فى رائعة الراحل عاطف الطيب "سواق الأتوبيس " والذي أنتج عام 1982 يظهر لنا فى مشهد البداية نشال يقوم بسرقة إحدى راكبات الأتوبيس ويهرب ولا يقوم سائق الأتوبيس بملاحقته , ثم يأتي مشهد نهاية الفيلم ليكرر نفس الموقف , نشال يسرق إحدى الراكبات ولكن سائق الأتوبيس فى تلك المرة يقوم بملاحقته ويتصدى له فى أروع مشاهد الفيلم حين يقوم البطل " الراحل نور الشريف" بضرب اللص واضعاً كل الغل فى ضربات يده وهو يصرخ صرخة جعلت كل من شاهد الفيلم يقولها معه لكل لص " ياولاد الكلب "وعلى خلفية موسيقى السلام الجمهورى كموسيقى تصويرية . لينتهى الفيلم تاركاً رسالة واضحة إلا وهى أننا لا نتحرك إلا عندما نتأذى فهذا السائق لم يحرك ساكنا فى البداية لأنه لم يتأذى من سرقة النشال , لكن بعد أن ضاع حلمه وورشته على يد لصوص آخرين شعر أنه لابد أن يتحرك لياخذ بثأر كل منهوب , فوضع كل غضبه فى ذلك اللص الصغير لأن هذا هو أقصى ما يفعله , أما عن اللصوص الكبار فلا قدرة له عليهم رغم أنهم هم الأخطر فلولا هؤلاء الكبار ما سرق الصغار, فاللص الصغير لن يجرؤ على السرقة إن رأى ان اللص الكبير قد نال جزاؤه , وهذا لن يتأتى إلا لو أصبح القانون له سيادة فعلية عملية وليست بالأقوال ففى أية دولة يسود فيها القانون ويطبق على الكبير قبل الصغير سيختفي اللصوص الكبار وبالتبعية لن نجد لصوصاً صغاراً. إن تطبيق القانون على الجميع يحتاج إلى إرادة سياسية جادة من أعلى السلطات مع إصرار حازم صارم على التنفيذ ووقتها سيختفي اللصوص فاللص مهما كانت قوته الظاهرية يعمل فى الظلام ويخاف من ضوء الحق والعدل. لقد سمعنا كلنا عن أسطورة الأفعى " هيدرا" ذلك الوحش ذو الرؤوس المتعددة والتى إن قطعنا منها رأساً نبت مكانه غيرها , ذلك الوحش والذى حيّر أبطال الأساطير والذين انسحقوا أمامه وأعلنوا عن عجزهم لأنهم كلما حاولوا قتل ذلك الوحش بقطع رأس من رؤوسه نبتت غيرها , ولكن تقول الأسطورة أن شخصاً واحداً قتل الوحش وهو "هرقل" لأنه عندما حارب ذلك الوحش لم يحاربه بتوجيه ضربات لأي رأس من رؤوسه بل كانت ضربة واحدة وجهها لقلب الوحش فأسقطه . ألا ترون وجهاً للشبه فى تلك القصة وما نحكيه عن محاربتنا للفساد فى بلدنا , فنحن عندما نواجه وحش الفساد متعدد الرؤوس نحاربه دائما بقطع رأس من رؤوسه وننسى أنه ستنبت غيرها , وننسى أن الحل هو ضربة فى سويداء القلب لذلك الوحش وهى ضربة سهلة كل ما تحتاجه إرادة للتطهير , والضربة هى تفعيل دولة سيادة القانون على الجميع . وقديما فى أمثالنا نقول "السلم بينضف من فوق لتحت مش العكس" لا أقول كلاماً جديداً فلقد قيل هذا الكلام من قبل وأكثر , ولكن وقتها كان الكلام يقال لأذن لا تسمع وإن سمعت فلا تملك أو لا تريد أن تنفذ , ولكننا الآن نشعر أننا سنجد تلك الأذن التى تسمع وتلك الإرادة القوية الحازمة والتى تريد وتصمم وتلك اليد الحديدية والتى تنفذ دون خوف , ولمَ الخوّف والشعب كله يقف مسانداً لها شادّاً على يديها مؤازراً . وفى النهاية دعونا نتذكر قول نبينا الكريم فى قولته الخالدة " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.