اللجنة الاقتصادية للقومي لحقوق الإنسان تعقد ورشة مع مديرية المالية بالغربية    الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأسيس الأمانة العامة للمؤسسات التعليمية    40 وظيفة على حافة الاختفاء.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبلك المهني؟    أونروا: سيكون للمنخفض الجوي تداعيات كارثية على النازحين في قطاع غزة    مستشفى ريال مدريد| احتمالات بغياب الرباعي المصاب عن مواجهة إلتشي    التحريات تكشف تفاصيل وفاة اللاعب محمد صبري في حادث مروري بالتجمع    لحظات حرية مطلقة، مايا دياب تكشف أسرار العلاقات في حياتها ب" On The Road"    4محاور لمستقبل رعاية زراعة النخاع في مصر ضمن فاعليات المؤتمر العالمي للسكان    قصص نجاح في إدارة مرض الهيموفيليا في المؤتمر العالمي للسكان    الأهلي يتوج ببطولة السوبر المصري لكرة اليد بعد الفوز على سموحة    "البرهان" يعلن التعبئة العامة من منطقة السريحة بولاية الجزيرة    وزيرا خارجية مصر والسعودية يبحثان تطورات غزة والسودان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره في تركمانستان العلاقات الثنائية بين البلدين    الإصابة تبعد مارك جويهى عن معسكر منتخب إنجلترا    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون مقترحًا لتدريب 3 آلاف ضابط شرطة من غزة    "الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات التتويج في بطولة العالم للرماية    3 مصريين يتأهلون لنصف نهائي بطولة الصين المفتوحة للاسكواش    مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025.. مواجهات نارية في تصفيات أوروبا وكأس العالم للناشئين والوديات الدولية    الطيران المدني توضح حقيقية إنشاء شركة طيران منخفض التكاليف    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    بدء تطبيق نظام الحجز المسبق لتنظيم زيارة المتحف المصرى الكبير الأحد    أهرامات الجيزة ترحب بالسائحين.. وفصل الخريف الأنسب    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    وبالوالدين إحسانًا.. خطيب المسجد الحرام يوضح صور العقوق وحكم الشرع    الخريطة الكاملة لمناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى الجيزة    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    "سد الحنك" حلوى الشتاء الدافئة وطريقة تحضيرها بسهولة    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    اللهم صيبا نافعا.. تعرف على الصيغة الصحيحة لدعاء المطر    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    وزير الخارجية: صلابة الدولة ورؤية القيادة ووعى الشعب أسهم فى استقرار الوطن    الإئتلاف المصرى لحقوق الإنسان والتنمية : خريطة جديدة للمشهد الانتخابي: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى    الأمم المتحدة: التهجير الدائم للسكان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة يرقى لجريمة حرب    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    تفاصيل مصرع شخص وإصابة طفل في حادث تصادم بالبدرشين    قبل نظر محاكمتها غدا.. تفاصيل تشويه سيدة وجه عروس طليقها ب 41 غرزة    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    مهرجان القاهرة السينمائي يتناقش «سينما أفلام النوع» ضمن فعاليات أيام الصناعة    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    أسعار اللحوم اليوم الجمعة في شمال سيناء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    أدار مباراة في الدوري المصري.. محرز المالكي حكم مباراة الأهلي ضد شبيبة القبائل    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتب: لا أحد سيعرف أن الكاتب كلب»
نشر في أموال الغد يوم 12 - 06 - 2013

فكرت أن أسأل صغار هذه الأيام إن كانوا يدونون تفاصيل أيامهم فى مفكرات خاصة، وإن كانوا يخفونها فى أدراج محكمة الإغلاق، أو تحت كومة ملابس غير مستعملة. جاءتنى الإجابة قبل أن أسأل وفاجأتنى.لم أكن أعرف أن هؤلاء الصغار لا يحتفظون بدفاتر يأتمنونها على أسرارهم الصغيرة.فى البداية لم أفهم.
لم أتصور مراهقة سعيدة ومثيرة بدون مذكرات شخصية «مخفية» فى مكان أمين، وبدون أهل يجهدون أنفسهم فى البحث سرا عن أماكن إخفائها. مراهقة بدون أسرار.!. أمر غريب على شخص كان ذات يوم مراهقا.
يدور حاليا فى أمريكا نقاش عام فى أجهزة الإعلام. إذ سجلت الحكومة الأمريكية على نفسها اعترافات عن برنامج وأنشطة عديدة للرقابة على اتصالات المواطنين، الخاص منها والعام على حد سواء. كنت أتصور أن الأمريكيين، الشعب الذى قيل عنه إنه يقدس الحريات والديمقراطية وخصوصيات المواطنين، سوف يغضب، وربما يثور، بعد نشر هذه الاعترافات الرسمية. الصادم هو أن نسبة كبيرة لم تهتم، الغريب أيضا أن الحكومة لم تعتذر. تصرفت كما كانت تتصرف الأمهات عندما تضبطن متلبسات بقراءة مذكرات بناتهن وأبنائهن، كن يشهرن على الفور شعارات المسئولية وحقهن فى حماية الصغار من شرور الأغيار.
