وكالات وصحف «اسرائيل تعارض حزب العمال الكردستاني، وترى أنه منظمة إرهابية، خلافا لتركيا التي تؤيد منظمة حماس الإرهابية، في حين إسرائيل تعارض الإرهاب بأشكاله، فهي تؤيد الجهود المشروعة للأكراد في تحقيق دولة خاصة بهم»، هذا ما قاله في هذا الأسبوع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ربما ليس مصادفة أن يري إعلان نتنياهو بعد بضعة أيام من خطاب وزيرة العدل اييلت شكيد، جزءا من المنافسة بينه وبين شركائه خصومه من البيت اليهودي، برغم أن شكيد ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي خطابها في هذا الأسبوع في مؤتمر في هرتسليا أوضحت بأنه «من مصلحة إسرائيل والولاياتالمتحدة قيام دولة للأكراد، في البداية في العراق. وقد حان الوقت لأن تدعم الولاياتالمتحدة هذا الأمر». أولا في العراق؟ وأين بعد ذلك؟ في تركيا؟ في إيران؟ صحيح أن تأييد قيام دولة مستقلة للأكراد ليس موقفا إسرائيليا جديدا. وقد قال نتنياهو أمورا مشابهة في 2014. لكن في الوقت الحالي، أقل من أسبوعين قبل إجراء الاستفتاء الشعبي في المنطقة الكردية في العراق، هناك في رسالة إسرائيل، وهي الأولى التي يرسلها رئيس حكومة، أكثر من دعم أخلاقي لحق الأكراد بدولة مستقلة. هذا الموقف يغرس من دون مخدر إبرة حادة في عيني رئيس تركيا اردوغان الذي يعارض بصورة أيديولوجية واستراتيجية قيام دولة كردية مستقلة. وأكثر من ذلك، هذه رسالة مزدوجة في الأساس لتركيا ولكن ليس لها فقط. أي أنه طالما أن تركيا تقوم بدعم حماس ولا تعتبرها منظمة إرهابية، فعليها توقع أن يتم رشق الحجارة على المبنى الزجاجي الذي تعيش فيه. وهكذا فإن من يؤيد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من الأفضل أن يستعد لقيام إسرائيل بتأييد إقامة دولة كردية مستقلة. نسيج علاقات هش يصعب القول إن التصريحات الإسرائيلية فاجأت تركيا. مباشرة بعد قضية قافلة «مرمرة»، حيث أن عدة عمليات نفذها حزب العمال الكردستاني ضد أهداف في تركيا، سمعت أصوات في البرلمان التركي اتهمت إسرائيل بشكل مباشر بعقد تحالف مع الحزب عملية انتقامية على دعم تركيا للقافلة البحرية. تركيا أيضا يمكنها الاعتماد على أقوال نائب رئيس هيئة الأركان السابق، الجنرال يئير غولان، الذي قال في مؤتمر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط: إنه لا يرى في حزب العمال الكردي منظمة إرهابية، وإن إقامة دولة كردية مستقلة هي «أمر جيد». بالنسبة لتركيا هذا يعتبر أفضل برهان على أن إسرائيل تؤيد التنظيمات الإرهابية. وسائل الإعلام في تركيا ووسائل الإعلام الكردية نشرت تقارير موسعة عن تصريحات نتنياهو وشكيد، وقبل ذلك عن تصريحات غولان. لكن مشكوك فيه إذا كانت هذه التصريحات تفيد الأكراد. «نحن مسرورون لأن رئيس حكومة إسرائيل يؤيد إقامة دولة كردية مستقلة. وهذا يعتبر مساعدة مهمة لمشروعية طموحنا، لكن تحديدا من ناحية إسرائيل كنا نتوقع دبلوماسية هادئة، وليس سياسة علنية يمكنها أن تمس نسيج علاقاتنا الهش مع الدول المجاورة»، قالت للصحيفة شخصية رفيعة المستوى في الحكومة الكردية في أربيل، عاصمة الأكراد في العراق. هذه الشخصية قصدت أن تصريح إسرائيل علني من شأنه أن يطرح الأكراد شركاء مع دولة تعتبر دولة معادية لإيران. وكأننا نتآمر على الدول العربية، في الوقت الذي يقومون فيه بتجنيد شرعية دولية لخطواتهم. «لو كانت إسرائيل تريد المساعدة حقا لكانت استطاعت طرح هذا الموضوع في البيت الأبيض ودفعت الإدارة الأمريكية للتصفيق على تأييدها للدولة الكردية المستقلة»، أضافت الشخصية. ولكن حتى الآن اكتفى البيت الأبيض بإعلان