولوجيا المالية، كشف طارق عامر محافظ البنك المركزي، أن مصر تدرس فكرة إنشاء البنوك الرقمية خلال الفترة المقبلة، وذلك استكمالاً لوضع القطاع المصرفي المصري ضمن المتنافسين عالمياً بمجال التكنولوجيا المالية، بجانب دور البنوك الرقمية لدعم وترسيخ مفهوم الشمول المالى بالمجتمع. وعلى الرغم من المميزات العديدة التي تتسم بها البنوك الرقمية من سهولة وسرعة إنجاز المعاملات المالية من أي مكان وانخفاض التكلفة، إلا أنها قد تواجه بعض الصعوبات والتحديات لتطبيقها في مصر، ويتمثل ذلك في عده جوانب منها الثقافي والفكري وبعضها تقني وفني وأخر خاص بالموارد البشرية، فعلى صعيد الجانب الثقافي سنجد بعض التخوفات للكثير من العملاء في إدارة أموال طائلة، وتحويلات نقدية بالملايين، وعمليات تبادل تجارى تتخطى مئات الملايين من خلال الآلة دون وجود موظف في نفس المكان للرجوع إليه في حالة حدوث خطأ، هذا بالاضافة إلى احتياج البنوك الرقمية لبنية تحتية تكنولوجيا فائقة التطوير تسهم في توفير كافة الخدمات المصرفية للعملاء عبر أدوات قنوات رقمية. وفيما يخص الموارد البشرية، يضم القطاع المصرفي المصري 111 ألف موظف في 38 بنك بأكثر من 3950 فرعاً على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى الخطوات التوسعية التي تقوم بها البنوك، والذي بدوره يزيد الطلب على العمالة، وفي ظل معدل البطالة المرتفع الذي بلغ نحو 11,3٪ بنهاية عام 2017، تظهر العديد من التساؤلات أهما هل ستؤثر البنوك الرقمية على هيكل العاميلن بالقطاع المصرفي والوقوع في فخ البطالة خاصة في دولة نامية مثل مصر؟!. من جانبها قالت سهر الدماطى نائب رئيس بنك مصر، إن الفترة الحالية تُعد الأفضل لمواكبة مصر لساحة التطور التكنولوجى العالمى، وإعلان محافظ البنك المركزى طارق عامر عن رغبته في إنشاء أول بنك رقمي فى مصر، وهو ما يعتبر بمثابة خطوة هامة ومكملة لسلسلة قرارات اصلاحية للاقتصاد عامةً وللقطاع المصرفي خاصةً، مشيرةً إلى أن انتشار مثل هذه البنوك تدعم اتجاه الدولة لخفض تداول النقود بين المواطنين لتصبح كافة المعاملات من خلال البنوك، وبالتالى الحفاظ على توازن المعروض النقدى تجنباً لحدوث أزمات اقتصادية أخرى، كما تُمكن القطاع المصرفي من تمويل كافة المشروعات سواء القومية أو الاستثمارية. وأضافت أن دخول البنوك الرقمية فى مصر لن يكون بالأمر المستحيل؛ حتى وإن واجهت الفكرة عدة عقبات فى البداية، وذلك في ظل مواكبة المواطن للتطور التكنولوجى بكافة المجالات، بجانب إنتشار الهواتف الذكية مع شريحة كبيرة من الموطنين، بالإضافة إلى عمل برامج توعية ثقافية للمواطن بالدور الذى يلعبه القطاع المصرفي خاصة فى دفع عجلة النمو الاقتصادى وتمويل مختلف القطاعات، وإدراكه أن هذه البنوك ستقدم كافة الخدمات المصرفية من خلال شبكات الانترنت والهواتف الذكية لتسهل تقديم تلك الخدمات بدون جهد وبأقل تكلفة، مما يساعد تلك المنظومة الرقمية في تحقيق آثارها الايجابية المرجوة. وأشارت الدماطى إلى أن انتشار البنوك الرقمية بين المواطنين قد يستغرق عدة سنوات ليصل إلى القاعدة العريضة للمجتمع، متوقعة امتلاك كل مواطن حساب مصرفي فى بنك رقمي بحلول عام 2030 بما يتيح له إدارته من خلال هاتفه الشخصي. وفي سياق متصل قال عبدالحميد أبو موسى محافظ بنك فيصل الإسلامي المصري، إن القطاع المصرفي العالمي يتجه نحو تقديم الخدمات آليا ومن خلال شبكات الإنترنت والهواتف الذكية، وأنه في حالة إنشاء أول بنك رقمي في مصر سيكون ذلك تطور تكنولوجي كبير في القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن ثقافة الشعوب تتطبع حسبما تجد من امكانيات وتطور تكنولوجي، وفي حالة تواجد الخدمة سيتواجد الطلب والحاجة إليها، مثل الهواتف الذكية التى كانت منذ 10 سنوات غير منتشرة على الاطلاق ثم باتت الآن أحد أولويات المواطن. وأضاف أن تأثير البنوك الرقمية على البطالة سيكون طفيف، خاصة أن القطاع المصرفي ليس كثيف العمالة مقارنة بقطاعات أخرى كقطاع الصناعة أو التجارة، بالإضافه أنه لا يمكن التخلي عن البنوك التقليدية لما تقدمه من خدمات مصرفية مختلفة، ولكن سيقل الضغط على البنوك الاعتيادية وستكون أكثر اهتماماً بتمويل المشروعات القومية. أشرف القاضى رئيس المصرف المتحد، يري إنه كلما تمكن البنك من تقديم كافة خدماته المصرفية من خلال الانترنت أو خدمة العملاء بالهاتف أو تطبيقات البنك للهواتف الذكية، كلما زاد تطور ونجاح البنك فى تقديم الخدمات للعميل بأقل جهد وتكلفة، مضيفاً أن أغلب البنوك حالياً فى مصر تتجه نحو التحول الجزئى للبنوك الرقمية، حيث أصدرت معظم البنوك تطبيقاتها على الهواتف الذكية لتقدم أغلب الخدمات المصرفية كالتحويلات من حساب لآخر، ودفع الفواتير، ودفع رسوم المدارس والنوادى والتأمينات، وذلك من خلال الموبايل دون التوجه إلى الفرع أو تكدس العملاء أمام الشبابيك، منوهاً إلى أن المصرف المتحد تصدر البنوك فى تقديم هذه الخدمات إيماناً منه بما تحققه من فوائد. وأشار إلى أن تأثير المنظومة الرقمية على العمالة قد لا يكون سلبياً كما يعتقده البعض، فقد يتجه العاملين بالقطاع المصرفي إلى أعمال تحقق قيمة مضافة أعلى من الخدمات التى يقدمها موظف البنك، والتى يمكن أن تستبدل بالآلة، خاصة أن هناك مجالات أخرى قد تكون ذات قيمة مضافة، وتصب فى صالح الناتج المحلى الإجمالى مباشرة، مؤكداً أنه عندما تتسع قاعدة عملاء القطاع المصرفي تصبح البنوك أكثر قوة وتوسع مما يجعلها قادرة على تمويل عدد أكبر من المشروعات وبالتالى سيزداد الطلب على العمالة، أى ستعمل البنوك الرقمية على إعادة توزيع العمالة فى مجالات أكثر احتياجاً للعامل. ونوه القاضى أن مصر تملك تكنولوجيا مالية متطورة تمكنها من الاعتماد على منظومة رقمية مصرفية متكاملة، تتمكن من الحفاظ على أموال وتحويلات العاملين بشكل آمن تماماً.