فى النهاية العاصفة لفيلم «البرىء» لوحيد حامد وعاطف الطيب، يلمح أحمد سبع الليل جندى الأمن المركزى من موقِعِه أعلى برج الحراسة، بأحد معسكرات الاعتقال، قائد المعسكر وزبانية التعذيب وزملاءه المجندين يقفون فى انتظار السيارة القادمة التى تحمل فوجاً جديداً من «أعداء الوطن» وِفْق تعبير قياداته التى أدرك أنهم كاذبون.. يصرخ سبع الليل صرخةً مدويةً تهتز منها فرائص القادة والجند، وقبل أن يفيقوا من ذهولهم، تنطلق رصاصات مدفعه الرشاش تحصد الكل، لاتفرِّق بين جلّاد وضحية.. رصاصات تذهب فى الاتجاه الخاطئ، فليس مكانها صدور زملائه بل كان عليها أن تتجه إلى الظروف التى أفرزت ذلك الوضع المأساوى. كان «البرىء» يتمتع بوعى حاد وبصيرة نافذة.. يستشرف المستقبل بحس ثاقب حين يمد خيوط الواقع إلى آمادها ويستخلص من مفرداته صورة الغد، وهو ما تحقق بعد ذلك بقليل عندما انطلق الآلاف من جنود الأمن المركزى إلى الشوارع فى تمردٍ هستيرى تتملكهم حالة من العنف والوحشية وراحوا يحرقون ويدمرون كل ما يقع فى طريقهم من ممتلكات خاصة وعامة.. كان الفيلم يحذر من مغبّة تجاهل الواقع وينبّه إلى الهوْل القادم، لكن السلطة الغرورة أغمضت عينيها وأصمّت آذانها ولم تنتبه لصوت النذير ودفنت رأسها فى الرمال ولم تخرج منه إلّا مع دوىّ الرصاص ولهيب الحرائق. فى نهاية مماثلة لفيلم «سواق الأوتوبيس» لنفس المخرج وتأليف بشير الديك، يقفز حسن سائق الأوتوبيس من مقعده مطارداً أحد النشالين.. يلحق به ويوسعه ضرباً وهو يصرخ «يا ولاد الكلب» رغم أن اللص الصغير، شأنه شأن حسن، ضحية اللصوص الكبار فى نظام اجتماعى واقتصادى فاسد، لكن ضربات السائق ذهبت أيضاًً فى الاتجاه الخاطئ.. أفلام خالد يوسف الأخيرة كانت أكثر وضوحاً وتحديداً، فحملت فى طياتها تحذيراً جلياً من ثورة الجياع من سكان العشوائيات التى تلتف حول المدن كحزام ناسف، هؤلاء الذين يئنّون من وطأة الفقر والقهر، مشيراًً إلى أنهم سينطلقون فى لحظة اليأس وغياب الأمل مثل مارد هائل يدمر الأخضر واليابس أو كجمل نفد صبره فراح يسحق كل ما يعترض طريقه.. وهو تخوف مشروع، ووارد أن تندفع الجماهير الهائجة الجائعة الغاضبة، لا لتعاقب الفاسدين من تجار الدنيا والدين الذين انصرفوا عن رعايتهم وانشغلوا بتحقيق مصالحهم فى التمكن والتمكين، بل إلى الاتجاه الخاطئ لتدمر ما تطاله أيديهم من ممتلكات الدولة والأفراد من أقرانهم المظلومين شأنهم والمقهورين. جاءت ثورة الشباب السَلْمية فى يناير 2011 لتؤجل قليلاً تلك الثورة المحتملة والمرتقبة، لكن ما يعانيه الوطن حالياً من تردٍّ وانهيار على المستوى الاقتصادى وعدم تحقيق المطالب الأساسية للثورة من عيش وكرامة وعدالة اجتماعية، والتفات حكامه إلى معاركهم السياسية وإغفالهم حقوق غالبية كادحة وثقت بهم، سيشعل نارها من جديد، مثل ما حدث فى منطقة «أبوقير» فى الإسكندرية التى اعتبرها الإعلام بروفة لثورة الجياع، حيث حاصر الأهالى عمّال مصانع المنطقة طلباً لفرصة عمل شريفة وُعدوا بها ولم تأتِ أبداً.. مرَّة أخرى تذهب الضربات فى الاتجاه الخطأ! أخطأت ضربات حسن وسبع الليل طريقها كما فعل أهالى عزب الطابية والحاج أحمد وحوض 9 ب«أبوقير»، وقد تستمر كذلك فى المرات القادمة فى غياب الوعى، بمن هم أعداء الوطن الحقيقيون الذين يتقدمون بنا إلى الخلف.. الآمنون، وهماً، فى قلاعهم.. غير آبهين بمصالح البلاد والعباد.. ولا يدركون أن ثورة الجياع لن تبقى ولن تذر! إنهم يقتلون الوطن.. أليس كذلك؟؟