غامض يقول: إن «موعد الاستفتاء غير مناسب». «نحن جيدون بالنسبة للأمريكيين لأننا نضحي برجالنا في الحرب ضد داعش، لكن ليس عندما نريد الاعتراف بإقامة الدولة المستقلة»، قال صحافي كردي طلب عدم نشر اسمه بسبب التوتر بين وسائل الإعلام في المنطقة الكردية والقيادة السياسية: «أنا غير مقتنع بأن موعد الاستفتاء صحيح، ولست متأكدا أننا بحاجة إلى استفتاء عندما يكون احتمال إقامة دولة مستقلة تقريبا غير قائم. عندما تنضج الظروف السياسية سيكون بالإمكان ببساطة إعلان إقامة الدولة، وليس من خلال خطوات لا معنى عمليا لها، فقط من أجل الاستفزاز». وأضاف «إذا كان على الدولة الكردية أن تمثل الأكراد في العالم كلهم فلما لا نجري استفتاء ايضا في أوساط الأكراد في سورياوتركيا والدول الأوروبية والولاياتالمتحدة التي توجد فيها جاليات كبيرة للأكراد. وعموما الاستفتاء في منطقة الأكراد في العراق من شأنه أن يفسر وكأننا تنازلنا عن إقامة الدولة الكردية التاريخية التي تضم المناطق الكردية جميعها (التي توجد حسب الأكراد في إيران وسورية وتركياوالعراق)». السؤال الصعب الذي يطرحه الصحافي الكردي لا ينتظر الإجابة من قيادة الأكراد. فمن الواضح أنه في الظروف الحالية لا يمكن إجراء استفتاء في أوساط الأكراد في إيرانوتركيا وسورية. ولكن القصد هو طرح التناقض الذي يطرحه الاستفتاء من الناحية القومية. تهديدات من تركيا التناقض المنطقي والتخوفات الوطنية لا تقلق بشكل خاص مسعود البرزاني، رئيس الإقليم الكردي. وقد أوضح بشكل حاسم للأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي وصل إلى أربيل من أجل إقناعه بتأجيل إجراء الاستفتاء، بأن من حق الأكراد إجراء الاستفتاء. وحسب أقواله لا يمكن أن يكون نقاش على ذلك، لا سيما أن الجامعة العربية لم تفعل أي شيء من أجل التوسط بين الحكومة في العراق والأكراد. ولكن العقبة الكأداء أمام إجراء الاستفتاء توجد في أنقرة وطهران اللتين تُمسكان مفاتيح إقامة الدولة الكردية القابلة للعيش. لأنهما من دول الانطلاق الأساسية للبضائع والأشخاص من الإقليم الكردي. وزارة الخارجية في تركيا نشرت أمس تهديدا مباشرا ضد الاستفتاء جاء فيه: «سيكون للاستفتاء ثمن»، يعني في اسوأ الحالات سيكون إغلاق الحدود البرية والجوية بين الإقليم الكردي وتركيا. وهذه الخطوة تعني الحصار الاقتصادي على الإقليم. خطوة مشابهة يمكن أن تقوم بها إيران أيضا في الحدود الشرقية مع الإقليم، ومن دون المرور عبر هاتين الدولتين فإن الإقليم سيتحول إلى مخيم كبير للاجئين الأكراد. صحيح أن خطوة كهذه ستضر بمئات الشركات التركية التي تعمل في الإقليم، وبآلاف رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقة معه. ولكن اردوغان أثبت في السابق أن الاعتبارات الوطنية أكثر أهمية بالنسبة له من الاعتبارات الاقتصادية. في الساحة الداخلية أيضا يقف أمام برزاني خصوم سياسيون يهددونه. بعد عدة محادثات مع حزب الاتحاد الوطني الكردي برئاسة جلال طالباني، الذي لا توجد له أي نشاطات منذ بضع سنوات منذ اصابته بجلطة دماغية، ومع حزب غوران (التغيير) الذي توفي رئيسه الكاريزماتي مصطفى ناو شروان في شهر أيار/ مايو الماضي، تم الاتفاق على عقد جلسة جديدة للبرلمان الكردي، الذي حل قبل سنتين بخطوة أحادية الجانب من قبل برزاني. عقد البرلمان هو أمر مهم من أجل المصادقة على الاستفتاء. وحسب تقارير كردية فإن برزاني ينتظره انتقاد شديد في البرلمان الكردي، وربما تطرح أمامه شروط قاسية للموافقة على الاستفتاء. خصوم برزاني يزعمون بحق أن ولايته قد انتهت قبل سنتين (بعد تمديدها سنتين)، ولهذا