ناقشت الأمر مع رفاق مهنة يشاركوننى القلق على «مستقبل الأسرار». اجتهدنا فى محاولة للفهم، وتوصلنا إلى تفسيرات أحدها أو جميعها يبرر حالة الزهد فى صنع السر ونقص الرغبة فى المحافظة عليه إن وجد. بدا لنا أن «السر» أيا كان قد انهزم هزيمة مروعة وربما تاريخية أمام تكنولوجيات كشفه. أذكر كيف كنا نبدع فى اختيار مواقع إخفاء دفاتر مذكراتنا الخاصة عن عيون الأهل، وكيف أبدع الأهل فى كشف هذه المواقع ليتوقف التدوين لفترة ننشغل خلالها بالبحث عن موقع جديد أو أسلوب مختلف.
كنا كمن يلعب لعبة القط والفار مع أهالينا. تعلمنا الكتابة بالحبر السرى وجربنا الكتابة بين السطور فى كراسات الإنشاء القديمة، بعضنا استخدم لغات غير دارجة الاستعمال فى محيط العائلة. مارست «التشفير» لإخفاء أسرارى الشخصية قبل أن أمارسه فيما بعد لإخفاء أسرار الدولة. أذكر جيدا كيف استخدمنا الوسائل اليدوية والبدائية فى تشفير رسائل الدبلوماسية المصرية، وبعد كل اختراق كنا نطورها لنجعل اختراقها أصعب. كنا واثقين من أنه فى مكان ما توجد أجهزة قادرة على «كسر شفرتنا».
نعيش الآن نهاية عصر الأسرار بعد أن عشنا نقدس خصوصياتنا ونبتكر أساليب تحفظ أسرارنا. عشنا كمراهقين نهمس فى آذان بعضنا البعض. نتحدث بصوت خفيض فى الأماكن العامة. نتبادل كلمات غامضة فى رسائل مغلقة. نتراسل بالورود فى ثنايا كراسات المدرسة. انتهى العصر وحل محله عصر البوح بالسر والزهو بأن نقول ما لا يقال.
حدث قبل أيام أن خرج بعض كبارنا يتنافسون على الجهر بجهلهم الشديد بالسياسة، باعتبارها سر الكهنوت الأعظم الذى يكتمونه فى صدورهم، خرجوا يناقشون أزمة السد الإثيوبى بتفاصيل أذهلت مجتمعات السياسة الخارجية فى دول عدة واقترحوا توصيات «سرية» روعت حكماء الأمن والدفاع القومى ودوخت الانسان الرشيد. حدث أيضا أن خرجت ثلاث فتيات إلى الشارع فى تونس عرايا الصدور، أى كاشفات لأغلى أسرارهن احتجاجا على المغالاة فى حجب المرأة وإقصائها. هكذا صارت مكانة الأسرار.
تكفى إطلالة على ما ينشر على الملأ فى صفحات الوسائط الإلكترونية لنقتنع بأننا نعيش نهايات عصر الأسرار. أفهم لماذا توقف المراهقون عن الاحتفاظ بمذكرات شخصية بعد أن صارت تفاصيل حياتهم وحقيقة مشاعرهم منشورة لمن يريد أن يقرأ، أهلا كانوا أم غرباء. تكفى الإطلالة لنعرف أدق أسرار المراهقين، وإن شئت فالكبار أيضا، خاصة أن أسرار هؤلاء أشد إثارة.
لا يحق لنا أن نغضب إذا أعلنت جهة أو أخرى أنها تتصنت على هواتفنا وتقرأ رسائلنا الإلكترونية أو تشاهدها، فما تقوم به هذه الجهات، سواء كانت أمنية أو إعلامية أو مسئولين فى حزب أو فى مكتب إرشاد وتوجيه فى جماعة دينية، إن صح ما قيل فى هذا الشأن، أقول لا يحق لنا أن نغضب، لأننا نحن الذين هتكنا أستار أسرارنا حين نشرناها لمن يريد أن يطلع عليها، وجعلناها موضوعا للتسلية فى ساحة عامة ومنجما تستخرج منه الحكومات ما تشاء من معلومات.
ائتمن الجنرال بيتريوس القائد الأمريكى الشهير حسابه الإلكترونى على أسراره العاطفية فتسربت إلى الرأى العام مع أسرار تخص الأمن القومى ودفاعات أمريكا. هذه الأسرار جميعها معروضة أمام محكمة تعقد جلسات علنية.
ساد الظن لفترة أن الإنسان يستطيع أن يتعامل مع الانترنت متنكرا وأن أحدا لن يتعرف عليه. وقتها نشرت صحيفة أمريكية رسما كاريكاتوريا ظهر فيه كلبان أحدهما يقول للآخر: أكتب ما تشاء فلا أحد سيعرف أن الكاتب كلب. مرت سنوات ونشرت الصحيفة نفسها نصا من تقرير يؤكد أنه مخطئ تماما من يعتقد أن الانترنت يتعامل مع مجهولين. جاء فى التقرير «.. على الانترنت ومهما تنكرت.. يوجد دائما من يعرف من أنت».
قالت الفتاة الريفية للمراسل «جئت من بلدتى الصغيرة فى الأناضول حيث الأسرار التى لا يجوز أن تخدش، جئت إلى ساحة «تقسيم» حيث الثورة والحرية وحيث لا يوجد سر ليخدش».
المصدر الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.