" نزل إيدك .. وقف الضرب .. حسين أفندي بن الحاج وهدان لا يمكن يكون من أعداء الوطن أبدًا، أعداء الوطن إيه! ده هو اللي فهمني و نورني و عرفني دوري و واجبي في الجيش.." هكذا صرخ جندي الأمن المركزي " أحمد سبع الليل " في فيلم "البريء"؛ عندما أصابته صدمة معرفية هائلة رجت يقينه؛ حيث كان يؤدي عمله العسكري، و واجبه الوطني بمنتهى الجد و الاجتهاد في ضرب أعداء الوطن ضربًا مبرحًا، لكنه فوجئ بمعلمه و مثله الأعلى و رفيق عمره و ابن بلدته " حسين " طالب الجامعة، ابن الحاج وهدان، الرجل المعروف في القرية بكل الخير، لم يستطع آنذاك أن يكمل واجبه في ضرب و سحل أعداء الوطن؛ فبينهم من لا يمكن أن يصدق سبع الليل فيه ذلك. و في السجن العسكري حيث اجتمع البريئان؛ أدرك سبع الليل من كلام أستاذه أن أعداء الوطن لا يمكن أن يكونوا أولئك الذين يُضربون و يُسحلون و يُسجنون و يُقتلون داخل السجون الوطنية العسكرية المصرية، بل إن أعداء الوطن لونهم غير لونك، و كلامهم غير كلامك، و مصالحهم غير مصالحك. هكذا قال حسين لسبع الليل قبيل موته مقتولًا بفعل سم حيات العسكر، و فداءً لأخيه سبع الليل. كان سبع الليل بريئًا وهو الذي ضرب و سحل وقتل؛ فقد استغل النظام الفاسد جهله و استخدموه، و لم يكن يملك سبيلًا للمعرفة قبل هذه الصدمة، لكنه و بمجرد معرفته لم يتردد بين العديد من الاختيارات؛ ففي أول فرصة لتكرار مشهد ضرب المعتقلين أفرغ الجندي بالأمن المركزي طلقات بندقيته في الضباط و الصف، الذين يستعدون لضرب و سحل و قتل أشرف من في هذا الوطن، مستخدمين جهل الآلاف من الأبرياء المختارين بعناية من النجوع و الكفور و القرى الأقل حظًا من الحد الأدنى للتوعية و الفهم. و بعد عشرات السنين؛ تغير الحال و أصبح في بيت كل جندي تليفزيون، بعد أن لم يكن لسبع الليل سوى راديو ترانزستور، و قامت ثورة لتحرير الجميع، و تعليم الجميع، و للحصول على حقوق و كرامة الجميع، و على رأسهم هؤلاء الجنود البسطاء، و أهاليهم في القرى و النجوع البعيدة في أقاصي الصعيد، و رأى الجنود ذلك بِأنفسهم و عايشوه على الأرض في الموجة الأولى للثورة؛ و لم يعد لهم حجة كانت لسبع الليل، لكنهم لم يفرغوا بعد طلقات أسلحتهم في رؤوس و قلوب الفاسدين الذين يأمرونهم بقتل أشرف، و أطهر، و أوعى من في مصر، لم يقتلوا الجنود الفاسدين، و لم يكفوا حتى عن ضرب، و سحل، و اعتقال، و تعذيب و قتل الشرفاء، بل لم تمنعهم نخوة، و لا شرف، ولا دين، و لا ضمير، و لا وطنية، و لا غيرة... لم يمنعهم شيء عن انتهاك عذرية فتيات و نساء مصر الحرائر، سواء بالكشف عن عذريتهن، أو التصوير، أو المشاهدة، أو الرضا بما يحدث، أو حتى الصمت. ليس في الجيش و لا الشرطة بريء في هذه الثورة، إلا من قال لا و دفع الثمن، ليس في النخبة بريء، و لا في مجلس الشعب المزور بريء، و لا في الإعلام الكاذب الداعر بريء، إلا من قال الحق دون مواربة و ثبت مع الثورة، ليس في هذه الملايين من الشعب بريء، إلا من أثبت ذلك و استمر، فالأمر لا يحتاج إلى عبقرية، كل من سار بدمٍ باردٍ منتشيًا بالانتخابات المزورة يخطو فوق دماء و أجساد الشهداء، و شرف العذارى؛ لا يمكنه أن يدعي البراءة؛ فالبلادة، و البرود، و التقنع بالجهل، و الغباء؛ لا يبرؤون مدان، دماء الشهداء و حق هذا البلد في أعناقكم جميعًا، و ليس بريئًا بعد سبع الليل جاهل. و بانتفاء البراءة بنسبة كبيرة؛ يصبح تعريف حسين بن الحاج وهدان لأعداء الوطن غير مناسبًا لهذا السياق؛ فلم يصبح أعداء الوطن فقط هم الذين يتكلمون بلسان غير لساننا، و لهم أشكال و ألوان غير أشكالنا و ألواننا، أعداء الوطن يتقدم صفوفهم الآن - و ببجاحة، و وقاحة، و حقارة - من كان يفترض أن يذودوا عن تراب الوطن، و أرض الوطن، و شرف الوطن، و شعب الوطن، أعداء الوطن يتقدم صفوفهم الآن أبناء الوطن نفسه، لهم اللون نفسه، و الشكل نفسه، و الفقر نفسه، و الهم نفسه ... أعداء الوطن هم أعداء الثورة؛ الذين يذودون عن الفاسد مبارك و حاشيته داخل السجون و خارجها، أعداء الوطن هم من يأتمرون بأوامر المجلس العسكري و حكوماته المتلاحقة، أعداء الوطن هم القتلة و السفلة الذين يمثلون بنا بعد قتلنا، و يلقون بنا في القمامة، و كذلك المنافقون، و الصامتون، و الراكبون للموجة الانتهازيون. و لأنه لا رحمة من عدو؛ فلا تسامح بعد الآن و لا سلمية، الدم بالدم، و العين بالعين، و ثورة لا تَقْتُل لابد أن يقتلها من ثارت عليهم، وهو ما لن يسمح به ثوارها.