فهي غير شرعية. وشرطا للموافقة على إجراء الاستفتاء يمكن أن يطلبوا منه الاستقالة. وحسب التقارير هناك أيضا سيناريو يقول: إن برزاني سيوافق على تأجيل الاستفتاء إذا وافق البرلمان على تمديد ولايته سنتين، التي في نهايتها سيتم إجراء انتخابات يتعهد فيها بعدم التنافس. الآن يصعب تقدير كيفية تغلب برزاني على هذه المعارضة الداخلية، لكن مجرد طرح إمكانية كهذه يبرهن على أن الاستفتاء يهدف، ضمن أمور أخرى، وربما بالأساس، إلى أن يكون أداة في اللعبة السياسية من أجل أن يوفر له فترة ولاية إضافية. الخلافات حول إجراء أو تأجيل الاستفتاء لا تهدئ نظام الحكم في العراق. البرلمان العراقي اتخذ أمس قرارا يقضي بأن الاستفتاء غير شرعي. وخول الحكومة العراقية باتخاذ الوسائل جميعها لمنع إجرائه. التهديد الكامن في هذا القرار هو أنه توجد للحكومة الآن الصلاحية في استخدام القوة العسكرية لحل الخلافات السياسية، خلافا للاتفاق الذي وقع برعاية الولاياتالمتحدة بين الأكراد والحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي، الذي يقضي بأن الجيش العراقي لن يستخدم وسيلة لحل الخلافات السياسية. برزاني رد بشدة على قرار البرلمان الذي غاب عنه الأكراد وعبر عن أمله بأن لا يجر هذا القرار إلى مواجهة عسكرية. ولكنه أضاف: إذا تدهور الوضع، فإن الأكراد سيكونون مستعدين لهذا السيناريو. وقد حاول رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي تهدئة تبادل الضربات هذا عندما أوضح أن «الحل سيتم التوصل إليه فقط من خلال المحادثات» مع الأكراد، لكن من الواضح له أنه في محادثات كهذه سيكون عليه أن يعرض على الأكراد مقابلا مهما من أجل تأجيل الاستفتاء. مقابل كهذا يمكن أن يكون إجراء استفتاء شعبي في مدينة كركوك، حسب الدستور العراقي، الذي جاء فيه أن الاستفتاء يتم تقريره إذا تم ضم المدينة والولاية إلى الإقليم الكردي. الأكراد يرون في كركوك جزءا لا ينفصل عن الإقليم الكردي، خلافا للحكومة التي تخشى من فقدان مدينة النفط المهمة. إضافة إلى ذلك، المدينة هي مختلطة يعيش فيها تركمان وعرب إلى جانب الأكراد. برزاني تعهد مؤخرا بأن تحصل المدينة على «مكانة خاصة» عند إقامة الدولة الكردية. وسيكون لكل طائفة فيها تمثيل محترم في الحكومة الكردية. ولكنه أوضح أنه على هُوية المدينة نفسها لن يكون تنازل. يحتمل أن الاستفتاء الشعبي الكردي كان سيرفع عن الأجندة الدولية لو أن الأكراد لم يقوموا بدور مهم في الحرب ضد داعش. فقد أظهرت قواتهم قدرة عسكرية مبهرة، حيث طهروا مدن وقرى في شمال العراق من سيطرة داعش، وهم يقفون الآن أمام معركة مهمة على مدينة حويجة غرب كركوك، التي فيها معقل داعش الكبير في شمال الدولة. في هذه المعركة يتعاون الأكراد مع الجيش العراقي والمليشيات الشيعية. ومثلما في مناطق أخرى قريبة من الإقليم الكردي، يسعون إلى ضم هذه المدينة لمنطقتهم. الحرب ضد داعش خلقت نظام أولويات جديد للأكراد. بعد حرب الخليج الأولى كان انجازهم الأهم هو الانضمام للنظام في العراق من خلال تعيين رئيس كردي للدولة كلها، والحصول على جزء مهم من ميزانية الحكومة. ولكن الحرب ضد داعش غذت عملية معاكسة تتمثل بالانفصال عن الدولة. ويرى الأكراد في هذا تعويض تاريخي عن اسهامهم الكبير في الحرب ضد داعش. ولكن منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى لم ينجح الأكراد في تحويل إنجازاتهم إلى إنجازات سياسية. وليس من المؤكد أنهم سينجحون هذه المرة أيضا، حتى لو كانوا يحظون بالدعم الدولي، في تجسيد حلمهم والتغلب على الصراعات الداخلية. تسفي برئيل هآرتس 15/9/2017