تمر على حياة الإنسان منعطفات عدة، بعضها جميل، والآخر ربما يكون صادما، يغير مجرى حياته للأبد، الصدمة من اسمها صادمة تهز نفسية الإنسان بقوة، وتزلزل كيانه الوجداني والنفسي، وتؤثر في سلوكياته وتصرفاته فيما بعد. حدوث الصدمة تجعل الإنسان عاجزا في البداية عن كل شيء، تشل حركته وفكره وعقله، وتعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية، تفقده السيطرة وعدم القدرة على الإمساك بزمام الأمور، بل يدخل في مرحلة الإنكار والهرب من مواجهتها، لكنها للأسف تظهر بعد وقت وبقوة على كل كيانه الظاهر والباطن. الإنسان يمر أثناء الصدمات بمراحل عدة، من الإنكار، والهروب، والإحباط واليأس، والمقاومة، ومن ثم المواجهة، وهنا تكمن قدرته على التجاوز والتخلص منها نهائيا. يتساءل الإنسان عادة أثناء الألم أو المواقف الصادمة أسئلة مختلفة، فلا يجد في حينها الإجابات، مما يزيده حسرة وعزلة وانقطاعا عن العالم بأسره، وهنا بالذات، تكمن حقيقة قدرة الإنسان في إعادة تشكيل هيكله الداخلي من جديد، قد يستغرق هذا الأمر من ستة أشهر إلى عام وهذا طبيعي جدا، الخطورة إذا تجاوز وقت أكثر، يصل لأعوام عدة، يصبح هنا في مأزق عميق يصعب الخروج منه من دون مساعدة أو توجيه. من هنا تتضح نظرية الاختيار-أي قدرة الإنسان على اختيار مجريات ومنعطفات حياته بنفسه-، فهو الشخص الوحيد الذي يستطيع ذلك، سواء أكان سلبا أم إيجابا، ضعفا أم قوة، استسلاما أم إقداما، تباكيا على الماضي أم قوة نظر للحاضر وانطلاقا للمستقبل، فهو من يتحمل تلك المسؤولية، فلا يسقطها على أحد، إذ لديه كامل الحرية في الاختيار. بعض الأفراد يلقي كل تلك الصدمات والآلام على الظروف والعوائق، لكنه هنا يضيع الكثير من الوقت في جدلية عقيمة لا تنتهي، فليست المشكلة تكمن في العوائق أو الظروف أو الصدمات، بل عليه أن يكون فطناً، ويسأل لماذا مررت بهذه التجربة، أو هذا الموقف المؤلم؟، ماذا استفدت من هذه التجربة؟ ما هي رسالتها؟ وماذا تعلمت منها؟ عندما يهدأ الإنسان ويتأمل الحال والموقف والتجربة بموضوعية وبشفافية صادقة مع الذات، سيشاهد العديد من الرسائل والحكمة من ذلك، فليس كل التجارب المؤلمة فارغة، بل مليئة بمحتوى إنساني عميق، تصقل شخصية الإنسان وتنضج فكره وتطلعاته للحياة بصورة أشمل وأعمق، ومن يشاهد ذلك يكون هو من استطاع أن يتجاوز مرحلة الصدمة بإيجابية وتفاؤل وأمل، وأحسن الاختيار الصائب، بأن الحياة لا تنتهي بفقد أحد أو بموقف ما. يدرك الإنسان بعد وقوع الصدمات ماذا عليه أن يفعل، فيعزم على مواجهة هذه الصدمات والمواقف وجهاً لوجه، لا ينكرها، لا يتجاهلها، بل يعبر عنها ويبوح بها ويتعرف على أسبابها ومسبباتها، وهنا تكمن قدرته على مواجهة الألم والخلل من دون خوف أو تردد، بعد ذلك تبدأ مرحلة الانفراج، فيصبح الإنسان قادراً على النهوض من جديد في تطوير ذاته. هناك من صقلتهم التجربة، فأبدعوا وأنتجوا وساعدوا في تنوير الآخرين بمفهوم الحياة، والتعرف على المسلك الصحيح في كل جوانب الحياة، فتعلموا روح المبادرة ثم روح المساعدة، وروح الجماعة، وروح العطاء غير المشروط، فنما لديهم الحس الإنساني من دون شرط، والقدرة على قهر الانهزام والاستسلام، فكانوا نموذجاً يقتدى به، وهذا يوضح مدى قدرة الإنسان على تجاوز الألم والصدمة، لأنه يمتلك حرية الاختيار والوعي والعزيمة وتحمل المسؤولية، من دون إسقاطها على أي شيء، بل تعلموا سر وعمق الوجود الإنساني. وهذا ما يؤكد ضرورة فتح الأبواب والنوافذ بعد الصدمة، لأنه سيشاهد ما لم يتوقعه يوماً، من الإبداع والقدرة والإنتاجية، والفن والروح الإيجابية وصنع تاريخ عظيم، فهو خلق لذلك العطاء غير المتناهي، لذا لا نغضب أو نحزن كثيراً لظرف ما، بل نتريث ونتأمل بهدوء، حتى تهدأ العواصف، ونتعرف على موطن قدرة الإنسان الداخلية في مواجهة أحلك الظروف، واستشعار الجمال والسلام والحب في داخلنا وفي الحياة عامة.